• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الديمقراطية ولعبة المزاج الانتخابي .
                          • الكاتب : علي الجفال .

الديمقراطية ولعبة المزاج الانتخابي

قرار الانسحاب البريطاني من الاتحاد الاوربي يكشف عن عيوب الديمقراطية ويبين بشكل واضح انها لعبة سياسية يتحكم بها الاقوياء وان الشعب ليس سوى كومبارس يتأثر بمواقف الابطال لاسيما ان كانوا من الطراز التراجيدي.
أعرف مسبقا ان البعض سيتهمني بمعاداة الديمقراطية والميل نحو الدكتاتورية والى غيرها من التهم الثابتة، لاسيما في مجتمعنا الذي لم تترسخ لديه حتى الان ثقافة الحوار مع الاخر وتلاقح الافكار.
لكن ذلك لا يمنعني من القول ان الديمقراطية ليست تلك الوصفة السحرية التي تتحكم الشعوب بآلياتها لتحديد ملامح حاضرها ومستقبلها، وصناديق الاقتراع ليست سوى إحدى تجليات الديمقراطية وليست التعبير الاوحد عنها. ومشكلة صناديق الاقتراع انها تخضع لمزاج انتخابي تصنعه جهات متخصصة بعلوم النفس والاجتماع والسياسة، غالبا ما تلوي عنق الحقائق من أجل إستمالة الناخب للادلاء بصوته الى هذه الجهة أو ذلك البرنامج. والاستمالة هنا تختلف باختلاف ثقافة الشعوب وتمرسها الديمقراطي. فقد رأينا في الانتخابات العراقية الاخيرة ان البطانيات والصوبات وأكياس الاسمنت وسندات الاراضي الوهمية لعبت دورا حاسما في صناعة مزاج انتخابي نفعي لم يتعد تلك المصالح الشخصية المهينة لكل من الناخب والمرشح على حد سواء. ورأينا أيضا ان اللعبة الديمقراطية العرجاء والمفصلة على قياسات حفنة من السياسيين المعوقين فكريا، قد ساهمت في صعود أكثر من ثلثي أعضاء مجلس النواب مع انهم لم يتعدوا العتبة الانتخابية التي يحددها قانون الانتخابات \"المعدل\".
قد يبدو من الظلم المقارنة بين الديمقراطية في العراق ومثيلتها في بريطانيا. وهي مقارنة ظالمة حقا بين بلدين أحدهما يسير على هامش ديمقراطية مشوهة وآخر رسخ مفاهيم الديمقراطية الحقة وقدمها لشعوب الارض كي تهتدي بها في رسم أنظمة الحكم ولاسيما تلك التي تلت تسونامي العولمة الذي قاد الى تدمير بلدان بأكملها تحت شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان، تاركا شعوبها فيما بعد نهبا للارهاب والجوع والبطالة والتهجير. لكن المقارنة ممكنة بتقديري اذا ما جاءت على خلفية نتائج صناديق الاقتراع التي لا تأتي على الدوام متسقة مع المصالح العليا للبلدان كما هو الحال في الاستفتاء الاخير في بريطانيا والذي جاء نتيجة توظيف \"الهجرة فوبيا والاسلام فوبيا\" في صناعة مزاج اجتماعي يرى في الخروج من فضاء الاتحاد الاوربي حماية لبريطانيا من مخاطر الهجرة والتطرف الاسلامي وهو ما عمل عليه اليمين في بريطانيا وسيعمل عليه في بلدان أوربية أخرى قد تكون فرنسا، المقبلة على انتخابات، أكثرها ترجيحا.
ولكن، هل كانت نتيجة التصويت تمثيلا حقيقيا لارادة شعب المملكة المتحدة؟. قد تكون ارتدادات نتيجة التصويت مثالا حيا على ان القرارات الاستراتيجية يجب أن تنأى عن المزاج الشعبي، وخصوصا المنقسم على اتخاذ القرار بنسب متقاربة. وأولى تلك الإرتدات، قراري كل من اسكتلندا وايرلندا بالعمل على إعادة التصويت على الانفصال عن المملكة العجوز والبقاء تحت خيمة الاتحاد الاوربي. أما الارتداد الاهم فهو العريضة المليونية التي وقعها اللندنيون المطالبون بالبقاء في الاتحاد والتي تضمنت خيار الانفصال عن بريطانيا اذا تطلب الامر ذلك.
ولان السيد ديفيد كاميرون لا يملك ما يكفي من البطانيات والصوبات وأكياس الاسمنت للتأثير على سير التصويت، فقد آثر الاستقالة من منصبه والانزواء بعيدا عن بريطانيا المحلقة بجناح مكسورخارج الاتحاد الاوربي. 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=80210
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 06 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16