• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : من الاخطاء العقائدية عند مدرسة الحكمة المتعالية ... ( 15 ) .
                          • الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي .

من الاخطاء العقائدية عند مدرسة الحكمة المتعالية ... ( 15 )

 المجـرَّدات:
المجرّد هو "ذلك الشيء الذي ليس له خصائص الاشياء الماديّة"[1] ، و"أن كلمة (المادّي) في اصطلاح الفلاسفة تستعمل في الاشياء التي لها نسبة الى المادة وتحتاج في وجودها الى مادّة قبلية ولكنها تستعمل احياناً بمعنى اعمّ من ذلك فتشمل حينئذٍ المادة نفسها وتصبح مساوية في الاستعمال لكلمة (الجسماني). واما كلمة (المجرد) فهي بمعنى غير المادّي وغير الجسماني ، أي الشيء الذي لا هو جسم ولا هو من قبيل صفات الاجسام وخصائصها"[2].
"إنّ الموجود المجرّد لا يقبل الانقسام ، وليس له مكان ولا زمان ، ويستثنى من ذلك النفس المتعلّقة بالبدن إذ يمكن نسبة الزمان والمكان اليه بالعَرَض ، فيقال: في المكان أو الزمان الذي يوجد فيه البدن ، يكون الروح موجوداً أيضاً في ذلك المكان والزمان ، لكن هذه المكانية والزمانية في الواقع صفة للبدن ، وإنّما تنسب للروح مسامحة بسبب تعلقه واتحاده بالبدن. ولا بد من التنبيه على ان العرفاء والفلاسفة أثبتوا نوعاً ثالثاً من الموجودات هو وسط بين المجرّد الكامل والمادّي المحض أسموه بـ (الموجود المثالي) ، ويطلق عليه في اصطلاح صدر المتألهين (المجرّد المثالي) و(الجسم المثالي)"[3].  
والمجردات قد تطلق على الجن والملائكة والارواح ، وقد تطلق على العقول والمُثُل وامثالهما. وعجباً لمن يتحدث عن وجود مجردات معه سبحانه وتعالى وينسى قوله جلَّ شانه: ((ليس كمثله شيء)) !
يقول السيد الطباطبائي: "قد اتضح بالابحاث السابقة أن للوجود الامكاني – وهو فعله تعالى – إنقسامات ، منها: انقسامه الى مادي ومجرد ، وانقسام المجرد الى مجرد عقلي ومجرد مثالي ، واشرنا هناك الى ان عوالم الوجود الكلية ثلاثة: عالم التجرّد التام العقلي ، وعالم المثال ، وعالم المادة والماديات. فالعالم العقلي مجرد تام ذاتاً وفعلاً عن المادة وآثارها ، وعالم المثال مجرد عن المادة دون آثارها من الاشكال والابعاد والاوضاع وغيرها. ففي هذا العالم أشباح متمثلة في صفة الاجسام التي في عالم المادة والطبيعة في نظام شبيه بنظامها الذي في عالم المادة ، وإنما الفرق بينه وبين النظام المادي أن تعقب بعض المثاليات لبعض بالترتب الوجودي لا بتغير صورة أو حال الى صورة أو حال أخرى بالخروج من القوة الى الفعل بالحركة ، كما هو الحال في عالم المادة ، فحال الصور المثالية فيما ذكرناه من ترتب بعضها على بعض حال صورة الحركة والتغير في الخيال ، والعلم مجرد مطلقاً فالمتخيل من الحركة علم بالحركة لا حركة في العلم ، وعلم بالتغير لا تغير في العلم. وعالم المادة لا يخلو ما فيها من الموجودات من تعلق ما بالمادة ، وتستوعبه الحركة والتغير ، جوهرية كانت أو عرضية)[4].
