• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مباحث التوحيد من صفحة اكسير الحكمة .
                          • الكاتب : باسم اللهيبي .

مباحث التوحيد من صفحة اكسير الحكمة

( 1 )

التوحيد عند الشيعة :

ويطلق التوحيد عند الشيعة على معان : 
        الاول: نفي الشريك في الآلهيه اي استحقاق العباده ، والمخالف في ذلك مشركو العرب وامثالهم ،فإنهم بعد علمهم بان صانع العالم واحد كانوا يشركون الاصنام في عبادته .  
       الثاني: نفي الشريك في صانعية العالم والمخالف في ذلك الثنويه واضرابهم .
       الثالث : علاوة على انه لا شريك له في العبادة ولا في الصانعيه انه منزه عما لا يليق بذاته وبصفاته من النقص والعجز والجهل والتركيب والاحتياج والمكان والزمان وغير ذلك ..اي انه منزه من هذه الصفات السلبيه التي توجب النقص بذاته وتوصيفه بالصفات الثبوتيه الكماليه .
      الرابع : علاوة على ما تقدم تنزيهه تعالى عما يوجب النقص في افعاله ايضا من الظلم وترك اللطف وغيرها مما يجب تنزيه افعاله منها. 
      وسنعرض توحيد الاخرين فيما بعد ونعرض اشكالاتنا على توحيدهم واي التوحيدين هو المطلوب وهل توحيد الاخرين هو توحيد حقيقي .
 
( 2 ) 
 طرق اثبات وجود الخالق تعالى / الطريق الاول :
قال الفاضل المقداد السيوري قدس في شرح الباب الحادي عشر للعلامة الحلي قدس: للعلماء كافة في اثبات الصانع طريقان :  
الطريق الاول : هو الاستدلال بآثاره المحوجة (اي المحتاجة) الى السبب على وجوده ، كما اشار اليه في الكتاب العزيز بقوله تعالى : (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق) .
وهو طريق ابراهيم الخليل عليه السلام ، فإنه استدل بالأفول الذي هو الغيبة ، المستلزمة للحركة ، المستلزمة للحدوث ، المستلزم للصانع تعالى .
الطريق الثاني يأتي ان شاء الله تعالى.
 
( 3  ) 
ذكرنا في المنشور السابق الطريق الاول من طريقي اثبات وجود الخالق الذي ذكرهما العلامة الحلي واليك الطريق الثاني : لو لم يكن الخالق موجودا للزم اما الدور او التسلسل ، وكلاهما باطل ( اي ان الدور والتسلسل باطلان في علم المنطق ) فيلزم بطلان عدم وجود الخالق فيثبت وجوده بالضروره ... ويأتي شرح ذلك لمن يجد صعوبة في ذلك ..
 
( 4 ) 
الكلام دقيق نرجوا التمعن به لتصل الى النتيجة ..
ذكرنا في المنشور (٥) بما يخص التوحيد ، الطريق الثاني من طريقي العلماء لإثبات وجود الصانع تعالى ووعدناكم بشرحه ، فنقول : لو افترضنا انه لا وجود لخالق لهذا الكون (وفرض المحال ليس محالا) فماذا يلزم من امور لا يمكننا ان نلتزم بها كعقلاء حسب هذا الفرض ؟ والجواب انه يلزم اما الدور او التسلسل ، لان معنى عدم وجود خالق لهذا الكون يعني اما ان الكون خلق نفسه وهو الدور واما ان غيره خلقه والغير خلقه غيره والغير الاخر خلقه اخر الى ما لا نهايه حيث لو كانت لهذه السلسلة نهايه لثبت مطلوبنا(وهو وجود الخالق) فافترضنا ان لا خالق في الوجود فتبقى السلسله الى مالا نهاية وهذا هو التسلسل ، اذن اذا افترضنا عدم وجود خالق للكون يلزم اما الدور او التسلسل ولا ثالث لهما .
فلو قلنا بالدور فما المشكلة من ذلك ؟ والجواب نقول :
ان معنى الدور : ان يتوقف الشيء على نفسه ، ولو توقف الشيء على نفسه استحال وجوده ، مثلا : لو قلنا ان ( أ ) متوقف في وجوده على وجود (ب) ووجود (ب) متوقف على وجود ( أ ) فهذا يعني ان ( أ ) وجوده لا يتحقق الا بوجود (ب) ووجود (ب) لا يتحقق الا بوجود ( أ ) وهو نفس معنى ان وجود ( أ ) متوقف على وجود ( أ ) وعليه فلا يمكن ان يتحقق وجود ( أ ) ابدا لانه لا يوجد الا ان يوجد ( أ ) وهو لم يوجد بعد وهو معنى توقف الشيء على نفسه واستحالة وجوده .
ولنطبق هذه المعادلة على الكون ، فنقول : اذا افترضنا ان الكون ليس له صانع بل هو صانع نفسه فهذا يعني ان وجود الكون متوقف على وجود نفسه فلا يوجد (اي الكون) الا ان يوجد الكون وهذا معنى توقف الشيء على نفسه ولا يمكن ان يوجد الشيء الذي يتوقف على نفسه .... وبما ان الكون موجود بالعيان فلم يتوقف على نفسه بل توقف وجوده على غيره ... فلم يكن هو من صنع نفسه لاستلزامه ( اي فكرة انه هو من صنع نفسه ) الدور وهو باطل كما بينا .
 
( 5 ) 
تأمل جيدا فالكلام دقيق .. واقرأ المنشور السابق ثم إقرأ هذا المنشور إن لم تكن متابعا لنا من البداية .
ذكرنا في المنشور السابق انه لو افترضنا ان لا خالق لهذا الكون للزم اما الدور او التسلسل وقد بينا هناك ان الدور باطل ومستحيل والان علينا ان نبين معنى التسلسل واستحالته فنقول : ان معنى التسلسل هو ترتب شيء موجود على شيء آخر وترتب الثاني على ثالث والثالث على رابع الى مالا نهاية من دون ان تقف السلسلة على شيء .
وما المشكلة في هذا التسلسل ؟
والجواب : ان الوجود مع التسلسل في العلل بلا نهاية محال .
والدليل  : ان وجود المخلوق (المعلول) غير مستقل بالنسبة الى خالقه وعلته ولا يمكن ان يوجد الا بخالقه ، والخالق هو المستقل الذي يقومه ، فإذا كان خالقه وعلته مخلوق لثالث وهكذا ، كان خالقه غير مستقل بالنسبة الى مافوقه ، فلو ذهبت السلسلة الى مالانهاية ، ولم تنته الى خالق غير معتمد على غيره ، لم يتحقق شيء من افراد السلسلة ، لاستحالة وجود المحتاج وغير المستقل الا بالمستقل وغير المحتاج الى الغير .
وبعبارة اخرى: ان السلسلة مهما طالت وبلغت تبقى محتاجة وفقيرة في اصل وجود افرادها فلا يمكن ان توجد ابدا الا بفيض من موجود غني يمنحها الوجود .
وبهذا يتبين بطلان التسلسل ايضا .
وقد اقام الفلاسفة على بطلان التسلسل اثنين وخمسين برهانا.
واذا بطل الدور والتسلسل يتعين ان لهذا الكون خالقا غنيا عن غيره افاض الوجود اليه وهو الخالق سبحانه وتعالى وقد ثبت المطلوب والحمد لله ... فتأمل ...
 
( 6 ) 
 
دليل الطبيعيين على وجود الصانع تعالى :
وهو من طريق الحركة والتغير (بتشديد الياء) وتقريره : ان المحرك غير المتحرك ، فلكل متحرك محرك غيره ، وذلك المحرك لو كان متحركا ايضا لاحتاج الى محرك آخر غيره ، ولا محالة تنتهي سلسلة المتحركات الى محرك بالذات (اي ذاته تحرك ولا يتحرك) والا لزم الدور او التسلسل .
والمحرك بالذات منزه من التغير والحركة بل ثابت في وجوده ، وهو واجب الوجود بالذات ( اي نفس ذاته تقتضي الوجود ولا يحتاج الى من يوجده )
 
( 7 ) 
 
برهان الحدوث الذي اقامه المتكلمون على وجود الصانع تعالى ، وتقريره : ان الاجسام اما متحركة وإما ساكنة ، والحركة والسكون حادثان (اي يسبقهما العدم) وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث ، اذن الاجسام كلها حادثة ، وكل حادث مفتقر الى محدث (بكسر الدال) ، ومحدثها امر ليس جسم ولا جسماني وهو الصانع تعالى (والا لزم الدور او التسلسل الذي مر شرحهما واستحالتهما) .
 
( 8 ) 
دليل الفلاسفة على وجود الصانع تعالى ...
الخالق الذي يعتقده الموحدون ليس الا حقيقة الوجود التي لا يخالطها غيرها (والا لزم التركيب وهو منفي لما سيأتي من منشورات عند البحث عن الصفات) وهو واجب الوجود لضرورة ثبوت الشيء لنفسه ، فان الوجود موجود بالبداهه ولا يجتمع معه العدم لامتناع اجتماع النقيضين .
ووجوبه بنفسه لا بغيره لان لا شيء ولا غير مع حقيقة الوجود كما ثبت في محله .
 
