"...ولله على الناس حِجُّ البَيت من استطاع إليه سبيلا..."3:97
"وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فجٍّ عميق " 22:27
أمة العالمين في مكة والمدينة تؤدي مناسك الحج , وتطوف حول الكعبة التي طافت حولها أجيال وأجيال قبل الإسلام وبعده.
فمنذ أن وضع أبو الأنبياء إبراهيم وولده إسماعيل الحجر الأساس للبيت العتيق والناس تحج إليه , وأهل مكة يعيشون من رزقه , ويتواصلون في خدمة حجيجه وسقايتهم في الجاهلية والإسلام.
والمعاني الإنسانية للحج أكبر من عظيمة ونبيلة وسامية , إنها وهج الإنسانية ونور الرحمة والألفة والمحبة والأخوة الآدمية , فلا فرق ما بين البشر مهما كان جنسهم ولونهم وأصلهم ومذاهبهم ومشاربهم , فجميع أطياف الخلق البشري تجتمع في مكان واحد وتلهج بإسم الله وتكون على صعيد عرفات , وتطوف الكعبة وتسعى بين الصفا والمروة وترمي الجمرات , كما أنها تزور قبر النبي وصاحبيه أبو بكر وعمر في المدينة .
وتتنعم بأريج النفحات الروحية , وتتمازج وتطهّر قلوبها من السوء والبغضاء والكراهية , وتنغمس بالحب الإنساني والتسامي الإلهي والرحيل الإيماني , والتعبير الأصدق عن جوهر العبادة والسلوك الإسلامي.
فالحج وقفة مع العقل والنفس والقلب والروح , وإستلهام لفيض المعارف الإلهية والأنوار المحمدية التي أضاءت دياجير النفوس البشرية.
وفي الحج يجد المرء نفسه في حياض الرحمان ومدن الإيمان , ويخطو في دروب خطى فيها النبي الكريم وصحبه أجمعين , وفيها ومنها إنطلقت مشاعل الرسالة الإسلامية إلى الناس كافة , تدعوهم للخير والألفة والرحمة , وبأنهم من آدم وآدم من تراب , وأنهم أمة واحدة وإلههم واحد , هو الذي خلقهم ولا يعبدون سواه , بيده الملك وهو على كل شيئ قدير.
ويعود الحجيج العرب خصوصا إلى بلدانهم التي فيها مفردات ودوافع الهجيج ثم الهجيج , إلى ديار الغربة والضياع , إلى ديار العرب المسلمين التي تقتل المسلمين وتعذبهم وتقهرهم , فيُصعَقون بأحوالهم ومآلاتهم ,وكأنهم كانوا في حلم بعيد , ولسان حالهم يردد :لا إله إلا الله محمد رسول الله , ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
فالمسلم الذي حج سابقا وحاضرا ربما يأخذ بممارسة ما لا يتفق وأبسط قيم ومعايير الإسلام , وما ينافي جوهر رسالته ودعوته الرحيمة المنيرة للناس أجمعين.
الإسلام الإنساني الذي يحترم الإنسان وقيمته ودوره في الحياة ويحرم قتله , يجد في دياره المسلم يقتل المسلم ويستبيح ماله وعرضه وبإسم الإسلام.
ويدمر ممتلكاته ويسرق حقوقه ويذيقه مر العذاب أمرّه ويدّعي بأنه مسلم , وقد حج في العام الذي مضى أو قد ذهب للحج في هذا العام لكي يكفر عن آثامه وخطاياه , التي إقترفها بحق المسلم في ديار الإسلام.
فهل أن للحج دور في تهذيب السلوك في بلاد العرب المسلمين , أم أنه فريضة وحسب , ننتهي منها حال تأديتها , فلا نعرفها ولا تعرفنا بعد حين؟!!