• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ظاهرة الخصوصية والتعددية ومستوياتها في العراق .
                          • الكاتب : د . عبد الحسين العطواني .

ظاهرة الخصوصية والتعددية ومستوياتها في العراق

على الرغم من أن المكونات العراقية ليست حالة سلبية أو حالة فريدة بين دول العالم , فكل الدول لديها هذا التنوع بما فيها الدول المتقدمة , لكنها تجاوزت هذه المرحلة نتيجة للتقدم الاقتصادي, والتماسك الاجتماعي, والثقافة الوطنية , التي حصلت عبر آليات جعلت من المجتمع أن يشعر بأنه ذو هوية وطنية مشتركة فعلى سبيل المثال , تفتخر الولايات المتحدة الأمريكية بأنها امة واحدة على الرغم من أنها تكونت من مواطنين بأجناس متعددة , وديانات متباينة , ولغات مختلفة , وثقافات متناقضة لكنها لم تصبح امة واحدة إلا حين صهرت هذه المكونات في بوتقة واحدة وأخرجت منها شيئا واحدا متجانسا , كما أن صفة الدولة لا تتحقق إلا بوجود شعب له مميزات تخصه ومساحة ذات حدود , ونظام تتعين به صفة الدولة وشكلها , وهذا النظام هو الذي يكون قوة الدولة وقدرتها على تنفيذ أحكامها والتزامها من دون إخلال بها على مر الدهور والعصور, إذن لابد للمواطنين من هوية , من ثقافة تكون هي المنظار الذي ينظرون به إلى الواقع , المعيار الذي يقترحون به الحلول لمشكلاتهم . 
فخصوصية الحضور التاريخي في العراق غيرها في العصر الإسلامي , أو الوسيط والحديث , أو المعاصر , فالخصوصية هي الإنسان في صيرورة تحوله وتقدمه لصنع حالة كلية وكونية , وبهذا المعنى نفهم الخصوصية بوصفها حذفا وإضافة وتعديلا, واتصالا وانفصالا وتواصلا , وانقطاعا في التاريخ السياسي والاجتماعي , فهل أن القبيلة خصوصية مستمرة الحضور في التاريخ منذ القدم حتى اليوم وبالمعنى المستوي نفسه , وبالمكانة نفسها والدور والوظيفية ؟, ثم هل أن القبيلة اليوم بوصفها خصوصية عراقية حاضرة وفاعلة ومؤثرة ومقررة في المجتمع العراقي بالقوة والحضور في مناطق البلاد كلها ؟. 
فالتعددية تكون حسنه إذا ما كانت ايجابية , وهي لا تكون كذلك إلا إذا ضمن إطار ثقافي جامع , إي ضمن هوية جامعة , فغالبا ما يبرز سؤال الخصوصية والهوية في مراحل الانكسارات السياسية والوطنية والقومية , وحين يثار سؤال الهوية ويتحول إلى تحد سياسي واجتماعي وثقافي , يعني ذلك أن هذا الشعب أو المجتمع , وهذه الدولة , بدأ يدب في أوصالها العطب وينخر في الكيان العام ما يهدد وحدتها وتماسكها , ففي مراحل الصعود والتحول لا يثار سؤال الخصوصية , لكنه في الوقت نفسه لا أن كل سؤال عن الهوية هو حامل الأزمة , فلا تسأل امة عن نفسها من أنا , إلا إذا كانت تواجه مأزقا مثل حالنا اليوم في العراق , ويصبح المأزق اشد تعقيدا , إذا ما قادتنا الإجابة عن سؤالها إلى الماضي الذي تفزع إليه بحثا عن المستقبل , فالخاص والخصوصية , يقابله العام والعمومية , وحين تكون العلاقة صحيحة وصحية ومتينة ومبنية على التكامل والتفاعل الحي , تكون الوحدة بين الخصوصية والكلية على أتم ما يكون , إي بمعنى أخر أن العلاقة بين الخاص والعام هي علاقة اتصال وانقطاع , لكن هذه الخصوصية تبقى نسبية وتاريخية (مجتمعية وتاريخية ) إذ ليس هناك خصوصية مطلقة يمكن إسقاطها على التاريخ كله , أو على الحضور التاريخي بأكمله واجمعه .
لذلك يجب الإقرار والاعتراف بأن مفهوم الخصوصية نسبي وتأريخي , ومن الخطأ قراءة معنى الخصوصية ومفهومها في إطار خطاب أيديولوجي , أو سياسي إطلاقي , يحمل في داخله شيئا من التقديس لمعنى الهوية أو الخصوصية سواء خصوصية الدين أم اللغة أم التراث , فالخصوصية لا تعني شكلا دائما ومستمرا , ومن هنا فأن علم الاجتماع يشير إلى أن لكل مرحلة مجتمعية وتاريخية هويتها المعبرة عن مكتسباتها , ومنجزاتها وممارساتها , وأفكارها وعقائدها وقيمها وأعرافها السائدة , لكن ليست ثمة استمرارية لهوية ثابتة جامدة محددة طوال التاريخ , كما أن الخصوصية لا تحقق بالضرورة انقسامات معينة قد تظل البلاد قائمة في كيان شكلي واحد , لكن أفرادها ولأسباب تتعلق بالسياسات المتبعة قد يشعرون بالفرقة والابتعاد عن بعضهم بعضا والتمايز والاختلاف في ما بينهم , وعندما تضاف إلى ذلك مشاعر الغبن والضغينة الناجمة عن التمييز والسلب والنهب والإقصاء , فأن الخصوصية تكون متحققة حتى وان بقيت البلاد بأسم دولة واحدة .
ولم تتعامل المكونات الشعبية بشكل مباشر مع هذه التغيرات النشطة في المكونات الاجتماعية للعراقيين , ويبعث تجاهل الشعب لهذه التعقيدات مؤشرات مقلقة وغير واضحة عن إمكاناتهم على التعامل مع هذه التعقيدات الاجتماعية العراقية التقليدية والخطرة التي سيحكم مستقبل نموها أو ضعفها وتفاعلها في ما بينها , طبيعة المرحلة السياسية الجديدة , وشكل التغيير القادم على خلفية الإصلاحات في إطار المبادرات الغامضة .
 