( 9 ) 
تأملات في الخلق لإثبات وجود الخالق ..
-القسم الاول-
كل عاقل يعلم بالضرورة انه موجود ، وان ماهيات كثيرة متصفة بالوجود - كالانسان والحيوان والنبات والحجر وكل مافي السماوات والارض - ومن حقنا ان نتسائل : من الذي وهب الكائنات الوجود ؟ ومن الذي منحها القدرة على النمو ؟ ومن الذي منحها القدرة على الفكر والشعور والحياة والابداع - كمافي الانسان - ؟ 
وجواب ذلك لا يخلو من احتمالين لا ثالث لهما :
الأول : ان تكون وجدت هكذا (صدفة) بلا علة اوجدتها . وهذا محال استنادا الى البديهية القائلة (ان لكل حادثة سببا ولكل معلول علة) ، فالموجودات على اختلاف درجاتها في الرقي والكمال لا بد لها من موجد . وهذه البديهة يعرفها الانسان بشعوره الفطري ويؤكدها البحث العلمي باستمرار ، فإن من وجد بناءا يقطع بأن له بانيا وإن لم يشاهد الباني ولم يعرفه .
قال الإمام الصادق ع : (( لو رأيت تمثال الإنسان مصورا على حائط ، وقال لك قائل : إن هذا ظهر هنا من تلقاء نفسه لم يصنعه صانع . أكنت تقبل ذلك ؟ بل كنت تستهزيء به . فكيف تنكر هذا في تمثال مصور جماد ، ولا تنكر في الانسان الحي الناطق )) . توحيد المفضل ص٨٨ 
والاحتمال الثاني يأتي غدا تابعونا في -القسم الثاني- من تأملات في الخلق ..
(منقول من احد الفضلاء الشيخ طارق محمد علي وفقه الله)
(تفضل علينا بالصورة الرائعة الاستاذ حسين كاشخ وفقه الله)
 
( 10 )
تأملات في الخلق لإثبات وجود الخالق ..
-القسم الثاني -
ذكرنا في المنشور السابق ان الموجودات اما ان تكون وجدت هكذا (صدفة) وقد ثبت فيما سبق بطلان هذا الاحتمال وتفاهته ، والان نذكر 
الاحتمال الثاني : ان يكون لها موجد اوجدها ، وهذا الموجد لا يمكن ان يكون هو المادة الجامدة العمياء نفسها ، لان الحياة والفكر والاحساس الموهوب لهذه الكائنات - والانسان بالذات باعتباره ارقاها واكملها - لا يمكن ان تستمد من الماده الميته العاجزه ، كما ان الفقير المعدم لا يمكن ان يمون المشاريع الرأسمالية الضخمة لسبب بسيط وهو ان (فاقد الشيء لا يعطيه) وهذا من ابده الامور .وعليه فلا بد ان تستمد هذه المعطيات من ذات تتمتع بكل ما يحويه الوجود من حياة واحساس وفكر ، من ذات متصفة بجميع صفات الكمال من قدرة وعلم وحياة وغنى يمكنها هي وحدها ان تمنح هذه القدرات لهذه الموجودات . وما هذه الذات الا رب العالمين سبحانه وتعالى عما يشركون .
قال المفضل بن عمر للامام الصادق ع مستفسرا عن زعم من ادعى ان خلق الموجودات هو من فعل الطبيعة ، فقال ع : ( سلهم عن هذه الطبيعة ، اهي شيء له علم وقدرة على مثل هذه الافعال ، ام ليست كذلك ؟ فإن اوجبوا لها العلم والقدرة فما يمنعهم عن اثبات الخالق ، فإن هذه صنعته . وان زعموا انها تفعل هذه الافعال بغير علم ولا عمد ، وكان في افعالها ماقد نراه من الصواب والحكمة ، علم ان هذا الفعل للخالق الحكيم ، فإن الذي سموه طبيعة سنته في خلقة الجارية على ما أجراها عليه ) توحيد المفضل ص ٥٥ .
( منقول من احد الفضلاء/ الشيخ طارق محمد علي البغدادي)
( اتحفنا بالصورة الموفق الاستاذ حسين كاشخ )
 
(11 ) 
تأملات في الخلق لإثبات وجود الخالق/ القسم الثالث :
إن نسبة الأوكسجين في الهواء هي ٢١ بالمائة ، وهذه النسبة ضرورية لديمومة الحياة ، فلو نقصت لضاقت انفاسنا، ولو زادت لسببت الحرائق والكوارث لأقل شعلة نار لأنه يساعد على الإحتراق ، وعلى كلا تقديري النقيصة والزيادة تستحيل الحياة على الأرض تماما .
وهنا نتسائل : كيف امكن الحفاظ على هذه النسبة الدقيقة من الأوكسجين منذ بداية الحياة الى ما نجهله من وقت في المستقبل ؟
والجواب : هو التبادل بين الإنسان وغيره من الحيوانات وبين النباتات في الشهيق والزفير ، فإن الانسان والحيوان يستنشق الاوكسجين ويطرح ثاني اوكسيد الكربون ، والنباتات بالعكس ، وهذا التوازن البديع والتعاون الحاصل لهي ظاهرة من عجائب ظواهر الحياة .
وهنا نتسائل ثانيا : من ابدع هذا النظام الرائع ؟ الصدفة العشوائية ام التدبير المحكم للإله الخالق تبارك وتعالى ؟؟؟.
 
( 12 ) 
 
تأملات في الخلق لإثبات وجود الخالق :
القسم الرابع ..
ويزيد في تجلي هذه الحقيقة العظيمة - وهي ضرورة وجود الصانع تعالى - ووضوحها هو دقة الصنع وإتقانه ، وتناسقه وإحكامه ، وروعة الكون وشمولية نظامه ، ومافيه من طرف وعجائب ، بنحو يبهر العقول ويحير الالباب ، ويضطر العاقل للبخوع والاذعان ، لا بوجود الخالق المدبر فحسب ، بل بعظمته وحكمته ، وقدرته المطلقة وإحاطته .
وابدأ في الملاحظة والتدبر بالإنسان في تطوره من مبدأخلقه الى منتهى حياته ، ودقائق جسده ، وإدراكه ومنطقه ، وعواطفه وانفعالياته ، وغرائزه وعقله ، ومرضه وشفائه ... الى غير ذلك .
ثم توجه في مثل ذلك الى الحيوان .. الى النبات .. الى الماء والهواء .. الى الأنهار والبحار .. الى السهول والجبال .. الى الغلاف الجوي .. الى الكواكب السابحة في الفضاء ... الى ما لا يحصى من آيات مذهلة ، وبدائع خلقة مروعة ، تخرس ألسنة المعاندين ، ولاتدع لقائل مقالا .
وفي كل شيء له آية .......... تدل على انه واحد
من إفادات المرجع الكبير السيد محمد سعيد الحكيم مد ضله
 
( 13 ) 
لقد اوردنا ما يكفي من الادلة العقلية على وجوب وجود الخالق تعالى ، ولا ينكرها الا معاند مكابر ، ومابقي الا ان نرد دعويين - قد يدعيهما مدع - تتميما للفائدة ، وهما :           ١- دعوى تسلسل العلل الى ما ملا نهاية ، فلا تنتهي الى علة وسبب ازلي واجب .
٢- ودعوى ان العالم ازلي قديم واجب الوجود بمادته ، وانه لم يزل في حركة دائبة وتبدل في الصورة .
رد الدعوى الاولى :
اما التسلسل بالعلل وانه لا تنتهي الى علة واجبة الوجود فقد ابطلنا هذا الاحتمال في المنشور رقم (٧) في التوحيد ، ولزيادة الإيضاح نقرأ ما ذكره المرجع السيد محمد سعيد الحكيم -مد ضله- في كتابه اصول العقيدة ص ٦٦ حيث قال : لكنها دعوى مردودة تبطل نفسها ، لان مرجعها الى ان كل ما  حصل ممكن حادث ، وحيث كان كل حادث مسبوقا بالعدم ، فلازم ذلك ان كل ما حصل في هذه السلسلة مسبوق بالعدم ، وانه قد مر زمن خال من كل شيء . وهو يناقض تسلسل الحوادث والعلل من الازل .
والى هذا يرجع ماتكرر في كلام اهل المعقول من امتناع التسلسل في العلل ، حتى عد من البديهيات ، بل لابد من مبدأ الحوادث من الصفر . وحينئذ يحتاج مبدأ الحوادث وأولها الى علة وسبب ازلي واجب الوجود ، كما سبق  انتهى .
واما رد الدعوى الثانية ففي المنشور اللاحق ان شاء الله تعالى.
( 14 ) 
الكلام دقيق تدبر فيه ...
في المنشور السابق ذكرنا ان هناك دعويين قد يدعيهما منكر وجود الخالق تعالى ، وهما دعوى تسلسل العلل الممكنة الحادثة الى مالا نهاية ، وقد ابطلناها في المنشور رقم (٧) والمنشور رقم(١٥)السابق ، ودعوى ان العالم قديم ازلي واجب بمادته ، والان نحن بصدد ابطال هذه الدعوى الثانية :
 
يقول اصحاب هذه الدعوى : ان مانراه من الحوادث المتجددة ، انما هو في حقيقته تبدل في صورة المادة وهيئتها ، مع كون المادة بذاتها ازلية واجبة الوجود غير حادثة ، ومثال ذلك : ان الماء في البحار حيث يتحول الى بخار وسحاب ثم يتفاعل في الجو فينزل ماء بصورة المطر ، وقد يتجمد في اعلى الجبال ثم يذوب وينساب ماء في الانهار ليمد حياة الكائنات الحية ، ثم ينزل في بطن الارض ليرجع الى البحر او يتحلل كيمياويا الى عناصره ويتفاعل بعد ذلك ليعود ماء كما كان ثم يعود في دورته ثانيا ... وثالثا ... وهكذا الى مالا نهاية .
 
ورد هذه الدعوى وإبطالها من وجهين :
الاول : انه لو تم تفسير الكون بحركة المادة وتحولها ، من دون ان يفنى بعضها ويتجدد غيره خلفا عنه ، الا انه لا مجال للبناء على ازلية المادة واستغنائها عن العلة والمؤثر ، لأن المادة التي يفترض كونها أزلية وواجبة الوجود ، إن كانت ذات هيئة وصورة استحال انفكاكها عن هيئتها وصورتها ، واستحال تعاقب الهيئات والصور عليها ، لأن هيئتها وصورتها الأولى أزلية واجبة مثلها والواجب لا يرتفع ولا يتخلف ، وهذا خلاف ما ذكروا من ان صورتها وهيئتها تتغير .
وإن كانت تلك المادة مجردة عن الهيئة والصورة لزم المحال وذلك : اولا ، لان المادة لا تنفك عن الهيئة والصورة ويمتنع تجردها عنها ، كما هو بين ظاهر . وثانيا ، لو امكن تجردها عن الهيئة والصورة لكان تجردها واجبا مثلها ، وحينئذ يستحيل تخلفه عنها ويستحيل تصورها بالصور المختلفة لان الأزلي الواجب خالد .
هذا كله فيما اذا قيل ان المادة تتحرك وتتحول من دون ان يفنى بعضها ويتجدد غيره خلفا عنه ، اما اذا افترض بأن المادة تتجرد عن الصورة لتأتي غيرها مكانها فهذا ما سيتم دحضه فيما سيأتي إن شاء الله تعالى .
من إفادات المرجع السيد محمد سعيد الحكيم مد ضله .
 