ينقض الشيخ حسن الميلاني فرضية وجود "مجردات" عداه سبحانه وتعالى ، فيقول أن المعرفة البشرية ، أي الفلسفة والعرفان ، تزعم انه لا يصدر عن ذات الخالق تعالى إلا شيء واحد ، وذلك انها تقول: "ان الواحد لا يصدر عنه إلا واحد" ، وتزعم انه لا محيص عن القول بوجود وسائط مجرّدة عن الزمان والمكان والقوة والاستعداد إلخ بين الخالق والعالم الجسماني حتى يستقيم أمر الخلقة وصدور الاشياء عن ذات الخالق المتعال. ويزعمون انه يجب تعدد الموجودات المجرّدة وتكثّرها ! بينما العلوم الالهية البرهانية تشدد الإنكار على ذلك ببيان أن الله تعالى خالق الاشياء لا من شي وليس بمُصَدِّرِها ، وانه عزَّ وجلّ هو الواحد الحقيقي المتعالي عن الامتداد ، وان التوسيط في أمر الخلقة محال ذاتي وذلك أن الخلقة أمر دفعي لا يقبل التوسيط لذاته. وان قول المعرفة البشرية بالجمع بين التعدد والتجرّد هو جمع بين متناقضات ، وان قاعدة الواحد تناقض نفسها[5]. وتفصيل كل ذلك بالمصدر المنقول عنه. وننتقي بعض كلمات الشيخ الميلاني التي توضح العقيدة الاسلامية الصحيحة...
يقول الشيخ حسن الميلاني: "ما هو ملاك تقسيم الشيء الى الثابت والمتحرك !؟ الحادث الذاتي والحادث الزماني ؟! ما بالقوة وما بالفعل ؟! المتناهي واللامتناهي ؟! الواجب والممكن ؟! المجرّد والمادّي ؟! فإنّ هذه التقسيمات ليست إلا تقسيمات بلا واقع موضوعي ، وليست إلا تقسيمات للامتدادي الى نفسه وغيره ، بل الى نفسه والى ما يمتنع تحققه ثبوتاً !!
وضرورة العقل والبرهان وسياق – بل صريح – الروايات المتكثّرة تشهد بأنّ الموجود لا ينقسم إلا الى الخالق والمخلوق ، وأن الثاني هو الامتدادي العددي القابل للزيادة والنقصان ، والاول هو ما يكون على خلاف ذلك ، وهما متباينان بكلّهما فلا يدخل الاول في الثاني ولا الثاني في الاول أبداً.
ما ندري كيف يمكن الجمع بين الاعتقاد بتجرّد المجرّدات والاعتقاد بتعدّدها ؟! مع أن بين الكثيرة وعدم التجرّد تلازم بيّن ، كما ان من البديهي أن التجرّد واستحالة التعدّد متلازمان.
إنّ خروج وجود الخالق جلّ وعلا عن الزمان والمكان والأجزاء أمر ذاتي ثبوتي له ، وهو متفرّع على تعاليه جلَّ وعلا عن الامتداد والاجزاء الذي يختص به تعالى ولا يمكن أن يوصف بذلك غيره مطلقاً: 
الامام أمير المؤمنين (عليه السلام): (... وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما في غيره).
فنفس القول بتعدّد المجرّدات ، شاهدة على التناقض في القول بوجودها ، فإنَّ التعدد فرع الامتداد المبائن للتجرّد"[6].
ثم يقول: "كيف يصح ادّعاء التجرّد لما يقال إنّه يتحرّك في جوهره حتى يصل عالم التجرّد ؟! أليس الحركة والتغيّر متفرّعاً على كون الشيء زمانيّاً بالبداهة ؟! أوليس اتصاف الشيء بالبعدّية نفس اتصافه بالزمان ؟!! وكيف يمكن القول بتجرّد أشياء ومخلوقات ، مع ان كل ما سوى الله تعالى في معرض التغيير والزوال ؟
الامام الصادق (عليه السلام): (إنّه ليس شيء إلا يبيد أو يتغير أو يدخله التغيير والزوال ، أو ينتقل من لون الى لون ، ومن هيئة الى هيئة ، ومن صفة الى صفة ، ومن زيادة الى نقصان ومن نقصان الى زيادة ، إلا رب العالمين ، فإنّه لم يزل ولا يزال واحداً ... لا تختلف عليه الصفات والاسماء كما تختلف على غيره مثل الانسان الذي ... يتبدّل عليه الاسماء والصفات والله عزَّ وجلّ بخلاف ذلك)"[7].
وقال السيد الخوئي (رض): (ودعوى ان الملك من عالم المجردات فليس له مادة ، كما اشتهر على ألسنة الفلاسفة دعوى جزافية ، فإنه مع الخدش في أدلة القول بعالم المجردات ما سوى الله كما حقق في محلّه أنه مخالف لظاهر الشرع ، ومن هنا حكم المجلسي (رحمه الله) في اعتقاداته بكفر من انكر جسمية الملك ، وتفصيل الكلام في محلّه)[8].
