• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المعجزات بين الدعاء والتفويض (( القسم الرابع )) .
                          • الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي .

المعجزات بين الدعاء والتفويض (( القسم الرابع ))

بسم الله الرحمن الرحيم

مناقشة بحث المعجزة في تفسير الميزان

قال السيد الطباطبائي في تفسير الميزان: (وأما قوله تعالى : " قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا " فليس مدلوله نفي تأييد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالآيات المعجزة وإنكار نزولها من أصلها كيف ؟ وهو ينفيها عن نفسه بما أنه بشر رسول ، ولو كان المراد ذلك لأفاد إنكار معجزات الأنبياء جميعا لكون كل منهم بشرا رسولا ، وصريح القرآن فيما حدث من قصص الأنبياء وأخبر عن آياتهم يناقض ذلك ، وأوضح من الجميع في مناقضة ذلك نفس الآية التي هي من القرآن المتحدي بالاعجاز . بل مدلوله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشر رسول غير قادر من حيث نفسه على شئ من الآيات التي يقترحون عليه ، وإنما الامر إلى الله سبحانه إن شاء أنزلها وان لم يشأ لم يفعل قال تعالى : " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون " الانعام : 109 ، وقال حاكيا عن قوم نوح : " قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين قال إنما يأتيكم به الله إن شاء " هود : 33 ، وقال : " وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله " المؤمن : 87 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة)[1].

غير ان السيد الطباطبائي في موضع آخر في تفسيره الميزان يتوسع في مناقشة قضية المعجزة فيذكر قضايا خطيرة متعلقة بها ، نذكر منها التالي:

1.       يرى السيد الطباطبائي ان المعجزة والسحر لهما نفس المنشأ وهو نفس الانسان ! قال: (أن حدوث الحوادث الخارقة للعادة إجمالا ليس في وسع العلم إنكاره والستر عليه ، فكم من أمر عجيب خارق للعادة يأتي به أرباب المجاهدة وأهل الارتياض كل يوم تمتلي به العيون وتنشره النشريات ويضبطه الصحف والمسفورات بحيث لا يبقى لذي لب في وقوعها شك ولا في تحققها ريب[2] . وهذا هو الذي ألجأ الباحثين في الآثار الروحية من علماء العصر أن يعللوه بجريان امواج مجهولة الكتريسية مغناطيسية فافترضوا أن الارتياضات الشاقة تعطي للانسان سلطة على تصريف أمواج مرموزة قوية تملكه أو تصاحبه إرادة وشعور وبذلك يقدر على ما يأتي به من حركات وتحريكات وتصرفات عجيبة في المادة خارقة للعادة بطريق القبض والبسط ونحو ذلك . وهذه الفرضية لو تمت واطردت من غير انتقاض لأدت إلى تحقق فرضية جديدة وسيعة تعلل جميع الحوادث المتفرقة التي كانت تعللها جميعا أو تعلل بعضها الفرضيات القديمة على محور الحركة والقوة ولساقت جميع الحوادث المادية إلى التعلل والارتباط بعلة واحدة طبيعية . فهذا قولهم والحق معهم في الجملة إذ لا معنى لمعلول طبيعي لا علة طبيعية له مع فرض كون الرابطة طبيعية محفوظة ، وبعبارة أخرى إنا لا نعني بالعلة الطبيعية إلا أن تجتمع عدة موجودات طبيعية مع نسب وروابط خاصة فيتكون منها عند ذلك موجود طبيعي جديد حادث متأخر عنها مربوط بها بحيث لو انتقض النظام السابق عليه لم يحدث ولم يتحقق وجوده)[3].

 