( 15 ) 
عرضنا في المنشور السابق دعوى أزلية وقدم المادة وتبين بطلان هذه الدعوى فيما اذا افترضنا ان المادة تتحرك وتتحول من حال الى حال من دون ان يفنى بعضها ويتجدد غيره خلفا عنه .
والآن ندحض فرضية (أن لو امكن تجرد المادة في الأزل عن الهيئات والصور ثم عروض تلك الصور عليها بعد ذلك ) 
بالقول : إن تصورها بالصور المتعاقبة المختلفة يحتاج الى علة وسبب مؤثر فيها ، يقهرها ويخضعها لتقبل الصور والهيئات ، وتبادلها عليها .وحينئذ فما هو هذا السبب المؤثر هل هو ازلي واجب الوجود او حادث ممكن ؟ فإن كان أزليا واجبا فهو الخالق المدبر ، وتم المدعى .
وإن كان ممكنا حادثا عاد الحديث اليه ، فإنه يحتاج الى علة وسبب ايضا ، ويمتنع تسلسل علله الى مالا نهاية -كما قد بينا بطلان التسلسل في المنشور رقم ٧ و ١٥ - بل لابد ان ينتهي بالآخرة الى علة واجبة الوجود .
وأما دعوى : ان المادة اذا امكن ان تكون مجردة عن الصورة أزلا ، ثم تعرضها الصورة ، فهي التي صورت نفسها ، من دون حاجة الى مؤثر فيها خارج عنها . 
فلا اظن عاقلا يرضى بهذه الدعوى ، لأن المادة بالوجدان صماء بكماء لا تعقل ، فكيف يصدر منها شيء ؟ ! وهل يرضى العاقل لنفسه اذا رأى كتلة من الطين قد صارت تمثالا شاخصا ، ان يقول : انها حولت نفسها بنفسها من دون ان تخضع لصنعة صانع ؟!!!!! 
والحاصل ان قضية حدوث العالم واحتياجه الى العلة المؤثرة الواجبة الوجود والمستغنية عن العلة ، من القضايا العقلية الإرتكازية التي يدركها الناس بفطرتهم ، ولا يستطيعون التجرد عنها مهما كابر فيها المكابر وتعصب ضدها المعاند ، وإذا خفي على العامة وجه الإستدلال عليها استغنو بالإرتكاز المذكور في البناء عليها .
من إفادات المرجع الكبير السيد محمد سعيد الحكيم مد ضله .
( 16 ) 
.. فرضية التطور شاهد آخر على وجود الصانع ...
... بالرغم من محاولات الملحدين تصويرها لصالحهم ....
وهذا البحث استجابة لطلبكم ..
لنستعرض فرضية التطور-حسب احدى التصورات- أولا ثم نحاكمها عقلا ..
الفرضية قائمة على ركنين أساسيين ، هما :
الاول : التطور ، وهو ، إكتساب الكائن الحي صفة جديدة تساعده على البقاء .
الثاني : الإنتخاب الطبيعي ، وهو ان الكائنات التي تمتلك صفات تؤهلها للبقاء سوف تبقى ، بينما تنتهي تلك التي لا تحمل صفات تساعدها على البقاء .
فكلما يراد تطبيق الفرضية فلابد من استحظار هذين المعنيين معا . ولا يعملان ولا يجتمعان -اعني التطور والانتخاب- الا في المجموعة ولا تعمل هذه الفرضية في الفرد ، حتى لو فرض ان هناك خلية واحدة حية فلا تتم فيها فرضية التطور ، فهي تتم حين تكون هناك خلايا متعددة .
ثم إن الخلية عندما تكسب صفة معينة فلا بد ان تكسب صفة نافعة ، فإذا ورثت صفة غير نافعة فلا تتم هذه الفرضية ، بل يحصل إنعدام للحياة . 
وأهم ادلة القائلين بها -ومنهم دارون- هو التشابه في الأعظاء والوضائف خصوصا العظام ، بالإضافة الى القول المضاف الى نظريتهم بوجود أعضاء زائدة ليس لها وضائف مثل الغدد والثدي عند الرجل وقد كثرت هذه الدعاوي حتى اوصل بعض المهووسين الأعضاء التي لا عمل لها -كما قيل - الى ١٨٠ عضو زائد .
ولسنا الآن بصدد نفي او إثبات هذه الفرضية وإن كانت هذه الأدلة المقدمة سخيفة ، وذلك لأن التشابه بين كائنين لا يعني بالضرورة حصول التطور في النوع الواحد لاحتمال ان يكون نوعان متشابهين لا نوع واحد متطور وإن فنى احدهما .
وأما دعاوي زيادة الأعضاء فغير مقبول لان ماذكر في زمان بعض الدعاوي لم يتوصل المختصون الى فائدة تلك الأعضاء فادعي زيادتها ، وبالتدرج العلمي استوضحوا ان لها فوائد ، حيث تبين للغدد اهمية كبرى في حياة الكائن اللبوني وغيره ممن يعتمد على الهرمونات والبروتينات والأحماض الأمينية المصنعة داخل الجسم بواسطة الغدد -كما يقول اصحاب الإختصاص - وكذلك الكلام يجري في غير الغدد مما قيل بأنها زائدة ، فلو لم يطلع العلم الى اليوم على وضائف بعض الأعضاء فلا ينبغي ان يقال أنها لا وضائف لها بل لا بد ان يقال اننا لم نتوصل الى مايراد لها من وضائف .
وعليه ... يعني ان ما قالوا انها نظرية انما هي فرضية لأنها تعتمد على امور ظنية ولا ينتج عن الظن الا الظن .
وليعلم الأحبة أن هذه الفرضيات تغافلت عن كيفية النشأة وقفزت خطوات وخطوات لتتحدث عن تطور الكائنات بينما المفروض والمنهج القويم ان تكون البداية من أصل نشأة هذا الكائن البسيط المتطور ، وعلة نشوئه ثم الحديث عن كيفية تطوره . 
ونحن لا نتحسس من فكرة التطور بقدر ما يقدم لأجل اثباتها من ادلة قطعية ، وهي لاتظرنا في شيء كموحدين .
...النتيجة ...
وكيف كان ... فإن هذه الفرضية لا تشكل نقضا على الموحدين بل هي تنفعهم ، لأنه يبقى السؤال : ان هذا الكائن ... او هذه الكائنات ... المتطورة ، كانت حية او ليست بحية ، افرضها كيفما تريد وتصورها بأي كيفية من الدقة والبساطة ، كيف نشأت ؟ وكيف وجدت ؟ قبل الحديث عن تطورها ... هل نشأت من لا شيء ؟ والاشيء لاشيء كيف يوجد شيء ؟ وهذا ما لا يقول به من يحترم عقله ولديه ادنى درجات التفكير -كما نوهنا لذلك في منشورات سابقة - ولم يبق أمامنا الا القول بأن هناك قوة مؤثرة مدركة قادرة ذات حكمة تستطيع ان تجعل من ادق الامور وابسطها عالما عظيما متعدد الأنواع ، وهذه القوة العظيمة هو الصانع المراد إثبات وجوده سبحانه وتعالى ، بعد اثباتنا انه من غير الممكن تسلسل العلل الى مالا نهاية .
( 17 ) 
مناقشة أسباب الانحراف العقدي الذي يتمظهر بحالات إلحاد فردية >
لقد قدمنا من الأدلة -بفضل الله تعالى- ما لا يدع شكا ولا ريبا بضرورة وجود صانع حكيم مدبر قادر قاهر ، وهي كالتالي :
١- مناظرات مع أئمة الهدى (ع) مع الزنادقة اسفرت عن افحامهم . في المنشور رقم ١ و ٢ . في التوحيد .
٢- ماذكره الفاضل المقداد السيوري من الطرق لإثبات الصانع تعالى . في المنشور ٤ و ٥و ٦و ٧ .في التوحيد .
٣- دليل الطبيعيين على وجود الصانع تعالى في ٨ التوحيد .
٤- برهان الحدوث او الحركة والسكون للمتكلمين ٩ التوحيد .
٥- دليل الفلاسفة على وجوده تعالى ١٠ التوحيد .
٦- تأملات في الخلق لإثبات وجود الخالق رقم ١١و١٢و١٣و ١٤ في التوحيد ايضا .
٧- إبطال دعاوى تسلسل العلل وأزلية المادة ومناقشة فرضية التطور وابطال الصدفة فيها وأن نفس التطور على فرض صحته يقودنا الى حتمية وجود الصانع في ١٥و ١٦و ١٧و ١٨ التوحيد.
وعليه ..فهل الملحدون لم يتنبهوا لهذه الادلة وغيرها الكثير  التي قدمها العلماء على مختلف اختصاصاتهم وهي تقود الى القطع بوجود الإله ، وبالتالي هي اسباب معرفية ، او انها اسباب نفسية كما ذكر بعض اصحاب الاختصاص في علم النفس لتردي الاوضاع العامه ، او تنصل عن مسؤولية الإيمان بالإله كما قال بعضهم ، او قياس الإله على من يؤمنون به وبما أن الكثير منهم سيئون فألحد به لقياس غير منطقي ، او غير ذلك من الأسباب ... فماذا تقولون ؟ .
 
( 18 ) 
< التطور الصناعي والتكنلوجي لا يعني التطور العقائدي >
 
قد يظن البعض ان التطور في شتى المجالات الدنيويه لدى المجتمعات البعيدة عن الاسلام يصحبه تطور في المجال العقدي والديني ايضا ، ولكنه اعتقاد خاطىء ، فإن اليابان التي بلغت ماهي عليه من التطور في الصناعة والمجالات الدنيوية الاخرى نجد بعض الاعتقادات الدينية الساذجة التي يهزأ بها كل من له ادنى حظ من التفكير ، كعبادة الاوثان المصنوعة بأيديهم من الخشب او غيره .
فقد نقل احد الأعلام عن بعض المؤمنين الموثوقين انهم قالوا : ذهبنا قبل مدة الى اليابان موفدين من قبل الدولة في زيارة رسمية وقد صحبنا هناك مضيف رسمي من قبل الحكومة اليابانية من أجل إطلاعنا على معالم البلد ، وفي بعض الايام بينما نحن في الشارع اواخر النهار قرب المغيب إذ انقطع السير وتوقفت السيارات ، من اجل فسح المجال للإله المعبود عندهم ، فمر علينا شابان وشابتان يحملون (مصطبة) عليها تمثال انسان ضخم ، فسألنا المضيف عن ذلك فقال : هذا المعبود يضيق صدره وينحبس طبعه في هذا الوقت حيث يقرب مغيب الشمس ونشرف على الضلام ، فيتنقل به في الشوارع من اجل النزهة به .
كما أخذنا المضيف الى معبد فيه معبود لهم ، وهو عبارة عن تمثال انسان له ست عشرة يد يزعمون ان كل يد منها تدبر جهة من جهات الحياة من الرزق والصحة والحب وغيرها ، وكان امام وجهه كوة كأنه يشرف منها على الشارع ، فذكر لنا المضيف : ان من مر به من الناس صباحا وقد عمل حسنة أنس وابتهج ، ومن مر به وقد عمل سوءا استاء وانقبض . انتهى
وقد عقب المرجع الحكيم مد ضله على هذا الكلام بقوله : وليس هذا لانحطاط هؤلاء عقليا او ضعف مستواهم الفكري والثقافي بل لعدم اهتمامهم بالوصول للحقيقة ، ورضاهم بما عندهم من الدين جمودا على التقاليد الموروثة .
وبهذا نعرف احد اسباب الالحاد والانحراف العقدي ، فإن هؤلاء لو بحثوا عن الحقيقة لوجدوا الله تعالى ليس بعيدا عنهم .
 
