• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مفهوم التقوى في ظلال القرآن .
                          • الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي .

مفهوم التقوى في ظلال القرآن

        بسم الله الرحمن الرحيم

✨التَّقوى في اللُّغَة مُشتقَّة مِن جذر "وقى"، يقي، وِقايَة؛ بِمعنى جَعل بيَنه وبينَ شيءٍ آخَر حاجِزا ومانِعا وحِرزًا وحِمايَة؛ كأن تقُول: وَقى نفسَه مِن الحَر أو مِن ضربات الرَّصاص مَثلا؛ وغالبُ اقترانِها في القُرآن الكَريم بالله سُبحانَه وتعالى واليَوم الآخِر؛ ولا يَخفى أنَّه اقتِرانٌ مَجازي مقصُود بِه اتِّقاءُ سخَط الله وعقابِه؛ واتِّقاءُ أهوال ذَلك اليَوم وشدَّتِه؛ أو شَيئا على نَحو ذَلك.{ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة : 24].{وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} [البقرة : 123].قبلَ أن نُبيِّنَ مَعنى التَّقوى في القُرآن الكَريم وممَّ تكُون التَّقوى، وصفات المُتَّقين وجزاؤهم في الدنيا والآخِرَة (بِما يتَّسِع لَه المَقام)؛ أبادِر لأقرِّرَ أخطَر شَيءٍ في المَوضُوع؛ كانَ سبَبًا رئيسًا لخطِّي لِهذه الأسطُر؛ وهُو أنَّ جنَّة النَّعيم السَّرمديَّة لا يدخُلُها إلاَّ المُتَّقُون؛ ولا يستحقُّها إلاَّ المُتَّقُون؛ وجنَّاتُها وأنهارُها وثمارُها وخيراتُها كُلُّها حصريَّةٌ على المُتَّقين! ومَن لَم يكُن مِن المُتَّقين فلا مَطمَع لَه في دُخولِ الجنَّة أبَدًا... هذا ما يقُولُه القُرآن ببيانٍ ما بعدَه بيانٍ، ونصاعَة ما بعدَها نصاعَة!

✨ أنّ التقوى إنّما هي زاد المسير إلى لقاء الله تعالى والقرب منه، ولا يمكن لما هو زاد السفر أن يكون هو الهدف. إن الهدف النهائي والغاية الأخيرة من العبادة والتقوى ، هو الوصول إلى لقاء الله تعالى: ﴿ ... فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ .لذا نجد القرآن الكريم يعبِّر عن أولئك الذين كفروا بلقاء ربّهم أنّهم الأخسرون أعمالاً؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾.فإذا استطاع الإنسان أن يصل إلى مقام لقاء الله تعالى، ولا يتحقّق ذلك إلّا من خلال العبادة والتقوى، فقد انتهى إلى الفلاح الحقيقي؛ قال تعالى: ﴿... وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ حيث جعل الغاية من التقوى، الوصول إلى الفلاح: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ ، وعرّف المفلحين في آيات عديدة، بأنّ لهم الخيرات، وأنّهم ثقلت موازينهم ونحو ذلك. قال تعالى: ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾.من هنا نقف على السبب الحقيقي وراء جعل التقوى هي الملاك في الكرامة الحقيقية عند الله؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ... ﴾؛ لأنّ التقوى هي التي تؤدّي بالإنسان إلى سعادته الحقيقية وحياته الطيّبة الأبدية في جوار ربّ العزّة: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾، وهي الوسيلة الوحيدة إلى سعادة الدار الآخرة: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾، ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾  ، ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴾ ، بل هي الوسيلة لوصول الإنسان إلى بركات السماء والأرض: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾.

