• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : من الاخطاء العقائدية عند مدرسة الحكمة المتعالية ... ( 3 ) .
                          • الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي .

من الاخطاء العقائدية عند مدرسة الحكمة المتعالية ... ( 3 )

 بسم الله الرحمن الرحيم

 التوحيد عند العرفاء الغنوصيين:
ؤ كما ذكره في "التدبيرات الإلهية" بقوله: "فإنّ التوحيد توحيدان: توحيد الاحدية وتوحيد الفردانية. فتوحيد الاحدية توحيد العصاة من الامة الاسلامة ، وهو توحيد صحيح مركّب على اصل فاسد. وتوحيد الفردانية هو توحيد الانبياء والاولياء (عليهم السلام) والعارفين من الامة الاسلامية ، وهو توحيد صحيح مركّب على أصل صحيح")[1].
وقال الاملي ان التوحيد عند "الشيخ العارف المحقق أبي عبد الله الانصاري الهروي": (ينقسم الى ثلاثة أقسام: توحيد العامّة ، وتوحيد الخاصة ، وتوحيد خاصة الخاصة ، كما ذكره في "منازل السائرين" بقوله "التوحيد على ثلاثة وجوه: الاول توحيد العامة الذي يصح بالشواهد ، والثاني توحيد الخاصة وهو الذي ثبت بالحقائق ، والوجه الثالث توحيد قائم بالقدم وهو توحيد خاصة الخاصة")[2].
واما عند "الشيخ العارف عز الدين الكاشي": (التوحيد أيضاً ينقسم الى ثلاثة أقسام: علمي وعيني وحقّي ، كما ذكره في "شرحه للقصيدة التائية" بقوله: "وللتوحيد مراتب ثلاثة: علم وعين وحق ، كما لليقين علمه (وهو) ما ظهر بالبرهان وعينه (وهو) ما ثبت بالوجدان وحقّه (وهو) ما اختص بالرحمن")[3].
والتوحيد عند "المولى الاعظم صدر الحق والملّة والدين القونوي" كما يعبر الآملي عنه ، ينقسم الى ثلاثة أقسام: توحيد الافعال ، وتوحيد الصفات ، وتوحيد الذات[4].
والتوحيد عند "الامام العالم محمد بن محمد الغزالي" كما يصفه الآملي ، يقسم ، كما في كتابه "إحياء علوم الدين" ، الى اربعة اقسام: "قشر" وهو ايمان المنافقين ، و"قشر القشر" وهو ايمان عموم المسلمين ، و"لب" وهو ان يشاهد ذلك بطريق الكشف وهو مقام المقربين وذلك بأن يرى أشياء كثيرة ولكن مع كثرتها هي صادرة عن الواحد القهار ، و"لب اللب"[5] وهو ان لا يرى في الوجود إلا واحداً وهو مشاهدة الصديقين ويسميه الصوفية "الفناء في التوحيد" حتى لا يرى نفسه لكون باطنه مستغرقاً بالواحد القهار[6].
والتوحيد عند "الامام الفاضل والشيخ الكامل كمال الدين ميثم البحراني" بحسب الآملي يقسم الى خمسة أقسام: اولاها وادناها أن يعرف العبد للعالم صانعاً ، والمرتبة الثانية أن يصدّق بوجوده ، والثالثة أن يترقى بجذب العناية الإلهية الى توحيده وتنزيهه عن الشركاء ، والرابعة هي مرتبة الاخلاص له ، والخامسة نفي الصفات - التي تعتبرها الاذهان له – عنه وهذه المرتبة هي غاية العرفان ومنتهى قوّة الانسان[7].