( 19 ) 
صفات الخالق تعالى :
بعد ان ذكرنا الادلة القطعية على وجود الخالق الصانع تعالى التي لم تدع مجالا لمنكر ان ينكرها الا المعاند الذي اختار طريق الضلال والتيه ، وصل بنا المقام الى ان نذكر صفاته تعالى ، التي لابد ان يتعرف عليها المؤمنون كي يكونوا على بصيرة فيما يدينون الله تعالى به من التوحيد المبني على فكر اهل البيت ع المطابق للعقل المستقيم ، ولما في معرفة صفاته من اسباب الدنو والقرب اليه تعالى ، ولكي يتحصنوا من الافكار المنحرفة التي لا توصلهم الى التوحيد الحقيقي .
تقسيم الصفات : 
تنقسم الصفات مبدئيا الى قسمين :
الصفات الثبوتية . كالعالم والخالق .
الصفات السلبية . كقولهم انه ليس بجسم وانه ليس بمركب .
والصفات الثبوتية هي بدورها أيضا تنقسم الى :
الصفات الذاتية . كالعالم .
والصفات الفعلية . كالخالق .
وسنعرض لهذه الاقسام فيما يأتي من المنشورات والخلاف مع غيرنا من المذاهب الاخرى في فهمها وكيفية توليفها إن شاء الله تعالى . تابعونا .
 
( 20 ) 
 
صفات الخالق تعالى :
ذكرنا في المنشور السابق تقسيم الصفات ، وأنها تنقسم الى ثبوتية ،وهي ما يتصف بها الخالق تعالى ويجب اثباتها له ، فإن كانت ثابتة للذات المقدسة ك(العالم) تسمى "ذاتية" ، وإن كانت تلك الصفات منتزعة من مقام الفعل بمعنى انها خارجة عن الذات ، واتصافه بها باعتباره فاعل الرزق فيكون رازقا وفاعل الخلق فيسمى خالقا فتسمى "فعلية" .
وللتأكيد ان الصفات الذاتية والفعلية يجمعها اسم (ثبوتية) لانها ثابتة له تعالى .
وفي قبال الصفات الثبوتية الصفات السلبية ، وهي التي تدل على سلب النقص والحاجة عن الذات المقدسة ، فهو ليس بعاجز وليس محتاجا وليس بجسم وليس مركبا وغير ذلك من الصفات التي تسلب كل نقص وحاجة .
وهذه توطئة لابد منها كي نتعرف على معاني هذه المصطلحات . 
وسنبدأ إن شاء الله تعالى بالصفات الثبوتية ثم نتبعها بالصفات السلبية .  
 
( 21 ) 
< صفات الخالق تعالى >
الصفات الفعلية :
تقدم في المنشور السابق ان الصفات منها صفات ذاتية ومنها صفات فعلية ، ونحن الان بصدد بيان شيء من الصفات الفعلية ، فإن الصفات الفعلية كثيرة ، وهي على كثرتها منتزعة من مقام الفعل ، وتنتزع اذا فرضنا هناك شيء آخر غير الخالق ، مثلا صفة الخالق معناها : إن كان هناك مخلوق فالله هو خالقه ، فالخالق وصف حين يكون هناك شيء آخر غير الخالق فإن لم يكن هناك شيء ، لا يوصف الواجب عز وجل بالخالق . وهكذا الرازق والصانع وكل صفة يتوقف تصورنا لها على وجود شيء آخر .
 
ولا يخفى عليك ان القدرة على الخلق والرزق موجودة ومتصف بها عز اسمه سواء وجد شيء ام لم يوجد شيء غيره ، وهذه الصفة نعبر عنها بالقادر لا بالخالق .
واعلم ان الصفات الفعلية خارجة عن الذات المقدسة ، فلا تكون قديمة كقدم الذات المقدسة .
 
( 22 ) 
< صفات الخالق تعالى >
الصفات الذاتية :
ومن الصفات الثبوتية الصفات الذاتية ، وسميت الذاتية لان هذه الصفات عين الذات غير خارجة عنها بخلاف الصفات الفعلية .
وقد عد من الصفات الذاتية :
انه تعالى حي ، وكما فسرها الحكماء انها عبارة عن العلم والقدرة ، ودلائل حياته واضحة من خلال آيات خلقه التي تنبض بالحياة ، فمن ذا الذي يهب الحياة غير مالكها الحي القادر ؟.
 
ومن صفاته ايضا ، انه تعالى قادر مختار ، وانه تعالى عالم ، وانه تعالى مريد كاره ، وانه تعالى مدرك (سميع بصير ) ، وانه تعالى قديم ازلي باق ابدي .
ودلائل هذه الصفات الذاتية واضحة بعد ان اثبتنا صنعه للخلق -في منشورات ادلة وجود الخالق تعالى- فإن هذا الخلق المتقن يدل على حياته كما اسلفنا ، وعلى علمه وقدرته وارادته واختياره وادراكه وازليته وابديته .
اما كيف يتصف الخالق بهذه الصفات ؟ فللمذاهب الاسلامية اقوال 
( 23 ) 
 
< عقيدة الشيعة في اتصاف الخالق بصفاته الذاتية >
 
فقد اجمع متكلموا الشيعة وحكمائهم بأن صفات الخالق تعالى الذاتية كالعلم والقدرة والغنى والإرادة والحياة ( كلها عين ذاته ليست هي صفات زائدة عليها وليس وجودها الا وجود الذات ، فقدرته من حيث الوجود حياته وحياته قدرته ، بل هو قادر من حيث هو حي وحي من حيث هو قادر ، لا إثنينية في صفاته ووجودها ، وهكذا الحال في سائر صفاته الكمالية .
نعم هي مختلفة في معانيها ومفاهيمها ، لا في حقائقها ووجوداتها ، لانه لو كانت مختلفة في الوجود - وهي بحسب الفرض قديمة وواجبة الذات - للزم تعدد واجب الوجود ولانثلمت الوحدة الحقيقية ، وهذا ما ينافي عقيدة التوحيد ) .
وسوف نطرح الرأي المخالف لهذا القول لبعض المذاهب الاسلامية ونحاكمها عقلا ونقلا ... انتظرونا في ما سيأتي ان شاء الله تعالى .
 
( 24 ) 
إيضاح للمنشور السابق في عقيدة الشيعة في اتصاف الخالق تعالى بصفاته الذاتية :
إن الخالق سبحانه يتصف بصفات ذاتية عدة منها العلم والقدرة والحياة وغيرها ... وهذه الصفات هي عين ذاته سبحانه وتعالى ، ولا تمايز بينها في مقام الذات ، بمعنى أن هذه القوة الخالقة التي نسميها ( الله ) عالمة وهي نفسها العالمة قادرة ونفس القادرة مريدة ونفس العالمة القادرة المريدة حية ، فليس العلم في مقام الذات يمتاز عن القدرة والحياة والإرادة وليست القدرة تمتاز في مقام الذات عن العلم والحياة والارادة وليست الحياة تمتاز عن العلم والقدرة والارادة وهكذا ... فصفاته تعالى غير متمايزة في الوجود كما تتمايز الصفات في الانسان مثلا ، فإن العلم في الانسان غير قدرته ، لان علمه مجرد عن المادة عند النفس واما قدرته فمودعة في البدن وقوته وهكذا ... .
نعم ان صفات الخالق تعالى معانيها مختلفة فإن العلم معناه يختلف عن القدرة ، والحياة معناها يختلف عن الإرادة ، وهكذا ، وبإرادته خلق الخلق  وبعلمه اتقنه وبقدرته اودع فيه هائل الطاقات وهكذا ، مما يدلل ان صفاته تعالى آثارها تختلف كمعانيها ، وهي مع اختلاف معانيها وآثارها غير متمايزة في الوجود بل من حيث المصداق الخارجي شيء واحد هو الخالق ذو الصفات الكمالية التي تليق بذاته المقدسة وكما شرحنا كيفية اتصافه بها .
ولماذا نؤكد على ان صفاته تعالى عين ذاته وليست متمايزة في الوجود ، وهي واحد من حيث المصداق الخارجي ؟ 
والجواب : انه لو قلنا انها متمايزة وهي متعددة وقديمة - حسب الفرض -  للزم تعدد القدماء ، وهذا ما يخدش التوحيد الحقيقي .
سنعرض رأي الأشاعرة في الصفات في المنشور القادم ان شاء الله تعالى انتظرونا .
( 25 ) 
أقوال إخواننا السنة ( الأشاعرة والكرامية ) في الصفات الذاتية والمأزق الذي دخلوا فيه : 
لقد ذكرنا قولنا (الشيعة) في اتصاف الخالق تعالى بصفاته الذاتية واننا نعتقد بأن الصفات الذاتية عين الذات وكل منها عين الأخرى . وأما قول الأشاعرة وهم مذهب عقائدي من السنة ، فإنهم يذهبون الى القول بأن الصفات الذاتية زائدة على الذات لازمة لها ، فهي قديمة بقدمها . الملل والنحل ٩٥/١ ومنهم العلامة التفتازاني في شرح المقاصد ٧٢/٢ والعلامة الإيجي والمحقق الشريف في شرح المواقف ٤٧٩ - ٤٨٠  وهو رأي في غاية السخافة وسنرد عليه ونبين بأن لازم هذا القول عدم التوحيد . اجارنا الله واياكم من الزلل .
 
واما قول الكرامية ، وهم مذهب عقائدي آخر من السنة أيضا ، فإنهم يعتقدون بأنها زائدة على الذات حادثة كما في الملل والنحل ١٠٩/١ وشرح المقاصد ٩٥/٢ وشرح المواقف ٤٧٦  ، وهو رأي أسخف من سابقه ويخرم التوحيد الحقيقي . وسنبين بطلانه وحقيقته عدم التوحيد . اجارنا الله وإياكم من الزلل . 
 
