حكى لي صديق قصة حقيقية طريفة وقعت أيام الحكم الملكي حيث كان الاقطاع يهيمن على مقدرات الفلاحين غير ان الدولة يومها - وكما هي في كل زمان - لا تخلو من الخيرين ، فقد كان هناك فلاح له قطعة ارض ورثها عن اجداده امتدت لها عين احد الشيوخ الملاكين فلم يكفه مئات الدونمات التي يملكها فادعى ان قطعة الارض هذه تعود له وعلى طريقة ( إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجةً ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب ... ) وعندما يئس الفلاح من حسم الامور عشائرياً اراد ان يرفع النزاع الى القضاء ، ولكنه كلما كتب عريضته شارحاً فيها مظلوميته وقبل أن يدخلها الى القاضي أوصلت عيون الشيخ الخبر فتتناوله الالسن اما تستحي أما تخجل ؟؟ فإن أصر تلقى ما لا يرضى من الجر والعر واللكم أحياناً حتى يعود الى داره حزنان أسِفا وذات يوم قصد ( المصرفية) أي مركز المحافظة متنكراً واتى صاحب العرائض فقال له اكتب ( السيد القاضي اذا حچينا بلوة واذا سكتنا بلوة ) وعندما اعترض على هذا النص قال له اكتب ما أقول لك يرحمك الله والوزر عليّ مهما كان وأقنعه بذلك وعندما وصلت العريضة الى القاضي أدرك ان وراء هذه العريضة لغز كبير ومعاناة طويلة فارسل على الفلاح واكرمه واعاد له حقه . الوطنيون اليوم في العراق إن (سكتوا بلوة وان نطقوا بلوة) فإن سكتوا قلوبهم تحترق وهم يرون البعض من الفاسدين ( يقضمون مال الله قضم الابل نبتة الربيع ) لم يتذكروا قدوتهم واسوتهم من الصالحين ولم يتذكروا أيضاً تاريخاً مليئاً بالتضحيات نورته دماء الشهداء والصديقين ، وإن نطقوا راحت قنوات الشر والفتنة ، قنوات البعث وعهده البغيض ، قنوات العهر والفساد ، قنوات التمويل المشبوه والنوايا السود للعراق وشعبه راحت تطبل وتزمّر لتحول كل شيء في هذا الوطن الى نتونة وفساد وفشلٍ وضياع زارعةً بذلك اليأس والاحباط وروح الانتقام والثأر حتى غدونا نرى من يرضع ثدي الدولة صباح مساء وتزق في فمه الملايين يتنكر لكل هذا الاحسان ويكون اول الساخطين !!! أمام هذا التعقيد لا غرابة أن يعتزل الوطنيون المخلصون المشهد السياسي وينزووا بعيداً ريثما تتجلى الصورة وتتوضح الخنادق فالبلاد فيها فساد ولكن ليس كل مافيها فاسدين ولازال بين النقد للتقويم والنقد للتهديم فرق كبير ونوايا مختلفة . اللهم اهدنا سواء السبيل .