• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مواقف ديموخوانية فشل الانقلاب..وبدأت الأساطير .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

مواقف ديموخوانية فشل الانقلاب..وبدأت الأساطير

لا زال الوضع ملتبسا..واليقينيات لا زالت تنحت بعناية بالغة..هذا طبيعي أمام محاولة انقلابية أدخلت تركيا إلى مستوى آخر من التعقيد..من السهل أن نمضي في قراءة معيّنة حتى النهاية ونبحث لها عن الانسجام المنطقي..فالاحتمالات كثيرة..وتزداد أكثر كلّما ساد الغموض وأطبق على الأحداث..والحقيقة فيما يتعلق بالمسؤولين عن الإنقلاب أو المسؤولين عن إفشاله نحن حتى الآن أمام شكل من تساوي الأدلّة..لكن كل شيء سيظهر مع الأيّام، فالحدث بالغ التعقيد ولا بدّ من أن تظهر قرائن أخرى..كثيرون يتحدّثون عن المبدأ الأساسي في الرّواية، وهو أنّ فشل المحاولة الانقلابية هو انتصار للديمقراطية..وهذا تحصيل حاصل ليس هو جوهر النّقاش..إنّما وجب أن نضع المشكلة في سياقها السياسي والاستراتيجي..السؤال هو لماذا الانقلاب إن كانت هناك ديمقراطية حقيقية؟..فالديمقراطية الحقيقية لا توفّر بيئة للانقلابات..الشيء اللاّمفكر فيه بالنسبة لعدد كبير من الهائمين في النموذج الأوردوغاني هو أنهم يدافعون عن أوردوغان لا عن الديمقراطية التركية، هذه الديمقراطية هي التي جاءت به وليس هو من جاء بها..في حديث الكثير من أنصاره مشرقا ومغربا تمشدق مسرف في الحديث عن الديمقراطية النموذجية في نوع من التغليط والإلتفاف على المشكل الجوهري..أنصار أوردوغان مغربا ومشرقا حائرون تائهون بين نقائض الفكر السياسي.. ليس أمامهم إلاّ التباكي على ديمقراطية كفروا بها ولمّا آمنوا بها تحايلوا على آلياتها..لسانهم واحد وتناقضاتهم متشابهة في تدحرجها بين حقائق الدين والسياسة..نسمع في المغرب والمشرق حديثا يخلع الأساطير على السلطان العثماني الذي دخل عبر أدوات ديمقراطية أشبه ما تكون بالإنكشارية الناعمة..الكل يحدثنا عن المعجزة..يقول بعضهم في المغرب أنّ من تنصره الجوامع لا يمكن ان تهزمه المدافع..القرضاوي يرى أن الله وجبرائيل والملائكة مع أوردوغان..الاتحاد العالمي الذي يرأسه أصدر فتوى تحرّم شرعا الانقلاب عليه..البعض رأى أنه مفروض الطاعة..ولكن في الوقت نفسه يركز آخرون منهم على انتصار الديمقراطية في نوع من خداع الشعب..لقد أصبحوا يسبحون بحمد الديمقراطية وبات روسو ملتحيا..مغربا نطقت الصحافة التابعة لحزب العدالة والتنمية المعلن منها في التبعية وغير المعلن، بكلام مكرور وسطحي ومنقول لا تجد فيه فهما لتناقضات المشهد التركي وماذا يختزن هذا المجتمع من مشاكل حاولت حكومة أوردوغان إخفائها وراء هدير من البروباغندا الذي يسوقها للخارج وهي في الواقع مثار سخرية قسم كبير من المجتمع التركي الذي له وجهات نظر مختلفة في التدبير الداخلي والخارجي..لفت انتباهي أحد قادة حزب المصباح الحاكم بأن من ينتصر للانقلاب ليس له تكوين في فهم مغزى الديمقراطية..تعبيرات بوليميكية سخيفة لمجموعة تربّت عقائديا على فكر الخلافة ولما تبنوا شعارات الديمقراطية تبنوها سفاحا وحفظوا بعضا من تراكيب ما يروج ويتداول من عجر الديمقراطية وبجرها..والواقع أنّ هذا الحزب من قبل ومن بعد هو يمارس الفحشاء السياسية وليس الديمقراطية..وتبدو نظرتهم للديمقراطية ميكانيكية بالغة التخشّب..الديمقراطية ليست هي مضغ المفاهيم الرائجة عن الديمقراطية التي هي إمّا أن نكون أو لا نكون..فالديمقراطية حين تخرج من الخيمة مائلة تسقط على ماسفة قريبة..إنما في أوّل اختبار لهذا الوعي العميق بالديمقراطية التي تزعمه نابتة ظلامية تختفي وراء محفوظات سياسوية هو حينما نسمع بعضهم يقول: سقط العسكر وانتصر أوردوغان..وهنا تكمن المغالطة بل الخطيئة الكبرى..الجيش التركي لم يسقط..وهو في كل الظروف ضامن العملية الديمقراطية وحاميها من نزعة العدالة والتنمية التي تجنح قيادتها لإحياء تقاليد الانكشارية السياسية والخلافة العثمانية بأساليب ملتوية..أوردوغان حاكم جاءت به صناديق الاقتراع وقد لا تأتي به..أما الجيش فهو لا يسقط..وهذا ما يؤكد على جهل هؤلاء الحقيقي بالمؤسسات والدّولة حيث من دونهما لا قيام لديمقراطية حقيقية أو ممسرحة.. لفت انتباهي قيادي من حزب يبرر كلّ شيء حتى جلب النفايات وتلويث البيئة الطبيعية كما لوّثوا البيئة السياسية، يقول بعضهم أنّ الذين ناصروا الانقلابيين يجب ملاحقتهم ومعرفتهم باعتبارهم خطر على الديمقراطية في البلاد..