السّؤال الاول؛ (٢٥) عاماً مرّت على حربِ الخليجِ الثّانية (حربُ تحريرِ دولةِ الكُويتِ).
ما الفرق بين العراق اليوم والعراق آنذاك؟.
الجواب؛ لا شكّ انّ هناك متغيّرات كثيرةٍ حدثت خلال هذه الفترة، ليس فقط في العراق وانّما في المنطقة والعالم.
على صعيد العراق، فلقد حاول العراقيّون خلال الرّبع قرن الأخير تحقيق التغيير المنشود لصالح نظام ديمقراطي تعدّدي فيدرالي دستوري، ولكن، وللاسف الشّديد، فانّ الظّروف القاسية التي مرّت على العراق والهجمة الارهابيّة التي تعرّض لها والتي أخذت أشكالاً متعدّدة، عرقلت هذه المساعي وعقّدت المشهد بدرجةٍ كبيرةٍ.
انّ الحروب العبثيّة التي كان يشنّها نظام الطّاغية الذليل صدّام حسين، الشّمولي والبوليسي، داخليّاً وخارجيّاً، أضرّت بالعراق كثيراً، بل انّها دمّرت العراق وألغت سيادتهُ وأفقدتهُ الكثير من حدودهِ، البريّةِ منها والمائيّة، لصالح عددٍ من جيرانهِ، ظلماً وعدواناً، وكلّ ذلك من اجل ان يحقّق الطّاغية نزواتهُ الشّخصيّة واحلامهُ المريضة واجنداتهُ المشبوهة، وهي الامراض الشّخصيّة التي ورِثها منه عددٍ من السياسييّن الذين خلفوهُ في السّلطة، ليتشبّوا، مثلهُ، بالسّلطة، على قاعدة (بعد ما ننطيها)! سواءً كان ذلك في المركز او في الاطراف!.
بالاضافة الى انّ الأخطاء المتكررّة التي ارتكبها السياسيّون الذين اعتلوا السّلطة من بعد سقوط الطّاغية الذّليل صدام حسين، هي الاخرى لعبت دوراً سيّئاً في عرقلة جهود العراقييّن لصالح بناء نظامٍ تتحقّق فيه العدالة الاجتماعيّة المرجوَّة.
كان من المفترض عليهم ان يتعلّموا من أخطاء الطّاغية من أجل ان يتجنّبوا تكرارها فلا يجترّوا الماضي السيّء.
ولعلّ من أسوأ ما تورّطوا به؛
أولاً؛ فشلهم في التّعايش مع بعضهم البعضِ الاخر، ليس على مستوى المكوّنات المتعدّدة وانّما حتّى على مستوى المكوّن الواحد.
تخيّل مثلاً، انّ رئيس الحكومة السابقة ولدورتَين دستوريَّتَين، كان يسرُّ لبعض زوّارهُ المقرّبين قولهُ؛ انّهُ سوفَ لن يهدأ لهُ بالٌ قبل ان يدمّر شخصيّتَين سياسيّتَين ويزيحَهُما عن طريقه [وهما من شركائهِ المهمّين طبعاً في العمليّة السياسيّة، ومثلهُ من ضحايا النظام السّابق، واللّتَان كان لهُما الدّور الأساسي والرّئيسي في اعتلائهِ رئاسة الحكومة] كان يرى فيهِما عقبةً كؤود في طريق تكريس تفرّدهِ بالسّلطة في بغداد!.
انّ فشل الفرقاء في التّعايش مع بعضهم هو السّبب المباشر لإنتاج الأزمات نفسها طوال كلّ هذه الْمُدَّة الزّمنيّة الطّويلة التي مرّت على عمليّة الْتَّغْييرِ.
ثانياً؛ تبنّيهم لمنهجيّة صناعة الأزمات لإشغال العراقيّين ودفعهم للاصطفاف خلفهم بمعايير الخوف على المذهب او الاثنيّة او ما الى ذلك، من جانب، ولاشغالهم عن انتظار الانجاز الذي فشلوا به فشلاً ذريعاً، من جانبٍ آخر، على الرّغم من كلّ الوعود التي كانوا يُطلقونها مع كلّ موسمٍ انتخابيٍّ لتخدير النّاخب، كالوعد بالقضاء على الارهاب لتتمدّد الفقاعة بعده لتحتلّ نصف العراق!.
ولقد تورّط في هذه المنهجيّة ساسة المكوّنات الاساسيّة الثلاثة، الشّيعة والسّنة والكُرد، ليصطفّ الشّارع وراءهم منقسماً على نَفْسهِ مذهبياً واثنيّاً!.
ولقد كانت هذه المنهجيّة واضحة بشكلٍ اكبر في سياسات رئيس الحكومة السّابقة، والذّي ظلّ يهدّد بفتح ملفّات يصنعها حسب الطّلب لخصومهِ، طبعاً من دونِ ان يفتح حتّى ملفاً واحداً بعد مرور (٨) سنوات من سلطتهِ شبهِ المطلقة!.
ولا أُخفيكم سرّاً فإنّه حقّق نجاحاً (باهراً) بهذه السّياسة لدرجة انّ الكثير من (المكوّن الشّيعي) وقتها اقتنع بأَنَّ غيابهُ عن السّلطة سيضيّع المذهب في دهاليز كتب التّاريخ!.
ثالثاً؛ انشغالهم بمفهومِ السّلطة على حساب بناءِ الدّولة، فأضاعوا الاثنَين! وهي السّياسة نفسها التي انتهجَها الطّاغية الذليل صدام حسين على مدى (٣٥) عاماً والتي ظلّ يردّد خلالها عبارتهُ المشهورة (بعد ما نِنطيها)!.
انّ إِنشغال الخلف بهمّ السّلطة أَضاع فرصة بناء الدّولة العصريّة، والتي كانت في متناول اليد لو لم يتعامل، الخلف، بأنانيّة وحزبيّة وعشائريّة وعنصريّة وطائفيّة مقيتة، ليُثبتوا انّهم ليسوا رجال دولة وانّما طلّاب سلطة!.
لقد تعاملوا مع المفهوم بعُقد الماضي وترسّباتهِ.
رابعاً؛ توظيف الأدوات غير الشّريفة لتحقيق الأهداف السّياسيّة، وعلى رأس هذه الأدوات العنف والارهاب، وهذا ينطبق، على وجه التّحديد، على المكوّن السّني الذي خسِر السّلطة المطلقة في التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣.
ففي محاولةٍ مِنْهُ لفرض الامر الواقع في إطار النّظام الديمقراطي، استعانَ بالارهاب كأهمّ اداةٍ من أدوات فرض الاجندات السّياسية على الشركاء الاخرين، فكان ساستهم يحضَرون في النهار تحت قُبّة البرلمان وفي الليل يحضرون إِجتماعات الارهابيّين، ليتطور الامر بعد ذلك عندما تحوّلت مناطقهم الى حواضن دافئة للارهابيّين لدرجة انّهم مكّنوهم من احتلال نصف العراق، من دون إغفال دور الفساد المالي والاداري وصفقات السّلاح وعقود التّسليح الفاسدة التي تورّط بها مكتب القائد العام السابق للقوّات المسلّحة والعصابة الفاسدة التي التفّت حولهُ مستفيدةً من تستّرهِ، والتي كانت نتيجتها مجتمعةً سقوط الموصل بيد الارهابيّين!.
لقد ظنّوا انّ الارهابيّين هم البديل الطَّبِيعِي (الأرحم) لشركائهم في الوطن!. |