( 26 ) 
< بيان بطلان قول الأشاعرة في صفات الخالق >
ذكرنا في المنشور (٢٧) في التوحيد عقيدة الأشاعرة في كيفية اتصاف الخالق تعالى بصفاته الذاتية ، وهم اتجاه عقائدي من اخواننا اهل السنة والجماعة ، ونذكركم به الآن ، فإنهم يقولون : إن الصفات الذاتية كالعلم والقدرة وغيرهما هي غير الذات زائدة عليها وهي لازمة للذات قديمة بقدم الذات .
والرد على هذا القول :
إن هذه الصفات - وهي كما عدوها سبع ، الحياة والقدرة والعلم والسمع والبصر والإرادة والكلام - إن كانت موجودة في نفسها واجبة وهي غير الذات المقدسة زائدة عليها وكل واحدة من هذه الصفات قديمة - حسب هذا القول - فهذا يعني أنه عندنا ثمانية موجودات واجبة الوجود ، وهي الذات المقدسة والصفات السبع  . ولا أدري أي توحيد هذا ؟ !!!! 
وعلى العموم فهو قول باطل وترده ادلة وحدانية الخالق تعالى ، فسبحان ربك رب العزة عما يصفون . 
 
( 27 ) 
<بيان بطلان قول الكرامية في صفات الخالق> 
 
في المنشور السابق ذكرنا قول الاشاعرة وبيان بطلانه ، والان بصدد بيان بطلان قول الكرامية وهم اتجاه عقائدي من اهل السنة والجماعة ايضا ، وقد ذكرنا قولهم فيما سبق ، ونعيد ذكره الان للتذكير ...
فإنهم يقولون : ان صفات الذات زائدة على الذات - كما يقول الأشاعرة - ويخالفون الاشاعرة في ان تلك الصفات ليست قديمة بل هي حادثة ، بمعنى ان ذات الله تعالى خالية من هذه الكمالات كالعلم والقدرة في مرحلة من المراحل ....
وفساد هذا القول ظاهر وبطلانه بين ... فإن الذات المقدسة المستجمعة لكل الكمالات كيف تكون خالية في نفسها من هذه الكمالات ، وأيضا لازم هذا القول هو تركب الذات من قديم وحادث وهو باطل لما سيأتي من تنزيه الخالق من التركيب ، ونفس الاشاعرة والكرامية ينفون التركيب .. سبحانه وتعالى عما يصفون .
( 28 ) 
في قول امير المؤمنين ع في من يرى ان صفات الخالق خارجة عن ذاته -كما هو قول الاشاعرة والكرامية وهم الغالبية الساحقة من اهل السنة والجماعة - تعالى الله عما يصفون .
 
قال عليه السلام في نهج البلاغة :(وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ، ومن ثناه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد جهله ) .
 
( 29 ) 
< الصفات السلبية >
ذكرنا في مستهل بحث صفات الخالق تعالى أن الصفات تنقسم الى ثبوتية وسلبية ، والثبوتية تنقسم الى فعلية وذاتية ، وقد انهينا الكلام عن الصفات الثبوتية بقسميها ..... ونحن الان بصدد الحديث عن الصفات السلبية ،وتسمى أيضا (الصفات الجلالية) .
 
والصفات السلبية : هي الصفات التي لا تليق بقدسية وعظمة الخالق تعالى لأنها نقائص فيجب سلبها عنه وتنزيهه منها .
فيجب الإعتقاد بان الخالق تعالى منزه عن كل نقص كالجسمية والصورة والحركة والسكون والخفة والثقل والتركيب والاحتياج وغيرها من صفات الممكنات . 
وقد تكون صفة ما هي كمال بالنسبة للمخلوق ولكنها لا تليق بالخالق فهي من الصفات السلبية التي يجب سلبها عنه ، كالحركة ، فإنها كمال للمخلوق ولكن لا يمكن ان يتصف بها الخالق لان الحركة من خصائص الحادث المحتاج ، لانهم قالوا : كل متحرك يحتاج الى محرك ، والخالق غني غير محتاج فهو غير متحرك .
وقد عدوا من الصفات السلبية : أنه ليس بمركب ، وأنه ليس بجسم ، وأنه ليس بمرئي ، وانه ليس بمحتاج ... الخ ..
وسنعرض بعض مباحثها تباعا ان شاء الله تعالى .
.. لو وجدت صعوبة في بعض المصطلحات ابعث استفسارك في تعليق
( 30 ) 
< إن الخالق تعالى ليس مركبا >
ذكرنا في المنشور السابق معنى الصفات السلبية ، وأن الله تعالى منزه عن كل ما يعتبر نقصا في ذاته المقدسة ، ومما يجب تنزيهه منه هو (التركيب) وهو من النقائص التي يتنزه عنها الله تعالى ، فهو ليس مركبا .
والمركب : هو الذي له جزء ، ويقابله البسيط وهو ماليس له جزء . فالماء مثلا مركب من جزئين : الهيدروجين والأوكسجين ، والإنسان مركب من بدنه وروحه ، وهكذا .
 
والدليل على أن الله تعالى ليس مركبا :
١- أن المركب يحتاج الى الجزء لأنه لا يتحقق بدون تمام أجزائه ، والله تعالى غني غير محتاج . اذن هو بسيط وليس مركبا .
٢- أن المركب لايوجد إلا بعد وجود جزئه ، فالجزء سابق والمركب تالي وحادث ( حادث لانه مسبوق بشيء غيره وهو الجزء ) والله تعالى قديم كما ثبت سابقا في إثبات وجود الخالق (القديم هو غير المسبوق بالعدم و بأي شيء غيره) إذن الله تعالى ليس مركبا .
ولازم قول الأشاعرة والكرامية والسلفية يقتضي التركيب .
 
( 31 ) 
<الخالق تعالى ليس جسما>
إستمرارا ببحث الصفات السلبية ، نذكر الآن ان الصانع تعالى لا يمكن ان يكون جسما ، والجسم هو الذي له ابعاد ثلاثة ، الطول والعرض والإرتفاع .
وقد أقيمت ادلة كثيرة على انه تعالى ليس جسما ...
منها : ان الجسم يحتاج الى المحل والمكان الذي يحل فيه والله تعالى غني عن كل شيء حتى المكان . ولو كان يحتاج الى المكان باعتباره جسما ، لكان المكان موجود قبل الخالق ، لان المكان يوجد قبل صاحب المكان . والله تعالى قديم ، يعني لا شيء قبله ابدا .
ومنها : انه لو كان جسما لكانت له حدود ، وقد ثبت ان كل محدود لابد ان يكون له حاد - اي صانع - والله تعالى هو خالق كل شيء لا خالق له كما اثبتنا ذلك سابقا .
وكونه تعالى ليس جسما من مسلمات العقلاء ولكن مع ذلك خالف السلفيون (اتباع ابن تيمية)وقالوا ان له جسما وسنذكر قولهم تفصيلا وسنرده ان شاء الله تعالى .
 
( 32 ) 
 
< عقيدة التجسيم عند السلفية >
ذكرنا في المنشور السابق عقيدتنا( الشيعة)  بأنه تعالى منزه عن الجسمية ، وذكرنا الأدلة القطعية على نفي التجسيم ، بل إن القول بان الله جسم ينافي كونه قديم ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، واعتقد بعدم التجسيم سائر الفرق الإسلامية .
غير أن السلفيين قالوا بالتجسيم تبعا لروايات في البخاري ومسلم وغيرهما وأيضا لظواهر بعض الآيات الكريمة ، مع ان المسلمين وجهوا هذه الآيات وأرجعوها الى احكم آية (اعني من الحكمات) في القرآن الكريم وهو قوله تعالى (ليس كمثله شي) والآيات التي تذكر اليد والوجه وغير ذلك انما هي تحمل معاني مجازية تدل على الرحمة او غير ذلك مما يناسب مقاماتها .
السلفيون يعارضون المنطق والعقل ولا يستطيعون مخالفة البخاري ومسلم ... 
قال بن تيمية (بعد أن نقل حديثا عن ابن عباس ) : هذا يدل على انه رآه ، وأخبر أنه رآه في صورة شاب دونه ستر وقدميه في خضرة ، وأن هذه الرواية هي المعارضة بالآية والمجاب عنه بما تقدم ، فيقتضي انها رؤية عين كما في الحديث الصحيح المرفوع عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله ص رأيت ربي في صورة شاب أمرد له وفرة جعد قطط في روضة خضراء . انتهى كلام ابن تيمية . بيان تلبيس الجهمية ج ٧ ص ٢٧٠ .
وقال ابن القيم : المثال الخامس : وجه الرب جل جلاله حيث ورد في الكتاب والسنة فليس بمجاز بل على الحقيقة . انتهى كلامه .مختصر الصواعق . ص ٣٨٦ .
 
( 33 ) 
الصفات السلبية ..
البخاري ومسلم يقولان بالتجسيم !!!!!
روى البخاري بسنده الى ابي هريرة ، انه روى عن رسول الله (ص) : خلق الله عز وجل آدم على صورته ، طوله ستون ذراعا ، فلما خلقه قال : اذهب فسلم على .... باب بدء السلام ح ٥٨٧٣
وروى مسلم بسنده الى ابي هريرة انه روى عن رسول الله (ص) : إذا قاتل احدكم اخاه فاليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته . باب النهي عن ضرب الوجه ح(١١٥) ٢٦١٢
ونعتقد ان هذه الأحاديث مكذوبة على رسول الله ص لأنها مخالفة للعقل والقرآن الكريم ، وفيما يأتي من النشر سنبين بطلان ماذهب اليه ابن تيمية وابن القيم الجوزية والبخاري ومسلم واتباعهم السلفيون ، وقد بينا ذلك فيما سبق ايضا .
 
