• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : عرض تحليلي نقدي لمقطع من رواية " ما لم تمسه النار" للكاتب عبد الخالق الركابي. .
                          • الكاتب : علي البدر .

عرض تحليلي نقدي لمقطع من رواية " ما لم تمسه النار" للكاتب عبد الخالق الركابي.

1) المقطع الخاص بالرواية:
 
بدا زاهد مأخوذاً بزيارتنا للشماعية: يستمتع بمنظر المجانين وهم يتجولون من حولنا على غير هدى، وكذلك كان الأمر مع (أبو ساره) لولا أن منْعه من استعمال كاميرته كان ينغّص عليه متعته.
ومررنا ببناية قال مرافقنا عنها إنها إحدى بنايات "المشاغل التأهيلية"، فسألته إن كان يُسمح لنا بالدخول إليها؟ فأومأ برأسه إيجاباً، لكنه لم ينسَ أن ينبّه (أبو ساره) بضرورة ألا يلتقط أية صورة.
استقبلنا موظف بصدرية بيضاء قال مرافقنا عنه إنه مساعد الطبيب وأحد المسؤولين عن إدارة العلاج التأهيلي للمرضى. كان كهلاً قصير القامة دائم الابتسام يشرف على مجموعة مرضى كبار في السن جلسوا، مثل التلاميذ، خلف مناضدهم الموزّعة في قاعة واسعة تتوسط، أحد جدرانها، سبورة بيضاء.
لا شك أن نديم شارك هؤلاء النزلاء في جلستهم ذات يوم.
فكرتُ وأنا أتنقّل بنظراتي بين تلك الوجوه التي كانت تدقق بدورها النظر فينا بفضول خلا اثنين كان أحدهما لا يكفّ عن تحريك رأسه بحركات لا إرادية كما يبدو، في حين بدا الآخر مستغرقاً بالكتابة في ورقة موضوعة أمامه فوق منضدته سرعان ما التقطها وهو ينهض ليتقدم مني مادّاً إيّاها لي، فتناولتها ملاحظاً أن النظارتين اللتين يرتديهما تنقصهما عدسة!
- إنه من قدامى النزلاء، وقد انكسرتْ نظّارتاه بسبب الهلع الذي دفع بالجميع إلى التدافع هاربين بفعل حدوث انفجار على مقربة من المستشفى.
أوضح مساعد الطبيب وقد ازدادت ابتسامته اتساعاً. وكان المريض قد كتب في ورقته، بخط مشوّش، رسالة موجّهة إلى الله يدعوه فيها إلى الاقتصاص من الأمريكان لأنهم تسببوا في تحطيم عدسته! 
- ولماذا لا تقتنون له واحدة جديدة؟
تساءل (أبو ساره)، فأوضح مساعد الطبيب أنهم حاولوا إقناع المريض بالأمر، ولكن دون جدوى، مفضّلاً على ذلك كتابة رسائل على هذه الشاكلة وإبرازها لكل زائر جديد.
======================================
2) العرض التحليلي النقدي:
لن نحتاج لجهد كبير أو مزيد من الوقت لندرك ان هذه الأسطر لكاتب يمتلك فن الكتابة التي تشد القاريء وتجعله قدر الأمكان باحثا عن توصيل الومضات المضيئة Flash points وربطها ببعض ليقتنص المعنى أو الجوهر theme ويحيط تماما بالفكرة التي يدور السرد حولها..
"بدا زاهد مأخوذا بزيارتنا للشماعية يستمتع بمنظر المجانين وهم يتجولون من حولنا على غير هدى..." نفهم ان علاقة من الود الأنساني تسود التعامل مع النزلاء وكذلك بدت في الورشة حيث الانسجام مع مساعد الطبيب وجلوس المرضى وكأنهم في صف منضبط.. وان عدم السماح لأبي سارة بالتصوير هو احتراما لمن في الورشة وتصويره قد يثيرهم فقد يحط من قدرهم وهم بحالة غير طبيعية"... لقد أطاع النزلاء هذا الرجل الذي كشف لنا الكاتب اسمه لاحقا "نديم" ليبين أن هؤلاء بشر رغم النقص العقلي ومن الممكن التعامل معهم ليسود الود بين الجميع. انها اذن ليست سجنا للمجانين كما يشاع وانما دار رعاية وعلاج وقد يكون بينهم المهندس والكاتب والعالم وربما تتفجر فنونا غير متوقعة تبرز خفايا العقل الباطن.. انهم فعلا أداة نقية أعطت الكاتب معينا لاينضب من الأفكار التي يحولها الى سرد ملتزم رصين في بؤرة يقول المجتمع عنها انها مجنونة.. أجل ان العمق الأنساني للكاتب يعيش بين السطور ويتفجر محبة وتعاطفا وأراني أحس بتعاطفه معهم. وعند تركيزنا المتأني سنحس بقيمة ابتسامة مساعد الطبيب التي أدخلت ارتياحا في أعماق الكاتب ومنحتنا بعدا ايجابيا لما نقرأ.. والحب هو الذي يمنحنا الارتياح عند التعامل النقي مع الاخرين وهو الذي جعل الكاتب يتوقع أن نديما شارك الجالسين وكأنهم في صف منضبط. ان مشاعر الحب تخزن في اللاوعي وهي ترسم في وجوه الناس وايماءاتهم وتطبع في لغة الجسد Body language وهذا الذي دفع أحدهم بتقديم ورقة مكتوبة يشكو بها الى الله سبحانه من الأميركان بسبب انفجار جعلهم يتدافعون مرعوبين حيث كسرت النظارة وأصبحت بعدسة واحدة. ويبدو انها نسخة اخري للنسخة التي كتبها لمساعد الطبيب أو لأي زائر يأتي. يا ترى لماذا قدمها ثانية وثالثة ورابعة..؟ ربما لأعتقاده بأنها لن تصل فيشفي غليله في الأنتقام من مسببي الرعب.. لقد ربط هذا الأنسان سبب المأساة التي حلت با بالأمريكان فهم مرتبطون بمن يقوم بالتفجير حتى قرب المستشفيات. أجل.. نزلاء الشماعية أدركوا أن البلاء جلبته أمريكا الينا.. ان هذا المجنون العاقل ربما يكون أكثر واقعية وادراكا وغيرة من بعض السياسيين "العقلاء" الذين يراهنون على أمريكا في تخليصهم من الارهاب . ويبقى السؤال مبررا. كيف سيوصلها من استلم الرسالة الى الله؟ لقد شعر هذا الانسان ان الرد قد تأخر ولابد من تأكيد الطلب للتسريع في نزول الأنتقام . ولكن كيف للكاتب أن يوصلها؟ أطلب من الكاتب أن يسأله عند زيارته الثانية.. وريثما يحين الموعد.. سندعوا الله جميعنا بنزول العقاب على صانعي الأرهاب لنشفي غليل هذا المسكين الذي كسرت نظارته..
وأخيرا كان سلاسة الأسلوب واضحا. اسلوب سردي ممتع وبالأمكان تحويل هذا السرد الجميل لقصة قصيرة بعد مجاراة اسلوب السرد القصصي للقصة القصيرة والذي بدت بعض ملامحه هنا..
الروائي عبد الخالق الركابي.. أمتعتنا كعادتك.. تحياتي ومزيدا من الأبداع..



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=80685
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 07 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19