✨قال تعالى: ﴿ ... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ . أنّ أهل التقوى لهم مراتب، وأنّهم يختلفون في درجاتهم من حيث المعرفة والعمل الصالح، وهذا معناه أنّ ولاية الله لهم، تلائم حالهم في إخلاص الإيمان والعمل، لأنّ الله تعالى يقول:﴿ ... وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ،ويقول: ﴿ ... وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ . وعلى هذا الأساس، فنصيب المخلصين من أولياء الله من هذه الآية شيء، ونصيب من هو دونهم من المؤمنين المتوسّطين شيء آخر.أمّا نصيب المخلصين فهو ( أنّ من اتقى الله بحقيقة معنى تقواه ﴿ ... اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ... ﴾ ولا يتمّ ذلك إلاّ بمعرفته تعالى بأسمائه وصفاته، ثمّ تورّعه واتقائه بالاجتناب عن المحرّمات وتحرز ترك الواجبات خالصاً لوجهه الكريم ﴿ ... مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ... ﴾ . ولازمه أن لا يريد إلاّ ما يريده الله من فعل أو ترك، ولازمه أن يستهلك إرادته في إرادة الله، فلا يصدر عنه فعل إلاّ عن إرادة من الله. ولازم ذلك أن يرى نفسه وما يترتّب عليها من سمة أو فعل، ملكاً طلقاً لله سبحانه، يتصرّف فيها ما يشاء، وهو ولاية الله، يتولّى أمر عبده، فلا يبقى له من الملك بحقيقة معناه شيء إلاّ ملّكه الله سبحانه، وهو المالك لما ملّكه، والمُلك لله عزّ اسمه. وعند ذلك ينجيه الله من مضيق الوهم وسجن الشرك بالتعلّق بالأسباب الظاهرية ﴿... يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ... ﴾.أمّا الرزق المادّي، فإنّه كان يرى ذلك من عطايا سعيه، والأسباب الظاهرية التي كان يطمئن إليها، وما كان يعلم من الأسباب إلاّ قليلاً من كثير، كقبس من نار، يضيء للإنسان في الليلة الظلماء موضع قدمه، وهو غافل عمّا وراءه، لكن الله سبحانه محيط بالأسباب، وهو الناظم لها ينظمها كيف يشاء، ويأذن في تأثير ما لا علم له به من خباياها. وأمّا الرزق المعنوي الذي هو حقيقة الرزق الذي تعيش به النفس الإنسانية وتبقى، فهو ممّا لم يمكن  يحتسبه، ولا يحتسب طريق وروده عليه. وبالجملة هو سبحانه يتولّى أمره، ويخرجه من مهبط الهلاك، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ولا يفقد من كماله والنعم التي كان يرجو نيلها بسعيه شيئاً، لأنّه توكّل على الله، وفوّض إلى ربّه ما كان لنفسه. ﴿ ... وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ... ﴾ دون سائر الأسباب الظاهرية التي تخطئ تارة وتصيب أُخرى. ﴿ ... إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ... ﴾ لأنّ الأمور محدودة محاطة له تعالى، ﴿ ... قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ فهو غير خارج عن قدره الذي قدّره به.وأمّا نصيب من هو دونهم من المؤمنين فهو أنّ من يتّق الله ويتورّع عن محارمه، ولم يتعد حدوده، واحترم شريعته، فعمل بها؛ ﴿ ... يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ من مضائق مشكلات الحياة، فإنّ شريعته فطرية، يهدي بها الله الإنسان إلى ما تستدعيه فطرته، وتقضي به حاجته، وتضمن سعادته في الدنيا والآخرة ﴿ وَيَرْزُقْهُ ... ﴾ من الزوج والمال، وكلّ ما يفتقر إليه من طيب عيشه، وزكاة حياته ﴿ ... مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ... ﴾ ولا يتوقّع، فلا يخف المؤمن أنّه إذا اتقى الله، واحترم حدوده، حرم طيب الحياة، وابتلي بضنك المعيشة، فإنّ الرزق مضمون، والله على ما ضمنه قادر.﴿ ... وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ... ﴾ فاعتزاله عن نفسه فيما تهواه وتأمر به، وإيثاره إرادة الله سبحانه على إرادة نفسه، والعمل الذي يريده الله، على العمل الذي تهواه وتريده نفسه، وبعبارة أُخرى تدين بدين الله وتعمل بأحكامه ﴿ ... فَهُوَ حَسْبُهُ ... ﴾ ، أي كافيه فيما يريده من طيب العيش، ويتمنّاه من السعادة بفطرته، لا بواهمته الكاذبة. وذلك أنّه تعالى هو السبب الأعلى الذي تنتهي إليه الأسباب، فإذا أراد شيئاً فعله وبلغ ما أراده من غير أن تتغيّر إرادته، وأمّا الأسباب الأخر التي تشبّث بها الإنسان في رفع حوائجه، فإنّما تملك من السببية ما ملّكها الله سبحانه، وهو المالك لما ملّكها، والقادر على ما عليه أقدرها، ولها من الفعل مقدار ما أذن الله فيه، فالله كاف لمن توكّل عليه لا غيره  ﴿ ... إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ... ﴾ يبلغ حيث أراد، وهو القائل﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ ، ﴿ ... قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾(فما من شيء إلاّ له قدر مقدور، وحدّ محدود، والله سبحانه لا يحدّه حدّ ولا يحيط به شيء، وهو المحيط بكلّ شيء) .إذن عندما يدعو الإنسان ربّه أن يكون مدخله مدخل صدق، ومخرجه مخرج صدق، ويريد اليسر والتيسير في حياته، فالطريق إلى ذلك يمرّ من خلال التقوى. قال تعالى:  ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ﴾ . وقال تعالى: ﴿ ... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ . وقال أيضاً:  ﴿ ... فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ ﴾ . وقال : ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ ﴾ . أي (لا يضلّ في طريقه ولا يشقى في غايته التي هي عاقبة أمره، وإطلاق الضلال والشقاء يقضي بنفي الضلال والشقاء عنه في الدنيا والآخرة جميعاً، وهو كذلك، فإنّ الهدى الإلهي هو الدين الفطري الذي دعا إليه بلسان أنبيائه، ودين الفطرة هو مجموع الاعتقادات الأعمال التي تدعو إليها فطرة الإنسان وخلْقته، بحسب ما جهز من الجهازات) .قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (ولو أنّ السموات والأرضين كانتا على عبد رتقاً ، ثمّ اتقى الله، لجعل الله له منهما مخرجاً) . وقال أيضاً: (واعلموا أنّه من يتَّقِ اللهَ يجعلْ له مَخْرجاً من الفتن، ونوراً من الظلم) . وقال أيضاً: (فإنّ تقوى الله مفتاح سداد، وذخيرة معاد، وعتق من كلّ ملكة، ونجاة من كلّ هلكة، بها ينجح الطالب وينجو الهارب وتُنال الرغائب) .

📆14/4/2016

🕌مجمع اﻹمام الصدر




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=77213
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 04 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19