• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مغني الليبيب عن ثورة الأعاريب .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

مغني الليبيب عن ثورة الأعاريب

منِ الجآذِرُ في زِيّ الأعَارِيبِ +++حُمْرَ الحِلَى وَالمَطَايَا وَالجَلابيبِ

إنْ كُنتَ تَسألُ شَكّاً في مَعارِفِها+++فمَنْ بَلاكَ بتَسهيدٍ وَتَعذيبِ/المتنبئ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قبيل انطلاق صفارة ربيع الأعراب انتشر خطاب مكثف حول عبدة الشيطان بالموازاة مع خطاب الاستهتار من الدّين برسم الحداثة ومقولاتها تارة وبرسم الإسلاموفوبيا والإرهاب تارة أخرى..بين الخطابين تسلل شكل آخر من الخطاب أريد له أن يكون بديلا: الاعتدال..مثّل الاعتدال تلك البيئة الجاهلية نفسها التي ترقد فوق موروث لم يوصف يوما بالاعتدال لا جغرافيا ولا تاريخيا ولا إبستيمولوجيّا..ومن قلب الاعتدال ستخرج أنكر أشكال التطرّف التي بلغت أوجها مع تنظيم الدّولة..كان الغرض من تلك الإثارة التي ستسبق ميلاد أيديولوجيا الاعتدال هو الإلتباس الذي يسبق تكريس الخيارات الأكثر مدعاة للغرابة..وكما خرج الاعتدال من بيئة تكفر بالإنسان والحضارة والتعايش السلمي ، فلا بدّ أن نعزّز عبر الدّعاية والتزييف فكرة أن تخرج فكرة الربيع العربي من ذات البيئات التي صوّرتها الميديا خلال تاريخ الربيع العربي بأنها جزر مستقرة وناعمة وتتمتّع بكل الشروط ليس التي تجعلها ديمقراطية فحسب بل التي تجعلها في غير حاجة أن تكون كذلك..فهي استثناء..بل إن الديمقراطية لمن لا يحسنون العيش بسلام من دونها ..أما هم فلا جاحة لهم إلى دستور ولا إلى انتخابات لأنهم حالة سوبرا ـ سياسية..جزيرة يوتوبيّا السياسية..أو جزيرة واقواق من دون قلقلة ولا قلاقل..يتبجّح أرباب جزيرة يوتوبيا شرب الأبوال بأنهم مستغنون عن الدساتير والتقاليد السياسية الكونية..يستطيعون أن يحاجّوا الله حين يبعثهم يوم القيامة بلا دستور..ولكنهم حاجّوا العالم في أروقة الأمم المتحدة بأنّ هناك انتهاكات لحقوق الإنسان في سوريا وكذلك لا توجد انتخابات حقيقية..ولد الربيع العربي يتيما في مبغى السياسات العربية التي تديرها لجنة القوادة الثوروية التي دعت إليها منظمة صهر القرضاوي: أكاديمية التغيير..كم من مرّة ذكّرنا سماسرة أكاديمية التغيير بأنّ مفارقة الربيع ظهرت حينما أشرفت عليه عصابات تنتمي لبيئة لا تعرف الفصول الأربعة..بيئة التصحر الجغرافي والسياسي..لا يحتاج المراقب أن يراجع بيانات الهيئات الحقوقية الدّولية التي تدين تلك البلدان بانتهاكات وحشية لحقوق الإنسان..تحجب رائحة النفط ورّشا البترودولار المواقف الدولية التي تعتبر البيئة الحاضنة لربيع الأعراب هي الأسوأ في العالم من حيث احترام حقوق الإنسان..ولكن السياسة كانت ولا زالت هي الحاكم على القانون الدولي..وبأنّ القانون الدولي هو أخرص ما لم تستنطقه السياسة..الحاكمون على مسارات العلاقات الدولية هم السياسيون وليس القضاة..كانت وجهة الأبحاث المتعلقة بالإسلام على النمط الإخواني قد عرفت انحرافا في المراكز الكبرى في الغرب..