جاء في كتاب الإرشاد للشيخ المفيد رحمه الله: ج٢/ ص١٢١، من قصة دخول السبابا من أهل البيت (عليهم السلام) في مجلس يزيد لعنه الله:
(قالت فاطمة بنت الحسين عليهما السلام: فلما جلسنا بين يدي يزيد رق لنا، فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية - يعنيني - وكنتُ جارية وضيئة، فأرعدتُ، وظننتُ أن ذلك جائزٌ لهم، فأخذتُ بثياب عمّتي زينب، وكانت تعلم أن ذلك لا يكون.
فقالت عمتي للشامي: كذبت والله ولؤمت، والله ما ذلك لك ولا له.
فغضب يزيد وقال: كذبت، إن ذلك لي، ولو شئت أن أفعل لفعلت.
قالت: كلا والله ما جعل الله لك ذلك إلّا أن تخرج من ملتنا وتدين بغيرها).
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
من الضروري الالتفات للرّد الذي نطقت به عقيلة الطالبيين (عليها السلام)، إذ جاء في جملتين:
١. فقالت عمتي للشامي: كذبت والله ولؤمت، والله ما ذلك لك ولا له.
٢. قالت (ليزيد لعنه الله): كلا والله ما جعل الله لك ذلك.
نلاحظ:
- في القولين: تكذيب لإمكان حصول المطلوب، ففي الأول تكذيب للشامي، وفي الثاني تكذيب ليزيد لعنه الله، وجاء التكذيب مصحوبا بالقسَم (والله).
- في القولين: إخبار بأن الله تعالى لم يقدّر حصول ما يريدان (الشامي ويزيد لعنه الله).
فلو تأمّلنا في ذلك لأمكن القول: إن قولها (عليها السلام) جاء عن ثقة بالله وعلم بقضائه سبحانه، لكن هل لنا أن نعلم من أين جاءت تلك الثقة وهذا العلم؟!
يمكن القول: ليس لنا سيبل إلّا القرآن والعترة لنسألهما عن ذلك (نعم، وهذا في القرآن واضح للمتأمّل).
يقول عز وجل: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) [سورة الأحزاب: من الآية ٣٣].
من خلال استعمال (عنكم) في الآية نعرف:
١. أن أهل البيت عليهم السلام طاهرون مطهرون، ولا يمكن أن يتقرب منهم الرجس، ولذلك لا يمكن أن تتزوج أم كلثوم بنت أمير المؤمنين من عمر، وأيضا لا يمكن أن تكون فاطمة بنت الحسين جارية عند الرجل الشامي ولا عند يزيد لعنه الله.
٢. أنّ إذهاب الرجس (عن أهل البيت) وليس (من أهل البيت)، والفرق بين (عن) و(من) واضح، فعلى هذا نقول: إن الرجس بعيد من أهل البيت في الأصل، ومع هذا يريد الله ليذهب (عنهم) الرجس، فكم أصبح الرجسُ بعيداً؟ نعم، كان بعيدا فصار أبعد.
ومن ذلك نقول: إن القريبين من أهل البيت، مثلا أولادهم وأصحابهم (وهو القرب الروحي العقائدي) سيكونون في دائرة خالية من الرجس، ويكون الرجس بعيدا عنهم أيضا، لأنهم قريبون من أهل البيت عليهم السلام، وبالنتيجة: لا يمكن أبدا أن يقترب الرجس منهم، سواء عن طريق الرجل الشامي أو يزيد أو غيرهم.
نعم، لو قال أحدهم أن نساء أهل البيت في السبي قد تعرّضنَ للضرب بالسياط، نعم بالسياط، لكن ليس بالأيدي، فلا يمكن لليد النجسة أن تلمس أبدانهنّ أبداً أبداً.
ولعل من هذا ما قال الحسين عليه السلام لأخته الطاهرة زينب الكبرى (عليها السلام): واعلموا أن الله حاميكم وحافظكم.
وهي عليها السلام عندما ردّت على الشامي وعلى يزيد، ردّت عليهما بأن الله لكم يجعل لهما ذلك، فلعل من جملة ما يوصلنا لهذا القول هو الاستدلال بآية التطهير.
سلام الله عليك سيدتنا ومولاتنا أيتها الصّدّيقة الطاهرة ورحمة الله وبركاته، ولعن الله من ظلمكم أهلَ البيت، ولعن الله مَن جهل حقكم واستخف بحرمتكم ولعن الله أعداءهم من الأولين والآخرين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
|