واما سيد حيدر الآملي فيرى ان التوحيد نوعين: توحيد الانبياء وتوحيد الاولياء ! فالاول توحيد الانبياء هو التوحيد الظاهر وهو دعوة العباد الى عبادة إله مطلق من عبادة آلهة مقيّدة أو إلى اثبات اله واحد ونفي آلهة كثيرة ، وهو التوحيد الموسوم بالألوهي. والثاني توحيد الاولياء وهو التوحيد الباطن ، وهو دعوة العباد الى مشاهدة وجود واحد ، ونفي وجودات كثيرة ، وهذا هو الموسوم بالتوحيد الوجودي ، وليس غير هذين التوحيدين توحيد ثالث اصلاً. والاملي يرى ان ظهور جميع الانبياء من آدم (عليه السلام) الى محمد (صلى الله عليه وآله) ما كان الا لدعوة الخلق الى التوحيد الالوهي الذي هو الدعوة الى الاله المطلق من الالهة المقيدة والخلاص من الشرك الجلي الذي هو بإزائه. واما ظهور جميع الاولياء من آدم الى المهدي صاحب الزمان (عجّل الله فرجه الشريف) ما كان الا لدعوة الخلق الى التوحيد الوجودي الذي هو الدعوة الى الوجود المطلق من الوجود المقيّد والخلاص من الشرك الخفي الذي هو بإزائه. ويؤكد سيد حيدر الاملي عقيدته التوحيدية الفريدة التي لم يعرفها التشيّع في يومٍ من الايام قبله فيقول: (فكل من توجّه الى الاله المطلق من المقيّد وعدل عن عبادة المخلوق الى عبادة الخالق ونطق بكلمة التوحيد الظاهر التي هي "لا إله إلا الله" خلص من الشرك الجليّ وصار من المسلمين مؤمناً موحداً بالتوحيد الألوهي طاهراً في الظاهر والباطن وغن لم يكن كذلك يكن مشركاً نجساً في الظاهر والباطن. وكل من توجّه الى الوجود المطلق من المقيّد وعدل من مشاهدة المخلوق الى مشاهدة الخالق ، ونطق بكلمة التوحيد الباطن التي هي "ليس في الوجود سوى الله" ، خلص من الشرك الخفي وصار عند المحققين عارفاً بالتوحيد الوجودي طاهراً في الظاهر والباطن ، وإن لم يكن كذلك يكن مشركاً ملحداً نجساً في الباطن بخلاف الظاهر عند البعض ، لأن عند الكثرين من ارباب التوحيد ، هو أيضاً نجس في الظاهر والباطن. وهذا أصل كبير وتقسيم شريف حسن ، فافهم ! فإنّه دقيق لطيف)[8].
 
ادعاء السنخية بين الخالق والمخلوق:
الله سبحانه وتعالى ليس علّة وجود العالم ولا هو افاضه بل هو خالقه وموجده من العدم. إذ ان قولهم انه علّة للعالم معناها ان هناك سنخية بين الخالق والمخلوق وهذا باطل قطعاً.
قال السيد محمد حسين الطباطبائي في نهاية الحكمة: " ثم إن المتحصل مما تقدم من المباحث وما سيأتي أن هذا العالم المادي معلول لعالم نوري مجرد عن المادة متقدس عن القوة وأن بين العلة والمعلول سنخية وجودية بها يحكى المعلول بما له من الكمال الوجودي بحسب مرتبته الكمال الوجودي المتحقق في العلة بنحو أعلى وأشرف والحكم جار إن كان هناك علل عقلية مجردة بعضها فوق بعض حتى ينتهي إلى الواجب لذاته جل ذكره. ويستنتج من ذلك أن فوق هذا النظام الجاري في العالم المشهود نظاما عقليا نوريا مسانخا له هو مبدأ هذا النظام وينتهي إلى نظام رباني في علمه تعالى هو مبدأ الكل وهذا أيضا أصل. ومن