( 34 ) 
< إبطال قول السلفيين في التجسيم >
ليس للسلفيين دليل على قولهم بالتجسيم إلا الروايات التي ذكرنا بعضا منها في المنشورات السابقة ، وظواهر بعض الآيات الكريمة ، مثل قوله تعالى ( يد الله فوق ايديهم ) (يداه مبسوطتان ) (بأعيننا ) وغير هذه المفردات الواردة في القرآن الكريم . 
أما الروايات ، فإن المنهج العلمي للتعامل معها يحتم علينا ان نطرح كل ما يصطدم منها بالحقائق العقلية ،  ومعارضة تلك الروايات لصريح العقل يعني انها لم ترد عن النبي (ص) . وقد دلت الأدلة العقلية القطعية على نزاهة الخالق تعالى عن الجسمية والصورة ، وعلاوة على ذلك ان هذه الروايات معارضة بمحكم الكتاب العزيز وهو قوله تعالى ( ليس كمثله شيء ) فإن اثبات الجسم والصورة له سبحانه ، يعني أن مثله شيء وهذا المعنى تنفيه الآية آنفة الذكر ، وهذا شاهد آخر على كذب هذه الروايات .
أما ظواهر بعض المفردات في الكتاب الكريم التي ذكرناها آنفا فلابد ان تفسر بما يتناسب مع المقطوع به عقلا من كون الخالق ليس له صورة وجسم ، وبما يتناسب مع محكم نفس الكتاب الكريم وهو قوله (ليس كمثله شيء ) وهذا التأويل قد عملت به كل الفرق الإسلامية الا اتباع ابن تيمية ، بل حتى هم يؤلون بعض الآيات ولكن حينما يصلون الى الصفات يجمدون على الالفاظ .
والنتيجة : ان القول بالتجسيم يتعارض مع محكم الكتاب الكريم ، ومع حكم العقل المقطوع به ، بل القول بالتجسيم يتنافى مع ازلية الخالق تعالى كما سيتبين ..
وقد أقيمت ادلة عقلية كثيرة على انه تعالى ليس جسما ...
منها : ان الجسم يحتاج الى المحل والمكان الذي يحل فيه والله تعالى غني عن كل شيء حتى المكان . ولو كان يحتاج الى المكان باعتباره جسما ، لكان المكان موجودا قبل الخالق ، لان المكان يوجد قبل صاحب المكان . والله تعالى قديم ، يعني لا شيء قبله ابدا .
ومنها : انه لو كان جسما لكانت له حدود ، وقد ثبت ان كل محدود لابد ان يكون له حاد - اي صانع - والله تعالى هو خالق كل شيء لا خالق له كما اثبتنا ذلك سابقا .
 
( 35 ) 
<المنهج المادي والوثني لأتباع ابن تيمية >
كثيرا قد هرج مشايخ الوهابية على الفرق الإسلامية واتهموا الكل بالشرك حسبما يفسرونه من افعال المسلمين ، واصبح السجود على التربة وزيارة قبور الاولياء والأئمة ع ذريعة لتكفير المسلمين لدى هؤلاء ، مع ان السجود على التربة هو سجود لله تعالى حيث اعتقد الساجد على التربة انه لا يصح السجود على الفراش وما شاكل ، وأن زيارة القبور مأمور بها في سنة النبي ص واهل بيته ع ... 
بيد ان هذا الذي يكفر المسلمين يتناغم منهجه في التوحيد (وهو اهم ركائز الاسلام) مع المنهج المادي والوثني ، أولئك الذين لا يؤمنون بالغيب وينكرون وجود الله تعالى ، ولا يعتقدون بشيء الا ان تكون له كتلة وصورة ، وهذا الفكر ينسجم تماما مع اعتقاد الوهابية بالله تعالى ، حيث لا يؤمنون بالإله الا ان يكون حسب افكارهم المحدوده التي لا تتعدى الحس ، ويشنون هجماتهم التكفيرية على من لا يقول بالتجسيم لأنهم كثيرا مستأنسون بفكرة الإله الشاخص وإن ابعدوا الوثن عن مصطلحاتهم ، وليس غريبا فقد طلب اسلافهم من رسول الله ص - في قصة معروفة ومشهورة - ان يكون لهم معبودا صنما كما عند الآخرين من الوثنيين ، كل ذلك مع قيام الادلة من الكتاب وصريح العقل بعدم إمكانية التجسيم بحق الله تعالى ، ومن الغريب ان يسموا انفسهم بأهل التوحيد !!!! .
 
(36 ) 
 
< تتمة بحث الصفات السلبية >
إن الخالق تعالى ليس محلا للحوادث ، كالنوم واليقضة ، والحركة والسكون ، والقيام والقعود ، والضعف والتعب والحزن ، وغير هذه الصفات التي هي من خواص الممكنات والماديات ولا تتناسب مع القديم الازلي ، ولا يتصف بها الخالق لانها دليل العجز والنقص ، قال تعالى : (لا تأخذه سنة ولا نوم) .
أيضا هو منزه عن الاتصاف بالتذكير والتأنيث لأنها من خصائص الممكنات .
أيضا هو تعالى منزه عن الرؤية البصرية ، فلا يمكن ان يرى في الدنيا والآخرة ، لأن المرئي لابد ان يكون في جهة ما ، فيكون محدودا وجسما ، والخالق تعالى منزه عن المحدودية والجسمية كما تقدم . (لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار) وقال امير المؤمنين ع ( لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان ) نهج البلاغة .
ولابد من التعقيب على منشورنا الذي تحدثنا به عن نفي التركيب ، بأن الخالق تعالى منزه عن كل انواع التركيب سواء التركيب الخارجي او المعنوي او الماهوي وغيرها ، لان كل انواع التركيب تقتضي الاحتياج وعدم القدم ، فيتنزه عنها الخالق الذي ثبت انه قديم وغني حميد .
((( حين تجد اية صعوبة في فهم المنشور او المصطلحات ابعث استفسارك في تعليق )))
 
( 37 ) 
 
< الدليل على ان الخالق تعالى واحد لا شريك له >
بعد أن اثبتنا - في ما مضى من منشورات كثيرة وصلت الى اكثر من ٤٥ منشورا تحت عنوان ( عقائد) او (تأملات ..) - اثبتنا بما لا يقبل الشك وجود خالق عظيم لهذا الكون ، ذو صفات ثبوتيه ، ومنزه عن كل ما لا يتناسب مع عظمته ، الآن  -وبفضل من الله تعالى - قد وصل بنا الكلام الى إثبات ان هذا الخالق واحد لا شريك له .
وقد أقيمت ادلة كثيرة على ان الخالق تعالى واحد لا شريك له ، ونحن نذكر مايسمح به وقتنا وبرنامجنا .
الدليل :
أنه لو افترضنا وجود شريك لله تعالى في الخلق ، فإن هذه الفرضية لا تعدوا احتمالين : 
الاول : أن يكون احدهما محتاجا للآخر ، وهذا الاحتمال باطل ، لان الاحتياج عجز ونقص ، والعاجز لا يمكن ان يكون إلها وخالقا .
 
الثاني : ان يكون كلا منهما مستغنيا عن الآخر غير محتاج اليه ، وهذا الاحتمال أيضا باطل ، لأنه يعني ان وجود أحدهما عبث ، لا فائدة فيه ، وهذا بخلاف حكمة الحكيم الذي يتنزه عن العبثية في كل شؤونه .
وإذا بطل كلا شقي هذه الفرضية ، ثبت أن خالق الكون هو واحد لا شريك له .
( 38 ) 
< دليل آخر على أن الخالق تعالى واحد لا شريك له >
لو فرضنا أن هناك خالقين لهذا الكون ، يتحصل لدينا ثلاثة احتمالات عقلية لا رابع لهما :
الاول : ان يكونا ضعيفين .
الثاني : ان يكون احدهما قويا والآخر ضعيفا .
الثالث : ان يكونا قويين .
فالاحتمالان الاولان باطلان ، لان الضعيف لا يصلح للإلوهية .
وأما الاحتمال الثالث (وهو ان يكونا قويين) فهما إما ان تتفق ارادتهما ، بأن يخلقا شيئا واحدا ويجريا امرا واحدا ، فيكون وجود أحدهما عبثا لا فائدة فيه ، فهذا خلاف كونه إلها واجب الوجود ، وهو باطل .
وإما ان تختلف ارادتهما ، كأن يريد احدهما خلق زيد والآخر عدمه ، فهذا محال لان الخلق وعدمه نقيضان لا يجتمعان ، او لفسد النظام واختل و ( لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ) . مع اننا نرى دقة النضام الكوني وصلاحه .
وبما ان هذه الاحتمالات الحصرية كلها قد بطلت على فرض تعدد الآلهة ، فهذا يعني ان الإله واحد لا شريك له وهو الله تعالى .
وهناك ادلة كثيرة وكثيرة على انه تعالى واحد لا شريك له ولكننا نكتفي بهذا الدليل وماسبقه لانهما كافيان .
( 39 ) 
 
< انواع التوحيد >
للتوحيد مراتب وانواع متعددة ، وليست مرتبة واحدة ونوع واحد وهي :
١- التوحيد الذاتي .
٢- التوحيد الصفاتي .
٣- التوحيد في الخالقية .
٤- التوحيد في الربوبية .
٥- التوحيد في الحاكمية .
٦- التوحيد في العبادة .
 
(40 )
قسام التوحيد ..
<الاول : التوحيد الذاتي>
وللتوحيد الذاتي معنيان : الاول ، هو ان الله تعالى واحد لا مثيل له ولا نظير ولا شبيه ولا عديل .
والثاني ، انه ذاته المقدسة بسيطة بمعنى انها غير مركبة تركيبا ماديا ولا غيره .
وقد تقدم الحديث عن كلا المعنيين في منشوراتنا السابقة ، حيث اثبتنا ان الله واحد لا شريك له ، وايضا أن ذاته منزهة عن التركيب بكل انواعه .
وقد اشارت سورة التوحيد لكلا المعنيين ، ففي قوله تعالى ( ولم يكن له كفوا احد ) اشارة للمعنى الاول وانه تعالى واحد لا نظير له .
وفي قوله ( قل هو الله احد ) اشارة للمعنى الثاني وان ذاته المقدسة ليست مركبة وليس فيها اجزاء .
 
( 41 ) 
أقسام التوحيد 
(الثاني : التوحيد الصفاتي)
القسم الثاني من اقسام التوحيد ، التوحيد الصفاتي ، ومعناه : أننا نعتقد ان الله تعالى مستجمع لجميع الصفات الكمالية لذاته المقدسة  ، كالعلم والقدرة والحياة وغيرها ، وهي مختلفة المعاني لان العلم معناه يختلف عن معنى القدرة والقدرة يختلف معناها عن معنى الحياة وهكذا .
ولكن النقطة التي نريد أن نبينها هنا ، هي أن هذه الصفات وإن كانت مختلفة من حيث المعنى ، ولكنها متحدة في الوجود الخارجي ، بمعنى :
أن ذات الخالق عالمة ، ونفسها العالمة قادرة ، ونفسها حية وهكذا ، وليست كما في المخلوقات ، فإن الانسان مثلا قدرته تختلف في الوجود الخارجي عن علمه ، حيث أن علمه عند عقله المجرد ، واما قدرته وقوته فإنها في أعصابه وعضلاته .
 