2.       وقال ايضاً: (القرآن يثبت تأثيرا في نفوس الأنبياء في الخوارق[4] ثم إنه تعالى قال : ( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون ) المؤمن - 78 . فأفاد إناطة اتيان أية آية من أي رسول بإذن الله سبحانه فبين أن إتيان الآيات المعجزة من الأنبياء وصدورها عنهم إنما هو لمبدأ مؤثر موجود في نفوسهم الشريفة متوقف في تأثيره على الاذن[5] كما مر في الفصل السابق . قال تعالى : ( واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ) البقرة - 102 . ولآية كما انها تصدق صحة السحر في الجملة كذلك تدل على أن السحر أيضا كالمعجزة في كونه عن مبدأ نفساني في الساحر لمكان الاذن[6] . وبالجملة جميع الأمور الخارقة للعادة سواء سميت معجزة أو سحرا أو غير ذلك ككرامات الأولياء وسائر الخصال المكتسبة بالارتياضات والمجاهدات جميعها مستندة إلى مباد نفسانية ومقتضيات إرادية على ما يشير إليه كلامه سبحانه[7] الا ان كلامه ينص على أن المبدأ الموجود عند الأنبياء والرسل والمؤمنين هو الفائق الغالب على كل سبب وفي كل حال ، قال تعالى : ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون وان جندنا لهم الغالبون ) الصافات - 173 ، وقال تعالى : كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) المجادلة - 21 ، وقال تعالى : إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد ) المؤمن - 51 . والآيات مطلقة غير مقيدة . ومن هنا يمكن أن يستنتج أن هذا المبدأ الموجود المنصور أمر وراء الطبيعة وفوق المادة . فان الأمور المادية مقدرة محدودة مغلوبة لما هو فوقها قدرا وحدا عند التزاحم والمغالبة ، والأمور المجردة أيضا وان كانت كذلك إلا أنها لا تزاحم بينها ولا تمانع إلا ان تتعلق بالمادة بعض التعلق ، وهذا المبدأ النفساني المجرد المنصور بإرادة الله سبحانه إذا قابل مانعا ماديا أفاض إمدادا على السبب بما لا يقاومه سبب مادي يمنعه فافهم)[8].

فمذهب السيد الطباطبائي في المعجزة لا يمكن قبوله لانه يلزم منه ان نفس النبي (صلى الله عليه وآله) لها مدخلية بخلق معجزة القرآن الكريم ! 

إنَّ المعجزات - كما ذكرنا آنفاً - هي من فعل الله سبحانه وتكون نتيجتها مستحيلة التحقق وفق القوانين المادية وليست ممتنعة عقلاً ولا يمكن للانسان الاتيان بها على الاطلاق. بينما الخوارق فهي امور خارقة للقوانين المادية المعروفة ياتي بها الساحر بعد تعلمه طريقة ورياضات معينة. وكل انسان يمكنه ان يكون ساحراً وياتي بالخوارق اذا تعلم منهج السحر اي الطرق والرياضات الخاصة بها. فلا وجه للمقارنة بين المعجزات والخوارق.

3.       قال: (ثم إنه تعالى قال : ( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون ) المؤمن - 78 . فأفاد إناطة اتيان أية آية من أي رسول بإذن الله سبحانه فبين أن إتيان الآيات المعجزة من الأنبياء وصدورها عنهم إنما هو لمبدأ مؤثر موجود في نفوسهم الشريفة متوقف في تأثيره على الاذن) ، ونقول: الآية الكريمة المذكورة لا تبين ان الاتيان بالمعجزات من الانبياء وصدورها عنهم لمبدا موجود في نفوسهم الشريفة ، وإلا فأين ورد ذلك فيها ؟!!

 

4.    قال السيد الطباطبائي: (قال تعالى : ( واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ) البقرة - 102 . ولآية كما انها تصدق صحة السحر في الجملة كذلك تدل على أن السحر أيضا كالمعجزة في كونه عن مبدأ نفساني في الساحر لمكان الاذن) ، نقول: ولم يكتف السيد الطباطبائي كما في الفقرة السابقة بأن استفاد من الآية الكريمة ما ليس فيها ، بل ربط بينها وبين آية اخرى لوجود اشتراك لفظي بينهما هو كلمة (الاذن) ! فافترض ان معنى (الاذن) في الآيتين الكريميتين هو معنى واحد ! بينما يذهب غيره من المفسرين الى غير ذلك. وقال الشيخ الطوسي في تفسيره التبيان: (والاذن في اللغة على ثلاثة اقسام: احداها: بمعنى العلم وذكرنا شاهده [قال في نص سابق: قوله: ((فاذنوا بحرب من الله)) معناه اعلموا ، بلا خلاف]. والثاني: الاباحة والاطلاق كقوله ((فانكحوهن بإذن اهلهن)) ، وقوله: ((يا ايها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت ايمانكم)). والثالث: بمعنى الامر ، كقوله: ((أنزله على قلبك بإذن الله)) )[9].

