• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : رُؤْيَةٌ فِي الإصْلاحِ* (٢) .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

رُؤْيَةٌ فِي الإصْلاحِ* (٢)

   كان بالامكان ان تكون حكومة (التغيير) التي تشكّلت إثْر الانتخابات النيابيّة الاخيرة قويّة وقادرة على الاصلاح الحقيقي والجذري، اذا كان السيد رئيس مجلس الوزراء الجديد الدكتور حيدر العبادي قد وظّف نقطتَي قوّة مهمة جداً؛
 
   الاولى؛ هي الخطاب المرجعي الذي وقف بقوةٍ بجانب الاصلاح والتغيير، لدرجة انّهُ دعا الى الضّرب بيدٍ من حديدٍ على الفاسدين المتورّطين بسرقة المال العام الذين تسبّبوا بفشل الدّولة بشكلٍ واضح.
 
   الثّانية؛ الشّارع الغاضب الذي تظاهر واعتصم خلال العام المنصرم فقط اكثر من (٢٠٠٠) مرة يُطالب فيها بالاصلاح ومحاسبة الفاسدين وتقديمهم الى القضاء والعمل على اعادة الاموال المنهوبة.
 
   [فلو انّهُ كان قد قدّم (عِجْلاً سميناً) واحِداً على الأقل للقضاء ليقف خلف القُضبان لنجح في فرضِ ارادة الشّارع المدعومة بالخطاب المرجعي على كلّ السياسيّين، الا انّنا لم نر لحدّ الآن شيئاً من هذا القبيل على الرّغم من مرور اكثر من (٢٠) شهراً تقريباً على انطلاق الحرب على الارهاب، الامر الذي أثار الكثير من الشّكوك وعلامات الاستفهام على قدرة الرجل على إنجاز الاصلاح الحقيقي، فكان ان قالت المرجعيّة العليا مقولتها المشهورة بعد ان يئِست من كلّ المسؤولين (لقد بحَّ صوتنا)].
 
   انّ الحكومة الجديدة لم تتمكّن من تحقيق ذلك لانّها تشكّلت مرّةً أُخرى بنفس الطّريقة السّابقة، حكومة حزبيّة وسياسيّة، لم تأخذ بنظر الاعتبار المعايير الحقيقيّة عند التوزير والتعيين في المراكز والمواقع والمناصب المهمّة، فضلاً عن انّها تورّطت بالوكالات في الكثير من المواقع والمناصب مرّةً أُخرى، مما أنتج حكومة هزيلة لم تتمكّن من تحقيق الهدف الحقيقي من الاصلاح والتغيير [وكأنّ الخطاب المرجعي قصد تبديل مواقع الأشخاص فقط وليس استبدال الأشخاص وتغيير المنهجيّة، فكلُعبة الشّطرنج تمّ تغيير أماكن نفس المسؤولين! فرئيس مجلس الوزراء الفاسد والفاشل مثلاً يَستبدل موقعهُ بموقعٍ آخر هو نائب رئيس الجمهورية! فيما ظلّ الترهُّل في عدد المناصب الذي يستنزف ميزانيّة الدّولة على حالهِ، الى حين بدأت عمليّة الاصلاح القيصريّة هي الاخرى].
 
   ولكلّ ذلك جاء مشروع الاصلاح مرّةً اخرى بعمليّةٍ جراحيّةٍ قيصريّةٍ اثار الكثير من اللّغط وظلّ يتطوّر بشكلٍ غير سليم عبّرت عَنْهُ المناكفات والصّراعات السّياسية الى انتهت الى ما شهدناهُ قبل أسبوعين عندما اقتحم متظاهرون غاضبون مجلس النوّاب وحصل الذي حصل، جرّاء التّسويف والمماطلة التي ظلّت القوى السّياسية توظّفها لتأجيل وتأخير وعرقلة الاصلاح!.
 
   انّنا نخطأ عندما نتصوّر انّ بالامكان تحقيق الاصلاح والتغيير بالعمليّات الجراحيّة القيصريّة، ابداً، فالإصلاح عمليّة تراكميّة تتجمّع فيها المتغيّرات صغيرها وكبيرها لتُنتج اصلاحاً جوهريّاً، ولو عُدنا الى كلّ تجارب الشّعوب والامم على هذا الصّعيد فسنرى انّها لم تحقّق التغيير المطلوب والاصلاح الجوهري الا من خلال عمليّة تراكميّة تأخذ وقتاً طويلاً عادةً يتناسب وحجم الفساد او الفشل، طبعاً شريطة وجود الإرادة القويّة والفولاذيّة على تحقيق مشروع الاصلاح والذي تفتقر اليه اليوم كل القوى السياسيّة الحاكمة في بغداد.
 
