• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) أستاذُ القُرّاءِ والكُتّابِ .
                          • الكاتب : احمد سالم إسماعيل .

رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) أستاذُ القُرّاءِ والكُتّابِ

 قد يستغرب بعضهم من هذا العنوان (لقلّة إيمانهم)، وقد ينكره البعض (لتمسكه بقول بعض النكرات وتركِهِ قولَ الله تعالى)، ولو نظرنا إلى شخصية الرسول صلى الله عليه وآله فلا بدّ أن نُسلِّمَ أنّهُ أفضلُ من جميع الخلقِ في كل الصفات الحسَنة، وهذا ما يدل عليه اختيارُ الله لهُ لمهمّة النبوة والرسالة وأن يكون خاتماً لجميع الأنبياء والرسل، ورسالته خاتمة الرسالات السماوية، أي هي خلاصة الرسالات، وخلاصة الحكمة والتوجيهات والأوامر الإلهية.

إن المشكلة عند بعضهم: أنه عندما يسمع أمراً يقدح في شخص أعلى منه درجةً وعظمة عند الله، يحاول أن يصدّق قول ذلك الشخص في سبيل إثبات القول المزعوم على شخصية الشخص العظيم! لماذا؟ بالتأكيد: إن للشيطان دورٌ في ذلك.
فعندما نسمع بأن شخصاً عاديّاً قد تكلّم بحق أحد العلماء كلمةً غزيبة، نحاول أن نتحقق من صحة الكلمة وكأننا نريد إثبات صحتها، ويتبع ذلك جدالٌ ونقاشٌ نحاول من خلاله أن نُقلل من قدر العالم من حيث نشعر أو لا نشعر.
وهكذا مع رسول الله صلى الله عليه وآله، أين المؤرخون المأجورون من شخصية رسول الله؟! أين الثرى مِنَ الثُّريّا؟! أين هي منزلة شخص راوٍ مأجورٍ وضّاعٍ للحديث مِن منزلة رسول الله صلى الله عليه وآله؟! ما لهم كيف يحكمون!!
وقد يتمسك بعضهم بما جاء من الكذب في أن النبي صلى الله عليه وآله لا يعرف القراءة والكتابة، لماذا؟ لأن فلاناً من الرواة قد نقلها!
لقد أوضحَ ملابسات هذا الموضوع الأستاذُ في الحوزة العلمية السيدُ أحمد الصافي في الخطبة الأولى لصلاة الجمعة من الصحن الحسيني الشريف، في الثامن والعشرين من صفر 1437 هجرية، يوم استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله.
ومن جملة ما ذكره السيد روايات عن إمامنا أبي جعفر الجواد عليه السلام، وعن إمامنا أبي عبد الله الصادق عليه السلام، فكان أن الإمام الجواد عليه السلام قد لعنَ الذين يقولون بأن النبي لا يعرف الكتابة.
وأوضح الإمام الصادق عليه السلام أن تسمية الأُمّي تأتي من أن رسول الله هو من الأُمّيّين، وأنّ الأمّيّين هم الذين لم ينزل عليهم كتاب يأتيهم بالمعارف الراقية، وليس أنهم لا يعرفون القراءة والكتابة، بل يعرفونهما ولكن المعارف التي عندهم هي معارف بسيطة، فبعث الله إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله ليعلمهم، كما قال عزّ وحلّ:
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [سورة الجمعة: 2].
ونحن هنا نريد أن نطرح بعض الأمور:
1. إن اختيار الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله لأعظم مُهِمّة في تاريخ الخَلقِ يدلّ دلالة كافيةً على أن الرسول صلى الله عليه وآله أفضلُ من جميع الخلقِ منذ الأزل وإلى الأبد.
2. إن قوله تعالى: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون)، لا يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله لا يعرف القراءة والكتابة، بل يدلّ على أمرين:
ألف. إن النبي صلى الله عليه وآله كان يعلم أنه سيُبعث بالرسالة، ويعلم أنّ المشركين سيعترضوع عليه ولا يصدّقونه ويتّهمونه بأن القرآن من تألفه وكتابته.