وقال الشيخ الطوسي: (وقوله: ((وأحيي الموتى بإذن الله)) على وجه المجاز إضافة الى نفسه وحقيقته ادعوا الله بإحياء الموتى فيحييهم الله فيحيون بإذنه)[10].

وقال الشيخ الطوسي عن قوله تعالى: ((وما ارسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله)) قال: (والاذن على وجوه: يكون بمعنى اللطف ، كقوله: ((وما كان لنفس ان تؤمن إلا بإذن الله)). ومنها : الامر ، مثل هذه الاية[11]. ومنها التخلية نحو ((وما هم بضارين به من احد إلا بإذن الله)) )[12].

وعن قوله تعالى ((وما كان لنا أن ناتيكم بسلطان الا بإذن الله) قال الشيخ الطوسي ان فيهما قولان (الثاني: ان ما اتيناكم به بإذن الله ، لأنه مما لا يقدر عليه البشر ، ونحن بشر)[13].

ومن الاحاديث التي ورد فيها كلمة (الاذن) نختار التالي:

فعلى سبيل المثال نقرأ في توحيد الشيخ الصدوق في باب (باب العرش وصفاته) عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: (فأرسل محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فكان الدليل على الله بإذن الله عز وجل حتى مضى دليلاً هادياً فقام من بعده وصيه عليه السلام دليلاً هادياً على ما كان هو دل عليه من أمر ربه من ظاهر علمه ، ثم الائمة الراشدون عليهم السلام)[14].

وفي (باب المشيئة والارادة) روى الشيخ الصدوق عن امير المؤمنين (عليه السلام) انه قال: (ان اهل الارض لا يستطيعون لي شيئاً إلا بإذن الله عز وجل).[15]

وفي نفس الباب روى الشيخ الصدوق في معنى قوله تعالى ((وما كان لنفس ان تؤمن إلا بإذن الله)) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (فليس ذلك على سبيل تحريم الايمان عليها ولكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله ، وإذنه أمره لها بالايمان ما كانت مكلفة متعبدة ، وإلجاؤه إياها الى الايمان عند زوال التكليف والتعبد عنها)[16].

وفي (باب الاستطاعة) روى الشيخ الصدوق في توحيده: عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: (إن الله عز وجل خلق الخلق فعلم ما هو صائرون إليه ، وامرهم ونهاهم ، فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل الى الاخذ به ، وما نهاهم عنه فقد جعل لهم السبيل الى تركه ، ولا يكونوا آخذين ولا تاركين إلا بإذن الله عزَّ وجل ، يعني بعلمه[17])[18].

وروى الكليني في الكافي بسنده عن الامام الصادق (عليه السلام) ان امير المؤمنين (عليه السلام) قال: (كلوا ما يسقط من الخوان فإنه شفاء من كل داء بإذن الله تعالى لمن أراد أن يستشفي به)[19].

وفي الكافي بسنده عن ابان بن تغلب وغيره عن الامام الصادق (عليه السلام) انه سُئِلَ هل كان عيسى بن مريم أحيا أحداً بعد موته حتى كان له رزق ومدة وولد؟ فقال (عليه السلام): (نعم إنه كان له صديق مواخ له في الله تعالى وكان عيسى عليه السلام يمر به وينزل عليه وإن عيسى غاب عنه حيناً ثم مر به ليسلم عليه فخرجت إليه أمه فسألها عنه فقال له: مات يا رسول الله ، فقال: اتحبين ان تراه ، قالت: نعم ، فقال لها: فإذا كان غداً أتيتك حتى احييه لك بإذن الله تعالى ، فلما كان من الغد اتاها فقال لها: انطلقي معي إلى قبره فانطلقا حتى أتيا قبره فوقف عليه عيسى عليه السلام ثم دعا الله تعالى فانفرج القبر وخرج ابنها حياً فلما رأته امه ورآها بكيا فرحمهما عيسى عليه السلام فقال له عيسى: أتحب أن تبقى مع امك في الدنيا ، فقال: يا نبي الله بأكل ورزق ومدة أم بغير أكل ولا رزق ولا مدة ن فقال له عيسى عليه السلام: بأكل ورزق ومدة وتعمر عشرين سنة وتزوج ويولد لك ، قال: نعم ، فدفعه عيسى عليه السلام إلى امه فعاش عشرين سنة وتزوج وولد له)[20].