الضروري أيضا أن علة علة الشي‏ء علة لذلك الشي‏ء وأن معلول معلول الشي‏ء معلول لذلك الشي‏ء وإذ كانت العلل تنتهي إلى الواجب تعالى فكل موجود كيفما فرض فهو أثره وليس في العين إلا وجود جواهر وآثارها والنسب والروابط التي بينها ولا مستقل في وجوده إلا الواجب بالذات ولا مفيض للوجود إلا هو. فقد تبين بما تقدم أن الواجب تعالى هو المجري لهذا النظام الجاري في نشأتنا المشهودة والمدبر بهذا التدبير العام المظل على أجزاء العالم وكذا النظامات العقلية النورية التي فوق هذا النظام وبحذائه على ما يليق بحال كل منها حسب ما له من مرتبة الوجود فالواجب لذاته رب للعالم مدبر لأمره بالإيجاد بعد الإيجاد وليس للعلل المتوسطة إلا أنها مسخرة للتوسط من غير استقلال وهو المطلوب فمن المحال أن يكون في العالم رب غيره لا واحد ولا كثير. على أنه لو فرض كثرة الأرباب المدبرين لأمر العالم كما يقول به الوثنية أدى ذلك إلى المحال من جهة أخرى وهي فساد النظام بيان ذلك أن الكثرة لا تتحقق إلا بالآحاد ولا آحاد إلا مع تميز البعض من البعض ولا يتم تميز إلا باشتمال كل واحد من آحاد الكثرة على جهة ذاتية يفرضا الواحد الآخر فيغاير بذلك الآخر ويتمايزان كل ذلك بالضرورة والسنخية بين الفاعل وفعله تقضي بظهور المغايرة بين الفعلين حسب ما بين الفاعلين فلو كان هناك أرباب متفرقون سواء اجتمعوا على فعل واحد أو كان لكل جهة من جهات النظام العالمي العام رب مستقل في ربوبيته كرب السماء والأرض ورب الإنسان وغير ذلك أدى ذلك إلى فساد النظام والتدافع بين أجزائه ووحدة النظام والتلازم المستمر بين أجزائه تدفعه. فإن قيل إحكام النظام وإتقانه العجيب الحاكم بين أجزائه يشهد أن التدبير الجاري تدبير عن علم والأصول الحكمية القاضية باستناد العالم المشهود إلى علل مجردة عالمة يؤيد ذلك فهب أن الأرباب المفروضين متكثرة الذوات ومتغايرتها ويؤدي ذلك بالطبع إلى اختلاف الأفعال وتدافعها لكن من الجائز أن يتواطئوا على التسالم وهم عقلاء ويتوافقوا على التلاؤم رعاية لمصلحة النظام الواحد وتحفظا على بقائه. قلت لا ريب أن العلوم التي يبني عليها العقلاء أعمالهم صور علمية وقوانين كلية مأخوذة من النظام الخارجي الجاري في العالم فللنظام الخارجي نوع تقدم على تلك الصور العلمية والقوانين الكلية وهي تابعة له ثم هذا النظام الخارجي بوجوده الخارجي فعل أولئك الأرباب المفروضين ومن المستحيل أن يتأثر الفاعل في فعله عن الصور العلمية المنتزعة عن فعله المتأخرة عن الفعل"[9].
ونقضاً لمباديء الحكمة المتعالية يقول المحقق البهبهاني (رض) توفي 1205هـ: (وتوهّم انه تعالى علّة لوجود العالم ، وهو معلول عنه ، ومن شرائط العلّة تحقق السنخية بينهما كسنخية الشيء والفيء وَهمٌ واضح. فإنه تعالى شأنه موجد الاشياء وفاعلها بمشيئته ولا تلزم السنخية بين الفاعل المختار وافعاله. وغنما تجب السنخية بين العلل المضطرّة ومعلولاتها كالنار وإحراقها مثلاً)[10].