طبعا هؤلاء يقصدون خصومهم السياسيين ويسعون لمبارزتهم انتخابيا وركوب موجة المحاولة الانقلابية لصالحهم..ويبدو أنّ هذا أسلوب تحريضي حقير لأنّه يعطينا صورة عن الكائنات المغالطة و"الشّكّامة" وهو تقليد طاعن في هذه الجماعة حمّالة الحطب في جيدها حبل من مسد..أنا من الذين أرفض مبدئيا فكرة الانقلاب حينما يكون هناك هامش للحريات والحقوق..ولكن الانقلاب الذي سببته أساليب الحكومة في قتل آخر نفس في الحياة السياسية والقضاء على التعددية وتغيير النظام والدستور وفق قواعد لعبة تحول دون أن يقول الشعب كلمته في استفتاء شعبي يبقى نتيجة منطقية تفرض نفسها بنفسها ويستطيع أن يستشرفها خبير بتاريخ السياسة..أمّا على الصعيد الجيوسياسي فإنّ انقلابا يعيد الحياة السياسية إلى قواعدها العادلة ويخرق جبروت التحكم ويحمي الشعب من الأقلية التي تفرض إرادتها على الأكثرية، بل ويحول دون استمرار سياسة تخريب سوريا والعراق، سيكون هو النتيجة المنطقية أيضا..أما أولاد حزب المصباح عندنا فلا يحتاجون إلى انقلاب، لأنهم ليسوا أصلا على شيء في موازين القوة سوى تمكينا مشروطا بخريف سياسي هو اليوم في آخر ساعاته..هم طالما انتقدوا التجربة الديمقراطية في العراق ومنهم حتى الآن من يبكي على الفلوجة واعتبر ما حدث في الموصل ثورة اجتماعية، ولم يقولوا يومها إن الديمقراطية مهما بدت جنينية هي أهم من الانقلابات العسكرية ويجب تشجيعها..لقد حاولوا أن يظهروا بأنّ المحاولة الانقلابية هي مؤامرة أمريكية ليعيدوا بناء شرعية أوردوغان التاريخية بوصفه مقاوما للمشروع الأمريكي..هكذا وضعونا أمام مفارقة بليدة: المقاومة ضد أمريكا والتطبيع المطلق مع إسرائيل..هذه المفارقة مقبولة ومهضومة في العقل السياسي للإخوان.لا أحد من هؤلاء سأل عن الطيف التركي..هم يتحدثون عن أنصار أوردوغان باعتبارهم الشعب..وهو نوع من مغالطة التعميم.. خالد مشعل يفرح لفشل الانقلاب ويقول: "تركيا في الماضي والحاضر وقفت مع فلسطين وقدمت الشهداء والجرحى من أجل فلسطين والقدس والأقصى".. بل ويقول أيضا بأنّه لو نجح الانقلاب لكانت فلسطين هي أول الخاسرين. ويبدو أنّ الإخوان مدرّبون على برنامج خاص من التغليط، ذلك لأنّ أوردوغان لا زال لم يجف حبر تطبيعه المطلق مع إسرائيل.. مع أن الانقلابيين إن لم يكونوا ضدّ التطبيع لن يكونوا أكثر منه تطبيعا.. كثير من هؤلاء يزعمون أن إسرائيل كانت مستاءة من فشل الانقلاب..مغ أنهم لا يملكون أي دليل سوى إرادة الخداع الديماغوجي..كيف تستاء إسرائيل من فشل انقلاب على من منحها تطبيعا مطلقا؟ ولو سلّمنا بأنّ المؤامرة هي أمريكية فهلاّ قلنا أنّ إسرائيل هي التي أفشلت المخطط الأمريكي في تركيا وأعادت اوردوغان إلى كرسيه؟ أليس لو أردنا المضيّ في التكهن ان يقال هذا وحده يفسر لنا لماذا الموقف السلبي من أمريكا والموقف التطبيعي من إسرائيل؟ومثل هذا التهليل والتمدح لم نسمعه من خالد مشعل بخصوص سوريا التي قدمت الشهداء والغالي والنفيس من أجل فلسطين..فالطريق بالنسبة لخالد مشعل لتحرير فلسطين هو التطبيع المطلق لا الممانعة، ومع ذلك يقدم نفسه ممثلا سياسيا عن المقاومة..
نحن في هذا المنعطف نعيش حالة من الأسطرة والتخريف، مع أنّ الموقف من أوردوغان هو جوهر القضية..بالنسبة لمعارضيه في الدّاخل هو متحكّم ويسعى للهيمنة المطلقة على الدولة والشعب وكذا مهيمن على الملف الخارجي وفق أجندة تضر بتركيا، بالنسبة لمعارضيه في المنطقة هم ضدّ تدخّله السافر في سوريا والعراق ووقوفه مع الجماعات المسلحة التي تخرب وتقتل الإنسان وتنتهك كل المقدّسات..لا أحد يقف ضدّ الديمقراطية في تركيا، بل الموقف هو من الانقلاب السياسي على الديمقراطية قبل الانقلاب العسكري عليها، بتعبير آخر هو موقف من تهديد الديمقراطية من سياسة التحكم التي لم يلتفت لها هؤلاء الذين يزعمون أنهم آباء الديمقراطية وعشّاقها "الفنّاصين" الذين هم نحلة سياسية مختلفة تماما، نحلة الديمخوانية...



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=81186
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 07 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18