• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : محاورة مع.. الكاتبة اللبنانية رجاء بيطار حول روايتها (سألتُكَ عن الحسين عليه السلام) .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

محاورة مع.. الكاتبة اللبنانية رجاء بيطار حول روايتها (سألتُكَ عن الحسين عليه السلام)

 حاورها: علي الخباز

 الارتكاز على حياة رمز مقدس في اصدار منجز إبداعي، يعني أولاً الثقة بقدرات هذا الرمز الانساني لإضاءة الحاضر بالفكر الناهض، وبمستقبل التفاعل الانساني، وشخصية أم البنين (عليها السلام) تحمل هوية الانتماء العربي الأسمى بما تحمل من قيم تربوية وتضحوية.

 ولاشك أن يكون مسعى الكاتبة اللبنانية رجاء بيطار في كتابها (سألتك عن الحسين عليه السلام) يحمل الكثير من هذه السمات، ولذلك التقت بها جريدة صدى الروضتين لتحاورها عن روح الانتماء الزاكي، ولتقدم لنا بنفسها هذا المنجز الفكري... 

- هل عملية انتقاء الرمز النسوي المقدس يعني انك تنطلقين من احتياجك النفسي للتماثل مع هذه الرموز أم لاحتياج اجتماعي روحي عام لهذا التماثل؟

 إن عملية انتقاء الرمز النسوي المقدس، عملية تنطلق من أمرين: أولهما احتياج نفسي للتماثل مع الشخصية الاستثنائية للسيدة فاطمة بنت حزام الكلابية المعروفة بأم البنين (عليها السلام)، وثانيهما احتياج اجتماعي روحي عام لهذا التماثل.. فأم البنين (عليها السلام)، لم تكن فقط شخصية تاريخية تركت أثراً، بل هي مثال وقدوة صالحة تتطلع إليها قلوب المؤمنات اللواتي يرصدن سبيل طاعة الله تعالى، ويحاولن التحلي بمقومات الإيمان الحقيقي؛ ذلك أن الحاجة النفسية للكاتب لا تكفي ليخط بحروفه سطور التاريخ مستخرجاً مكنونه، بل إن الرغبة في إخراج هذا المكنون إلى العلن، هي الأساس، فأم البنين مثال لم يخلق ليحتكره عصر معين ولا جنس معين، لم يخلق لعصر الإمام الحسين (عليه السلام) فقط، ولا لجنس حواء فحسب، بل إن أم البنين خلقت لتتماهى بها الأجيال عبر العصور شأنها شأن الأئمة والأولياء الذين وقفت نفسها الزكية وفلذات كبدها على خدمتهم وفدائهم؛ لتكون مثالاً للنساء والرجال على حد سواء، فهي حاجة اجتماعية روحية لتفتح عيون البشر المتشوقين إلى التضحية اللامتناهية، والتربية الأخلاقية والدينية المثلى، وهذا ما حاولت من خلال روايتي هذه أن أقدمه.

- هل كان المنجز يعتمد على عرض حيثيات حياتية كما يفعل الكثيرون بتسليط الضوء على سرد تاريخي أم استطعت التأمل في حيثيات التكوين المقدس لتقدمي خطوة متأملة حداثوية في معالم البحث عن الفعل المقدس؟

 ((سألتك عن الحسين)) رواية تحمل بعدين: البعد التاريخي الذي لابد منه كأساس لمصداقية الحدث، والبعد الأدبي العاطفي الإنساني الذي يكتب التاريخ بحروف القلب، ويطوع الحقيقة للسان الشعور، فيعزف بأصابع الزمان القاسية على أوتار الأحداث السامية والدامية التي رافقت أم البنين (عليها السلام) منذ ولادتها مروراً بنشأتها المباركة ثم زواجها الميمون بأمير المؤمنين (عليه السلام)، حتى كهولتها وشيخوختها، وهي في كل هذا تعايش أحداث الحياة المباركة للإمام علي (عليه السلام)، وظروف خلافته واستشهاده.. ثم تعايش كل الظروف التالية لحياة الحسنين (عليهما السلام)، بكل تفاصيلها، وتتفاعل معها خطوة بخطوة.

