• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : فاسِدُونَ نَمّامُونَ (٢) والاخيرة .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

فاسِدُونَ نَمّامُونَ (٢) والاخيرة

   السّؤال الثالث والأخير؛ لقد حمّل الخطاب المرجعي (أمس) الكتل السياسيّة كافة، ومنذ عام ٢٠٠٣ ولحد الان، مسؤولية الأزمات المتراكمة، الا انّنا لم نسمع لحدّ الان ايّة كتلة تعترف بالفشل ومن ايّ نوعٍ كان، كيف تفسّر ذلك؟!.

   الجواب؛ عَيْب، عَيْبٌ في العراق ان يعترفَ احدٌ بخطئهِ او فشلهِ، عَيْب، فالمكابرة والعَناد والتهرّب من المسؤوليّة ورمي الفشل، مهما عظُم، على الاخرين ونسبةُ النّجاح، مهما صغُر، للذات، ان كل هذه ثقافة مُعشعشة في عقولِنا واذهانِنا منذ الطّفولة، لازالت لم تتغيّر بعد، لأنّنا في الأساس لم نسعَ لتغييرِها لنكون كخلقِ الله تعالى في البلاد المتحضّرة التي يستقيل فيها المسؤول لأتفهِ الاسبابِ بعد ان يظهر في الاعلام ويتحمّل المسؤولية كانلةً ويعتذر للشّعب!. 

   انّ (المسؤول) عندنا اسمٌ على غيرِ مُسمّى! لانّهُ لا يتصرّف مع الموقع بروح المسؤوليّة والحرص على مصالح النّاس، وانّما يتصرّف معه كمغنمٍ يملأ مِنْهُ جيوبهُ التي لا تمتلئ حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً!.

   انّهم أداروا البلاد خلال الفترة المنصرمة بسياسة صناعة الأزمات فكيف ننتظر منهم ان يتحمّلوا مسؤوليّتها؟!.

   كما انّ السّبب في ذلك هو مبدأ المحاصصة، ولذلك لا يبدي ايّ مسؤولٍ استعداداً ومن ايّ نوعٍ كان للاعتراف وتحمّل مسؤولية حتّى ملفٍّ واحد قبل ان يتأكد بانَّ الآخرين سيفعلون الشيء ذاته!.

   انّ من الأشياء الغريبة في هذا العالم هو ما نراه في العراق (الجديد) فمعَ كلّ هذه الأزمات المتراكمة والفشل الكبير وعلى مختلف الاصعدة الا انّنا لم نرَ حتى سياسيّاً واحداً او زعيماً واحداً يقف امام العراقيّين ليتحمل مسؤوليتهُ او يعترف بفشلهِ.

   نحن نسمع يومياً ونقرأ في الأخبار استقالة مسؤولين او اقالة آخرين لاتفهِ الاسبابِ في هذه الدّولة او تلك، امّا في العراق فلم نسمع او نقرأ مثل هذه الأخبار على الرّغم من ان الجميع ومن دون استثناء يتحدّثون عن الأزمات وعن الفشل المتراكِم وغير 

ذلك، وبطريقةٍ توحي للمتلقّي وكأنّ مخلوقات فضائيّة هي التي فعلت كلّ هذا، ولذلك لم نعرف لحدّ الان مَن هو المسؤول؟ عن ماذا؟ ولماذا؟ وإذا حاول مواطنٌ ان يعرفَ فستنهالُ عليه التّهم والافتراءات من (عبدةِ العُجول) من كل حَدَبٍ وَصَوبٍ، فأنت ايّها المواطن مُتهمٌ اذا سألت عن مصير شُهداء سْبايْكَر او حاولت ان تعرف أسرار سقوط الموصل، وانت متآمر ومرتبط بجهاتٍ أجنبيّة تريدُ سوءً بالعراق وتحديداً بالقائد الضَرورة اذا سألت عن مليارات خزينة الدّولة التي نُهبت خلال الفترة الماضية، او حاولت ان تعرف المسؤول او المسؤولين عن صفقة العفو الخاصّ الذي صدر عام ٢٠١٣ عن (السّعوديّين) الارهابيّين المحكوم عليهم بالإعدام بالجرم المشهود والذين تمّ إطلاق سراحهم من السّجون وتسليمهم الى نظام (آل سَعود) بلا مقابل!.