تغيرت سياسات هذه المراكز تحت إشراف الاستخبارات الأمريكية والبريطانية لنصبح أمام باراديغم جديد يهدف إلى تلميع صورة ما سيسمى بعد ذلك بالحركات المعتدلة..كانت مؤسسة راند وكارنيجي وغيرهما من مراكز الدراسات والأبحاث حريصة على خلق معجزة الجماعات المعتدلة التي يجب منحها فرصة أن تحكم..أذكر أنّني ترجمت يومها نصّا أثيرا لمسؤول كبير سابق في الاستخبارات الأمريكية إسمه غراهام فولر حول: الإسلامية والتحديثية..المقال أعيد نشره في لوموند ديبلوماتيك وأيضا مجلة مانيير دي فوار الفرنسية..كنت طيّبا بعض الشيء واعتبرته تحوّلا في منسوب الموضوعية..وكانت جريدة العصر قد نشرت النص الذي ترجمته مع الاحتفاظ بتقديم وضعته بين يدي النص المترجم..جريدة العصر التي كانت ناطقا باسم حزب العدالة والتنمية الذي يقود اليوم الحكومة..لا أخفي أنّني اهتممت بالنص المذكور باعتباره طفرة في المقاربات المنصفة..صديقي باتريك هيني وهو مستشرق أوروبي حديث العهد اهتم بدوره بهذا اللّون من الإسلام السوسيولوجي الذي يبرز إسهام الإسلام ذي النمط الإخواني في الحراك الاجتماعي الإيجابي..كان يبحث عمّا يعزّز هذا اللّون من المقاربات التي تعطي انطباعا أمام ما يمكن أن نسمّيه باللامفّكر فيه في سلوك الإخوان السياسي والاجتماعي..حدّثني يومها كثيرا بتريك هيني عن الكثير من الأبحاث السوسيولوجية التي تستهدف واقع الإسلاميين ونشاطهم الاجتماعي بمعية صديقنا المرحوم حسام تمام..هذا الأخير سيكون له دور في إعادة هيكلة جريدة التجديد التي ستصبح الناطق غير المباشر لحزب العدالة والتنمية المغربي..ركزت أعمال باتريك هيني على بروز أشكال من البورجوازية الإسلامية كما ركّز على مظاهر التوجه الفنّي وتأثير الدعاة الجدد في المجتمع وبروز خطاب ديني مختلف تماما..كان مجال الدراسات تلك هو مصر..ونمط الدراسات ميداني صرف..أما النماذج التحليلية فهي الافتراض المسبق الذي يوجه الباحث يومها: البحث عن مخرج لتلك الجماعات يظهرها في صورة الاعتدال..جيوش من الباحثين الشباب تدفقوا على البلاد العربية..باحثة أمريكية أتتني يومها وتريد أن تتعرّف على ما هو عملي وسياسي في تجارب الإسلاميين في المغرب..كانت غير معنية بالفكر ولا نقد الخطاب..شعرت كأنها تريد أن تجعلني أنطق بنموذجها المصمم سلفا..أن أتحدث من دون تفكير..كان هذا الجيش من السوسيولوجيين الشباب يفضل أن يؤجّر مساكن في قلب الأزقة والأحياء الشعبية..وحتى هنا لا إشكال مادام أن ذلك هو جزء من مهام السوسيولوجيا..ولكن ما كان ملفتا هو الموجة العارمة لهؤلاء السوسيولوجيين في اللحظة التي سبقت إطلاق صفارة الربيع العربي..في لحظة من اللحظات حصل تأثير كبير من قبل هذا الخطاب الجديد للإسلاميين المعتدلين..الرحلات المكوكية برسم التدريب على الديمقراطية شملت أسماء في عالم السياسة والإعلام محدودة..هي الأسماء الأكثر وفاء لأيديولوجيا أكاديمية التغيير..بالنسبة للجزيرة ساهمت في إعداد وتكوين إعلاميين في سائر البلاد العربية..وسبق الربيع العربي ربيع إعلامي بنكهة الهلّ..