وفي العيون بسنده عن الامام الرضا (عليه السلام) في حديث انه قال: (قال الله عز وجل "وما هم بضارين به من احد إلا بإذن الله" يعني بعلمه)[21].

 

 

5.    قال السيد الطباطبائي: (وبالجملة جميع الأمور الخارقة للعادة سواء سميت معجزة أو سحرا أو غير ذلك ككرامات الأولياء وسائر الخصال المكتسبة بالارتياضات والمجاهدات جميعها مستندة إلى مباد نفسانية ومقتضيات إرادية على ما يشير إليه كلامه سبحانه) ، ونقول: قد علمت انه لم يثبت ان المعجزة تستند الى مباديء نفسية. فعلى سبيل المثال نجد ان معجزة القرآن الكريم لا يمكن ان تستند الى مبديء نفسية لأن القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه ، والله عزَّ وجل يخلق كلامه. فلا مدخلية لنفس النبي (صلى الله عليه وآله) بكلام يخلقه الله تعالى ، ام يريدون ان يقولون ان الله تعالى اشرك نبيه في خلق كلامه ، والعياذ بالله.

 

6.    قال: (القرآن كما يسند الخوارق إلى تأثير النفوس يسندها إلى أمر الله تعالى) ، وقال في موضع تالي: (فالأمور جميعا سواء كانت عادية أو خارقة للعادة وسواء كان خارق العادة في جانب الخير والسعادة كالمعجزة والكرامة ، أو في جانب الشر كالسحر والكهانة مستندة في تحققها إلى أسباب طبيعية) ، ونقول: قد علمتَ ان السيد الطباطبائي لم يميز بين المعجزة والخوارق ويعتبرهما قضية واحدة (فهذا النص يساوي بين المعجزة والسحر في احتياجها الى اسباب طبيعية لانتاجها) ! وقوله انها تستند الى تأثير النفوس امر خطير فهو تأييد للمنهج المنحرف الذي جاء به البعض ومنهم سروش صاحب كتاب (التجربة النبوية) الذي يقول ان القرآن من انتاج النبي (صلى الله عليه وآله)!! وهذا المنهج الذي يقول بالجمع بين تأثير النفس مع امر الله تعالى في انتاج المعجزة فهل ذاك لفقر في امر الله يتممه تأثير نفس النبي ، ام لعجز امر الله سبحانه يكمله تأثير نفس النبي !! حاشا لله من الفقر والعجز.

 

7.    قال: (كلا فليست المعجزة معجزة من حيث أنها مستندة إلى سبب طبيعي مجهول حتى تنسلخ عن اسمها عند إرتفاع الجهل وتسقط عن الحجية ، ولا أنها معجزة من حيث استنادها إلى سبب مفارق للعادة ، بل هي معجزة من حيث أنها مستندة إلى أمر مفارق للعادة غير مغلوب السبب قاهرة العلة البتة) ، ونقول: وهذا الكلام قد يخص القضايا التي فيها تفاوت كإلقاء السحرة لعصيهم والتي خيل للحاضرين انها حية تسعى مع معجزة القاء النبي موسى (عليه السلام) للعصا وتحولها الى حية تسعى ، ولكن ليست كل المعجزات فيها تفاوت ، فمثلاً احياء عيسى (عليه السلام) للموتى ، فليس هناك تفاوت في احياء الموتى ولا سبب مغلوب فيه. وبهذا ينكشف ضعف هذه الفكرة.

 

8.    قال: (أن الأنبياء والرسل عليهم السلام لم يأتوا بالآيات المعجزة لاثبات شئ من معارف المبدأ والمعاد مما يناله العقل كالتوحيد والبعث وأمثالها وإنما اكتفوا في ذلك بحجة للعقل والمخاطبة من طريق النظر والاستدلال كقوله تعالى : ( قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض ) : إبراهيم - 10 في الاحتجاج على التوحيد قوله تعالى : ( ما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ) ص - 28 في الاحتجاج على البعث . وانما سئل الرسل المعجزة وأتوا بها لاثبات رسالتهم وتحقيق دعواها) الخ ، ونقول: أي ان السيد الطباطبائي يرى ان المعجزة انما تثبت رسالة النبي وانه مرسل من قبل الله تعالى ، ولكن المعجزة لا تتعلق بإثبات تفاصيل تلك الرسالة من توحيد ونبوة وإمامة ومعاد !! فتفاصيل الرسالة يتم عن طريق حجة العقل وطريق النظر والاستدلال !! ولكن الم يختلف المسلمون فيما بينهم في النظر والاستدلال وحجة العقل ، فما هو الضمان للحق ان لم يكن تقرير النبي والوصي وكلامهم الفصل في القضايا المختلفة. ولذلك جاء الامر بالتمسك بالثقلين الكتاب والعترة وليس التمسك بحجة العقل وطريق النظر والاستدلال بعيداً عن النبي او الوصي. وهل تثبت نبوة النبي ووصاية وصيه الا من خلال المعجزة ؟!

