في ما مضى من الأيام، قمت بكتابة بعض رؤوس الأقلام حول قضايا متعلقة بالمرجعية الدينية العليا منذ 2003 وطريقة تعامل السيّد السيستاني مع الشؤون العامة، ووقد إرتأيت أن أجمّعها بمجموعة منشورات، لكي يكونَ فهمي مدارَ نقدٍ وتصحيح من قِبَل الأصدقاء والقرّاء، ولربما لكي أشارك في الدلو بقضية أعتقد أنها مهمة في الواقع العام، وبعض الواقع الخاص، ويجب أن يفهم قُراؤها إننا نحاول أن نفهم السيّد السيستاني، ولهذا فإن المكتوب ينطلق من إن القارىء مستعد للإستماع لما يقوله (دام ظله العالي).

ولعل الأساس الذي يجب أن يُفهم فيه أي فقيه شيعي وعلاقته بالشأن العام، هو المجال النظري الذي ينظر فيه إلى مُفرَدَة (السلطة) أو (الولاية) في المجتمع، ولهذا فإن فَهم السيّد السيستاني يجب أن يكون بإطار نظريته بذلك.

إذ يجيب السيّد السيستاني عن هذا التساؤل، في أحد الإستفتاءات المنشورة على موقع مكتبه الرسمي: (واما الولاية فيما هو اوسع منها [الحسبة] من #‏الامور_العامةالتي يتوقّف عليها نظام المجتمع الاسلامي فلمن تثبت له من الفقهاء [المجتهدين] ولظروف إعمالها شروط اضافية ومنها ان يكون للفقيه #‏مقبولية_عامة لدى المؤمنين) [1].

ولفهم هذه الإجابة، يجب أن نفهم مصطلحين وردا فيه:

1- "الولاية في الأمور العامة": وهي ببساطة (السلطة التنفيذية) للمجتمع، حسبما يعرِّفها السيّد السيستاني نفسه في دروسه في موضوع الإجتهاد التي قررها طالبه السيّد الربَّاني، والمنشورة على موقع (تقريرات) [2].

2- "مقبولية عامة": وهي أن يتم إنتخاب الفقيه المجتهد من قبل عامّة الناس [3].

فالسيّد السيستاني يقول، حسب المفهوم من هذه الكلمات، بأن للمجتهد التصدي إلى مناصب تنفيذية، ولكن المشكلة إن جميع إستفتاءات السيّد السيستاني بعد 2003 خالَفت مبناهُ الفقهي في المسألة، فأحد إستفتاءات كتاب (النصوص الصادرة) ينقل عنه أنه يرى (ضرورة إبتعاد علماء الدين عن مواقع المسؤوليات الإدارية والتنفيذية)[4]، فيجب أن نستكشف ما هي "الضرورة" التي حالت دون تطبيقٍ كامل لولاية الفقيه في الأمور العامة، وما هي صيغة الحل التي قدّمتها المرجعية العليا للموازنة؟

----------------------------------------------------------

[1] ما بين معقوفتين توضيحات إضافية، ورابط الإستفتاء:http://www.sistani.org/arabic/qa/0755/

[2] السيّد محمد علي الرباني، الإجتهاد والتقليد والإحتياط تقريراً لأبحاث آية الله العظمى السيّد علي الحسيني السيستاني دام ظله العالي، الصفحة 90.

[3] نفس المصدر، الصفحة 130.

[4] حامد الخفاف، النصوص الصادرة عن سماحة السيّد السيستاني دام ظله في المسألة العراقية، وثيقة رقم 13، جواب رقم 4.