ولا يمكن ان تكون صفات الخالق الذاتية مختلفة في الوجود الخارجي ، لأنه يلزم التركيب في الذات وقد نفينا التركيب - فيما سبق - بالدليل القطعي ، او يلزم تعدد الآلهة .
وقد وقع في هذه المشكلة - وهي كون الصفات الذاتية متغايرة في الوجود وأنها غير الذات المقدسة - غير الشيعة من المسلمين ، وهو خدش واضح في توحيدهم .
وقد مر هذا البحث مفصلا ومبسطا أكثر في منشورات الصفات فالأولى ان تراجعوها هناك في المنشور (٢٥) في الصفات من منشورات التوحيد 
 
( 42 ) 
 
اقسام التوحيد 
(الثالث : التوحيد في الخالقية)
ومعناه أنه لا خالق سوى الله تعالى وأن الوجود برمته مخلوق له ، لان كل ما سوى الله تعالى ممكن الوجود ( بمعنى أنه يحتاج في ايجاده الى شيء آخر يوجده ) والله وحده واجب الوجود الذي يمنح الوجود لغيره - كما ثبت ذلك في منشورات التوحيد الاولى - فخلق كل شيء وأنشئه حيث لا شيء .
ثم جعل نظام السببية بين الاشياء ، بحيث يكون الشيء الاول جزء سبب في وجود الشيء الثاني وهكذا .....
فكان وجود الكل مستندا الى الخالق تعالى .
وهذا لا يعني أن ما يرتكبه الانسان من القبائح هي من افعال الله عز اسمه ..
 كلا .... 
فإن الله الخالق جعل الانسان مختارا في افعاله بعد ما منحه القوة البدنية والعقلية على فعل ما يريده ، فكان الانسان - بمشيئة الله تعالى - مختارا ، فيكون فعل الانسان خيرا او شرا بإرادة الانسان نفسه واختياره .
 
( 43 ) 
أقسام التوحيد 
(الرابع : التوحيد في الربوبية)
ومعنى الربوبية هو التدبير والإدارة ، فإن رب الكون هو من يدبر أموره ويدير شؤونه .
والربوبية والتدبير في مجالين :
١- التدبير التكويني .
٢- التدبير التشريعي .
ونحن في هذا المنشور نأخذ شيئا من التدبير التكويني ، ونؤجل الحديث عن التدبير التشريعي الى المنشور (٤٦) في التوحيد .
والتدبير التكوني معناه أن لا مدبر ولا مؤثر -بصورة مستقلة - في الكون الا الله تعالى ، فهو من يدير شؤون هذا الكون برمته بحكمة واتقان .
والدليل على ذلك واضح وجلي ، فلما ثبت - في ابحاث سابقة - ان خالق هذا الكون هو الله تعالى  ثبت بطريق الجزم ان مدبره هو الله تعالى أيضا ،  وذلك للعلاقة التكاملية بين الخلق والتدبير ، حيث إن التدبير ليس شيئا آخر غير الخلق ، فإن إنزال المطر على قرية ما لتدبير رزقها ، ليس شيئا آخر غير خلق المطر وضروفه .  وأيضا أن الله وحده القادر على التدبير مع عجز كل ما سواه بل هم يحتاجون الى الطافه وأياديه ولايستطيعون تدبير امورهم من دونه فكيف يدبرون امور غيرهم . وأيضا لو كان هناك مدبر آخر غيره لوجدت الاختلاف ولامتازت الآثار ولفسد نظام الكون . 
وهذا النوع من التوحيد ( التوحيد في الربوبية على مستوى الكون) رد على المشركين الذين يعتقدون ان الله هو الخالق وتدبير خلقه قد وكل الى غيره . 
فإن تأريخ الانبياء يشهد بأن موضوع خلق الكون ليس موضوع نقاش عند الاقوام آنذاك ، بل كانوا يؤمنون بان الله هو خالق الكون ، ولكنهم كانوا يعتقدون بأن تدبير الامور في بعض الشؤون مسنود الى شركائهم .
وهنا نقطة هامة لابد من التنبه لها :
وهي أن التوحيد في التدبير لا ينافي وجود مدبرات أخرى تقوم بوظائفها بإذن الله في صفحة الكون ، فهي بالحقيقة مظاهر لربوبية الحق تعالى . ولهذا فإن القرآن الكريم مع تأكيده الشديد على التوحيد في الربوبية (ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) يصرح بوجود مدبرات أخرى اذ يقول ( فالمدبرات أمرا) ، واعتقادنا بالولاية التكوينية لايخرج عن ذلك ، فإننا نعتقد بأن النبي او الامام يتصرف بإذن الله تعالى وتحت ربوبية الله كخلق الطير وانشقاق والقمر وغير ذلك .
وسنتحدث عن التدبير التشريعي يوم ٢٠ شعبان إن شاء الله تعالى ، لان الاسبوع المقبل سيكون النشر في الفقه حسب البرنامج .
 
( 44 ) 
اقسام التوحيد ..
(الخامس : التوحيد في الحاكمية)
ذكرنا في المنشور رقم (٤٥) في التوحيد ان التوحيد في الربوبية (التدبير) يكون في مجالين ، في (التدبير التكويني) : وقد تحدثنا عن هذا الجانب في المنشور السابق (٤٥) ، والمجال الثاني (التدبير التشريعي) : ونحن بصدد الحديث عنه ... فنقول :
أن معنى التدبير التشريعي او (التوحيد في الحاكمية) : هو أن من يحق له تشريع الأحكام و تقنين القوانين هو الله تعالى فقط .
بدليل :
بعد أن ثبت في المنشور السابق أن للكون مدبرا حقيقيا واحدا هو الله تعالى وأن تدبير العالم وحياة الإنسان بيده دون سواه ، كان تدبير امر الانسان في صعيد الشريعة والأحكام والتقنين والطاعة وغير ذلك من هذه الشؤون بيده أيضا . وذلك لأن من يعلم بالمصالح الحقيقية للعباد هو المعبود وحده ، فإن الإنسان مهما بلغت عقليته وإدراكاته يبقى قاصرا عن ادراك المصالح الحقيقية والمفاسد كذلك في الافعال ، ولا يستطيع التمييز - في غالب الأحيان - بين المصلحة ليتبعها والمفسدة ليتجنبها ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أن المنعم الذي انعم على الانسان الحياة يستحق - عقلا و بشكل لازم - الشكر على أنعمه وافضاله ، ولابد أن يكون شكره بما يتناسب معه لا بما يتناسب مع اجتهادات العباد ، فلعل العبد يريد أن يشكر فيكفر وهو لايدري انه كفر ، فكان لابد من ان يكون تقنين طريقة الشكر والعبادة من المعبود والمشكور ، لا من العابد والشاكر ، وهناك جهات أخرى لحصر التشريع بيد الله تعالى دون غيره ولكننا نتركها تجنبا عن التطويل ..
على ان القرآن الكريم أيضا يحصر التشريع والحكم والتقنين بيد الله تعالى دون غيره ، (ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون) المائدة ٤٤ .
وذكر أيضا ان الرسول يطاع بإذن الله دون غيره (وما ارسلنا من رسول الا ليطاع بإذن الله) النساء ٦٤ .
بل ان الله تعالى شدد على رسوله الكريم في التشريع وأن التشريع يكون بإذنه تعالى دون غيره ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل . لأخذنا منه باليمين . ثم لقطعنا منه الوتين ) الحاقة ٤٤ - ٤٦ .
الى غير ذلك من النصوص الدالة جزما وقطعا على ان من له حق التشريع هو الله تعالى وبإذنه فقط .
وهذه المرتبه من التوحيد رد على من يقول بعدم حصرية الأحكام بيد الله او عدم حصرية العبادات بالمنصوص عليها .
 
( 45 ) 
 
أقسام التوحيد ..
(السادس : التوحيد في العبادة)
فإن خالق الكون الواحد ومدبر اموره بلا شريك وهو الله تعالى -كما ثبت فيما سبق من منشورات في التوحيد - هو من يستحق العبادة لا غيره ، فإن كل ما دونه عبيد له يستمدون وجودهم منه ويستعينون في كل شيء به ، فكيف يعبدون من دونه .
وإن الهدف الأسمى من بعث الانبياء والرسل هو التذكير بأن المعبود هو الله تعالى وحده (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) النحل ٣٦ .
والأمر المهم الذي لابد أن نبينه هنا ، هو تحديد معنى العبادة ، لكي يتضح من خلاله بعض ممارسات المسلمين ، هل هي عباده فيكونوا مشركين ؟ ، أم هي تكريم واحترام فيكونوا موحدين ؟ .
والعبادة هي : الخضوع امام شيء بإعتقاد أن بيده مصير العالم كله او بعضه ، وأنه مالك أمره .
وأما الخضوع أمام كائن ما لا بالإعتقاد المشار اليه آنفا ، بل من جهة كونه عبدا صالحا ، وأنه صاحب فضيلة وكرامة من الله تعالى ، فإن ذلك ليس من العبادة في شيء ، بدليل :
سجود الملئكة لآدم ع مع انهم موحدون . وسجود يعقوب ع ليوسف ع مع انه إمام في التوحيد . فإن سجود هؤلاء لغير الله تعالى لا يعني جواز هذه العبادة لغير الله ، بل أن مافعلوه ليس عبادة بل توقير واحترام للمسجود لهم .
وسنعرض في المنشورات الآتية بعض نماذج افعال المسلمين ، لنرى أنها ليست عبادة وإنما هي احترام وتقدير ، ونذكر بعض النماذج من النصوص التي تؤكد جواز ما يفعلونه لنثبت أن من كفرهم على ضلال وجهل . انتظرونا .
 
( 46 ) 
(التبرك ليس شركا في عبادة الله)
بناءا على ما تقدم في المنشور السابق (٤٧) حيث فسرنا معنى العبادة (وهو الخضوع لشيء باعتقاد أن بيده مصير العالم كله او بعضه ، وأنه مالك امره) يتبين جليا أن التبرك ليس شركا ، لأنه لا ينطبق عليه تعريف العباده ، فإن التبرك بأضرحة الأولياء وجدران الكعبة المعظمه وغير ذلك هو لإظهار الحب والولاء والتبجيل والإحترام ، والاستشفاء والاستشفاع بإذن الله تعالى ، ولا يقصد من ذلك - جزما - أن صاحب الضريح او جدران الكعبة او غير ذلك لها قوة التصرف بالعالم كلا او بعضا ، وأن لها من الأمر شيئا من دون الله تعالى . بل المعتقد هو أن كل مايجري على يدي صاحب الضريح هو بإذن الله تعالى وكرمه . 
وقد وقع التبرك والاستشفاء من رسول الله ص واهل بيته ع وهم أئمة التوحيد ، ومن الصحابة ايضا ، وهذا ما تواتر نقله في مصادر المسلمين جميعا . 
فقد روى مسلم في صحيحه الحديث ٢١٩٤ أن رسول الله ص كان إذا اشتكى الانسان الشيء منه او كانت به قرحة او جرح ، قال رسول الله ص بإصبعه هكذا ، ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها : باسم الله تربة ارضنا بريقه بعضنا ليشفي به سقيمنا بإذن ربنا .
وغير ذلك من النصوص الكثيرة التي لا مجال لذكرها لضيق المحل .
ويظهر من ذلك ضلال وجهل من كفر المسلمين بحجة أن التبرك شرك في العبادة .
واما ما استندوا عليه من آيات في ذم من يتخذون الأوثان شفعاء من دون الله وعبادتها وغير ذلك ، فهو قياس مع الفارق الكبير ، حيث إن المشركين آنذاك يعتقدون بأن اوثانهم تتصرف بالكون وببعض أمورهم في معزل عن الله تعالى وباستقلال عنه ، وهذا خلاف عقيدة المسلمين بالتبرك المبني على أن الكل عبيد الله تعالى وكل شيء بإذنه وإرادته ، غير أن هذا الولي او هذا المحل محبوب لدى الله وذو حضوة عنده ، كما فعل رسول الله ص واهل بيته ع والصحابة .
 
