• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : القدر السياسي لسؤال الحداثة في المغرب .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

القدر السياسي لسؤال الحداثة في المغرب

يمثّل د. محمد سبيلا هو وعدد من المشتغلين على سؤال الحداثة وخطابها السياسي الجيل الثاني بعد الجيل الأوّل الذي تألّق فيه كلّ من عبد اللعروي ومحمد عابد الجابري وعدد كبير من المفكرين المغاربة..لماذا هذا الاختزال؟ لأنّ الاشتغال على إشكالية التقليد والحداثة لم يباشره أحد بهذا التركيز والإلتزام غيرهم.. كان معظم نشاط الجيل الثاني يتجه نحو احتلال المساحة اللاّمفكر فيها في الجدل الأيديولوجي الحاد بين العروي والجابري..مساحة مساءلة الحداثة ومستوياتها ومقاهيمها وصولا إلى ما بعدها.. هنا تصبح المساحة مناسبة لاستحضار ما كاد يغيب عن اهتمامات الجيل الأول، أعني المقاربات غير التقليدية التي وضعت الحداثة نفسها امام السؤال لتفجير مديات أخرى لحداثات ممكنة..ألتوسير وجاك لاكان وإريك فروم وأدرنو وهابرماس وريكور والقائمة تطول..هي المساحة التي أسميها بالتخوم المعتمة التي ذهل عنها الجابري والعروي في جدلهما الذي يشبه جدل علم الكلام التقليدي..

نتحدث عن تلك الأسماء إذن ممن اهتموا بسؤال الحداثة أيضا بهذا الاختزال التاريخي لأنّ المرحلة الأهم في تاريخ تناول سؤال الحداثة في سياق المشروع الوطني حسب محمد سبيلا هو 1959..الفكرة التي سيعقّب عليها نور الدين أفاية بأنّ ثمة أسماء أخرى مثل محمد عزيز الحبابي وبنلحسن الوزاني .. بالفعل حينما نتحدّث بشكل مفتوح عن سؤال التحديث فإنّنا سنعود إلى محطّات القرن التاسع عشر..دور الرّحالة والسفراء وبعض الأعلام مثل ابن الحسن الحجوي الثعالبي وغيره.. لكن الخطاب الفلسفي للحداثة كما ذهب محمد سبيلا يجد لحظته التاريخية الحاسمة في 1959..ماذا يا ترى يعني بهذه الإحالة والتي هي توصيف حقيقي وتحقيب جاد لسؤال الحداثة بمعناه السياسي؟

