بغداد اليوم 25 رجب ،اتشحت بالسواد وتعطلُت أسواقها بسبب حدث مناسبة وفاة الإمام موسى بن جعفر سابع الأئمة عند الشيعة في العالم حيث لا مجال للتوصيف التفصيلي مهما برع المناصر والمحايد والمعادي لهذه المراسيم في ان لا يجد إلا رحيقا وطنيا زاهيا وسامدا في الحضور المليوني الكثيف وتنظيم هذه الزيارة بصورة تلفت النظر على وجود استعدادات مدروسة الجوانب لكل ما يحيط براحة الزائرين في كل متطلباتهم الإنسانية المعروفة. حتى لا أكون مغاليا فقد سمعت الكثير عن التكافل الاجتماعي في مواسم الزيارات المليونية في العراق ولكن لحدث بغداد طعم ونكهة خاصة والمقصود هو تبرعات الناس لاغير في توفير الماء والمنام والأكل بأنواعه بما يجعل للمقارنة ،مهمات الجيوش وصنفها التموين والنقل عاجزة عن سبر نجاح ذاك الاتخطيط في استيعاب هذا الزخم الكثافي الذي قيل بلوغه من 3- 4 ملايين زائر في محيط مدينة الكاظمية وحدها! لم يخرج منهم أحدا دون ان ينال قنينة ماء أو ماكولات حسب مايشتهيه مثل رأيت بعيني لابحديث منقول! رأيت حتى ماكولات الگص وهو أكله للحم المشوي بطريقة معروفة ولم أجد حولها ذاك التجمهر والتجمع اللافت للنظر مع مجانيتها،لوجود منافذ عديدة تمكّن الزائرين من تحصيله بيسر وسهولة. لقد كان لي في مدار مارأيت عدة ملاحظات عظمّت في نفسي حالات تشمخ كالجبال في هذا الخضّم الجماهيري العفوي الذي لم يكن خاصا بشعائر تخّص مذهبا ما في الوطن الجريح أسردها بلاترتيب:
1. رأيت أن هناك مفارزا طبية عسكرية تقّدم العلاجات الفورية لكل حالات الطواريء من شدة القيظ البغدادي من الإغماء والتعب للتضميد لغيره مع نخبة من المتطوعين العسكريين والضباط كانت إشراقه فرحهم بتقديم الخدمة لا تقّل عن تأسيهم بالحزن على صاحب المصاب ذو السجدة الطويلة وراهب آل محمد والسجين في المطامير تحت الأرض ما لايقل عن 15 سنة متتالية كما تفصّله كتب التاريخ.
2. رأيت تطورا نوعيا في تهيئة مستلزمات تقنية جديدة بتوفير الحمامات للنساء والرجال بسيارات ضخمة متنقلة تخدم هذا الحشد اللامسبوق في تاريخ بغداد. مع وجود برّادات تحمل قناني الماء المعقمّة بالآلاف بما لاينضب خزينه من التداول اللحظي لقدوم ومغادرة الزائرين وبمناطق عديدة .
3. رأيت مايكدرني! ليس ذاك الحزن والسواد والرايات وتلك الاناشيد الصادحة أوتلك الدموع التي ذرفتها النساء والرجال مدرارا وهم سائرون او متوقفون على صاحب المصيبة الإمام البغدادي المدفون في مقابرقريش.. بل رأيت هناك علما للبحرين حزينا وسط هذا الحزن الدافق ورأيت وجوها لشهدائهم معلقّة صورهم تشارك أرواحهم ،أخوانهم في مصيبتهم.. فقلت هل يرى مسؤولي المملكة ان علم بلادهم الوحيد في الكون المرفوع في الكاظمية ببغداد منشور للظلامة؟! فهل سيرفعون ظلامة مواطنيهم؟ هل سيمسحون الدموع من عيون الفاقدات أبنائهن وآبائهن وإخوانهن وأزواجهن؟ هل سيتوقف الحزن يابحرين مع اقتراب موعد الحوار؟ ليرتفع علم البحرين زاهيا لا ظالما في مناسبات العراقيين الحزائنية ؟ لعل وعسى بحق تلك سيول الدموع الإنسانية الطاهرة النقاء التي سالت من عيون محبّة للجميع.
عزيز الحافظ