( 47 ) 
 
(زيارة القبور ليست شركا في عبادة الله تعالى)
إن الإتهامات غير المنصفة التي تكال على عامة المسلمين من قبل شرذمة من الناس ، بسبب بعض الطقوس كالتبرك وزيارة القبور ، إنما هي اتهامات ظالمة .
فقد اتهم من لا دراية لهم بقواعد العقيدة الاسلامية عامة المسلمين وخصوصا الشيعة بأنهم يعبدون القبور ، وذلك لأن الشيعة يتبركون بمقامات الاولياء ويزورونها .
وقد تحدثنا في المنشور السابق عن قضية التبرك والاستشفاء وأنها تختلف اختلافا جذريا عن العبادة ، وأن رسول الله ص وأهل بيته ع والصحابة كانوا يفعلون ذلك .
والآن نتبع نفس الطريقة بالحديث عن زيارة القبور ، فقد ذكرنا في المنشور (٤٧) المعنى الدقيق للعبادة ، وأنه ( الخضوع لشيء باعتقاد انه يتصرف في العالم كلا او بعضا وهو مالك أمره ) وهذا المعنى للعبادة يختلف اختلافا جذريا عن موضوع زيارة القبور والتبرك بها ، فإن زيارة القبور تخلو عن الاعتقاد بأن صاحب الضريح يتصرف بالعالم كلا او بعضا من دون الله تعالى بل كل ما يجري على يديه هو من فيوضات الله عز وجل ، والزيارة تأتي لأجل الحصول على الثواب او الشوق للمحبوب وليست للخضوع الذي فيه اعتقاد بأن هذا الولي مالك لأمر العالم من دون الله . بل الإعتقاد عند الزائر هو أن صاحب القبر عبد من عبيد الله فقير الى نواله وإحسانه ، ولكنه له الحضوة والمنزلة عند الله تعالى .
وقد وردت روايات كثر في جميع مصادر المسلمين ،عن الزيارة وفضلها واستحبابها ،  أما عند الشيعة فدونك كتاب كامل الزيارات للقمي ، واما عند السنة فأيضا رووا الكثير ، نقتصر على روايتين لضيق المحل .
فقد روي عن أم قيس أنها قالت : كنت مع رسول الله ص في زيارة قبور البقيع ، فقال لي رسول الله ص .... الخ صحيح مسلم ج١ ص١٩٢.
وفي مجمع الزوائد للهثمي ص٥٨ ج٣ عن رسول الله ص : إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها تذكركم الآخرة .
وغير ذلك من الروايات الكثيرة .

 (48)   :

 روى الكليني في الكافي بسنده الى ابي الحسن الرضا ع انه < دخل رجل من الزنادقه على ابي الحسن ع وعنده جماعه ،فقال ابو الحسن ع: أيها الرجل أرئيت إن كان القول قولكم "وليس هو كما تقولون" السنا وإياكم شرعا سواء ،لا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا ؟ فسكت الرجل، ثم قال ابو الحسن ع: وإن كان القول قولنا "وهو قولنا" الستم قد هلكتم ونجونا ؟ .

     فقال (الرجل): رحمك الله اوجدني (اي افدني وعرفني) كيف هو وأين هو ؟ فقال ع : ويلك ان الذي ذهبت اليه غلط ، هو ( يعني الخالق)  أين الأين بلا أين (اي ليس له مكان انما هو خالق المكان) وكيف الكيف بلا كيف (اي خالق الاشكال بلا شكل ) فلا يعرف بالكيفوفيه ولا بأينونيه ( اي لا يعرف بأوصاف ماديه شكليه ولا يشار اليه لانه لا يحويه مكان ) ولا يدرك بحاسه ولا يقاس بشيء. 
    الى ان قال الرجل : فما الدليل عليه ؟ فقال ابو الحسن ع :اني لما نضرت الى جسدي ولم يمكني فيه زياده ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره عنه وجر المنفعة اليه علمت ان لهذا البنيان بانيا فأقررت به مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وانشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المبينات علمت ان لهذا مقدرا ومنشئا> . انتهى. الكافي ج ١ ص ٧٨ كتاب التوحيد باب حدث العالم واثبات المحدث .
    ملحوضه : مابين القوسين بهذا الشكل (...) هو شرح وليس من الروايه. 
( 49 ) 
    تأمل..تأمل..تأمل.. في قصة ايمان احد الزنادقه على يدي الامام الصادق ع ... اصول الكافي بسنده عن ابي عبد الله الصادق ع انه قال : ...... تفهم عني فإنا لا نشك في الله ابدا أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان فلا يشتبهان ويرجعان(اي انهما يسيران بانتضام دائما) ،قد اضطرا (اي اجبرا على مسير حركتهما) ليس لهما مكان الا مكانهما ، فإن كانا يقدران على ان يذهبا فلم(بكسر اللام وفتح الميم ..والامام هنا يسأل الزنديق ويحتج عليه) يرجعان ؟ وان كانا غير مضطرين (اي مسيرهما باختيارهما) فلم لا يصير الليل نهارا والنهار ليلا ؟ (اي لو كان بخيارهما مسيرهما لماذا لا يغيران في الليل والنهار اذن ليس باختيارهما) اضطرا والله يا اخا اهل مصر الى دوامهما والذي اضطرهما (اي اجبرهما على المسيربهذا الشكل) احكم منهما واكبر ؛ فقال الزنديق: صدقت ...الى ان قال الامام ع : لم (بكسر اللام وفتح الميم) السماء مرفوعه والارض موضوعه لم لا يسقط السماء على الارض لم لا تنحدر الارض على طبقاتها ولا يتماسكان ولا يتماسك من عليهما ؟ قال الزنديق: امسكهما الله ربهما وسيدهما . قال الراوي : فآمن الزنديق على يدي ابي عبد الله ع . انتهى اصول الكافي ج ١ باب كتاب التوحيد ح١ ص ٧٣  
 
 ( 50 ) 
أمير المؤمنين (ع) يصف التوحيد والخلق ...
لنختم مباحث التوحيد بذكر كلام امير المؤمنين ع عن التوحيد ، كي نبتدىء بمباحث (العدل الإلهي) وإن كان في البال مباحث أخرى في التوحيد ، ولكننا خشينا من ملل قرائنا ، والله المستعان .
قال عليه السلام :
.... أول الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ، ومن ثناه فقد جزئه ، ومن جزئه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حده ، ومن حده فقد عده ، ومن قال : (فيم) فقد ضمنه ، ومن قال : (علام ؟) فقد أخلى منه .
كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم ، مع كل شيء لا بمقارنة ، وغير كل شيء لا بمزايلة ، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة ، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه ، متوحد اذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش لفقده . 
أنشأ الخلق إنشاءا ، وابتدأه ابتداءا ، بلا روية أجالها ، ولا تجربة استفادها ، ولا حركة أحدثها ، ولا همامة نفس اضطرب فيها .
أجال الأشياء لأوقاتها ، ولائم بين مختلفاتها ، وغرز غرائزها ، وألزمها اشباحها ، عالما بها قبل ابتدائها ، محيطا بحدودها وانتهائها ، عارفا بقرائنها وأحنائها .
ثم أنشأ سبحانه فتق الأشياء ، وشق الأرجاء ، وسكائك الهواء ، فأجرى فيها ماءا متلاطما تياره ، متراكما زخاره ، حمله على متن الريح العاصفة ، والزعزع القاصفة ، فأمرها برده ، وسلطها على شده ، وقرنها الى حده ، الهواء من تحتها فتيق ، والماء من فوقها دفيق .
ثم أنشأ سبحانه ريحا اعتقم مهبها ، وأدام مربها ، وأعصف مجراها ، وأبعد منشأها ، فأمرها بتصفيق الماء الزخار ، وإثارة موج البحار ، فمخضته مخض السقاء ، وعصفت به عصفها بالفضاء ، ترد أوله على آخره ، وساجيه على مائره ، حتى عب عبابه ، ورمى بالزبد ركامه ، فرفعه في هواء منفتق ، وجو منفهق ، فسوى منه سبع سماوات ، جعل سفلاهن موجا مكفوفا ، وعلياهن سقفا محفوظا ، وسمكا مرفوعا ، بغير عمد يدعمها ، ولا دسار ينتظمها ، ثم زينها بزينة الكواكب ، وضياء الثواقب ، واجرى فيها سراجا مستطيرا ، وقمرا منيرا في فلك دائر ، وسقف سائر ، ورقيم مائر .
ثم فتق مابين السماوات العلا ، فملأهن اطوارا من ملئكته ، منهم سجود لا يركعون ، وركوع لا ينتصبون ، وصافون لا يتزايلون ، ومسبحون لا يسأمون ، لا يغشاهم نوم العيون ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الابدان ، ولا غفلة النسيان .
ومنهم أمناء على وحيه ، وألسنة الى رسله ، ومختلفون بقضائه وأمره ، ومنهم الحفظة لعباده ، والسدنة لأبواب جنانه ، ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم ، والمارقة من السماء العليا أعناقهم ، والخارجة من الأقطار اركانهم ، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم ، ناكسة دونه ابصارهم ، متلفعون تحته بأجنحتهم ، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة ، وأستار القدرة ، لا يتوهمون ربهم بالتصوير ، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين ، ولا يحدونه بالأماكن ، ولا يشيرون إليه بالنظائر . نهج البلاغة الخطبة الأولى .
اذا كنت متابعا لمنشورات التوحيد في صفحتنا سوف تعرف الكثير من الحقائق التي تضمنتها الخطبة الشريفة .
 

كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : حسين كاشخ ، في 2016/06/08 .

جهودٌ مباركة سماحة الشيخ
وفقكم الله لكل خير



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=79275
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 06 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29