كثير من علاقاتنا في مجتمعنا العربي البنيوي مبني على صيغة الشيخ والمريد. وسوف استخدم هذين المصطلحين في هذه العجالة للإشارة الى العلاقة بين التابع والمتبوع، المعلم والتلميذ، السياسي ومؤيديه الطبيب والمريض وهكذا... والمعنى المقصود في المقال ينأى عن الدلالة الدينية.
ان موقع المريد المتمثل بالحاجة الى ارشاد ونفوذ الشيخ يخلق عنده مع مرور الوقت إحساساً بالخضوع لشيخه، فتصبح كلمة الشيخ دستوراً لا نقاش فيه. وليس بالضرورة أن يكون مرد هذا الى دكتاتورية أو سلطوية يفرضها الشيخ على مريديه (وقد يكون كذلك)، بل هي الطبيعة البشرية المتمثلة بحقيقة أن النفس مجبولة على حب من يحسن اليها إضافة الى أن "عينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلة ٌ"، وهو أمر لا بد من النظر فيه لمعرفة أبعاده ونتائجه لأنه يضع المريد تحت رحمة الشيخ وسطوته الفكرية والاجتماعية والنفسية.
ومن آثار الولاء الأعمى وخضوع واستكانة المريد هو الانغلاق الفكري، ودوران المريد في فلك الشيخ في الحق والباطل، وهو أمر يعطل الفكر البشري في أهون الأحوال، ويستبيح كينونة المريد الإنسانية في أسوئها. ويتعاظم الخطر عندما يكون الشيخ من الشيوخ الزائفين من معدومي القيم الأخلاقية ممن لا يتورعون عن الحاق الأذى الفكري أو النفسي بمريديهم أو استغلال حاجتهم الفكرية أو النفسية لدور المرشد. وما أكثر هؤلاء! فالشيخ يبقى انسانا معرضاً للخطأ والزلل وهو غير معصوم. الشيخ الزائف هو من يوهم مريده أن الحق عنده وحده، ويستغل إحساس المريد بالامتنان موهماً إياه أنه عبد له، خاضع له، مسلوب الحرية والإرادة.
ان تفكيك قواعد التسلط الاجتماعية والثقافية تبدء من الذات وبتشجيع روح الابداع والتفرد. ومما لا شك فيه أن طبيعة مجتمعنا البنيوي القائم على التراتبية الهرمية تهيء أرضية خصبة يزدهر فيها الشيوخ الزائفين ممن قد يعدهم المريدين مسلمات بديهية يدعمها آليات قوة الاقناع والخطاب والبيان وتحريف الكلام عن مواضعه بما يربط المريد بفلك الشيخ بآصرة نفسية لا فكاك منها الا بصدمة أو قناعة بنظرية مضادة. أو بتضامن بين المريدين أنفسهم.
ويعتمد الشيخ في استقطاب مريديه على توفير ما يلبي حاجة المريد وظمئه ويحثه على التخلي عن استقلاليته وقبول القيد، كإقناع المريد بعدم أهليته وضعفه وحاجته الى سيد يحميه، ومهما تكن مقاومة بعض الافراد لهذه العلاقة الا أنهم يخضعون لها في اللحظة الحاسمة تحت تأثير وسطوة الشيخ النفسية اللهم الا من بلغ النضج والاستقلالية الفكرية والوعي بكرامته الإنسانية.
ان الشيخ الحقيقي تتمثل أحقيته برفع المريد الى درجة القمة بما يحفظ كرامة المريد الإنسانية والفكرية ويجعل من المريد نفسه شيخاً. وبدون هذا الفعل يثبت زيف المشيخة وأحقيتها بالهدم والازالة.
ومن المفارقات هو الصبر الذي تمارسه فئة المريدين المحرومة أملاً في تحسن أحوالها في ظل حماية الشيخ الزائف رغم خيبات الأمل ونوبات الألم التي يتجرعها مريدوه ليوهمهم بأن مسلكه وحده هو الحق وأن طريقته هي المثلى وكل ما عداه باطل، ليبقى بنظر المريد المركز الذي يغيث المحرومين والشمس التي تنير ظلمتهم.
وتمثل كل مناسبة يغدق بها الشيخ الزائف على المريد لوناً من الحماية ديناً يلزم المريد برده بأشكال وصيغ عوجاء، تشوه الجمال والنقاء الإنساني الذي فينا، تتمثل بالإذلال البدني (تقبيل اليد مثلا) أو على مستوى الحوار ومفرداته. وعلى المريد أن يفهم أن الشيوخ الزائفين متى ما عرفوا أن مريديهم قادرين على أن يحلوا محلهم فانهم سرعان ما سيتعرضون للإقصاء والطرد. فلا ينجو من قبضتهم الحديدية سوى من كان بعيدا عن دائرة نفوذهم. وبالتالي فخلاص المريد هو بالنئي عن حلقة الشيخ الزائف.
ان الثوابت من المبادئ الاخلاقية (كالصدق والنزاهة والمحبة والعفة والاخلاص) ليست سلعة تباع وتشترى وليست بعقبة أمام بناء علاقة صحية بين الشيخ والمريد، بل هي الأساس الذي يجب البناء عليه ان أردنا أن نبني انساناً ذو كرامة محفوظ الحقوق لا مسلوبها، محترماً في وسطه ذكراً كان أو انثى أبيض أو أسود، لأننا يجب أن ننظر بمنظار الله لا الناس (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) (آل عمران 31)، (أليس الله بأحكم الحاكمين؟) (التين 8)