   انت متَّهم ايّها المواطن، ومشكوكٌ في أمركَ ومطعونٌ في هويّتكَ وانتمائك وتوجّهاتكَ اذا سألت، فهذا ليس من حقّك ابداً، امّا واجبُك فتنتظر ليتحدَّث الزّعيم لتصفّق، فانّ مواطناً أُعدِمَ لانّهُ توقّفَ عن التّصفيق قبل الاخرين! ولذلك تكثر الابواق في بلادنا!. 

   انّهم جميعهُم مستعدّون للحديثِ عن الفشل والازمات ليل نهار، شريطةَ ان يكونَ الحديثُ عامّاً بلا طعمٍ او لونٍ او رائحة ومن دون ذكر أسماء ومسمّيات ومن دونِ وضع النّقاط على الحروفِ، وإذا أراد أحدهم ان يتحدّث بالتّفاصيل فعن غيرهِ وليس عن نَفْسهِ، وكلّنا يُشاهد أو يقرأ يومياً العشرات ربّما من هذا النّوع من المُتحدّثين كلٌّ ضدّ الاخر، وانّما ليس عن نَفْسهِ وعن فشلهِ وعن الأزمة التي هو افتعلها شخصيّاً وكيفَ؟ ولماذا؟ والثّمن؟ والضّحيّة؟!.

   وبصراحةٍ أقول انّهم فاسدون نمّامون، تسمع أحدهم ينظّر للفشل ويُفلسف الأزمات ويؤدلِج الفساد ولكن ليس عن نَفْسهِ وانّما عن الآخرين.

   انّنا نريدُ كلّ واحدٍ منهم ان لا يتحدّث الا عن نَفْسهِ، فليحدّثُنا كلّ واحدٍ عن فسادهِ وعن فشلهِ وعن الأزمات التي خلقها هو شخصيا.

   وليبدأ بهذه الطّريقة من الحديث رئيس مجلس الوزراء السابق والقائد العام السابق للقوّات المسلّحة، فيحدّثنا عن فشلهِ وعن عددِ الأزمات التي افتعلها والملفّات التي احتفظ بها ولماذا؟ وعن الفساد المتوّرط به، وعن الفقاعة وكيف تمدّدت ولماذا؟ وما هو دوره في كلّ ذلك، وغير ذلك، ثم ليبدأ بقية المسؤولين من الرؤساء ونوّابهم والزراء ووكلاءهم والنواب ومستشاريهم وغيرهم في الحديث للرّاي العام بنفس الطّريقة! فعندها فقط سنضع قطار الحديثِ عن الفسادِ والفشل على السّكّة الصّحيحة!.

   كم اتمنّى ان يُقاطع العراقيّون حديث السّياسي والمسؤول عن الأزمات والفشل والفساد اذا كان عن غيرهِ، لنعلّمهم كيف يتحدّثون عن أنفسهِم فقط، ولا عليهم بالآخرين.

   قُل كلٌّ يتحدّث عن نَفْسهِ، عن فسادهِ وفشلهِ، وليدع كلّ واحدٍ ان يتحدّث عن نَفْسهِ، فساده وفشله! فالحديث عن الاخرين سهلٌ يسيرٌ، امّا الحديث عن الذّات فصعبٌ مُستصعبٌ.

   يجب ان ينتبهَ العراقيّون الى حقيقةٍ في غاية الأهميّة وهي انّ من يتحدّث عن فساد غيرهِ فهذا يعني انّهُ يُحاول التهرّب من الحديث عن فسادهِ او التستّر عليهِ، وانّ من يتحدّث عن فشلِ الاخرين فهذا يعني انّهُ فاشلٌ يحاول الهرب من الحديثِ عن فشلهِ او التّبرير لهُ.

   ايّها الاعلاميّون؛ لا تستضيفوا مسؤولاً في قنواتكم او برامجكم يتحدث عن فسادِ غيرهِ، اشترِطوا على ضيوفكم الحديث فقط عن أنفسهِم، لنصل الى الحقائق، والا فنحنُ ندورُ في حَلَقَةٍ مُفْرَغَةٍ!.

   ٣٠ كانون الثّاني ٢٠١٦ 

                       للتواصل؛

E-mail: nhaidar@hotmail. com




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=73860
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 01 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3