• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : بين مشروع خريطتين .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

بين مشروع خريطتين

كانت أمريكا دائما وخلال الحرب الباردة تخلق ملهيات لاستنزاف روسيا..وكانت روسيا دائما في وضعية ردّ الفعل..ويكون ردّ الفعل بمستوى استراتيجي يفوق سائر الدول الأخرى..ولذا كانت دولة عظمى..لأن ردود فعلها على المخطط الأمريكية تختلف عن الدول الأخرى..لكن لا زالت روسيا في الوضعية السلبية..دائما أمريكا تبادر، تصطنع فرصا، تصنع فوضى خلاّقة، تقسّم الجغرافيا، تتحكم بمسارات التنمية والنفوذ والسلاح والديموغرافيا....هم فرضوا على العالم قواعد اللعب الاستراتيجي..فرضوا عليهم تقنية لعب الورق في السياسات الدّولية..يوما بعد يوم نكتشف الهدوء الذي تشتغل داخله المخططات الأمريكية..كلاعب الورق بدم بارد..وأيضا سرعة القبض على الفرص..تايمينغ..إنهم قرؤونا قبل أن نوجد كدول..وضعوا خططا استباقية وبدائل تصلخ لكل عصورنا..يتلاعبون بتناقضاتنا بمنطق المعرفة المسبقة بسيكولوجيتنا الجماعية..بالطبع يمكن للقطيع أن يتخيّل أنّه يسلك طريقه بحرّية وإرادة، لكن الحقيقة هي أن رغاة البقر هم الذين يهشّون بأنشوطاتهم على القطيع ويوجهونه نحو المراعي....كانت لأمريكا خطة ما بعد سايكس بيكو..وكانت لديها خريطتها الخاصة عن عالم الغد..واستطاعت بالفعل أن تعيد رسم خريطة روسيا رغم ممانعة هذه الأخيرة..حتى لعبة السباق حول التسلح وحرب النجوم كانت خدعة استراتيجية لاستنزاف روسيا.. اليوم تسعى أمريكا لفرض نفسها وخريطتها بعد أن بلغت الفوضى الخلاّقة ذروتها..باتت المنطقة جاهزة لشرق أوسط ما بعد سايكس بيكو..ولأنها هي التي احتلت المستقبل معرفيا وجيوستراتيجيا فإنها تدرك مرحلة الذروة ومرحلة النهايات..سوريا ـ الأرض تقاوم وحدها في المنطقة..تمانع ضدّ لعبة التقسيم..ولم يعد امام الذين راهنوا على أوهام سقوط النظام السوري إلاّ أن يستعدّوا لنوبات من التقسيم على قاعدة هواجس اللاّمعقول السياسي..ففي نظر برنار لويس يجب أن يجري فرض الإرادة الصهيونية بالقوة وأن لا تأخذهم رأفة بالأبعاد الإنسانية للصراع.. وفي نظره أيضا قد نستخلص موقفه العميق من هذا الكائن الشرق أوسطي، فهو الكائن نفسه في جاهليته الأولى أو إلى أبد الدهور.. ما الذي يمنع من زرع التوحّش في مزرعة البيداء العربية وسقيه بالنفط..أمريكا استنزفت الجغرافيا العربية وحافظت على احتياطيها النفطي..وفي زمن البؤس النفطولوجي ستصبح هي المصدر الأكبر للنفط، وما بعد النفط فهي لديها بدائل أخرى..الطاقة البديلة..حيث تعدّ لها تكنولوجيتها..وفي كل حين ترمي بقشرة موز تحت أقدام العالم..حتى الآن لا زال يتعذّر على الكثيرين استيعاب أبعاد القوة الناعمة..إنها بتعبير آخر ذلك الشكل من القوة السحرية القائمة على التحكم بالذهنيات..هي أن تمسك بالريموت كونترول بعد ان تحشّي أدمغة العالم بجهاز القابلية للاستيلاب في منطق الصورة..الرقصات البدوية التي تتكرر من لورانس العرب إلى برنار هنري ليفي الذي حلم دائما بأن يحيي ذكراه هي لا قيمة لها في ميزان علم الألعاب في مقدّرات الجغرافيا السياسية.تعمل واشنطن وإسرائيل في صمت خلال خمس سنوات من الهيجان العربي..ثورتنا الربيعية التي لا تساوي بصلة في منظور برنار لويس صاحب خريطة ما بعد سايكس بيكو، تلك التي وصفها ذات مرّة بأنّ الثورة عندهم هي أشبه بثورة او هيجان الجمل وتحمل مدلولا غضبيا وغرائزيا..إنهم يسخرون من العقل العربي..ومع ذلك لهم حلفاء يقبلون بالتحقير الأمريكي اليومي..بينما روح الثّأر قد تجعلهم يخوضون حروبا بلا معنى..أمريكا تشتغل على قواعد وبدائل وتينك تانك واسع..يدرس ما يقكر فيه وما لا يفكر فيه العرب إذا فكّروا فيه كيف يفكرونه.. يدرسون توتر المعرفة واللغة والمزاج والصمت والضجيج..أما لعبة الجغرافيا فهم أكثر دراية بفنونها هم من سرق قارة بأكملها من شعب لا زال يبارز الواقع بالفولكلور والذاكرة التي تحتزلها ريشة فوق الرؤوس..أمريكا التي كانت ولا زالت تؤمن برهان القوة..وكل شيء حققته بالقوة..أتساءل بعد كلّ هذا: ماذا في وسع العقل السياسي العربي أن يفعل؟ إنّ المقاومة ليست انتحارا..بل هي عنادا من أجل الاستمرارية والحياة..ليس في وسع العرب إلا أن يقاوموا..ولكن عليهم أن يدركوا أنّ القوة الناعمة هي أيضا حقهم في مواجهة الأمر الواقع..عليهم أن يتكتكوا قدر وسعهم..هم اليوم بين خريطتين: خريطة داعش وخريطة أمريكا..وكلا الخريطتين عند التحقق هما إلهاما جيو ـ لعبيا من المستشرق برنار لويس...




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=78986
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 05 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29