• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المحطة الثانية...للوزير المنتفكي والنظام العلماني الطائفي .
                          • الكاتب : هشام حيدر .

المحطة الثانية...للوزير المنتفكي والنظام العلماني الطائفي

في 14 تموز1958سقط النظام الملكي في العراق،ولم تسقط معه مرتكزات النظام السياسي السابق وإن خفّت قبضتها قليلا،فعادت لتمارس الدور نفسه بأسوأ مما كان عليه،ففي ظل حكم العسكر والقبيلة ليس هناك برلمان او صحافة.وعلى هذ المنوال سارت الامورحتى9نيسان 2003،باختلاف رموز العسكر وانتماءاتهم القبلية والمناطقية. بعد هذا التاريخ حاول ابناء العم سام تكرار تجربة (ابوناجي) تقريبا لاسيما في طريقة كتابة الدستور،وظلت مشكلة سلطات الاحتلال نفسها،(الشيعة – الانتخابات - الدستور)بإقرار السيد بريمر المشابه لاقرار المس بيل من قبل.ولعل الاختلاف الابرز في الحقبة الجديدة هو ان رئيس الوزراء فيها كان شيعيا،وبات يطلق على الحكومة تبعا لذلك"حكومة شيعية"مع ان الرئاسات الاخرى كافة كانت سنية.
 
قبل 2003 كان الترشح للدراسات العليا يخضع لعدة ضوابط لعل أهمها توافر"السلامة الفكرية" لدى المرشح،أما الموظف فقد تم الزامه باستحصال سلسلة طويلة من الموافقات،تبدأ بمرؤوسه المباشر وصولا الى مكتب الوزير،وهذا أمر عجيب لم تكن تتطلبه دراسة أي من المراحل السابقة ،ابتداء بالابتدائية وانتهاء بالبكلوريوس. حتى إن الكثير من الجنود كانوا يخططون للحصول على اجازة لمدة اسبوعين بالتقديم على الامتحانات العامة من دون استحصال موافقة مسبقة من أية جهة كانت حتى في زمن الحروب. أما احتساب الشهادة التي يحصل عليها الموظف أثناء دراسته فلاتشكل أية مشكلة لاي مرحلة حتى الاعدادية،فاذا ماوصل مشواره الدراسي للمرحلة الجامعية فإنه وحتى نهاية الحقبة الصدامية،فإن احتساب شهادة البكلوريوس كان أمرا مألوفا لاسيما بعد انتشار الدراسات المسائية ،إلا أن الملاحظ هو تلكؤ بعض الوزارات أو المؤسسات،أو انتقائياتها في ذلك من خلال تعاطيها مع احتساب البكلوريوس مناطقيا وطائفيا بعد2003،مع الخضوع للضغوط الحزبية والسياسية.وبذا ظهر ان النظام السياسي والتعليمي كان داعما لرفع المستوى التعليمي للمواطن العراقي الى المرحلة الاعدادية،أو الجامعية،ولكنه كان مانعا معرقلا في مرحلة الدراسات العليا،وبكلمة أدق،فإن تلك الموانع و العوائق،من سلامة فكرية،أو سلسلة الموافقات، كانت موجهة فئويا،لانها كانت بلون طائفي مناطقي،وقبل أن ينكر عليّ أحدهم ذلك يمكنه مراجعة أسماء المؤلفين وألقابهم للمناهج الدراسية لمختلف المراحل في عراق ماقبل 2003.
 