 

9.    لنا ان نتسائل: لو كان للانبياء (عليهم السلام) وللسحرة تأثير لنفوسهم في احداث المعجزة والسحر ، على التوالي ، فهذا يعطي الذريعة للكفار بجحود المعجزة لأن مصدرها قد يكون نفس الساحر وانها نتيجة السحر ، كما في معجزة انشقاق القمر ، قال تعالى: ((اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ ، وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ)) ، فوفق مذهب السيد الطباطبائي يكون الكفار معذورين في انهم نسبوا انشقاق القمر الى السحر لأن تأثير السحر انما مصدره نفس الساحر كما ان المعجزة مصدرها نفس النبي !! وربما يقول قائل ان المعجزة الالهية تكون مستندة لسبب غير مقلوب كما هو رأي السيد الطباطبائي ، ولكن قد يرد الكافر على هذا ان النفوس متفاوتة فيما بينها فنفس اقوى من نفس ، وتكون نفوس الانبياء اقوى ممن سواهم وبذلك تكون معجزاتهم النفسية اقوى من غيرهم !! 

فلا يمكن ان نقبل القول بمدخلية نفوس الانبياء بإحداث المعجزة ، بل الله سبحانه هو خالق كل شيء  ، والمعجزة شيء من بين الاشياء ، فهو خالقها ، ولا يمكن ان يشرك الله سبحانه في فعل الخلق. 

ولا يخفى ان آراء السيد الطباطبائي يمكن اعتبارها مرآة لآراء مدرسة الحكمة المتعالية فهو من اساطينها ، ولذلك يمكننا الجزم بان هذه المدرسة الفلسفية-العرفانية ترى ان الانسان يمكنه من خلال الرياضات ان يصل الى امتلاك المقدرة على التحكم في الكائنات. ولا نبالغ في هذا القول بل ان ما ورد في كلام السيد الطباطبائي من حيث تأثير نفس الانسان في إحداث المعجزات والخوارق يكشف عن فتح الباب للانسان للتحكم في مقدرات التكوين. وفي نفس السياق نجد في نتاجات مدرسة الحكمة المتعالية ما يؤيد ما توصلنا اليه حيث نقرأ قول سيد كمال الحيدري في معرض كلامه عن الاسماء الحسنى: (إنَّ الانسان لو رزق علم الاسماء وعلم الروابط والعلاقات التي بينها وبين الاشياء وما تقتضيه اسماؤه تعالى مفردة ومؤلّفة ، علم النظام الكوني بماجرى وبما يجري عليه من قوانين كلّية منطبقة على جزئياتها واحداً بعد واحد)[22].

كما أنَّ لدى غالبية المشتغلين بالعرفان والفلسفة كتب روحانية تتحدث عن علم الحروف وعلم الرمل وعلم الطلاسم والتنجيم والسحر وتسخير الجان ، وابرز من برع في هذا الميدان الاب الروحي لمدرسة الحكمة المتعالية أبن عربي.

إذن الحكمة المتعالية ليست مدرسة معرفية فقط بل هي مدرسة تطمح للتحكم بمقدرات الانسان من الناحية الفكرية والواقعية.

فماذا يمكن ان يحدث لو تمكن إنسان من الحصول على مفاتيح التحكم بمقدرات الناس وكان غير معصوم بحيث يمكن ان يقترف اخطاءاً متنوعة الحجم والتاثير ! هل نتوقع الخير للانسانية في تلك الحالة أم نتوقع تدهور مصيرها نحو الشر ؟ وقبل ذلك هل من الممكن فعلاً ان يحصل إنسان غير معصوم على مفاتيح التحكم بمصير البشر والانسانية والواقع ؟ ام انه يمكن للانسان الحصول على بعض المعرفة التحكمية بمقدرات الانسانية من قبيل السحر وتسخير الجان ، وكلنا يعرف موقف الشرع المقدس من تحريم السحر وتحريم ما كان مضراً من تسخير بالمؤمنين.

