• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : الجهاد الكفائي.. نصر جزئي ! وفرصة أخرى ضاعت ! .
                          • الكاتب : عبد السلام آل بوحية .

الجهاد الكفائي.. نصر جزئي ! وفرصة أخرى ضاعت !

 خلال السنتين الماضيتين، خط أبطال كثيرون، أسمائهم في جبهات القتال، سواء بدمائهم او بطلقاتهم التي أخترقت بدن التكفير والإرهاب، وأن كانت المعركة ومنذ اليوم الأول، أي يوم الجمعة الذي صعد فيه خطيب السيد السيستاني منبره معلنا الجهاد الكفائي ووزع صك الشهادة للمدافعين بنية حفظ الوطن [العراق] وأهله وماله ومقدساته، منذ هذا اليوم كانت المعركة منتصرة والسؤال سؤال (كيف؟) و (متى؟) بدل (هل؟)، ولربما تكلم كثيرون عن كيف كان هذا البيان حاسماً من هذه النواحي، وكان سبباً رئيسا بتميز العراق عن غيره من البلدان العربية بإكتمال خط الصد لخطر التكفير الداهم، ولربما تكلموا عن حكمة المرجع الأعلى، او عن فشل المرجعيات الإسلامية الأخرى في البلدان العربية من التصدي لدورها مبكراً في بدايات سقوط الأنظمة في الربيع العربي، ولكن انا سأناقش في هذه المقالة شيئاً أخراً، يرتبط بمعركتنا الأخرى، أي معركة الإصلاح، وبفتوى الجهاد، لا كنصر حاسم كما قد يصوره البعض، ولكن كفرصة مضيعة أخرى.

 
وما التوطئة السابقة إلا مقدمة لفكرة مهمة، لها أسس، هي:
 
🌟 إن الأنظمة الحاكمة في بلداننا العربية لم تك يوماً - منذ ان أسست - دولا عادلة، وان كانت لربما في اللحظات الثورية التي أسستها [بما ان كل من اصيب بوباء الربيع العربي جمهوريات] أكثر عدالة مما كانت عليه قبيل ربيع 2011، مما زاد في الحاجة لإسقاطها وتغييرها.
 
🌟 ولعل هذا كان الدافع الرئيس الذي جعل المرجعيات الدينية [وكذا الشعوب] تغض البصر عن مطابخ ما خلف المظاهرات الشعبية الحقة في 2011، مطابخ أصبحت واضحة للعيان لا تحتاج مايكروسكوبات بعد اليوم، اضافة طبعاً لعدم نزاهة التمويل لكثير من تلك المرجعيات الإسلامية الأخرى، ولكن فلنترك الأسباب غير المرتبطة بنا! 
 
🌟 وبسبيل إكمال الصورة نسأل هل إن النظام الفاسد في العراق افضل حالا من تلك الانظمة التي سقطت؟ هو حتما ليس أفضل حالاً منها من الناحية الخدمية.
 
ولكن هل تعني جميع هذه الأسس المذكورة ان نلتزم بفكرة غض النظر عن خطر داعش لكي تسقط الحالة السلبية القائمة كما فعل أحباؤنا في شعوبنا العربية؟ قد يبدو هذا الامر ساذجا لكثيرين، ولكن قلة الوعي بالاولويات وبالكواليس الخلفية لأحداث 2011 جعلت العرب يجيبون هذا السؤال بصورة خاطئة.
 
اما مرجعية السيد السيستاني، فقد نظرت للأمر بصورة أكثر دقة، فإصلاح الأوطان لا يكون بتقسيمها وتهديمها وتدمير نسيجها الإجتماعي كما تقتضي هذه الفكرة التي بينا أسسها، لذا كانت إجابتها المبكرة موفقة، بموقفها "البارد" تجاه "هجرة" المجاهدين الشيعة لجبهات دمشق وحلب في 2012 الى 2014، وثم نجحت في إجابة هذا التحدي بصورة صحيحة سنة 2014 عندما داهمها الموضوع في عقر وطنها العزيز، اذ لم تترك الحكومة او الاحزاب او "زعماء الوضع السلبي القائم" يتصدون لهذه المشكلة لوحدهم، ليس فقط لأنهم سبب فيها، ولأن مظهرهم السيء وفسادهم المدقع هو الذي يغذي البروبرغاندا السوداء للإصلاحيين الملثمين المبعوثين بالرعب إصلاحا للبلدان، لا ليس لذلك فقط، ولكن لأن المشكلة أصلاً أكبر من وجودات هولاء السياسية الوقتية والضحلة، المشكلة مشكلة الحفاظ على التدين المعتدل للشعوب العربية بوجه التطرف الذي وجد منفذا من خلال الفساد الإداري للحكومات، وهذه المشكلة كانت مسؤولية المرجعيات الدينية قبل الحكومات. المشكلة كانت شيطانا ضخماً يتخفى وراء باب وردي صغير، سرعان ما هدم الباب والجدار لكي يظهر سوداويته بعد ان تلثمت خلف ورديته. الشيطان هو داعش وشبيهاته، والباب هو باب السلطة السياسية، ومن كان يجب ان يكون خلف هذا الباب هم المصلحون من السياسيين والقادة المجتمعيين الواعين، ولكن كالعادة، ففي بلداننا كل شيء مشوه، قادتنا ملثمون او حرامية، أبوابنا الوردية مصخمة، وإلى أخره. وبالطبع فلا صرعة أجدى للشياطين من "تعويذات بسيطة" من جهة تمتلك الأدوات الدينية لذلك، أي المرجعية وتعويذتها بالجهاد الكفائي.
 