   امّا عندنا فللأسف الشديد فإننا نفتقر الى هذه العمليّة التراكميّة ونسعى دائماً لتحقيق الاصلاح بعملياتٍ قيصريّةٍ، ولذلك ترى ان مشكلتنا عام ٢٠٠٣ هي نفسها اليوم، ان لم تكن أسوأ وأخطر، فلا تجد من السياسيّين من ينتبه الى هذه التراكميّة الضروريّة ابداً.
 
   النّقطة الاخرى التي نفتقر اليها هي المثابرة، فنحن نتصوّر ان النوايا تكفي لتحقيق المشروع او انّ المنهجيّة التي لا تحقّق الغرض بفترةٍ زمنيةٍ معيّنةٍ هي منهجيّة فاشلة ينبغي تغييرها لنختار منهجيّةً أُخرى، وهكذا ترانا ننتقل من منهجيّة الى أُخرى ومن طريقةٍ لأخرى ضمن مديات قصيرة جداً تدلّل على عدم تحلّينا بالمثابرة والمصابرة، ولذلك لم تُنتج عندنا كلّ منهجيّاتنا اصلاحاً او تغييراً، لان غياب المثابرة يجعلنا نتنقل بين المنهجيّات من دون أَن ناخذ بنظر الاعتبار اهمّيّةً عنصر الزّمن في تحقيق الهدف المرجو، فليس كل الأهداف تتحقّق بين ليلةٍ وضحاها، وليس كل الاصلاح يتحقّق بلمحٍ بالبصر، فهناك خطط قصيرة واُخرى بعيدة المدى ينبغي لنا اذا أردنا ان نحقّق الاصلاح ان نتحلّى بالمثابرة والصّبر على الاستراتيجيّة.
 
   وفي الحقيقة فانّ مردّ ذلك الى ما يلي؛
 
   ١/ غياب الرّؤية الحقيقيّة عند المُخطِّط والطريقة الارتجاليّة والمستعجلة في رسم مناهج الاصلاح، ولذلك لم يأخذ المخطِّط الامور من كلّ الجوانب وانّما يهتمّ بجوانب ويتجاهل أُخرى.
 
   ٢/ غياب الإرادة ولذلك يمتطي السياسيّون هذه الطّريقة من التّعامل مع المناهج كأسلوبٍ للتهرّب من الاستحقاقات او محاولة لإشغال الشّارع والهائهِ بها، حتى بات همَّنا ان نقرأ او نسمع منهجيّة جديدة بغضّ النّظر عن جدوائيّتها.
 
   ٣/ الفرديّة في التّخطيط وعند رسم المناهج، وفي بلدٍ كالعراق وفي ظل العمليّة السّياسية الجارية المعقّدة فانّ من الصّعب فرض المناهج الفرديّة على كلّ القوى السّياسية والمجتمعيّة المشاركة والمؤثّرة بالسّلطة.
 
   لهذه الاسباب شاهدنا كيف تتغيّر الخُطط والمناهج ليلَ نهار، ففي كلّ يومٍ لأحدهم منهجٌ ومشروعٌ جديدٌ للاصلاح! ولذلك فانّ اغلبها فشل لانّهُ غير ناضج!.
 
   وصدق امير المؤمنين (ع) الذي كتب في عهده الى مالك الأشتر النخعي عندما ولّاه مصر؛
 
   إيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ بِالاُْمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا، أَوِ التَّسَاقُطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا، أَوِ الَّلجَاجَةَ فِيهَا إِذا تَنَكَّرَتْ، أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إذَا اسْتَوْضَحَتْ، فَضَعْ كُلَّ أَمْر مَوْضِعَهُ، وَأَوْقِعْ كُلَّ عَمَل مَوْقِعَهُ.
 
   *يتبع 
 
   *بتصرّف، ملخّص حديث النّدوة التي عقدها مركز الرافدين للحوار (٢) على (الواتس آب) والذي يضمّ نُخبة متميّزة من مختلف الاختصاصات والاهتمامات، وذلك في يوم السّبت الماضي [١٤ مايس (أيار) ٢٠١٦].
 
   ١٩ مايس (أيار) ٢٠١٦ 
 
                       للتواصل؛
 
E-mail: nhaidar@hotmail. com
 
Face Book: Nazar Haidar
 
WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
 
(804) 837-3920
 
   



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=78670
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 05 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16