 

 

________________________________________

 

الهوامش:

[1] تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 19 - ص 64.

 

[2]  من الخطأ مقارنة المعجزات بالخوارق ، فالمعجزات هي من فعل الله سبحانه وتكون نتيجتها اشياء مستحيلة التحقق وفق القوانين المادية وليست ممتنعة عقلاً ولا يمكن للانسان الاتيان بها على الاطلاق. أما الخوارق فهي امور خارقة للقوانين المادية المعروفة ياتي بها الساحر بعد تعلمه طريقة ورياضات معينة. وكل انسان يمكنه ان يكون ساحراً وياتي بالخوارق اذا تعلم منهج السحر اي الطرق والرياضات الخاصة بها. فلا وجه للمقارنة بين المعجزات والخوارق.

[3] تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 1 - ص 73 – 78.

 

[4]  هنا نجد ان هناك خلطاً بين مفهومي المعجزة والخوارق ، فالانبياء لا ياتون بالخوارق وانما يأتون بمعجزات الله سبحانه التي تجري على ايديهم. واما الخوارق فهي من فعل السحرة واهل الرياضات.

 

[5]  الآية الكريمة المذكورة لا تبين ان الاتيان بالمعجزات من الانبياء وصدورها عنهم لمبدا موجود في نفوسهم الشريفة ، وهي قوله تعالى: ((وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون)) ، فأين ورد ذلك فيها ؟!!

 

[6]  يفترض السيد الطباطبائي ان معنى (الاذن) في الآيتين الكريميتين هو معنى واحد ! بينما يذهب غيره من المفسرين الى غير ذلك.

قال الشيخ الطوسي في التبيان عن قوله تعالى: ((وما ارسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله)) قال: (والاذن على وجوه: يكون بمعنى اللطف ، كقوله: ((وما كان لنفس ان تؤمن إلا بإذن الله)). ومنها : الامر ، مثل هذه الاية . ومنها التخلية نحو ((وما هم بضارين به من احد إلا بإذن الله))).

 

[7]  قد علمت انه لم يثبت ان المعجزة تستند الى مباديء نفسية. فعلى سبيل المثال نجد ان معجزة القرآن الكريم لا يمكن ان تستند الى مبديء نفسية لأن القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه ، والله عزَّ وجل يخلق كلامه. فلا مدخلية لنفس النبي (صلى الله عليه وآله) بكلام يخلقه الله تعالى ، ام يريدون ان يقولون ان الله تعالى اشرك نبيه في خلق كلامه ، والعياذ بالله.

 

[8] المصدر السابق.

 

[9]  التبيان في تفسير القرآن / الشيخ الطوسي – ج1 ص380.

 

[10]  التبيان في تفسير القرآن / الشيخ الطوسي – ج2 ص468.

 

[11]  يقصد قوله تعالى: ((وما ارسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله)).

 

[12]  التبيان في تفسير القرآن / الشيخ الطوسي – ج3 ص243.

 

[13]  التبيان في تفسير القرآن / الشيخ الطوسي – ج6 ص281.

 

[14]  التوحيد / الشيخ الصدوق – ص324.

 

[15]  التوحيد / الشيخ الصدوق – ص338.

 

[16]  التوحيد / الشيخ الصدوق – ص343.

 

[17]  في هامش ص348 قال عن قوله (يعني: بعلمه) قال محقق الكتاب السيد هاشم الحسيني الطهراني: (الظاهر ان هذا تفسير من بعض الرواة أو من الصدوق – رحمه الله – كما استظهره المجلسي – رحمه الله).

 

[18]  التوحيد / الشيخ الصدوق – ص348.

 

[19]  الوافي / الفيض الكاشاني – ج11 ص503.

 

[20]  الوافي / الفيض الكاشاني – ج14 ص346.

 

[21]  الحدائق الناضرة في احكام العترة الطاهرة – المدث الشيخ يوسف البحراني – ج18 ص178.

 

[22] بحوث عقائدية 4-6 / السيد كمال الحيدري / دار فراقد ، الطبعة الثالثة 2011م – ص24.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=75503
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 03 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19