• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ثورة الإمام الحسين (ع) وسر البقاء .
                          • الكاتب : محمد المبارك .

ثورة الإمام الحسين (ع) وسر البقاء

ها قد انطوى عام آخر على استشهاد سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (ع) وهذه أيام ذكراه تعود لنجدد فيها الحزن ونتذكر فيها المصاب. 

في كل مرة نكتب في الإمام الحسين (عليه السلام) وذكرى استشهاده نذكّر بفضل الشهادة والشهداء وما لهم من الفضل عند المولى تبارك وتعالى ، فعن أبي حمزة (رض) ، قال سمعت أبا جعفر ( ع) يقول : أن علي بن الحسين (ع) كان يقول : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) ( ما من قطرة أحب إلى الله جل وعلا من قطرة دم في سبيل الله)(1). 

ولذلك أحتل الإمام الحسين (ع) هذه المرتبة وهذه المنزلة كيف لا وهو ليس شهيداً فحسب بل سيد الشهداء بما ضحى وقدم كل ما يملك (عليه السلام).

وعلى هذا أصبح ذكر الإمام الحسين (ع) ومجالسه وشهادته شعيرة من شعائر الله تعالى ، قال جل شأنه ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)(2). 

يقول سماحة آية الله الشيخ محمد سند البحراني(مد ظله)( إن إحياء الشعائر الحسينية التي هي من الشعائر الدينية التي ورد الحث عليها متواتراً من طرق الفريقين أمر لا شك في مشروعيته والآية الكريمة – ذلك ومن يعظم شعائر الله..، لا تختص بالشعائر التي تعبدنا الله بها لكونها شعيرة وذلك لان كل عمل ورد في الشرع إذا لم يكن موضوعه قد عين وحدد من قبل الشرع فإن المتعارف لدى العلماء أن يحمل على معناه اللغوي)(3). 

وهذا في عموم ذكر الإمام الحسين (عليه السلام) واستشهاده وقد وردت بعض الروايات في بعض الأمور الخاصة ، كما ورد في فضل البكاء عليه (ع) ، فعن الإمام الحسين (ع) قال ( ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلا بوأه الله بها في الجنة حقبا)(4).

وبعد أن استعرضنا شيئا من فضل الشهادة وفضل ذكر الإمام الحسين (ع) والبكاء عليه نقف عند سؤال مهم إلا وهو ما سر بقاء واستمرارية ذكر الإمام الحسين (عليه السلام) وثورته بعد كل هذه السنوات وتطاول القرون؟!

لعل أبرز أسباب استمرار ثورته المباركة يتلخص في التالي :- 

1- أنها ثورة إلهية ، وما كان لله تعالى ينمو ويبقى ويستمر وعلى هذا تكون مصداقا للآية الشريفة ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق)(5). 

بل أن كل ما قدمه الإمام الحسين (ع) في هذه الثورة لله وفي الله ألم يقل صلوات الله عليه :

 تركت الخلق طرا في هواك ...  وأيتمت العيال لكي أراك 

 لأن قطعتني في الحب أربا ...  لما مال الفؤاد إلى سواك

ولذلك نصره المولى الكريم بتخليد ثورته وإبقائها على مر العصور. 

2- أنها ثورة إصلاحية ( للإصلاح) ويتضح ذلك في قوله ( صلوات الله عليه) : ( أني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)(6).

3- ثورة آخروية :- أي للآخرة وما كان للآخرة فهو باق حتى يصل به إليها.    

4- أنها تهدف إلى إبقاء الإسلام والحفاظ عليه ومن هنا بقيت ببقائه وخلوده ( الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء). 

5- الله تبارك وتعالى تكفّل بإبقاء هذه الثورة لأن الحسين (ع) فُتِل في سبيل الله ومَن يُقتل في سبيل الله فهو حي لا يموت بنص القرآن الكريم ، قال تبارك اسمه ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)(7). 

ونبقى في كيف نحافظ على هذه المزايا لهذه الثورة ، وما هي مسؤوليتنا اتجاه ذلك؟ 

في الواقع يكمن الحفاظ على الثورة في الحفاظ على عظمة الإمام الحسين (ع) أولاً بأداء أجر الرسالة في الحسين (ع) بإعطائه حقه الذي أعطاه الله إياه من الاعتراف بفضله في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ( أنه أحد أصحاب الكساء وأحد من نزلت فيهم الآيات المطهرة المباهلة ، المودة ، التطهير ، وسورة هل أتى.. )(8). 