التأثير الذي خلفه هذا الخطاب الجديد وصل إلى الخصوم التقليديين للحركات الإخوانية التي بدأت تتهافت على التحالف مع إسلاميي الربيع العربي..أصبح خصومهم الرأسماليين وكذا الشيوعيين يمجدون في هذا النوع من الإسلام المعتدل الذي يسلك مسلك الأوردوغانية..وهكذا بات ما يعرف بالجماعات الاسلامية المعتدلة في واجهة اهتمام الشرق والغرب..وبات المحجّ القطري نشيطا خلال هذه الآونة..أما الشيخ القرضاوي صهر رئيس أكاديمية التغيير فقد تبنّى أولاد الربيع العربي بوصفهم أبناءه الروحيين، بينما كان مثالا لشيخ الاعتدال..وعند التحقق من عنوان الاعتدال ندرك أنّه نوع من المواقف التي تلتقي مع السياسات الخارجية الغربية وتخدم أجندات الناتو في الشرق الأوسط..وكما الفتاة السوسيولوجية الشابة التي أكدت لي أنّها غير معنية بالخطاب الفكري والأيديولوجي لهذه الجماعات ـ وهو موقف كل من كان يهتم بهذه الظاهرة ـ فإنّ الاعتدال لا يتوقف على معرفة طبيعة تفكير هؤلاء بخصوص قضايا تتعلق بالإبستيمي بل بمواقف سياسية..بتعبير أوضع إنّهم يكتفون بالموقف السياسي من قضايا محددة وليس من الإبستيمي أو النظام المعرفي الذي ينتج هذه الأفكار والمواقف..ومن هنا كان من السهولة التدليس من خلال البوليميك السياسي بدل اختبار الإبستيمي الذي تقف عليه هذه الجماعات..سيظهر هذا الأمر جليّا في تجربة إسلاميي المغرب الموصوفين بالاعتدال..في طليعتهم حزب العدالة والتنمية و حركة التوحيد والإصلاح التابعة له ، الذي بلغ قمّة التدليس الديني والسياسي..لقد ساير الغرب في كل ما كان مطلوب أن يبدو عليه كجزء من منظومة الجماعات المعتدلة..أمضوا على بياض وقدّموا أنفسهم على أنهم جماعة حداثية ديمقراطية وأنّهم حزب يستفيد من المرجعية الاسلامية مثل أوردوغان..انشطر خطاب هذه الجماعة إلى قسمين..وهو شرخ وظيفي مقصود..خطاب ديني تتكفل به جمعية التوحيد والإصلاح التي تمثل الدراع الدعوي للحزب، وخطاب سياسي يتكفل به حزب العدالة والتنمية..إبّان حركة 20 فبراير التي تشكل نصيب المغرب من الربيع العربي انقسم الحزب الى مؤيد وإلى معارض..القيادة تعارض والشبيبة تؤيّد..كان الأمر واضحا..بقسم من قيادات الجماعة هم مدربون في أكاديمية التغيير..وهم الأبناء الروحيين للقرضاوي حتى أنّ قيادة الحزب تكفّلت بتزويجه بصبية مغربية..كما زوجوا أحمد منصور بقتاة مغربية بطريقة اكتشف مؤخّرا أنها مخالفة للقانون..كذلك جزء من قيادته هم إخوان من الرضاعة مع عزمي بشارة ويؤمنون له الراحة الكاملة في رحلتي الشتاء والصيف المغربية..ولا أستبعد انهم يؤمنّون له مجالا لممارسات باهولوجيا برسم الربيع الأعرابي..الأفواج من شباب السوسيولوجيا الغربية المتدفقين قبيل ربيع الأعراب كانوا يتمحورون حول هذه الجماعة..بينما فضلت العدل والإحسان تبني خطّ 20 فبراير قبل أن يتم الطلاق البدعي بينهما لأسباب تتعلق بالتنافس على الزعامة وأمور أخرى..كانت الجماعة محظورة ولكنها كانت تتعاطى مع السفارات الأجنبية وركبت سياسة التمكين على طريقة الإخوان..رفضت قيادة العدالة والتنمية الانخراط في حركة 20 فبراير النسخة المغربية من الربيع العربي، لكنها جعلت منه فزّاعة ضد خصومها لا سيما حزب البّام..