• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عدنان سماكة ... عاشق الحرف ... وداعاً .
                          • الكاتب : د . سعد الحداد .

عدنان سماكة ... عاشق الحرف ... وداعاً

الأسر أنواع .. منها أسر توارث أبناؤها حبّ الشهوات من الأموال والقناطير المقنطرة من لذائذ الدنيا وشهواتها ومتعها ، ومنها من توارث حبّ الله في الصلاح والإيمان والعلم والتقوى ونشر الثقافة والمعرفة .

والأسر جزء من أمة .. والأمة دأبت بوازع فطري على تبجيل النوع الثاني واحترامه لما يتمتع به من فضائل ويتسم به من شمائل محمودة . وإذا تناسل المبدعون فيها فذاك مما يحسد عليه جيلاً بعد جيل لبقاء اسم الأسرة عنواناً يتناقل بالخير ، ويستفاد من إرثهم العلمي والأدبي .

والأسر الحلية لها من النمط الثاني مايسر الخاطر ويتفاخر بها في مجالات كثيرة . ولسنا هنا بصدد إحصاء تلك الأسر . إنما أردنا القول أن أسرة حلية ملأت بمحاسن رجالها أسماع الناس ، وأسست لبناء مجتمعي سليم فتوالد فيها أعلام بمختلف فنون المعارف مازال ذكرهم محمود بين الناس . 

ومن منا لم يردد في المحافل ذكر العلامتين  الشيخين الجليلين  محمد سماكة وعلي سماكة ابني الشيخ محمود سماكة . ومن منّا لم يحفظ ماكتبه الدكتور باقر سماكة من قصائد البراءة للأطفال

وغيرهم من أبنائهم وآبائهم .. 

تلك أسرة شريفة المحتد ، عريقة النسب أعني بها ( آل سماكة) . 

ومنها سليل بيت العلم والأدب ، ووريث منزلة دينية مباركة . المرحوم عدنان بن عبد الأمير ابن الشيخ محمود بن عبد الحسين الملقب بـ (سماكة) بن مرتضى بن يونس الربيعي الحلي .

 

ولد في محلة الوردية في الحلة سنة 1353هـ/1934م.

تخطى عقده الثامن بأربعة أعوام وهو يتمتع بحيوية ونشاط ، حريص على ارتياد الأماسي والاصبوحات والتجمعات الثقافية الكثيرة التي تقام خلال الأسبوع في الحلة . 

عرفته ... وقور السَّمت ، بهيّ الطلعة ، أنيق القيافة ، لم يخلع سترته الا نادراً أيام القيض الشديد ، بل كان يضعها على يده . وذاك مما درج عليه المعلمون من الأجيال السابقة .

 يمشي واثق الخطوة  ، ينسرب بهدوء لم تفارقه حقيبةٌ جلديةٌ اعتاد حملها ، تخبئ بعض مانشره في الصحف وغيرها ، وكثيراً مما لم ينشر بعدُ من مقالاته الماتعة . 

لم يتعجل الكلام والحديث ، إذا حضر أنار المجلس وإذا غاب أثار غيابه التساؤل .

عرفته.. متواضعاً آخذاً بقول النبي الكريم ( ص) : ( إن التواضع لا يزيد العبدَ إلا رفعةَ ، فتواضعوا يرحمكم الله ). وطيباً ، دمث الأخلاق ، بشوشاً ، مبتسماً ، حباه الله نعمة الحبّ ، فطفح قلبه بحب الله الناس والوطن .

تتلمذ على أبيه وبعض كتاتيب عصره وواصل بشغف تحصيله الدراسي فتخرج في دار المعلمين الابتدائية سنة 1956م وحصل على البكالوريوس من الجامعة المستنصرية قسم اللغة العربية سنة 1967م .

كان ( عدنان) معلماً  وغاية النبل أن يكون الإنسان معلماً امتثالا لقول الرسول الكريم (ص) ( إنّما بعثتُ معلماً) . فعمل في التعليم الابتدائي والثانوي قرابة نصف قرن كان فيها نعم المربي الفاضل والأب الحنون على تلامذته ، ومامن تلميذ أو طالب تتلمذ على يده إلا وأثنى عليه ثناءً طيباً . 