"ان الادعاء ان الوجود لا يصدر منه الا الوجود اصله من اعتقاد السنخيّة بين العلّة والمعلول باعتبار ان حقيقة الوجود واحدة فإذا قيل ان الله سبحانه يساوي الوجود ولا يصدر منه الا الوجود فقد حافظوا بذلك على التناسب والتسانخ بين العلّة والمعلول ، ويلزم من ذلك ان يكون كل ما في هذا العالم موجوداً في ذاته تعالى عن ذلك علواً كبيراً فجسمانية هذا العالم وائتلاف بعضه بالبعض كما في اشتمال جسم الانسان على الروح وتخالف بعضه مع البعض الآخر كما في الذكورة والانوثة وماديته وتلوّنه بألوان مختلفة وما الى ذلك من اختلافات وتنوعات يلزم ان يكون كل ذلك في ذاته عزَّ وجلَّ حتى نحافظ على السنخيّة بينه جلَّ وعلا وبينها فيلزم ان يكون جلَّ وعلا جسماً ماديّاّ مشتملاً على روح وروحه غير بدنه والى آخره بل ويلزم ان يكون محدوداً لأنها محدودة ! فإن قيل نعم كل ذلك موجود في ذاته جلَّ وعلا إلا أنه من نوع عالم الالوهية وبنحو اتمّ وارقى. ولكن هذا ما لا دليل عليه ، فكيف يكون المجرّد على تجرّده "بمعنى أنه غير محدود ولا يتطرق اليه التحديد وفوق المادة" عين الوجود المادي وهو محدود ؟! وهل هذا الا الجمع بين النقيضين !! والحاصل: اما ان نحافظ على تجرّد المجرّد وعدم محدوديته فهو جلّ وعلا اذاً غير الماديات فلا سنخيّة اذاً بينها وبينه جلّ وعلا واما ان نقول انه تعالى عينها ونحافظ على هذه القاعدة وهو خلاف البرهان العقلي القاطع الآتي من كونه جلَّ وعلا لا يتطرق إليه الحد ولا يشتمل على صفات المخلوقات)[11].
ويقول الشيخ غلام رضا الفياضي[12] وهو من مدرسة الحكمة المتعالية: (من المسائل القطعية في الفلسفة قاعدة السنخية بين العلة والمعلول، لكن الذين لا معرفة لهم بالفلسفة يعتقدون أن السنخية تعني المشابهة، ثم يستنتجون أن المشابهة تتعارض مع الآية الشريفة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، وأن الفلسفة تتعارض مع العرفان. إذاً يجب أن لا تدخل الفلسفة إلى الحوزات العلمية. وكل هذا ناشىء من عدم الفهم الصحيح للسنخية. لكنه عندما يفسر السنخية، بمعنى ضرورة وجود خصوصية (مناسبة) في العلة، وبسببها نشأ منه  ذلك المعلول الخاص، وهذا هو معنى السنخية، وليس نفس معنى المشابهة. وبناء على ذلك المعنى الذي يذكره الفلاسفة، ولأن في أغلب الكتب الفلسفية فصلاً تحت عنوان: إن الله تعالى لا يشاركه شيء في أي معنى من المعاني، فإن هذا هو معنى الآية الشريفة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، لكنه يطرحه بلغة فلسفية، وببيان عقلي واستدلالي، ولا يطرحه مثل الآية القرآنية، ويقول: إنّه تعبد؛ لأنه حينها لم يتوصل إلى اعتبار القرآن كلاماً إلهياً؛ لأن سؤاله الأساسي هو عن وجود الله تعالى، ونريد أن نعرف الله بإحدى صفاته السلبية، وهي «ليس كمثله شيء»، فلابد أن نثبت محتوى الآية ببيان عقلي)[13].
