• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عن لعنة المعرفة والتمركز حول الذات في الثقافة والفنون العربية .
                          • الكاتب : هايل المذابي .

عن لعنة المعرفة والتمركز حول الذات في الثقافة والفنون العربية

لنبدأ بالتساؤلات الجوهرية المتعلقة بتدني مستوى الإقبال على الفنون و الثقافة و لماذا الفجوة الكبيرة الموجودة بين المنتج الفني والثقافي وبين المتلقي وتسيد الثقافة الهابطة و الفن الهابط للمشهد الفني والثقافي العربي..! 
منذ عشر سنوات كنت قد ألفت كتاباً يجمع بين التنمية والثقافة والفكر وأطلعت صديقا على مستوى عالٍ من المعرفة على ما أنجزته، وقد قدم احتفاءاً كبيراً به وشجعني وحثني بشدة على طباعته، وأرشدني إلى بعض المؤسسات التي قد أجد رعاية منها بخصوص ذلك وبالفعل ذهبت أولا للحصول على رقم إيداع للكتاب بعد أن أخرجته وذهبت للمؤسسة وقابلت رئيسها وهو من المشهود لهم باتساع الفكر والثقافة في المشهد وبعد أن تركت له نسخة من الكتاب اتفقنا أنه سيتصل بي وبعد أسبوع فعل ذلك وأول أسئلة طرحها عليّ كانت بخصوص المصطلحات الموجودة في ثنايا الكتاب وأجبته عن معانيها فأخبرني بأنه يجب عليّ أن أبدأ الكتاب بقائمة تجمع كل مصطلحات الكتاب ومعانيها ففكرت حينها أنه يتعمد أن يتعنت في هذا الطلب حتى لا تطبع لي المؤسسة هذا الكتاب ربما لأنني لم أصادف كتبا كثيرة بهذا النسق وذهبت ونسيت أمر الكتاب وأمر طباعته حتى اليوم..!! 
بعد كل هذه السنوات وجدت تفسيرا حقيقيا للأمر إذ أن ثمة ظاهرة يسميها النفسيون " لعنة المعرفة " أو " العمى الذهني" أو " التمركز حول الذات" وهذا ما كنت مصاباً به وهو ذاته مشكلة الفنون والثقافة بكل أشكالها عند العرب حديثاً، وهو سبب نفور المتلقي من كل ما يمت للفن والثقافة بصلة .. 
كيف؟ 
عندما يكتب الشاعر قصيدة ويذكر فيها بعض الأساطير وبعض المصطلحات يعتقد أن المتلقي سيفهمها .. وعندما يقدم الفنان عملا فنيا وفيه بعض الإحالات، يظن أن المتلقي سيفهمها، وعندما يكتب الروائي رواية أو قصة ويسرد فيها أحداثا أو ترميزات ويظن أن المتلقي سيفهمها وووووو... !! 
هذه هي لعنة المعرفة وهذا هو العمى الذهني لأنه في الحقيقة لن يفهم كل ذلك سوى النقاد فقط أما المتلقي فسيذهب للبحث عما يفهمه بسرعة بدون حاجة لأن يسأل أحد عن مصطلحات أو إحالات جاءت فيه وبهذا أصبح الفن الهابط والمنتج الثقافي التافه متسيداً للمشهد الثقافي والفني لأن المنتج له لا يتمركز حول ذاته بل ينزل إلى أتفه مستوى يلامس الوعي الموجود لدى أغلب فئات المجتمع.. 
حتى الصحف اليومية والمجلات الفنية والثقافية تنحسر كثيرا تجاه ما تلاقيه الصحافة الصفراء من رواج نتيجة للعمى الذهني الموجود لدى الكتاب فيها .. 
لماذا ذلك الرواج الكبير للسينما الرومنسية وأفلام الأكشن التي تتناول حياة المجرمين واللصوص ومغامراتهم ؟؟  
كل ذلك بسبب العمى الذهني ولعنة المعرفة الموجودة لدى من يسميهم المصنفون النخبة ولذلك قيل قديما عن أجود أنواع الأدب – ينطبق أيضا على جميع الأشكال الفنية والثقافية – أن ما فهمه العامة واستحسنه الخاصة . (العامة هم أهل الثقافة البسيطة) و (الخاصة هم أهل الثقافة والفكر العالي).. 
عندما يظن الكاتب والفنان أن الناس يستطيعون أن يتخيلوا المشاهد التي في ذهنه بدون توضيحها وتقديم تفاصيل عنها فهو مصاب بلعنة المعرفة والعمى الذهني إذ يتمركز حول ذاته فقط وهذه هي أسباب الفجوة الكبيرة الموجودة بين المنتج والمتلقي في الثقافة العربية والفنون جميعاً.. 
وهذا يفسر وجود أعمال يصفق لها الجمهور ويهلل لها ولا يستسيغها النقاد ووجود أعمال يصفق لها النقاد ولا تعجب أحدا من الجماهير... 
وأعتقد انه لو تحرر الكتاب والفنانين والمنتجين من لعنة المعرفة والعمى الذهني والتمركز حول الذات وتقديم مادة تناسب جميع المستويات حينها ستتقلص الفجوة الكبيرة بين المتلقي وبين إنتاجهم وسيزدهر الوعي العام ويهذب الناس ويبعدهم عن الأفكار المتطرفة التي لا تثمر في النهاية إلا إرهابا وخرابا للعالمين.. 
وهنا يحق لنا أن نجيب على سؤال: لماذا يغيب دور الفنون والثقافة في مناهضة العنف والإرهاب وأين دورها في الترويج للمحبة والتسامح والسلام في المجتمعات..!! ونجيب على سؤال : لماذا لم تثمر هذه المؤلفات والمنتجات التي تملأ المكتبات في أرجاء الوطن العربي وكل هذه الفنون في صناعة الوعي والارتقاء بالإنسان ..؟؟ 
أيضاً لا ننسى أن لعنة المعرفة قُدمت بسببها إنتقادات كثيرة للعقلية العربية نشر بعضها في مجلة التايمز الأمريكية منها أن العرب يجب أن يفهموا أولاً قبل أن يقرأوا أما في الغرب فالناس يقرأون لكي يفهموا.. " لهذه التعميمات أساس جوهري مرتبط بطريقة تقديم الكتاب والفنانين لأعمالهم التي تحتاج بالفعل إلى شرح مسبق للقراء بالمصطلحات الموجودة في تلك الأعمال والإحالات والترميزات وما إلى ذلك في حين أن الأعمال الغربية مكتملة لدى منتجيها بالوعي والشرح وتناول مايناسب الأفهام والذوق العام وهذه له إرتباط أيضا بالمادة المعرفية في المناهج التعليمية..



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=74170
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 02 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29