• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تأملات في القرآن الكريم ح 5 .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تأملات في القرآن الكريم ح 5


 وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ{53} وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{54} وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ{55} ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{56} وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{57} وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ{58} فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ{59} يذكر الله عز وجل بني اسرائيل بموسى (ع) وما اتاه الله من كتب سماوية , لعلهم يثيبوا لرشدهم , ويمضي الله عز وجل بتذكيرهم بما قال موسى لهم في ذلك الحين , يوم اتخذوا العجل الها من دون الله , حيث ذكر لهم وجوب التوبة , ولا تتحقق التوبة من ذلك الذنب الا بقتل انفسهم , وهو افضل من غضب الله وانتقامه .
ويمضي الله عز وجل قدما بتذكيرهم بتلك الاحداث , ومنها ذلك الحدث , حين طلب بني اسرائيل من من موسى ان يروا الله تعالى جهرة , فاخذتهم الصاعقة , ومنّ عليهم الله تعالى بالبعث من بعد الموت , ويذكرهم ايضا بالغمام وكيف سخره الله تعالى ليظلهم ويقيهم حرّ الشمس الحارقة , وما انزل عليهم من المنّ والسلوى , ويبين الله تعالى انهم لم يظلموا احدا غير انفسهم .
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ , ويذكرهم بدخول القرية , قرية ما , والسجود لدى الباب وقول ( حطة ) الموجب لغفران الذنوب , ويتوعد الله المحسنين بالمزيد .
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ , مع كل تلك التذكيرات والنعم التي خصّ الله بها بني اسرائيل , لعلهم يهتدوا وينيبوا للحق وطريقه , لم تؤثر فيهم بل (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ ) , فما نفع قوم هم هكذا ؟ , لم تنفع كل تلك المواعظ معهم ! , ولم تزدهم الا طغيانا وعميا .
الملاحظ من سياق الايات الكريمة , ان الانسان سريع النسيان لنعم الله عز وجل , كثير الجحود , رغم كثرة المواعظ , ولا تشمل هذه الصفات بني اسرائيل خاصة , بل تتواجد في جميع الامم , لكن الله عزل وجل اختار بني اسرائيل لانهم الاشد نسيانا و جحودا بنعمه , لعل الامم الاخرى تتعض بهم ( الحليم من اتعض بغيره ) .
يعزا نسيان نعم الله تعالى وتحذيره من اهوال يوم القيامة , الى اطالة الامل ( من اطال الامل اساء العمل ) , حيث يتصور الانسان انه في سعة من العمر , حيث يفجر ويفسق في شبابه , ويؤجل التوبة الى يوم المشيب .
ينطلق المتأمل في تلك الايات الكريمة , فينظر الى نعم الله تعالى , عليه وعلى كافة الناس , فيعجر عن عدها , او حتى وصفها , فيرى من النعم ما هو ظاهر للعيان ( نعم ظاهرية ) , ومنها ما هو خافي عن الحواس ( نعم باطنية ) , فيتقلب بين هذه وتلك , فيتركها بعد ان ادرك حقيقتها , لينطلق لصاحب النعم , المنعم , فيجد ان افضل النعم هي أرسال الرسل والانبياء لكافة الناس مبشرين ومنذرين , ((وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا )) ال عمران 103 .

وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ{60} وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ{61} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{62} وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{63} ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ{64} من الحوادث المهمة التي جرت لبني اسرائيل , استسقاء موسى (ع) , حيث فجر الله تعالى اثنا عشر عينا من الماء لهم , على عدد اسباطهم الاثني عشر , كما وان هناك اسرار كثير للرقم اثنا عشر :
عدد شهور السنة = 12
الابراج الفلكية = 12
عدد ائمة الشيعة = 12
الفلك الصيني يتكون من 12 عام , لكل عام حيوانا من حيوانات ابراجهم .
الى غير ذلك , كما ويروي علماء الاعداد والحروف غرائب كثيرة للعدد (12) , لسنا في مجال ذكرها .
الجدير بالملاحظة , ان اصغر عدد ذكره القرآن الكريم  هو العدد ( 1 ) و اكبر عدد ذكره القرآن الكريم هو العدد ( 100,000 ) , {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ }الصافات147 .