وكتب السيد علي حسن مطر: (لا شك في أن أي معلول لا يمكن أن يصدر من أية علة ، وحتى الظواهر المتعاقبة أو المتقارنة لا يمكن ان توجد بينها دائماً علاقة العلّية ، وإنما العلّية علاقة خاصة بين موجودات معيّنة ، وبعبارة أخرى: لابد أن تكون بين العلّة والمعلول مناسبة خاصة يعبّر عنها (السنخية بين العلّة والمعلول). ولكن هذه السنخية في العلل المانحة للوجود تختلف عنها في العلل المادّية والاعدادية إذ يمكن في المورد الاول إثبات هذه السنخية بالبرهان العقلي ، دون المورد الثاني. وبيان ذلك: أنَّ العلّة المانحة للوجود تُفيضُ وجود المعلول ، فلا بد أن يكون لها الوجود  لكي تمنحه للمعلول ، وبملاحظة أن إعطاءها الوجود للمعلول لا يُنقص منها شيئاً ، يتضح ثبوت الوجود لها بصورة أكمل ، حيث يعتبر وجود المعلول شعاعاً منه وظِلاً له ، إذن السنخية بين العلّة المانحة للوجود ومعلولها تعني: أنَّ للعلّة كمال المعلول بصورة أكمل ، ويتضح هذا الموضوع اكثر بالالتفات الى كون المعلول رابطاً بالنسبة الى علّته المفيضة لوجوده ، والى وجود التشكيك الخاص بينهما. إلا أنه لا وجود لمثل هذه السنخية بين العلل المادية والاعدادية وبين معلولاتها لأنها ليست مفيضة للوجود وإنما ينحصر تأثيرها في إحداث تغييرات في وجود المعلولات ولكن بملاحظة أنَّه لا يصدر كل تغيير من كل شيء ، نعلم إجمالاً بضرورة وجود السنخية بينها أيضاً ، إلا أنه لا يمكن إثبات هذه السنخية بالبرهان العقلي ، بل بواسطة التجربة)[14].
نعم يريدنا الله سبحانه ان نعرفه بصفته السلبية في قوله تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) وهو يطابق الرواية عن الامام الباقر (عليه السلام) انه قال: (فما وقع وهمُك عليه من شيءٍ فهو خلافه ، لا يُشبهُه شيء ولا تدركه الاوهام ، كيف تدركه الاوهام وهو خلاف ما يُعقل ، وخلاف ما يُتصوّر في الاوهام. إنما يُتوهّم شيء غير معقول ولا محدود)[15]. واما قضية فَهْم السنخية بأنها تعني وجود خصوصية مناسبة في العلّة (الخالق جلَّ شأنه) وبسببها نشأ منه ذلك المعلول (الكون) ، فهو من جانب منه تشبيه حقيقي وليس فقط تشبيه لفظي كالسميع والبصير ، بل هو حقيقي لأنه يؤدي حسب دعواهم الى وجود خصوصية في الخالق تعالى انتجت المخلوقات جميعها !! ومن جانب آخر فإن السنخية اذا فسرناها بأنها خصوصية بين العلة والمعلول فهي بذلك تكون شيء من الاشياء ، والله تعالى ليس كمثله شيء. اما انه يريد تفسير الآية الكريمة بمنطوق فلسفي فهو لا يجوز لأنه من باب تفسير القرآن بالرأي ، ولا فرق بين أن يكون تفسير الرأي مرفوضاً اذا كان رأياً شخصياً أو فلسفياً ، فالقرآن الكريم لا يفسر بالآراء الفلسفية لسبب بسيط هو ان الفلسفة ليست قانوناً واحداً بل يصح ان نقول ان هناك فلسفات عديدة مبنية على اساليب تفكير الفلاسفة الناتجة من مسبوقاتهم الفكرية وبيئتهم وموروثهم ، ولذلك اختلف الفلاسفة في الفلسفة وإنما منشا اختلافهم هو أنها تنتمي لآراء بشرية ، فلا يصح تفسير القرآن الكريم بتلك الاراء الفلسفية. قال تعالى في سورة الانعام: ((وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)).
 
معنى الماهية والوجود:
الماهية هي ما به الشيء هو هو[16] ، او ما يقال في جواب ما هو[17]. "والمراد من الماهية مصداقها اعني المفاهيم التي هي ماهيات كالانسان والشجر والكتاب. والتباين بين المفاهيم من الواضحات فمفهوم الانسان يغاير مفهوم الوجود، كما ان مفهوم الانسان يباين مفهوم الكتاب"[18].
