• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تضخم الرواية وضعف الدراية .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

تضخم الرواية وضعف الدراية

 أساليب الجرح والتعديل هي أساليب علمية مادّية وليست منزّلة إلاّ في أساس البناء على خبر الثّقة.. وبالتّالي فمن جهة طرائقيتها فهي ليست جعلية إلى حدّ القول بعصمة تقنيتها..فالخطاب الإرشادي ها هنا هو في جوهره حقيقة متداولة وفق السيرة العقلائية..ومن هنا فإنّ الاجتهاد في طرائق الإخبار والتوثيق والتصحيح ماضية في تصحيح فتوقها واعورارها وقصورها الذي تدلّ عليها استمرارية وجود غير الصحيح..إنّ فكرة وجود الصحيح سلفا كما تمّ في قرن من القرون هو اجتهاد متسامح فيه، لأنّ لا دليل على حصر الاجتهاد..فثمة من الصحيح ما لو تمّ وفق طرائق أخرى للتصحيح لفقد صحته، وثمة غير الصحيح لو تم وفق طرائق أخرى في التصحيح لتأكّدت صحته..إنما الجرح والتعديل اجتهاد يشبه القضاء حيث الحكم القضائي مبني على أصول التقاضي التي هي ليست بالضرورة كاشفة عن الواقع، بل في ظهور الأدلة التي تعيد المحاكمة دليل على أنّ المدار في الحكم على الوثاقة أو عدمها هو الدليل الظّنّي بمدلوله الأصولي الذي يمنحه الاعتبار الحكمي لا الواقعي.
لكن، اختصارالاستناد في الوثاقة في الجرح والتعديل ليست وحدها الواردة ، حيث اختزلوها في آية (إذا جاءكم فاسق بنبأ)..ذلك لآنّ حديث العرض على الكتاب والقياس على الكتاب يوسّع من مدارك التصحيح، فالتصحيح أوسع وأعمّ من التوثيق..كما أنّ طرائق التأويل تؤكّد على أنّ ذيل الآية نفسها لا يقول برد الخبر لمجرد الشّك في الوثاقة بل التكليف يصار إلى التحقيق والتبيّن، والتأويل هو آلية حاسمة في البيان.. كما أنّ التوثيق إذا تعارض مع القياس على الكتاب، كانت الأولوية لمعيار العرض على الوثاقة فيما لو تعارض خبر الثقة مع بديهي الكتاب ومع القواعد العقلية البديهية، وذلك لأنّ الكذب ليس هو وحده بلوى الراوي، بل التّوهّم والوهم بقيد الصدق في الإخبار يعد بلوى البلاوي في الرواية..
إنّ ما غفلت عنه قبيلة الجرح والتعديل هو أنّ المحتوى قد يصحّح الرّواية، لأن الأصل في الصّحة هو مطابقة المحتوى للأصل المنزّل، وهذا يقتضي التأويل أكثر مما يقتضي البحث في أحوال الراوي والإستخبار عن وثاقته..فالمحتوى يتجاوز الوثاقة وعدمها..
معيار القياس على الكتاب الذي يوقفك على حقيقة تنطلق منها عملية التصحيح، وهي من أغنى الطرائق حيث القياس على الكتاب هو بمثابة عرض الفرع على الأصل، ما يعطينا تعريفا جديدا ومختلفا للحديث الصحيح باعتباره شكلا من التّناص على الكتاب. إنّ معيار العرض على الكتاب هو تأكيد على مفهوم التّناص الذي يجعل المحتوى شاهدا على أصله.. بينما التناص ليس كافيا هنا إلا بقيد التناص المبين للكتاب لا التناص الملتفّ على الكتاب وهو ما أسميه التناص على النّص..النّص في تعريف الأصولي ما أحكم معناه وبان ولا يحتمل التأويل بالمعنى الشائع..لأنّ أصل العملية التأويلية هي الإحالة على المحكم..والمحكم له في نظرنا حكاية أخرى ليس هنا مجال التفريع فيها. فبما أنّ ثمة علاقة بين النص والتواصل فإنّ النّص الذي يقدم نفسه كنسق علاماتي يؤدّي رسالة ، اي نصا يفترض قارئه فأيضا هو النص الذي ينتجه قارئه حينما يحمل إليه شروط الإفصاح الآني والسياقي المقيّد لعمومه أو إطلاقه أو المستبدل لخاصه ومقيّده وفق طرائق الاستبدال والإكمال: المحوران اللذان أكّدهما دوسوسو، أمّا البعد التواصلي للنّص الذي يحيل على جملة الشروط التي يحملها القارئ للنّص، فهي الفكرة الأثيرة لرولان بارت التي ترهن تشكّل المعنى لتفاعل القارئ مع علامات النّص، وهو مؤدّى العبارة المجازية: (النص عملية يخلقها القارئ)..يخشى الوضّاعون من عملية العرض والقياس على الكتاب، ومن هنا لا واحدة من الطريقتين تغني عن الأخرى، إنّ توثيق الرواية وضبط الدراية عبر العرض والقياس على الكتاب من شأنهما أن يعضدا بعضهما لمزيد من تجنّب الدّخيل وطريقا لمقاومة التحريفية التي وجدت لها تراثا موازيّا شكّل تشويشا تاريخية على الفهم الدّيني ومادته الأولى، إنّ الفصل التعسفي بين الرواية والدراية في مقام تصحيح الخبر ساهم في تضخم الرواية وضعف الدراية...هذا علم يكاد يستنفذ أغراضه لأن انطلاقته مجرد تعويض تاريخي لاندثار التأويل وطرائق العرض على الكتاب، علم كسول خيّم عليه الكثير من الجمود لأنه تطوّر في قطيعة مع فنون الدّراية، وعوائقه المنهجية كثيرة، وكان أحرى أن يعزّز أو يستبدل بعلم الدراية فقط..أو علم التأويل..أو علم العرض على الكتاب..علم يتجاوز محنة التجريح وتحدّيات التعديل بوصفهما محاولة للحكم على الراوي لا تفكيكا لمحتوى الرواية وحفرا في طبقات المعنى ووقوفا عند مظاهر التّناص..لقد وقفوا عند الرواي أكثر مما وقفوا عند المروي، ومع ذلك لازال ثمّة أزمة خبر وأزمة إخبار...
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=83211
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 09 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16