بعد ان فجر الله تعالى الاثني عشر عينا , خاطب بني اسرائيل (كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ ) , مع العلم ان الماء يشرب , فما المقصود من (كُلُواْ ) ؟ , المعنى واضح , لان الماء هو المصدر الاساسي لكل ما تنبت الارض ! .
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ{61} يذكر الله عز وجل بني اسرائيل , عندما خاطبوا موسى (ع) , حين اظهروا جزعهم من الاكل من لون واحد من الطعام , فنفد صبرهم , فطلبوا من موسى (ع) ان يدعوا ربه ليخرج لهم الوانا اخرى من الطعام , النكتة المهمة في الموضوع , هي ان بني اسرائيل استغلوا وجود موسى (ع) بينهم , وقد علموا ان النبي والرسول دعوتهم مستجابة , بل سريعة , ففي كل امر طارئ , او ملمة من الملمات , توجهوا لموسى (ع) , وطلبوا منه ان يدعوا لهم ربه , وكأنهم قد استولوا على كنز , او قد حصلوا على جني المصباح السحري الذي يلبي كافة الطلبات مجانا .
مما تجدر له الاشارة ايضا , هي قولهم لموسى (ع) , (فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ ) , قد يكون هذا دليلا على ان بني اسرائيل لم يؤمنوا برب موسى (ع) , والا كان لزاما عليهم ان يقولوا ( ادع لنا ربنا ) مثلا , وهناك احتمال اخر , وهو كقول احدنا لشخص عزيز قد عزم السفر او الدخول في امر خطير (( روح انت وربك )) , وهذا لا ينفي ايمان القائل برب المسافر ! .
لم تنطلي حيل والأعيب بني اسرائيل على موسى (ع) , فقد كان مؤيدا من الله , فأتاهم الجواب هذه المرة (قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ) , فقد طمعوا في خيرات الدنيا , وتناسوا خيرات ونعم الاخرة , وهذا قد يكون دليلا ثانيا على عدم ايمان بني اسرائيل برب العالمين وجناته التي اعدها للمتقين , ولو انهم قد امنوا بوجود الجنة بعد الموت , ما قدموا عليها أي ملذات اخرى , كانت مصر جنة من جنان الارض , فستأثروا بها على جنة الاخرة .
 وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ .
 ضربت الذلة والمسكنة على بني اسرائيل في مصر , وعانوا أنواع التمييز العنصري والديني , وذاقوا الويلات من جراء ذلك , لان كل ذلك كان (بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ) , وسبب الغضب , هو كفرهم بالله تعالى كما اوضحنا اعلاه , ويضاف الى كفرهم قتلهم النبيين بغير حق , فينتج من قتل النبيين العصيان والتعدي على حدود الله , فأي كفر بعد ذلك ! . 
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{62} تشير الاية الكريمة الى ان الذين امنوا سواء كانوا من المسلمين او اليهود او النصارى او الصابئين ايمانا حقيقيا , بما جاء به الانبياء (ع) , من غير تحريف , ولا تجريف , ايمانا بالله واليوم الاخر واتبعوا ايمانهم بعمل صالح , فلهم اجرهم , ولا خوف عليهم , ولا هم يحزنون .
الايمان بالله يقابله (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ) , الايمان باليوم الاخر يقابله (وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) , والعمل الصالح يقابله (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) .
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{63} ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ{64} خطاب موجه لبني اسرائيل , يذكرهم جل وعلا بالميثاق , والطور , ويأمرهم جل وعلا بالاخذ بقوة بكل ما اتاهم , والتذكر لما فيه , لعلهم ان تمسكوا بالامر الرباني يصيبوا شيئا من التقوى , لكن هيهات , اصرّ الانسان الا ان يكون معاندا , فيذكر جل وعلا انهم قد تولوا عن ذلك ( أي انصرفوا عنه ) , ولولا فضل الله ورحمته لكان بني البشر من الخاسرين يوم القيامة , لكنه تعالى بفضله ورحمته , ارسل رسله , واتم حججه , في أخر الرسل والانبياء , فكانت رسالة الاسلام , الخاتمة لكل الرسالات السماوية , وفيها يظهر فضل الله ورحمته , التي لولاها لكان بني البشر كلهم خاسرين .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=7181
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 06 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28