 إذن، هي تعايش من الأئمة أربعة، وتربي من الأبطال أربعة، وتخلدها القلوب عبر السنين، ليس عبر سرد تاريخي بحت لتلك الوقائع التي رصدتها أم البنين (عليها السلام)، بقدر ما هو رصدنا نحن وتعايشنا مع تلك الوقائع.. إذا ما لبسنا منظار أم البنين(عليها السلام)، ورأينا الدنيا والآخرة بعينيها الثاقبتين اللتين خرقتا حدود النظر لتريا بعين اليقين.

إذن، فالرواية أدبية تاريخية اجتماعية، تتضمن العناصر الروائية الأساسية من تشويق وحبكة وحدث مفاجئ... وهي استثمار لذلك النور المنبثق من تلك السيرة المضيئة، واستشعار لأدق تفاصيل تلك الحياة التي بدأت في بادية المدينة المنورة سنة خمس للهجرة، واستمرت لستة عقود ونيف، تتجاذبها السنون والأحداث، فتحفل دائماً بما يشرف، وتختتم خير ختام... وهي في كل ذلك تتنفس عشق الحق قبل الأنفاس، وتزرعه نباتاً طيباً في نفوس العباس وإخوة وأبناء العباس، ثم تلفظ أنفاسها بعد ذلك فيبقى الحق ويزدهر ويترعرع، كما أرادت أن يكون. 

- الكثير من الخصوصية في حياة أم البنين (عليها السلام) مثل النبوءات، بدءاً بالحلم الاستباقي والرؤيا التي رأت بها قمراً وثلاثة كواكب في حضنها، وكذلك تنبؤات الواقعة، فهل من الممكن أن نعدها شخصية ربانية؟

أم البنين (عليها السلام) هي شخصية مختارة، اهتم بها أئمتنا وأشادوا بأوصافها، سواء خلال حياتها مع أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي رسم لنا بوصفه الأولي لها، بداية الحكاية: "هي امرأة ولدتها الأبطال لتلد بطلا ينصر أخاه الحسين في عاشوراء"، أو من خلال الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم، أولاد الزهراء الذين كانوا ينادونها بلفظة (أمي)، للدلالة على علو منزلها وشرف مقامها، أو حتى بعد مماتها من خلال الإمام السجاد الذي كان يهتم بها اهتماما خاصاً، حتى كان ما كان من تأثره الشديد لوفاتها وبكائه عليها، وهي كلها شهادات من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بأنها امرأة لا مثيل لها بين نساء عصرها، ولا بين نساء العصور السابقة واللاحقة، خلا المعصومات من النساء، فهي قد خدمت أمير المؤمنين وأولاد الزهراء بأشفار عينيها، وأحبتهم حبا يفوق الوصف، وتجردت من كل أنانية أو غيرة قد تساور زوجة الأب تجاه أولاد زوجها، لتكون لهم خادمة من حيث أرادوها أمّاً، وهذا ما زادها عندنا وعند كل أحد، رفعة ومقاما، فحق لنا أن ندعوها شخصية ربانية دون شك.

- قدرة الاسلوب الادبي هل خدمك في استدراج فرادة اسلوبية للكتاب؟

من الطبيعي أن يكون للأسلوب الأدبي الدور الأكبر، إلى جانب شمولية الموضوع وغناه وتنوعه وفرادة تقديمه ليخرج على الصورة التي خرج عليها، فهو ليس الكتاب الأول عن حياة أم البنين (عليها السلام)، ولكنه باعتقادي فريد في طرحه ومنهجيته وأسلوبه الذي أسقط عالم الإنسان على عالم التاريخ، فخرج بصورة إنسانية متكاملة تتفاعل معها المشاعر والأفكار وتخفق لها القلوب وتدمع العيون.