إننا إذا ماعدنا لقانون الخدمة المدنية العراقي،وبالرغم من صدور القانون منذ أكثر من نصف قرن،نجد إن من ضمن الاسباب الموجبة لصدور القانون وجود(عدد قليل ممن نالهم الغبن ... لانهم عينوا برواتب تقلّ عما يستحقونه بموجب شهاداتهم الدراسية فان هذه اللائحة انصفت هؤلاء بتلافي ما خسروه كما اولت هذه اللائحة اهمية للممارسة بحيث تشجع الموظف على استئناف الدراسة للحصول على شهادة اعلى من وذلك باحتساب مدة الدراسة خدمة لغرض الترفيع)،ولم يقتصر القانون على احتساب مدة الاجازة الدراسية خدمة بل انه نص في المادة(10-2)على أن(تعتبر مدة الدراسة العالية للموظف الذي يحمل الشهادة الاولية واستقال ثم حصل على شهادة اعلى استمرارا للخدمة لاغراض العلاوات والترفيع عند اعادة تعيينه)،وهذا تطور كبير ونقلة نوعية تحتسب للمشرع العراقي في حينه يفهم منها رغبته الحثيثة في دعم ودفع المستوى التعليمي للكادر الوظيفي باتجاه الدراسات العليا،ولنتذكر أن هذا كان في العام 1960. وفي العام 2008 وإثر صدور قانون موظفي الدولة رقم22 لسنة 2008 فقد أصدرت وزارة المالية تعليمات تسهيل تنفيذ القانون المذكور والتي تضمنت النص على إنه(12-في حالة حصول الموظف على أكثر من شهادة في اختصاصين مختلفين يمنح مخصصات الشهادة الاعلى الحاصل عليها).وهذا يستبطن عدم الاعتراض وعدم وجود نص قانون يمنع الموظف من الدراسة والحصول على شهادة أعلى في تخصصه أو أي تخصص آخر،والغريب ان معظم أو كل وزارات الدولة العراقية لم تعمل بهذا النص حتى الان،بل إنها أخذت تتجه بخلاف ماتقدم وبشكل غريب، فقد وصف كتاب الأمانة العامة لمجلس الوزراء المرقم ق/2/5/125969 في16/2/2010الموظف الحاصل على شهادة مغايرة لاختصاصه مثلا بانه عمل مخالف للقانون يجب ان لايكافأ عليه، وبما أن (الثورة) كانت قد أنجبت أبناء لها (بارّين)،وإن هناك من العراقيين(بعثيين وإن لم ينتموا)،فقد أخذت التعليمات تصدر من هنا وهناك،بلا سند قانوني،ولاحتى ضمن الصلاحيات، بالتشديد والتضييق على مضي الموظف العراقي قدما بهذا الاتجاه،حتى إن بعضها اشترط لاحتساب شهادة البكلوريوس(أن يكون حصول الموظف على الشهادة الاعلى بموافقة من الدائرة)،ولنا أن نتسائل عن السند القانوني لمثل هذه الشروط،وعن السر في التمييز بين احتساب البكلوريوس وشهادة الدبلوم أو الاعدادية مثلا.وكيف يمكن التوفيق بين مثل هذا النص وموقف الامانة العامة وبين نصوص قوانين الخدمة المدنية وتعليمات تنفيذ قانون رواتب موظفي الدولة اعلاه؟.وقد رافق هذا التوجه امتناع بعض مؤسسات أو مسؤولي لدولة عن ابلاغ بعض فروعها أو اقسامها عند توافر زمالات او بعثات دراسية،وإن كن مردّ ذلك احيانا وجود عوامل مرضية في نفس هذا المسؤول أو ذاك.
 