 عرفته ... محباً لطلب للعلم فقد عزّز من طموحه المواصلة في المسير نحو نيل الدرجة العلمية العليا ، فكان يحث الخطى صيف شتاء الى العاصمة بغداد طيلة سنوات المحنة لينهل العلم من مورده ، وهو المكبّل بعائلة والتزامات اجتماعية لم يألوا جهدا ي الحفاظ على علاقاتها الاجتماعية الراقية . فحصل على شهادة الماجستير في الحضارة والتراث العربي من معهد التأريخ العربي والتراث العلمي سنة 2006م .وواصل بخطو الواثق دراسته للدكتوراه في المعهد ذاته ألا أنَّ للحق أجل ، ولكلِّ أجل كتاب .

عرفته عاشقاً أميناً ..... شبَّ على حبِّ القراءة ، وعشق الحرف و الكتاب ، فاستُلِمتْ من يده آلاف الكتب إعارة فهو (أمين) .. وأمين مكتبة .  وكأنَّ لهذه الأسرة مفتاح سرٍّ مع الكتاب فقبله كان المرحوم باقر سماكة أميناً لمكتبة الحلة العامة ..  كيف لا وهما ممن فتح عينيه فرأى رفوف الكتب تحيط به من كل جانب . فكان ( عدنان) مشرفاً وأميناً على عدة مكتبات مدرسية آخرها مكتبة ثانوية الحلة حتى تقاعده.

عرفته ... عاشقاً من طراز فريد لمدينته الحلة الفيحاء ، فحفظ عن ظهر قلب تأريخها وأعلامها  واهتمّ بأحداثها وما حلَّ بها من إحنٍ وكوارث ونكبات . 

عرفته...  وقد وهبه الله حسن الصوت وجماله  ، فكان صوتاً  مميزاً ،وهو المتمكَّن فيه من نطق مخارج الحروف بجمالية إلقاء معبّر . حتى أنك تميّزه من بين آلاف الأصوات وأنت تستمع الى برنامج إذاعي يقدمه / وقد أحسن اللفظ وأجاد التحدث بلغة عربية سليمة من اللحن ، بعيدة عن التقعر ، يسترسلُ استرسال شلال متدفق بماء عذب . 

  قلت كان شغوفاً بالقراءة والكتاب ، روّض قلمه على الكتابة فنمت ملكة الكتابة لديه حتى غدت ملاذه الرحب الذي أنعش روحه . فخلّف لنا تراثاً قيّما متنوع المعرفة .

 

 عرفته ... لم يترك استخدام القلم الحبر في الكتابة ، ولم يترك تشكيل حروف الكلمات والجمل عند كتابته التي تنوعت بين مقال ودراسة في الأدب والتأريخ واللغة وغيرها. وكان (رحمه الله ) غزير الإنتاج ، كثير النشر في الصحف والمجلات ، ومما يحمد له أنه كان يسجل بصوته المميز أحاديث في اللغة والتاريخ  فتذاع ببرامج خاصة وحلقات متتالية . كما وكان يعدّ برامج دينية وتاريخية لحساب عدد من الإذاعات العراقية . وفي أغلبها لم يتقاضَ أجراً لما ينزفه من جهد ووقت . كما كان متطوعاً في أغلب الأحيان في الأشراف على بعض الصفحات التاريخية  في عدد من الصحف التي صدرت في الحلة في أزمنة مختلفة ومنها جريدة الجنائن وجريدة الوسط وجريدة الغد وغيرها .

كان المرحوم عدنان سماكة عضو اتحاد الأدباء والكتاب في بابل وعضو مؤسس لجمعية الرواد الثقافية المستقلة في بابل وعضو اتحاد المؤرخين العرب . أصدر كتابه البكر (حصاد السنين ) الجزء الأول سنة 2008 م ، والجزء الثاني سنة 2014م  ، وحمل كتابه الثاني عنوان ( شذرات من لغة القرآن الكريم) سنة 2010م. وله من المخطوط كتاب آخر .

رحمك الله أبا رياض ، كنت كما عرفتك نظيف اليد واللسان ، رحلت كما أنت لم يرحل معك إلا عطاؤك الثرّ مما خلّفتَ من أخلاق حسنة و كتب قيّمة سنستعيدها حيناً بعد حين . 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=74699
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 02 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3