داعس والغبراء، حرب البسوس، حرب الفجار، وغيرها من حروب الجاهلية الاولى، هناك وسط البادية، حيث تحجرت العقول، وتقوقعت على مداركها الضالة، وأد البنات، التفاخر بالقبيلة، والجاه والحسب والنسب، استعباد الفقراء، والتسيد على الناس من قبل الاغنياء، الظلم والجور الذين هتكا الامم في وسط بادية الجزيرة العربية، فراحا ينهشان الحياة فيها محولين كل شيء الى دمار بسبب ما يعتنقوه.
حرب اشتعلت لتأكل الاخضر واليابس، وذهب ضحيتها مئات بل ألوف، واستمرت لأعوام حتى راح البعض يقول، ان نسول ستنتهي وتدثر، فمن تلك الناقة الشؤم، والتي اشعلت البسوس لتمتدت لأربعين سنة، الى ذلك الحصان في داعس والغبراء، وسنين القحط والموت فيه، الاربعين هي الاخرى، حيث عقول اثرت فيها تجدب اراضي الجزيرة لتتجدب هي الاخرى، ونفوس قتل الايمان فيها اذ طابقت قلوبها الفيافي القاحلة في الايمان بالل..، لتصبح لا تفقه شي وفي غيهم يعمهون.
وسط براثن الجهل، والتخلف الفظيع، وعمى البصيرة الذي طال أُناس ذلك الزمان، وتراجع الحياة الى ظلم مستديم، يطال من ليس له عون من المال والاهل، او عشيرة تأويه وتسند ضهره، كي لا تنهشه مخالب الطبقية الهوجاء، والعصبية الرعناء، ووسط ذلك الغار الذي اطلق نور الهداية للبشرية، حيث مهد له قبل ذلك من خلال شهادة مناؤيه، معلما الناس دروس الصدق والامانة، والاخلاص، والخلق الرفيع، والمثل السامي للنبل، والانسانية، والكمال الاخلاقي، والتعامل الودود.
الصادق الامين، زوج الفاضلة النبيلة التي ذابت في امين تجارتها، ف اتخذته زوجا صالحا، لما رأته من لوحة منقطعة النظير من جميع الجوانب "أدبني ربي فأحسن تأديبي"، يكلم الوحي في الغار، فتقع على اكتافه احياء امم من الجهالة وحيرة الضلالة، يقع على عاتقه احياء العقول، وري القلوب بالبصيرة والايمان، وتقويم القيم، ورسم مبادئ سامية للعيش الايماني السليم، والقضاء على الجهل والتعصب، والمساواة والعدالة، ونشر اهم رسالة اخلاقية دينية اجتماعية.
"لو حكم العالم اليوم شخص كمحمد، لقاده لحل جميع مشاكله وهو يحتسي كوب من القهوة"، ذلك ما قاله الايرلندي جورج برناردشوا، مستوحي قوله من ثورة المعرفة، والدين، واحياء لقيم اجتماعية وشخصية، قام بها النبي الكريم "صلى الل.. عليه وآله وسلم"، خالقا قيم اخلاقية وسط مجتمع دامي يغرق في مستنقع الترهات والخزعبلات، خاطاً له اسمى القيم، واعلى العادات، ومصححا لما يتبعون.
شخصية نبي الاسلام "عليه افصل الصلاة والسلام"، يستحق ان يقف عندها الزمان اجمع، ويفسر حتى حروف اسمه، ليتخذها نهجا له في كل شيء، مستلهما منها دروسه وعِبره في الحياة.
تتعثر الحروف، وتتخبط الكلمات امام نهج النبي الكريم محمد الامين "صلى الل.. عليه وآله"، ولكن سنجعلها بطاقة تهنئة لذكرى ميلاده الشريف، لنعود الى نهج الربيع بميلاد ربيع القلوب ومحييها. |