ولكن في ظل كل ذلك شيء أخر، كيف أتى هذا الوضع السلبي لبلدنا أصلاً بحيث ترك الباب مفتوحا لغير أهله؟ سيقول الموتورون: المرجعية جلبت لنا هذا! جلبت لنا الشمعة والدستور والفساد! ولكن الحقيقة المرة، ان ما جلبته لنا المرجعية كان ايضاً شبيها بالجهاد الكفائي، نظام برلماني نيابي غير محاصصاتي لا يفرض الدين ولكن لا يحاربه، ولكن تلك الفرصة لم تترجم إلى نصر حاسم كما يفترض في عالم مثالي غير عالمنا، كأن تنتج بلدا خدميا مميزا ومثالا بالتطور العلمي والثقافي والحرية السياسية، كما لم تترجم إلى نصر جزئي كفتوى الجهاد الكفائي، ولكن ترجمت الفرصة إلى ضياع كامل، إلى تحوير لهذا النظام من نظام ديمقراطي الى نظام حرامية محاصصاتي.
 
ولكن، ستقولون كيف تكون فتوى الجهاد الكفائي نصر جزئي بعد كل هذه المعارك والتضحيات! نعم نصر جزئي، أما علمتم أن يوم الحرب الواحد يساوي سنينا من أيام السلم؟ أما علمتم ان يوما واحدا من الإعداد للحرب يساوي سنينا من أيامالسلم؟ أنه من المتعارف ان الأدرينالين (الإجتماعي) عندما تهيجه الحروب، ينتج كثيراً من التطور الفكري والسياسي والتقني، هذه ثمرة الحرب المخفية، الثمرة التي يؤمن بها كل رجالات الدول عندما يدخلهم القدر إلى حرب إضطرارية او حرب تطوعوا لها، ويعملون لجنيها.
 
فهل قبضنا ثمار الجهاد الكفائي كلها؟ ام ان هذه الطغمة، هذه الطبقة السياسية، حالت دون كل ذلك؟ كما حالت دون ثمرات النظام الديمقراطي النيابي ل13 سنة ماضية؟ أي كما خربوا تلك الورقة التي أتى بها السيستاني للبلد بعد ان استنزف قوته المرجعية في سبيل حرق أجيال من الإعداد للنظام الشعبي الديمقراطي والشورى الإنتخابية التي لا ترضاها عقولنا واعرافنا لولا بيان "كفائي" يقول "نعم" للدستور و "صح" على قائمة 169، مواقف كانت واضحة في مشروعيتها في يومها، ولكن عيب التأريخ الساذج وقراءه، انه يقرأ النتائج ولا يعرف للحقائق والأسباب مكانا.
 
هل قبضنا ثمار الديمقراطية والجهاد الكفائي، لكي نفهم سكوت السيد السيستاني اليوم من كل ما يحصل في المشهد السياسي؟ كيف من الممكن أن نأمن لأنفسنا كثيراً وقد أمن العرب قبل خمس سنين كثيرا فسقطوا فيما سقط به الجميع الآن؟ بل وإن كان وعينا يقول اننا في أمان وصدق وعينا، فكيف يمكن ان نزج بهذه المرجعية مجدداً لهذه الساحة بعد اذ قدمت كل ما قدمت ولم نجني ثمار كل ذلك، ولماذا يجب ان تكون المرجعية وحيدة في مسعى جلب الثمار تلك، إن قال الموتورون انها لم تحاول كثيراً؟ وكيف يمكن ان ينجح مسعى الإصلاح وما يزال المصلحون المطلوبون لعبور ذلك الباب في الجدار الذي نحاول إعادة بناءه وطرد شيطانه الملثم عنه غير موجودين؟
 
سيظل سؤال: هل قبضنا ثمار الجهاد الكفائي كلها؟ يرن في رأسي كل هذه الأيام الشعبانية المباركة ونحن نستذكر وثبة خطيب المرجعية على منبره الكربلائي لكي يحسم معركة أخرى من معاركنا، لصالحنا، في حرب ما زالت بعيدة جدا عن الحسم لمصلحتنا.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=78855
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 05 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19