ب. هذا الأمر هو نتيجة للنقطة السابقة، وهو أن النبي صلى الله عليه وآله لم يكُن ليكتب شيئاً ولم يكُن يقرأ شيئاً أمام المشركين، لأنه يعلم أنهم سيكذبونه ويقولون أن القرآن من تأليفه، لذلك لم يكن يُريهم كتابته وقراءته، وكان لا يكتب ولا يقرأ بإرادته، وتدلّ الآية على ذلك دلالة واضحة، فقالت (وما كنت تتلو...)، أي: أنت لم تكن تتلو ولا تخط بإرادة منك، ولو كانت الآية تدل على عدم معرفة رسول الله صلى الله عليه وآله بالكتابة لَكانَ منطقُها بصياغة أخرى، مثلا لأتت هكذا: وما كنت تستطيع أن تتلوَ من كتاب ولا تخطَّه بيمينك.
عموماً: فالناظر إلى الآية يعلم أنها لا تقصد أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان غيرَ عارفٍ بالقراءة والكتابة.
ولو لاحظنا الأمر الأول لأمكننا القول: إن كل ما ورد من روايات تدلّ على أنّ النبي صلى الله عليه وآله كان لا يعلم أنه رسول من عند الله تعالى، ومن تلك الروايات: رواية ورقة بن نوفل وما أشبهها من الأكاذيب المفضوحة.
3. إن المسلمين يروون أن النبي صلى الله عليه وآله قال عند لحظاته الأخيرة: (ايتوني بِكَتِفٍ أكتبُ لكم فيه كتاباً لن تضلوا بعدي ولن تختلفوا بعدي) كتاب سليم بن قيس الهلالي رضوان الله عليه: ص324.
وهذا الرواية تدلّ دلالة واضحة على أن النبي صلى الله عليه وآله عارفٌ بالكتابة وقادر عليها، لذلك قال (ايتوني... لأكتُبَ لكم)، ولم يقل لأملي على أحدكم ليكتب لكم.
4. إن ما حصل من حيلولة عمر بن الخطاب بين النبي صلى الله عليه وآله وبين كتابته لوصيته قد جعل الناس يصدّقون أن النبي صلى الله عليه وآله كان غير عارف بالكتابة، فمنعُ عمر قد زاد في تثبيت هذه الصفة المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وآله.
5. إن تركيز النبي صلى الله عليه وآله على تعليم القراءة والكتابة بعد معركة بدر هو أمر يدّل على مدى أهمية القراءة والكتابة، فكيف يدعو رسول الله للاهتمام بشيء وهو لا يعرفه ولا يهتم به بنفسه!؟
ومما يمكن أن نقول: هو أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعلم أن من بين الأسرى من يعرف القراءة والكتابة، ولعل هذا مما أطلعه الله عليه من الغيب، ولا غرابة في ذلك.
6. إن التأكيد على قضية أُمّية رسول الله صلى الله عليه وآله فيها غايات وأهداف للحاقدين والحاسدين على أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، فمن جهة: هم يؤيدون منعَ صاحبهم ويؤيدون قوله بأن النبي يهجر استناداً إلى ما نُقل من الأباطيل على أنه لا يعرف القراءة والكتابة.
ومن جهة أخرى: لو كتب النبي صلى الله عليه وآله هذا الكتاب لشاءت إرادة الله تعالى أن تحفظه وتمنع أيدي المحرّفين من النَّيل منه على مرّ العصور كما حفظ اللهُ القرآنَ الكريم، وهذا لا يخدم مشروع السقيفة وما تلاها من مشاريع تهديم الإسلام المحمّدي.
إذن: رسول الله أستاذ جميع القُرّاء والكُتّابِ منذ الأزل وإلى الأبد، وليعلم كل البشر أن ما مِن فضيلة كانت أو تكون، وفي أيّ زمان ومكان، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله هو أفضل مَن يستحقّها، بل هو منبعُ الفضائل والمناقب، صلى الله عليه وعلى آله آل أبي طالب (عليهم السلام)، وسلّم تسليماً كثيراً.
عظم الله لكم الأجر وأحسن لكم العزاء باستشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ بفقده بدأت المصائب على أهل بيته ولا زالت عليهم وعلى شيعتهم، فعظم الله لإمامنا صاحب الزمان الأجرَ وعجّل الله تعالى فَرَجَه وفَرَجَنا به بحرمته وآله الطيبين الطاهرين.
ـــــــــــــــــــــــــــ
الجمعة 28 صفر 1437 هج
الموافق 11/ 12/ 2015 م.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=71366
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 12 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16