أما الوجود فهناك عدّة شروحات لمفهوم الوجود منها:
ـ الوجود هو الثابت العين. واعترض العلامة الحلي (رض) على هذا التعريف وقال: (إنَّ الثابت مرادف للموجود)[19]. في معرض تمييزه بين الوجود والموجود. واعترض العلامة الحلي (رض) على هذا التعريف وقال: (ولفظة "الذي" انما يشار بها الى متحقق ثابت ، فيؤخذ الوجود في حد نفسه)[20]. ومعنى ذلك انه اذا كان الوجود هو كل متحقق ثابت ، وكل متحقق ثابت له وجود فتدور المسألة ! كما انه لا يمكن ان يكون الوجود حد نفسه حيث أنَّ الماهية هي حد الوجود.
ـ الوجود هو الذي يمكن ان يُخبر عنه. 
ـ لا شيء أعرف من الوجود إذ لا معنى أعمّ منه[21]. فهو المعنى البديهي المرتكز في الاذهان[22]. والبداهة تعني الحصول في الذهن دون توسط الفكر[23].
والمشهور بين الفلاسفة المشائيين والمتكلمين هو كون الوجود غير قابل للشدّة والضعف إلا أن الاشراقيين قالوا به وتابعهم ملا صدرا في ذلك ، على خلاف قول المشائيين والمتكلمين. وقد ابطل المحقق الطوسي (ره) في تجريده وتقرير العلامة الحلي (ره) له وبالاستدلال ، القول بجواز الشدّة والضعف في الوجود فراجع. ويرد القول بأن للوجود مراتب متعددة وأنه حقيقة مشككة إن هذه المراتب إما عين الوجود الحقيقي أم غيره. والاول يستلزم وحدة الوجود الحقيقية وبه صرّح ملا صدرا ونتيجته أن لا فرق بين الممكنات والواجب ، وإن الكل هو وجود واحد وأنه لا علّة ولا معلول ، وليس في دار الوجود ديار غيره على حد تعبير ملا صدرا ، وان الشرك عبارة عن الاعتقاد بوجود غيره تعالى كما صرّح بذلك بقوله: "وويل للثنويين". واما الثاني فيلزم منه تعدد الحقائق وهو عين القول بالماهيات. فإن قلت: إن للوجود مراتب متعددة على سبيل التشكيك مع حفظ وحدته. قلنا إنه ادعاء بلا دليل ، وقول بلا برهان. وبعبارة أخرى: إن هذه المراتب إما أن تكون شيئاً واحداً أو اشياء متعددة ، فإن كانت شيئاً واحداً فيلزم ما ذكرنا من محذور ، وإن كانت اشياء متعددة فيلزم تعدد الوجود ، لأنه لا محالة من تقوّم الشديد بشدته والضعيف بضعفه ، فيمتاز كل منهما عن الآخر. وذلك عين القول باصالة الماهية ، ولم يكن هناك شيء واحد ، بل اشياء متفاوتة ، وحقائق متعددة ، والقول بتعدد المراتب ، بلا أن يقوّم الشديد مرتبته ولا الضعيف مرتبته ، فهو نفي لتعدد المراتب وتناقض بالكلام وادّعاء بلا دليل ولا برهان ، وبذلك يظهر بطلان كون الوجود حقيقة واحدة مشككة. ولو كان كذلك "يعني له مراتب" والمفروض أن مراتبه حقيقية لا وهمية ، فكيف يدّعي ملا صدرا كونه حقيقة واحدة وإنَّ كثرته وهمية؟ وإذا كانت كثرته وهمية فلا يمكن أن يجعل الوهم حقيقة. واما أن يقال: بحقيقة المراتب ، فيخرج عن كونه واحداً ويصبح الوجود عبارة عن حقائق متعددة. أضف الى ذلك: فقد ذكر السيد الطباطبائي في بحث معاني الإمكان: "إن الفرق بين الإمكان الذاتي والإستعدادي ان الاول لا يقبل الشدّة والضعف على العكس من الثاني ، لأنه صفة وجودية". أقول: والامر لا ينحصر في الإمكان الذاتي بل في كل المعقولات الفلسفية الثانية "ومنها الوجود" التي عروضها في الذهن واتصافها في الخارج ، فهي اعتبار تحليلي لا تقبل الشدّة والضعف)[24].