والحفاظ على قدسية الإمام الحسين (عليه السلام) فإن البعض ممن ينتسب إلى مدرسة الإمام الحسين (ع) ومما يؤسف له يعمل وتصدر منه أعمال لاتتناسب ومدرسة الإمام الحسين (ع) من تأخير الصلاة وعمل بعض الخرافات وقول الأكاذيب ، يقول الإمام محمد حسين آل كاشف الغطاء ( قده)( وحقاً أن أكثر أعمالنا جنابة عظمى على الحسين (ع)(9). 

وأخيراً الحفاظ على مجالس العزاء على الإمام الحسين(ع) فهي ولا شك (مدارس أخلاقية وتربوية وعقائدية فهي التي حفظت لنا الكثير من معالم الدين وبالأخص نشر الوعي الجماهيري وفضح الظالمين)(10). 

ونختم بنقطة لها أثرها في سر البقاء للثورة المباركة إلا وهي إنبراء الشعراء الفطاحل في ذكر الثورة وتخليدها وتخليد الحسين (ع) في رثائه والحث على البكاء عليه :- 

يقول الدكتور محمد إقبال (11) في مصداق سر البقاء : 

     (ارفعوا الورد والشقائق أكليل  ...  ثناء على ضريح الشهيد 

    ذاك لون الدم الذي أنبت المجد ...  وروّى به حياة الوجود )(12)

وقال ابن العرندس الحلي (13) في حق الإمام الحسين (عليه السلام) :- 

     (إمام أبوه المرتضى علم الهدى ... وصي رسول الله والصنو والصهر

    إمام بكته الأنس والجن والسما ... ووحش الفلا والطير والبر والبحر

    له القبة البيضاء بالطف لم تزل ... تطوف بها طوعاً ملائكة غُر)(14).

وهكذا يبقى الحسين (ع) وثورته في أبيات الشعراء وفي دموع عيون محبيه وفي قلوب عشاقه مدرسة للشهادة والعزة والكرامة عبر كل السنين والدهور والأجيال لا تنضب أبداً.

 

(1)- الكليني ، شيخ الإسلام محمد بن يعقوب - ت\ العلامة الشيخ محمد جواد الفقيه – فروع الكافي ، ج5 ص 55- ط\ 1، 1413هـ – 1992م – دار الأضواء – بيروت \ لبنان.

(2)- سورة الحج ، آية (32). 

(3)- موقع سماحة آية الله الشيخ محمد سند على شبكة الانترنيت. 

(4)- المجلسي ، العلامة الحجة الشيخ محمد باقر – بحار الأنوار ج44 ص 279 – ط\ 3 ، 1403هـ - 1983م – مؤسسة الوفاء – بيروت \ لبنان. 

(5)- سورة النحل ، آية (96).

(6)- الهادي ، الشيخ موسى – الإمام الحسين (ع) شمعة ودمعة ص 175 – ط\ 1، 1414هـ - 1993م -  دار البيان العربي – بيروت \ لبنان. 

(7)- سورة آل عمران ، آية (169). 

(8)- الراضي ، الشيخ حسين – الإمام الحسين (ع) رسالة وإصلاح ص 87 – ط\ 1، 1427هـ - 2006م – دار المحجة البيضاء – بيروت \ لبنان. 

(9)- الامام الحسين (ع) رسالة وإصلاح ، ص 88 نقلاً عن جنة المأوى للشيخ العلامة محمد حسين كاشف آل غطاء. 

(10)- نفس المصدر ( الامام الحسين (ع) رسالة وإصلاح ) ، ص 89. 

(11)- الدكتور محمد إقبال فيلسوف الباكستان وعالمها وشاعرها ، توفي سنة 1357هـ. 

(12)- دخيل ، علي محمد علي – أروع ما قيل في الإمام الحسين (ع) ص 290 – ط\ 1، 1424هـ - 2004م – دار المرتضى – بيروت \ لبنان. 

(13)- الشيخ صالح بن عبد الوهاب ، من العلماء الأتقياء ومن المقدمين في الأدب له كتاب كشف اللآلي ، توفي عام 840 أو بعده. 

(14) – أروع ما قيل في الإمام الحسين ( ع) لعلي محمد علي دخيل ، ص 124.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=84557
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 10 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19