في العام 2012أصدر مجلس النواب القانون رقم 103 وورد في الاسباب الموجبة لاصداره إنه كان(لغرض رفع الغبن الذي لحق بشريحة من الموظفين....والحاصلين على شهادة اعلى اثناء الخدمة)،فإذا بالامانة العامة لمجلس الوزراء ترسل بتعليمات لوزارة المالية لتصدرها باسمها كـ(ضوابط لتسهيل تنفيذ الفقرة د من البند ثالثا من المادة 1 من القانون رقم 103 لسنة 2012 قانون التعديل الاول لقانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم 22 لسنة 2006)، ومن المستغرب ان تصدر الامانة العامة "ضوابط"لتنفيذ فقرة من بند من مادة من جملة مواد قانون دون غيرها.وقد نصّت الفقرة(2)من تلك الضوابط على ان(يعاد تسكين الموظف في ضوء شهادته الاخيرة ويمنح راتبها ومخصصاتها)كعقوبة مشددة صادرة من الامانة العامة التي سبق لها ان ادعت ان دراسة الموظف "مخالفة للقانون"!وقد أدى هذا النص الى الغاء خدمة الموظف مهما بلغت،فلو تم احتساب شهادة البكلوريوس لموظف معين له من الخدمة خمس وعشرون سنة وهو بالدرجة الثانية فانه يعاد الى الدرجة السابعة،والامر ذاته ينطبق على غيره لو كان له ثلاث سنوات من الخدمة كذلك!وهذا مخالف للقانون ذاته الذي اعتمد سنوات الخدمة والشهادة اساسا لاحتساب الراتب.فكيف يتساوى موظفان يختلفان في سنوات الخدمة؟وكيف تلغى سنوات الخدمة مهما بلغت؟.ومايدل على سوء نية واضعي تلك التعليمات في الامانة العامة هو الاقتصار على الفقرة(د)من البند(ثالثا)من المادة(1)دون غيرها.وقد دفعت هذه الاشكالات بعض الوزارات لمطالبة الامانة العامة بالسند القانوني لمثل هذه التعليمات،فيما اتجه اخرون لمخاطبة مجلس النواب للاستيضاح عن التضارب بين ماورد في نص القانون وماورد في التعليمات،ليجيب المجلس بوجوب تطبيق النص القانوني،لاالتعليمات.ولكن النتيجة بقاء الحال على ماهو عليه،فلا الحكومة التزمت براي مجلس النواب،ولا المجلس قام بدوره الرقابي،وبدلا من احتساب سنوات الدراسة خدمة كما نص قانون الخدمة المدنية لم استقال من وظيفته،عمدت الامانة العامة لالغاء سنوات الخدمة لمن حصل على شهادة أعلى،هكذا تلبس القوانين بالمقلوب!
في العام 2015 تقدمت وزارة التربية بطلب لمجلس شورى الدولة تستطلع فيه أمرا كأنه من الامور المستحدثة،يتعلق باحتساب الشهادة للموظف الحاصل على شهادة اثناء الاجازة المرضية او الاجازة من دون راتب،او ممن كان قد اكمل السنة التحضيرية عند التعيين،وقد اجتهدت عدة جهات للوصول بتصرف الموظف هذا الى مرحلة الكفر او التجديف ،وخلص مجلس شورى الدولة الى ان (لاتحتسب الشهادة العليا التي يحصل عليها الموظف اثناء الخدمة بدون الحصول على اجازة دراسية)،وعدّ ذلك مبدأ قانونيا!!!وياللمصيبة وياللكارثة!!فقد استند المجلس الشوروي المذكور الى عدة امور منها(حيث ان البند رابعا من المادة خامسا والبند ثانيا من من المادة السابعة من تعليمات الدراسات العليا رقم 26 لسنة 1990اشترط التفرغ التام للدراسة في المتقدم لدراسة الماجستير والدكتوراه)،والامر هنا مثير للسخرية،فالموظف المجاز مرضيا او بلا راتب متفرغ تماما للدراسة فعلا،ثم ان هذا الشرط السقيم مرتبط بالموظف حصرا دون غيره، في حين يبقى الطبيب في عيادته والمحامي في مكتبه والحلاق في محل حلاقته والسائق في سيارته ولايمكن ارغام هؤلاء على (التفرغ التام)هذا،كما ان من المعلوم ان الكثير من الطلبة المبتعثين من عراقيين وغيرهم يضطرون للعمل الى جانب الدراسة لتوفير مصدر دخل جديد لسد احتياجاتهم.وفي حالات اخرى فان الموظف المتفرغ باجازة دراسية نفسه قد يلجا للعمل الحر داخل العراق ان لم يكن راتبه كافيا لسد احتياجاته،فأي سند سقيم هذا ايها المجلس(الموقر)؟أما سند المجلس التالي فهو(وحيث ان جمع الموظف بين وظيفته والدراسات العليا خلافا لاحكام القانون يؤثر سلبا على سير العمل في المرفق العام وعلى انتظامه في الدراسة)،وهنا نعيد السؤال:كيف تؤثر دراسة الموظف المجاز أو من انهى السنة التحضيرية عند التعيين على سير المرفق العام ايها المجلس(الموقر)؟وكيف يؤثر ذلك على(التقيد بمواعيد العمل وعدم التغيب عنه)،ماذا لو كان للموظف شاغل اخر عن التقيد بمواعيد العمل،تجاري،سياسي، رياضي،سياحي..الخ؟ وماذا لو كانت طبيعة عمل الموظف لاتتقاطع مع دراسته؟ ونود ان ننوه هنا الى امر دقيق،هو ان سؤال وزارة التربية المريب كان مطلقا لانه يتعلق بشأن (اعتماد الشهادة التي يحصل عليها الموظف من خلال الجمع بين الدراسة والوظيفة)،والمفروض ان هذا السؤال يشمل الدراسة مطلقا،من الابتدائية وحتى الدكتوراه،فلماذا لخصه المجلس(الموقر)وخصصه بالدراسات العليا؟ والاغرب ان وزارة التعليم العالي هرعت لتعميم هذا الراي وجعلته مطلقا، وادعت انه يتضمن (النص على عدم احتساب الشهادة التي يحصل عليها الموظف اثناء الخدمة بدون الحصول على اجازة دراسية)،فهل يشمل هذا ياوزارة التعليم شهادة الابتدائية مثلا؟الم يحصر المجلس رايه سيء الصيت بالدراسات العليا؟وهل كان راي المجلس ملزما للوزارة ام للجهة المستفتية فقط؟وماذا عن شهادة الماجستير لوزيرك السابق؟هل حصل عليها بتفرغ تام ؟
بعد استعراض هذا التوجه المريب لدى بعض مفاصل ورموز النظام السياسي الحالي في العراق،واثبات علاقته بالخط الذي بنيت عليه الدولة العراقية،لابد لي بعد الوقوف على بصيص أمل في هذا النفق المظلم،متمثلا بالدور الذي يضطلع به (الوزير المنتفكي-الابن)،بعد حقبة الاحتلال الثانية للعراق،فبعد ان شكا منه بريمر في مذكراته وعدّه من (حلفاء السيستاني) في مجلس الحكم،نجده يمتثل لطلب المرجع الاعلى فيحذو حذو السيد الاب بالزهد في المنصب وتقديم الاستقالة منه،ونقف على دوره في اسقاط معظم ديون العراق من الحقبة البعثية واعادة جدولة المتبقي منها،ودوره في افتتاح مركز القلب في الناصرية وتزويده بافضل الاجهزة والكوادر الطبية،وإن سعى الاخرون لافشال واغلاق هذا الصرح الطبي ودفع كوادره للهجرة الى كردستان. ثم –وهنا محل الشاهد- لدوره في توفير الفرص الدراسية لهذه الفئة المظلومة المضطهدة،وسعيه في رفع مستواها العلمي من خلال محاولة افتتاح فروع للجامعة الامريكية او جامعة السوربون في الناصرية-وإن وضعت العراقيل للحؤول دون ذلك-،وكذلك دوره في خلق فرص لاكمال الدراسات الجامعية والعليا من خلال مجلس التنمية الذي يشرف عليه،والذي تقف على دوره في حصول عدد لايستهان به على شهادات عليا،وآخره كان ماقرأته على صفحة المجلس من اعلان توفير مقاعد دراسية في الجامعة الامريكية في السليمانية. وقد كان للوقف الشيعي توجها مشابها بتأسيسه لجامعة الامام الصادق ع،كمؤسسة غير ربحية لتوفير فرصة التعليم العالي للفئات المهمشة والمضطهدة،إلا أن ماحدث هو إن هذه الجامعة قد تعرضت للسطو والغصب،لتتحول الى مؤسسة حزبية جشعة.
 
