• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نحن و فرنسا .
                          • الكاتب : بوقفة رؤوف .

نحن و فرنسا

احتلت فرنسا الجزائر أزيد من قرن وخرجت فرنسا بعد قيام ثورة مسلحة شاملة , لكن بعد نصف قرن من رحيل فرنسا العسكر , نجد ان فرنسا اللغة ما زالت سيدة البلاد الأولى , مازالت فرنسا تمارس علينا وصاية غير مباشرة مازالت فرنسا جزء من هويتنا في بؤرة لا شعورنا الجمعي 
المشكلة ليست في فرنسا ولا في مسئولينا الذين هواهم باريسي , المشكلة في الوعي الجمعي للشعب الجزائري الذي تشكل في ظل احتلال دام اكثر من قرن , والقضية التي نحن اليوم بصددها هو تحرير الوعي الجمعي الشعبي من براثن هذا الخنوع , والأمر يتطلب تعبئة جماهيرية يقوم بها مثقفون رساليون يؤمنون بأن الثورة لم تنته بانتهاء الاستقلال بل أن الثورة تتغير في تجلياتها المتعددة والمتكاملة فان كانت قبل الاستقلال ثورة سلاح , فإنها  بعد الاستقلال ثورة بناء الشخصية الجزائرية بمقوماتها الحقيقية القائمة على الدين الاسلامي واللغة العربية والهوية الامازيغية , فنحن حررنا الدولة الجزائرية من فرنسا لكننا لم نحرر الشخصية الجزائرية من براثينها 
ان تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي الغاشم لعمري لهو الجهاد الأصغر ,أما الجهاد الأكبر فهو أن نتحرر من الهوى الفرنسي , من الجبن والخيانة والضعف أن نرمي الأمر برمته على الدولة وعلى النظام , فالنظام ما هو الا صوت الشعب ,او هو الأحلام وفلتات اللسان التي تعبر عن اللاشعور الجمعي للشعب 
النظام لم يلزمنا أن نتكلم اللغة الفرنسية في المؤسسات ولا نجعل منها لغتنا في الشارع , نحن الذين خنا تاريخ ثورتنا ونسينا جرائم فرنسا , لنتأمل قليلا مظلومية آل البيت وكيف ان المرجعيات الشيعية تحييه  في كل مناسبة وتوزعه على مدار العام بأكمله بذكرى ميلاد أو استشهاد احد أفراد آل البيت ويجعلون الوعي الجمعي الشيعي يتشكل في حزن على ما أصابهم والدعاء لثاراتهم , المطلوب منا نحن كجزائريين ان نشكل مظلوميتنا الخاصة بما فعلته بنا فرنسا من نهب وسلب وقتل واغتصاب وفساد ودمار للإنسان وللحيوان وللأرض وللتاريخ , ونسال أنفسنا كم أغنية تذكرنا بجرائم فرنسا أنجزناها ؟ 
كم فيلم سينمائي ؟
 كم مسلسل تليفزيوني 
كم وثائقي ؟
 كم من مسلسل كارتوني ؟
 كم من أناشيد أطفال ؟
كم من قصص للصغار ؟
كم من روايات وقصص للكبار ؟
لماذا لا نؤسس لأدب الذاكرة الاستعمارية ؟
لماذا لا نؤسس لسينما الذاكرة الاستعمارية ؟
ويحق لنا اليوم أن نتساءل لماذا تعمل بعض الجهات في خبث ومكر على التشكيك في تاريخ ثورتنا المجيدة , وتغذي صراعات بعض من الأحياء من مجاهدينا , وتشكك في بعض الشهادات وتجعلهم يتبادلون التخوين والعمالة واتهام بعضهم البعض بتصفية رفقاء الجهاد 
نعم ان الثورة الجزائرية ليست ثورة ملائكة , لا يمكن ان نضفي عليها التقديس , لكنها في نفس الوقت ليست ثورة أشرار ولا ثورة شياطين حتى نحاول تسويدها وتشويهها 
هي ثورة بشر اصحاب حق وارض وعرض اغتصب , هي ثورة مظلوم أدت ما عليها بوسائلها وبمقدور من قام بها بعد ان استفرغ الجهد وبذل  النفس والمال والولد  
ان الجيل المهيأ لاستلام المشعل من جيل الثورة هو ابن فرنسا الهوى وليس ابن الجزائر ,هذا الجيل تم غسل وعيه والتلاعب بلاوعيه وتم برمجته عصبيا على ان يكره المجاهدين وأن يندم لخروج فرنسا من الجزائر و عظيم أمنيته ان يهاجر لفرنسا , هو يحمل تقهقر الجزائر وتدهورها للمجاهدين ويرى فيهم أنهم مصاصوا ثروات الجزائر وان لو بقت فرنسا هنا لم كان حالنا هذا الحال 
ان الشباب الجزائري فقد وطنيته وهو لا يؤمن بوطنه إلا في المنتخب الوطني لكرة القدم في التصفيات 
أما دون ذلك فهو يطالب بحقوقه وينسى واجباته وأصبح يرى في الحصول على وظيفة حكومية براتب محترم وسكن حق مقدس له ويجب أن يتحقق بأي ثمن ولا يهم الطريقة ولا الوسيلة , والكل أصبح يقول بأعلى صوت دون خجل : اخذ حقي انا ايضا من ثروة الوطن , هم نهبوا الخزينة العمومية وأنا أنهب ما تقع يدي عليه 
لقد تم تحويل الفساد من خطيئة الى ثقافة وأصبح الجميع على مختلف المستويات والرتب والوظائف والتوجهات يردد مبررا ما يقوم به من فساد : "انه أمر عادي ".
لا يجتمع فساد مع وطنية كما لا يجتمع حب فرنسا مع الوطنية , ان البلاد اليوم على مفترق الطرق ,إما ان توضع على السكة الصحيحة حتى تنطلق أو تواصل الانحراف حتى يتم الغرق , والمشكل ليس في الوطن كحدود بل المشكلة في الوطن كوقود , ووقود الوطن هو المجتمع وروح المجتمع هو شبابه , وشبابه اليوم فاقدا لهويته , وهويته تسترد بإخراج حب فرنسا من قلبه وذلك لا يتم إلا بإلقاء ثورة شعبية جديدة بين يدي الشعب يتلقفها , هذه الثورة ليست ثورة تحرير وطن بل ثورة تحرير هوية  .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=74998
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 02 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28