 
 
 
________________________________________
[1] جامع الاسرار ومنبع الانوار / سيد حيدر الآملي – ص78.
[2] المصدر السابق – ص78.
[3] المصدر السابق.
[4] المصدر السابق – ص78 و79.
[5] وعنه نقل ملا صدرا تقسيمه للتوحيد ، قال: (واعلم ان للتوحيد وسائر معارف الايمان اربع درجات، وهي في التمثيل كقشر الجوز، وقشر قشره ولبّه ولب لبّه. الدرجة الاولى في التوحيد أن يقول باللسان لا إله إلا الله وقلبه غافل عنه ، أو منكر له كتوحيد المنافق والثانية أن يصدّق بمعنى اللفظ قلبه ، كما يصدّق به عموم المسلمين ، وهو اعتقاد ، وليس بعرفان، والثالثة أن يعرف ذلك بطريق الكشف بالبرهان بواسطة نور الحق وهو مقام المقرّبين، وذلك بأن يرى أشياء كثيرة ولكن يراها على كثرتها صادرة عن من الواحد القهّار. والرابعة أن لا يرى في الوجود إلا واحداً ، وهو مشاهدة الصدّيقين ، وتسميه الصوفيّة الفناء في التوحيد). انظر: شرح الاصول من الكافي / الشيخ صدر الدين محمد بن ابراهيم الشيرازي ت1050هـ – ص619.
[6] جامع الاسرار ومنبع الانوار / سيد حيدر الآملي – ص79.
[7] المصدر السابق – ص80.
[8] جامع الاسرار ومنبع الانوار / سيد حيدر الآملي – ص84- 86.
[9] نهاية الحكمة / السيد محمد حسين الطباطبائي - ج2 ص230.
[10] الرؤية الفلسفية / الشيخ ماجد الكاظمي - ص54.
[11] المصدر السابق - ص73 و74.
[12] عضو «جماعة المدرّسين»، وأستاذ بارز للفلسفة الإسلامية، ناشط في مجال البحث الفلسفي بالتعاون مع مؤسسة الإمام الخميني التي يشرف عليها الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي.
[13] موقع مجلة نصوص معاصرة الالكتروني ، مقال بعنوان (الحوزة العلمية والعلوم العقلية) ، حوار مع: الشيخ غلام رضا الفياضي ، ترجمة علي آل دهر الجزائري ، منشور بتاريخ 30 يوليو 2015. صادر عن مركز البحوث المعاصرة في بيروت.
[14] الخلاصة الفلسفية / السيد علي حسن مطر الهاشمي – ص233 و234.
[15] الكافي - كتاب التوحيد – باب إطلاق القول بأنّه شيء - الحديث الاول.
[16] الرؤية الفلسفية / الشيخ ماجد الكاظمي - ص56.
[17] بداية الحكمة / السيد محمد حسين الطباطبائي - ص14.
[18] بداية الحكمة / السيد محمد حسين الطباطبائي / مع تعاليق نقدية للشيخ حيدر الوكيل – ق1 هامش التعليق ص20.
[19] كشف المراد شرح تجريد الاعتقاد / العلامة الحسن بن يوسف أبن المطهّر الحلي (رض) ت 726هـ – ص4.
[20] المصدر السابق – ص4.
[21] كشف المراد شرح تجريد الاعتقاد / العلامة الحسن بن يوسف أبن المطهّر الحلي (رض) ت 726هـ – ص5.
[22] دروس صوتية لفضيلة الشيخ حيدر الوكيل في تعليقه على كتاب بداية الحكمة للسيد محمد حسين الطباطبائي – الدرس8.
[23] بداية الحكمة / السيد محمد حسين الطباطبائي / مع تعاليق نقدية للشيخ حيدر الوكيل – ق1 هامش النعليق ص15.
[24] الرؤية الفلسفية / الشيخ ماجد الكاظمي - ص72 و73.
 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=85264
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 10 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28