غير أنهم واصلوا دعمهم للربيع العربي في كل البلاد العربية وشجعوا الخراب في بلدان عربية كثيرة..بين رفض الربيع العربي هنا والتحالف والتنسيق مع الربيع العربي هناك هي حكاية موقف مزدوج وظيفي لحزب يلعب على كلّ الحبال..هذا لم يكن ديدن حزب العدالة والتنمية بالمغرب بل هو موقف الكثير من القوى السياسية في بلدان عربية متعدّدة..في وسائل الإعلام طفح الكيل بعنوان الجماعات المعتدلة..وهو الديانة الجديدة للربيع العربي..ديانة تعاقدت مع الغرب على تمكينها من المجال العربي مقابل تمكين الغرب من كل مصالحه داخل المنطقة..كان همّ الجماعات المعتدلة تلك هو السلطة بأي ثمن..حتى لو كان الثمن هو تخريب المنطقة وإهلاك الحرث والنسل.. كان للربيع العربي منسوبه من الأكاذيب..ربيع الأكاذيب..ظلت أكذوبة الاعتدال تحفر موقعها في الوعي العربي قبل أن تنكشف الحكاية كلّها..أنّ الاعتدال هو المفرخة الاستراتيجية لأخطر أشكال التطرف والإرهاب..كانوا يرفعون الدساتير فوق الرماح واليوم باتوا يتهددون الدولة والمؤسسات والكيانات والجيوش والثقافة والتاريخ والمستقبل...والحقّ أن تنظيم البغدادي قد جاءهم بدستور ودولة وشعب وأيديولوجية..كان مفعول التخدير لازال ساريا حينما استبشر خريجو أكاديمية التغيير خيرا باحتلال داعش للموصل..كان ذلك في نظرهم هو حظّ العراق من ربيع عربي بدأت وسائل الإعلام تطبّل له بصورة غريبة..ربيع داعش الذي جاء في السياق نفسه الذي أسفر عنه مؤتمر القاهرة الذي جمع فيه مرسي كل المتطرفين ليعملوا على موقف مشترك في دعم الجماعات المقاتلة في سوريا بالسلاح..كان مرسي يحلم باللحظة التاريخية التي يقاتل فيها الجيش الوطني المصري جنبا إلى جنب مع جيش الإسلام بقيادة زهران علّوش ضدّ الجيش العربي السوري..كان حلما يشبه أحلام العمّ بيكسو في الرسوم المتحركة الشهيرة..كان مؤتمر القاهرة مثالا لمؤتمر الاعتدال..وكان للجيش المصري دور رئيس في إيقاف هذه المهزلة..ذلك حينما أصدر بيانا يعيد فيه الأمور إلى نصابها..وذلك قبل أن تتم الإطاحة بحكومة مورسي الحمقاء..حتى ذلك الوقت كنّا أمام مثال للاعتدال..ولو نجحت داعش في الاستيلاء على العراق ولم تناوش ممثل فطر في سوريا: الجولاني أو ممثل الرياض في سوريا:زهران علوش، لعدّت داعش خلافة معتدلة وسرّعوا الاعتراف بها دوليّا كما كادوا يفعلون مع طالبان..سوف نشهد في يوم من الأيام كيف يعاد توزيع أساطير الربيع العربي هوليوديا، حينما يأتي رامبو بمفرده ويسقط بمظلته فوق سهوبنا، وكيف سيحقق أحلام أولاد القرضاوي بضرباته الاستعراضية..وربما سيلعب الدور نفسه تشيك نوريس أو بروس ويليس...مثلما فعلوا مع فيتنام وأفغانستان والعراق..أكاذيب من قبل وأكاذيب من بعد..هو إذن اعتلال لا اعتدال..برسم مغني اللّبيب عن ثورة الأعاريب...




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=72620
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 01 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28