كما أن معظم الكتب التي سردت حياة أم البنين (عليها السلام) تاريخياً، لم تتناول حياتها التفصيلية بل اقتصرت على بعض الاحداث المروية في المصادر المعتبرة، ارجو ان اكون قد استطعت في كتابي هذا أن اقدم رواية متكاملة، وسيرة تفصيلية لأم البنين (عليها السلام)، عبر استثمار الأحداث التاريخية المعاصرة لولادتها وحياتها عموماً، فرافقتها خطوة بخطوة، وكانت الرواية سجلاً حافلاً لا لحياتها فقط، بل لتعايشها مع الأئمة والأبرار الذين لا يمكن لنا بحال من الأحوال أن نفصل حياتها عن حياتهم التي كانت منصهرة فيها.

- هل درستِ حياة أم البنين (عليها السلام) كحدث ماضوي ام قرأت فيها المستقبل الانساني النسوي؟ وهل نظرت الى ما حدث لها او ما سيحدث؟

 إننا حين نبحث وندرس في حياة أم البنين (عليها السلام)، لا يمكن لنا أبداً أن نفصل الماضي عن الحاضر والمستقبل، فالواقع الذي عاشته السيدة الطاهرة لم ولن يكون ماضياً، فهضم الحق كان ولا يزال، والظلم تغيرت ألوانه، ولكنه لا زال يكرر نفسه بأقنعة أخرى، ويبقى المثال قائماً... ونحن إذ نطالع تلك المواقف الخالدة في كل لحظة من حياتها، نطالع النموذج الأرقى للابنة البارة الصالحة، ثم الزوجة العطوف المحبة المطيعة، ثم الأم الحنون المعطاء التي لا تعرف حدودا للتضحية في سبيل الحق بنفسها او اولادها جميعا دون فرق، وهي في كل ذلك خجلى امام بارئها ولا تجد انها قدمت شيئا، إنها بحق المرأة المؤمنة كما يجب أن تكون، والأم التي ربت ناصرا للحسين ينصره حيا وميتا، ويأبى حتى أن يتذوق قطرة ماء دونه، وهو يكاد يموت ظمأ، ثم يتقطع في سبيله مبتسما لا توجعه إلا دمعة مولاه وأنين سباياه.

 هي النموذج الخالد للأم التي تربي أنصار الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، إن استطاعت المرأة المسلمة في هذا العصر أن تقرأها بوضوح وتمعن وفهم حقيقي لمكنون شخصيتها الفذة العميقة.

لقد حاولت من خلال طرحي الجديد في هذه الرواية، أن اقدم رؤيتي لأم البنين (عليها السلام)، أن أعيش تفاصيلها، أن ادخل الى خصوصيات كثيرة لم يروها التاريخ بحرفها بل رواها القلب العاشق لتلك الانوار القدسية، فأباح لدقاته أن تنبض بها، وأن تستضيء بشعاعها الباهر؛ لتسمو بها الروح إلى عليائها السامقة.

 

مانشيت

السيدة الجليلة أم البنين (عليها السلام)، لم تكن فقط شخصية تاريخية تركت أثراً، بل هي مثال وقدوة صالحة تتطلع إليها قلوب المؤمنات اللواتي يرصدن سبيل طاعة الله تعالى.

أم البنين (عليها السلام) هي الأم التي ربت ناصراً للحسين (عليه السلام) ينصره حياً وميتاً، ويأبى حتى أن يتذوق قطرة ماء دونه، وهو يكاد يموت ظمأ، ثم يتقطع في سبيله مبتسما لا توجعه إلا دمعة مولاه وأنين سباياه..

لقد حاولت من خلال الرواية، أن اقدم رؤيتي لأم البنين (عليها السلام)، أن ادخل الى خصوصيات كثيرة لم يروها التاريخ بحرفها بل رواها القلب العاشق لتلك الأنوار القدسية، فأباح لدقاته أن تنبض بها، وأن تستضيء بشعاعها الباهر؛ لتسمو بها الروح إلى عليائها السامقة.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=84480
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 10 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28