أعتقد أنّ هذه الإشارة لها دلالات..والدلالة هنا يعرفها المغاربة..التاريخ أعلاه يحيلنا إلى لحظة الانفصال التي رهنت تاريخ المغربي السياسي والأيديولوجي لصراع حاد سيجد تجلّيه نفسه في النقاش الملحمي حول التراث والحداثة بين العروي والجابري..نقاش لا ينبغي اعتباره نقاشا فلسفيا نحض بل إن الأيديولوجيا التي سينتقدها العروي للإجهاز على السلفية الوطنية أو الأيديولوجيا التي سيتبنّاها الجابري دفاعا عن تلك الأصول الثقافية والاجتماعية للحركة الوطنية، أجل فالأيديولوجيا التي شكلت أساسا لهذا النقاش كان لا بدّ أن تعكس مواقف سياسية مبطنة تارة ومعلنة تارة أخرى..الانتشاء بالاستقلال الذي يعقبه نقاش حاد حول الصورة التي يجب أن يكون عليها المغرب..من سؤال التحرير إلى سؤال التحديث..حول التحديث سيحصل الشرخ التاريخي والسياسي بين العائلة التحريرية نفسها: حزب الاستقلال لن يستطيع أن يوقف حركة انفصالية أسفرت عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية..لئن استطاع الحزب كسر شوكة حزب الشورى والاسقلال الذي أراد أن ينحت حقه في التعددية يومها من خارج حزب الاستقلال يومئذ وارث مجد الحركة الوطنية، فإنّه عجز عن الحؤول دون انفصال 1959..بدأ فرز هائل في الخطاب يومها مع عبد الله إبراهيم وكانت التداعيات المعروفة..سنصل إلى دستور 1962 هناك حيث تتفجر إشكالية العلاقة المعقدة بين التقليد والحداثة..لا ننسى أنّ لجنة كتابة الدستور يومئذ كانت تتألّف من رموز الحركة الوطنية بما فيها السلفية الوطنية..زعيم حزب الاستقلال والخطيب الذي ساهم في تأسيس جيش التحرير لكن سرعان ما سيتم اتّهام من قبل خصومه السياسيين بتورطه هو وجماعته بمن فيهم أحرضان في قتل بعض رموز جيش التحرير غداة الاستقلال..نتحدث عن المسعدي والغموض الذي لفّ مقتله حتى الآن وتضارب المعلومات..بينما ثمة تراشق لا زال بين أحرضان وأيت يدر والحقيقة ليست فقط غائبة بل ضائعة..ثم شملت اللجنة المختار السوسي وربما بلعربي العلوي..تسربت قيم حداثية لكنها هنا ضمن جدل عميق ومعقد رسم العروي خريطته وآفاقه في النزعة الإصلاحية كما يتخيّلها السياسي أو الشيخ أو التكنوقراط..1959 من هذه الناحية تحيلنا على هذه الدلالات التي لا زالت حاضرة لأنها أساس هذا التعقيد الحاصل في المشروع الوطني الذي يقوم على نقيضة التقليد والحداثة..كل منهما يلجم الآخر ضمن حركة توازنية تشرف عليها الأيديولوجيا السياسية..صدمة سؤال الحداثة وفق الطريقة التي باشرها نقد العروي للأصول الثقافية والاجتماعية للحركة الوطنية المغربية وسائر مطارحاته لا سيما في الأيديولوجيا العربية المعاصرة هي هادفة منذ البداية إلى تعزيز دور القطيعة كضرورة لكسر شوكة التقليد.. غير أنّ السياق المغربي سينتج الجابري ليؤسس لتوازن في إدارة هذا الجدل التاريخي بين الأصالة والمعاصرة..وهو جدل يمتح من لحظة الحسم تلك حيث أنّها اللحظة التي ستتكسّر الوحدة الوطنية برسم المشروع الحداثي..وآل الوضع في نهاية المطاف ووفق السياق الجيوبوليتيكي إلى يمين ويسار..وقسم كبير من الرموز التي تربت في كنف السلفية الوطنية تحوّلت إلى جبهة اليسار..سؤال الحداثة اليوم يطرح وكأنه سؤال فلسفي في المغرب لدى جيل جديد عاجز عن ربط السؤال إيّاه باللحظات التاريخية الحرجة في أبعادها السياسية..في الصراع حول السلطة ومن يهيمن على الحكومة..واليوم حينما نسمع للنزاع ذاته عند عتبة كل موسم انتخابي، فإننا نستعيد روح النزاع السياسي الذي يجد أساسه في مفرق 1959م..هناك حيث بتنا أمام مشروعيتين تتنازعان السياسة في بلادنا..مشروعية الأصالة ومشروعية الحداثة..التموضع الجيوسياسي للمغرب منذ حرب إسلي مع فرنسا وحرب تطوان مع إسبانيا يفرض هذا المزيج..والشخصية المغربية الناجحة ليست تلك التي تمجّد هذا الأقصى على ذلك الأقصى..فالمغرب الأقصى لا يقصي السؤالين بل يتقصّاهما ضمن مدرسة فلسفية مغربية لا زالت تتميّز بعمق أسئلتها التي يفرضها السؤال الجدّي والتاريخي والمحنوي أيضا لسؤال الحداثة، حيث هنا فقط يوجد وعي خاص بألوان الخداع ومستويات المخاتلة التي يتبعها خطاب التقليد لاحتواء أجوبة الحداثة..لا زال سؤال الحداثة هنا يصدر عن عقدة تاريخية تفجرت في منعطف 59 ولكنها فقدت شرط الوعي وتحولت إلى بوليميك حزبي اليوم بينما فضّل المثقف أن يتفرّج من بعيد على انحطاط سؤال الحداثة نفسه عند حامليه..حين بات سؤالا ذي دلالة انتخابوية لا أقل ولا أكثر..




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=81321
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 07 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29