الكلّ يسعى لتهديم الصرح القديم للعالم وبناء نظام جديد قوامه الفوضى..هذه المرّة كان الوضع أكثر خطورة لأنّه يتعلّق بسؤال يبدو في ظاهره سؤالا يتّصل بإشكالية الماهية..وبما أنّ التصور المتداول للوجود ينتهي لا محال إلى ارتباك في تصور الماهيات، فإنّ المنعطف الكوني الكبير هذه المرة يتعلّق بخطر انقراض بنية قديمة للجنس البشري لصالح بنى أكثر التباسا وفوضوية..
لا شكّ أنّ للاقتصاد السياسي أثرا بعيد المدى يتجاوز الأنماط الجماعية كلها إلى الطبائع البيولوجيا بوصفها أيضا منتجا للثقافة والمجتمع..تتحدّد طبيعة الجندر بالأنماط الثقافية والاجتماعية وهو ما يشكّل اليوم تراجيديا العلاقة بين الجنسين التي تكاد تعاني من حالة مفتوحة من الإحباط والحصر..في ظلّ هذا الذي أسميه الانتقال البيو ـ اجتماعي وثقافي حيث يعيش العالم حالة انتقالية سابقة عن استقرار الماهيات الجديدة والتي يبدو أنها لن تكون إلاّ حالات هجينة تتطلب أجيالا لتحقيق الاستقرار النّوعي..ليس هناك ما يؤكّد أنّ الغد سيكون ذكوريا بامتياز أو أنوثيا بامتياز، بل كل ما هنلك يؤشّر على انهزام الذكورة والأنوثة معا واختفاؤهما من المشهد..لأنّ كبرى الأوهام اليوم في هذا الجدل الجنوسي هو حينما نعتبر أنّ النزاع اليوم هو بين الذكورة والأنوثة، بينما العالم يعيش منعطف التحول بالذكورة والأنوثة لصالح جنس ثالث يمحق الذكورة والأنوثة معا لصالح توحيد الجنس بفعل التوجه الوظيفي الموحّد لهما..
جنوسة الغد هي اضمحلال النّقاء الجنوسي لصالح مركّب هجين.. ولهذا التحول أثر على منظومة القيم التي ستواجه الباب المسدود، لأنّ حالة الهذيان التي يسير على منوالها الاقتصاد السياسي للضرورات والحاجات الحقيقية والوهمية ينتهي إلى حالة مسخ شاملة..
اليوم هناك ميل متنامي يهدف وبإصرار إلى حالة التشكيك في طبائع الجنوسة والتقسيم التّاريخي للعمل بين الجنسين..كانت الرأسمالية حدثا تاريخيا أربك التوازن الكوني وساهم في التعديل الممنهج للجينات، فهي تدفع بالإنسان إلى حافّة الوهم الكبير: وهم الاستهلاك، وهم العقلانية، وهم الحاجات، وهم التسوية البيولوجية..في ظلّ الرأسمالية المتوحشة يتوقّع انقلاب في الماهيات..
صورة الجنوسة غدا هي اضمحلال النوع..هو الزلزال الرأسمالي المتوحّش الذي يربك منطق التوازن..سيتوحّد الجندر كما لو كنّا أمام حالة الخلية ـ الموحّدة، كائن لا هو ذكر ولا هو انثى ولكنه بينهما يواجه تحدّي الإنجاب، حيث بات الظرف مناسبا لنمط التكاثر الخلوي أو الاستنساخ الذي يؤمّن مجتمعا غديا معفي من كل أصل أو إحساس بالإنتماء سوى للتقنية وهيمنتها..بين التسوية والمساواة كإنصاف حكاية مسار من التحدي سينتهي بفقدان المعنى وإلى ضرب من النيهيلية الجنوسية..
|