على حين غرّة , انقسم الناس بين مؤيد ورافض , على فعل سلوكي عدّه الفريق الأول المؤيد له , أنها ظاهرة حضارية ينبغي أن تعم الشارع العراقي , وإنها أحدى بوادر رسل السلام والمحبة , والتعايش السلمي , وإنها من الخطوات الجادة , نحو التحرر من قيود التطرف , وادّعاء التدين . والى مدنية المجتمع , الذي يواكب الحضارة التي تضمن حرية الفرد , بتبني المعتقد والدين والفكر, المكفول دستوريا.
بينما عدّه الفريق الثاني الرافض , أنه فِعل ٌمَرَضيّ , وظاهرة لا تمت إلى الحضارة بشئ , وأنه سلوك يخدش الحياء , وينافي تعاليم الإسلام , لمجتمع غالبيته من المسلمين , وتغلب عليه العادات والسلوكيات المحافظة. موعزا ً هذا الفعل المنحرف , إلى إفرازات موجة الثقافة الغربية , التي غزت العالم بما في ذلك العراق اليوم , نتيجة انفتاح العراقيين على الفضائيات ومواقع الأنترنت , ومواقع التواصل الإجتماعي المتعددة . ويعتقد أن من يؤيد هذا السلوك هم شرذمة قليلة تدّعي الثقافة والتقدم , وهم بالحقيقة , أناس شذّاذ لعبت بهم الأهواء والأفكار المنحرفة , يعانون من أمراض مستعصية , نفسية وتربوية , نتيجة تفكك الأواصر الأسرية والإجتماعية لديهم .
ــ والحادثة ببساطة , هي صورة تناولتها صفحات الفيس بوك , بشكل واسع تُـظِهر : (( شابّاًّ وشابّة , يقبلان بعضهما البعض , في أحد الممرات , داخل حدائق الزوراء الشهيرة , في العاصمة العراقية بغداد )) .
بدءا ً .. وقبل أن نكون مع هذا الفعل أصلا ً أو ضده , أو نصطف مع هذا الفريق الذي يتبنّى التفسير الفلسفي, الذي يذهب الى أن حرية الفرد تنحصر في تحقيق أفعاله , دون الخضوع لشرط أو قيد معين . ويفعل ما يشاء , دونما واعز خوف من الله , أو أيّ رقيب أو حسيب آخر.
أو نصطف مع الفريق المعارض , الذي يذهب إلى أن الحرية الحقة , ما هي إلا ّ تجلّي المعاني الإنسانية النبيلة في الفرد . و أن يعلو بنفسه ويتنزّه عن سفاسِف الأفعال . والدعوة لأن يكون سيد نفسه , لا عبدا لشهوته , فمتى ما كان كذلك , كان حرا .
نستعرض ما جاء من آراء وردود , لأربع جهات كبرى حاكمة , ونلقي الضوء عليها بما له علاقة بموضوعنا , حتى نخرج بنتيجة يقرّها العقل قبل كل شيء , ونسلم لها ونذعن بعيدا عن المهاترات . وهذه الجهات أو المحاور الأربع هي : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان . والدستور العراقي . وقانون العقوبات العراقي . والمرجعية الدينية العليا.
1ــ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : أقرّ الإعلان في المادة ( 29 ) البند (1) واجبات واقعة على عاتق الفرد تجاه المجتمع (على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يتاح فيه وحده لشخصيته أن تنمو نمواً حراُ كاملاً ).
وانطلاقا من هذا البند , نجد البند رقم ( 2 ) يقرّ القيود التي يقررها القانون , ويُخْضِعْ لها الفرد لضمان حريات وحقوق الآخرين ( يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته , لتلك القيود التي يقررها القانون فقط،, لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته , واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام , والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي ).
2ــ الدستور العراقي :
ورد في دستور جمهورية العراق لسنة ( 2005 ) المادة رقم ( 2 ) فقرة ( أولاً ) بأن الإسلام هو دين الدولة الرسمي . وهذا يعني أن غالبية الشعب العراقي , يدينون بالدين الإسلامي , بل يعتبر مصدر رئيسي لتشريع القوانين الحافظة للنظام العام .( الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع ..) . ونراه يقرّ ويثبت في الفقرة ( ثانيا ً ) الضمانة الدستورية لتك الهوية الإسلامية ( يتضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي.. ) .