فالديمقراطية التي نحن فيها بالعراق لم تكن فيها مصالح ملموسة في حياة الناس أو الإحساس بأنها جاءت لتعزز حريتهم وكرامتهم وتعلي مكانتهم بين الشعوب , وتزيد من رفاهيتهم , وتوفر لهم الأمان والاستقرار , والتعليم والخدمة الطبية , والخدمات الضرورية من الماء والكهرباء ورعاية الطفولة , وتوفير فرص العمل , والحركة والتنقل , ولم تؤد الشراكة الوطنية التي جرت بعد 2003 بين المكونات العراقية إلى الاندماج والانصهار في بوتقة الدولة الواحدة , وخلق قيم الوحدة التي تعزز روح الانتماء الواحد في المجتمع , بل على العكس من ذلك ساعدت السياسات العامة والممارسات الخاطئة في التباعد بين هذه المكونات أكثر مما كان عليه في السابق , وبقي الجميع محافظين على المشاعر الجهوية .
فأن من أول الأسباب التي تؤدي إلى أزمة الهوية هو عندما يصعب على إفراد المجتمع تتجاوز انتماءاتهم الضيقة , وتتغلب على أثار الانتقال إلى المجتمع العصري بتعقيداته المختلفة بحيث يشعرون بالانتماء إلى ذلك المجتمع ويحدث ذلك عندما تشعر إحدى المجموعات المكونة للمجتمع بحرمانهم من حقوق يتمتع بها أشخاص آخرون في المجتمع نفسه , لكن الوضع العراقي الحالي هو ليست صراعا بين المكونات , وذلك أن مثل هذا الفهم وهو ما سعت السلطات إلى ترويجه وتلقفه بعض البسطاء من الشعب من شأنه أن يخدم بعض المستفيدين من السلطة , إذ هو يشوه جوهر الصراع بين أبطال النهب ومغتصبي حقوق الناس من جهة , وأصحاب هذه الحقوق من جهة أخرى. 
ويبدو أن الهوية في العراق لم تتبلور بعد بشكل واضح , والاندماج الاجتماعي مازال مطلبا أكثر ما هو واقعا , أو تتنازع الولاءات الفرعية للدولة , فعلاقة الدين بالدولة لم تحسم تماما, والتعدية السياسية التي شهدتها الساحة العراقية لا تقوم على برامج سياسية واقتصادية واجتماعية , بل تعددية طائفية , فضلا عن وجود العامل الخارجي الذي يعد احد أهم المبررات الأساس لازمة الهوية العراقية وفي مقدمتها أجندة الاحتلال , وتدخلات دول الجوار ودورها في تمزيق الهوية العراقية , حيث ترى بعض الطوائف العراقية أن في دول المحيط الإقليمي عمقا دينيا واجتماعيا , الأمر الذي قد يدفع البعض فيها إلى الاعتقاد بأن الانتماء الطائفي يعد امتدادا لهويتهم الوطنية , ما شجع هذه الدول على التدخل بالشأن العراقي . 
والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي الاتجاهات أو المسارات التي تريدها الأطراف المختلفة في العراق ؟ , في كل الأحوال حتى لو لم تكن هناك سابقة انتقال ناجحة إلى نظام حكم مستقر وقابل للتغيير المستمر والمطلوب لتحويل التغيير إلى هدف وقيمة , إلى جانب كونها وسيلة مجربة لإدارة أوجه الاختلاف سلميا , فلا خير في أن تسعى إلى خلق سابقة عراقية مستقرة , وهكذا فأن الانتقال عبر التاريخ الجديد في كل الحضارات , لم تكن هناك دولة ديمقراطية بالمفهوم المعاصر قبل قرنين من الزمان , بل كانت الحروب الأهلية والصراعات العنيفة هي سيدة الموقف إلى أن ركن المتصارعون إلى العقل وارتقوا مبدأ المواطنة والمشاركة السياسية الفعالة , وحولوا الدولة إلى مؤسسة تقف على مسافة واحدة من كل مواطنيها في إطار قيم القانون ومصلحة الشعب . 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=78893
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 05 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29