ينظر مانشرناه في 2009 حول الموضوع
وماذكره النائب عزيز كاظم علوان
 
المفارقة في الامر تكمن في ان الوزير المنتفكي لم يكن هذه المرة وزيرا للمعارف،ولم يكن وزاراء المعارف – في الغالب– من غير الشيعة،الا أن المفارقة تكمن في ان النظام السابق كان يتهم بالطائفية والانحياز ضد الشيعة، والنظام الحالي يحمل التهمة المعاكسة كما يفترض،وان وزراء المعارف انذاك كانوا بصلاحيات محدودة،اما وزراء معارف الحقبة الحالية فهم بين قيادي في حزب الدعوة وعالم ذرة (هارب الى الحرية).إلا ان من المستغرب إن الفقه الجعفري في ظل هؤلاء مازال مهمشا في كليات القانون،التي تدرّس في مواد الشريعة والاحوال الشخصية مؤلفات امثال مصطفى الزلمي واحمد الكبيسي بما فيها من تعريض وطعن بالفقه الجعفري.وفي ظل هؤلاء وغيرهم من وزراء التربية يساء لسكينة بن الحسين ع،ويتم تجاهل علماء الشيعة وفقههم بينما يشاد بمثل ابن تيمية وابن القيم الجوزية.ومازالت بعض الكتب حتى الساعة،تتضمن افكار ومقولات(السيد الرئيس)،وحزبه المقبور،ومازالت تلك الكتب تطبع في المطابع العراقية،ولعل احدهم سيطلع علينا ويقول ان كل هذا ماهو الا تسقيط سياسي،ودعاية انتخابية،كما طلع علينا بذلك وزير التعليم الاسبق في قضية الاساء لمقام سكينة بنت الحسين ع.
 
إننا قد نتقبل ان هناك صفات تنتقل وراثيا للابناء كما في قضية الوزير المنتفكي، ولكن كيف عسانا نفسر قرارات ومواقف ذراري من تعرضوا للاحتقار والمهانة والظلم والاضطهاد على مر القرون والعقود المنصرمة؟ وهل تكفي جهود وزير في السلطة التنفيذية في غير مجال وزارته؟ أم ان جهودا تشريعية من داخل البرلمان يجب ان تسير بموازاتها لتضع النقاط على الحروف وتوقف اصحاب نوايا السوء عند حدهم بتشريعات صريحة تنهي تلك المهزلة التراجيدية،وهذا مانأمل أن يكون لابن المنتفك دورا بارزا فيه،على خطى والده...السيد المنتفكي.
 
الناصرية
 
ينظر مقالنا السابق
الوزير المنتفكي ...والنظام العلماني الطائفي



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=82251
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 08 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28