3ــ قانون العقوبات رقم ( 111) لسنة 1969: جاءت المادة رقم ( 400 ) في الفصل الثالث , وتحت عنوان ( الفعل الفاضح المخل بالحياء ) عقوبة من يجرؤ على فعل مخل بالحياء ( ذكرا أم أنثى ) بالرضا أو عدم الرضا , بالحبس والغرامة . ( من ارتكب مع شخص، ذكرا أو أنثى، فعلا مخلا بالحياء بغير رضاه أو رضاها يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين ) .
بينما تعاقب المادة رقم ( 401 ) بالحبس والغرامة , من أتى بالفعل المخل بالحياء علانية . ( يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين دينارا أو بإحدى هاتين العقوبتين من أتى علانية عملا مخلا بالحياء ) .
4ــ المرجعية الدينية العليا : هل رصدت المرجعية الفعل الزورائي المذكور؟؟.
نعم رصدت المرجعية هذا ( الفعل الوزرائي ) بطرقها الخاصة , لأنها حاضرة , تسمع وترى . وعدّته فعلا ً ( منكرا ً) , وسلوكا خطيرا يهدد الأسرة والمجتمع . وحثّت الجميع إلى تحمل المسؤولية , لردع مثل تلك الظواهر الخطيرة , واعتبرته واجبا عليهم , لتحصين النفس ووقايتها . لأنه به الحصانة التي تقي الفرد من الرذيلة , التي بها سقوط الفرد ومن ثم المجتمع .
جاء ذلك في خطاب المرجعية الأخير , عبر منبر صلاة الجمعة ليوم 29 / 1 / 2016 , الخطبة الأولى ( أيها الإخوة والأخوات , هذا المنكر الذي ارتكب ــ علناً ــ في منطقة ما , ربما في المستقبل سيدخل بيتي , وينتقل إلى أولادي والى أسرتي ) . ودعى المجتمع إلى العمل , بما جاء به الحديث الشريف عن النبي ( ص وآله) : " والذي نفسي بيده لتأمُرُنّ بالمعروف , ولتنهُنّ عن المنكر , أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يُستجاب ) .
ــ ومما تقدم نخلص الى النتيجة التالية :
ما حدث في متنزه الوزراء , هو فعل فاضح , وخادش للحياء , تكمن خطورته فيما لو ترك بدون رادع , يكون مدعاة لأن يتسع لأفعال مخلة أخرى أكبر . لا يُقرّه المجتمع الدولي كما أسلفنا, ويُخْضِعهُ للقانون المحلي . ولا يجيزه الدستور العراقي , ويعاقب عليه القانون , وحذّرت منه المرجعية الدينية العليا . وما هياج الفريق المؤيد للفعل المشين إلا ّ كما قال الشاعر..
" و صـنْـوك الـثـّور يُـثَـار غَـيْـظـه بِـالأحْـمَر "
وهؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم , وهم ثلة منحرفة قليلة , قياسا ً لغالبية المجتمع العراقي المسلم . ومنافقون لا يرتضون ذاك الفعل على أنفسهم , لو جرى الأمر على بناتهم أو أخواتهم . وما ربطهم للفعل المذكور , ومظاهر القتل والتفجير والتهجير المستنكرة , التي تحصل بالشارع العراقي ,وعدم اعتراض المعترضين له , ما هو إلا نكوص وهروب من موقف مشرف لهم , وهو ديدنهم , وهم أحقر من أن يمثلوا تيارا فكريا , يهدف الى إشاعة الروح الديمقراطية , ومبادئ حقوق الإنسان في المجتمع , أو أن يقيموا مجتمعا مدنيا ً رصينا . وما هم إلا ّ :
" جُفاة طَغام ، وعبيد أقزام , جُمعوا من كلّ أوْبٍ ، وتُلُقِّطوا من كلّ شَوبٍ ، ممّن ينبغي أن يُفقَّه ويُؤدَّبَ ، ويُعلَّمَ ويُدرَّبَ ، ويُولَّى عليه ، ويُؤخَذَ على يديه ". ــ الامام علي (ع) . |