وقال الشيخ ماجد الكاظمي: (لا وجود للمجردات سواه تعالى كما تقدّم ، مضافاً الى انه ادعاء بلا دليل)[9].
ويقول الشيخ حسن الميلاني: "المجرّدات هي شركاء الله تعالى: إنك ترى بالرجوع الى روايات أهل العصمة انهم (عليهم السلام) في مقام نفي الشبيه عن الله تعالى وبيان انحصار عنوان المعبود اللائق به الألوهية فيه تعالى ، يكتفون بإقامة الدليل على نفي الجسمية والصورة والشبح والتخطيط والامتداد عنه تعالى. 
ولو كان هناك واسطة بين الله الخالق والامتداد المخلوق كما تزعمه الفلسفة القائلة بوجود عالم المجرّدات ، لما كان الاستدلا بذلك كافياً لبيان ما يتمايز به الخالق عن المخلوق وتمييز ما يختص الله تعالى به من التعريف ويباين به غيره ، بل كانت المجرّدات حينئذٍ تدخل في تعريف الخالق ، وكان يثبت تعدّد الآلهة لا وحدة الخالق ، وكان ذلك إثبات التشبيه لا نفيه !!"[10].
وقال العلامة الحلي (رض) في كشف المراد: "اختلف الناس في ماهية النفس وانها هل هي جوهر أم لا ، والقائلون بأنها جوهر اختلفوا في انها هل هي مجرّد أم لا ، والمشهور عند الاوائل وجماعة من المتكلمين كبني نوبخت من الامامية والمفيد منهم والغزالي والحليمي والراغب من الاشاعرة أنّها جوهر مجرّد ليس بجسم ولا جسماني ، وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله"[11]. وهذا الشخص الوارد في كلام العلامة (رض) واسمه (الحليمي) هو شخصية مجهولة ! يقول الشيخ حسن حسن زاده آملي: "هذا الرجل يذكر في البحث عن المعاد الجسماني من هذا الكتاب أيضاً ، والنسخ المطبوعة عارية عن اسمه وغير واحدة من المخطوطة الموثوق بها واجدة إياه ، وكذلك الراغب في الموضعين لكن لم نظفر بالحليمي في غير واحد من تراجم الرجال"[12].
وقيل ان ما نسبه للشيخ المفيد (رض) هو مستفاد من بعض كتبه وليس صريح كلامه ، فجاء في هامش احدى طبعات كتاب (مناهج اليقين): " كما يستفاد ذلك من بحوث مفصلة للشيخ المفيد حول النفوس و الارواح التي جاءت في تصحيح الاعتقاد ص 63 فبعد"[13]!!
والى جانب مجهولية الشخصين الوارد ذكرهما في كلام العلامة الحلي (رض) ، فلم يتبين لنا المصدر الذي اعتمده العلامة (رض) فيما نسب الشيخ المفيد (رض) اليه من القول بأن النفس هي جوهر مجرّد ، عدا ما قيل من انه مستفاد من كلام الشيخ المفيد (رض) وليس صريحه. فهذا النص هو واحد من اكثر النصوص المثيرة للريبة والغرابة !
ويقول العلامة الحلي (رض) في تعريف الجوهر: "اعلم ان الجوهر في اصطلاح المتكلمين عبارة عن المتحيز الذي لا ينقسم بوجه ، فالمتحيز جنس ، يندرج تحته الخط والسطح والجسم. وقولنا الذي لا ينقسم يخرج عنه الجسم ، وقولنا بوجه يخرج عنه السطح والخط ، فانهما لا ينقسمان ، لا من كل وجه ، بل الخط لا ينقسم في العرض والعمق وإنْ انقسم في الطول ، والسطح لا ينقسم في العمق وإنْ انقسم في الباقين ، فلو لم يفد عدم الانقسام بالعمومية لدخلا في الحد"[14]. ثم يعرف الجوهر عند الفلاسفة فيقول: "و اما عند الاوائل فانهم يطلقون الجوهر على ذات الشي‌ء و حقيقته، و على الموجود لا فى موضوع"[15].
 
الجسم الإلهي:
في شرحه للأصول من الكافي, حيث جاء في ذلك النص: (فإذا تصورت هذه المعاني وانتقشت في صفحة خاطرك علمت أن المعنى المسمّى بالجسم له أنحاء من الوجود متفاوتة في الشرف والخسة والعلو والدنو , من لدن كونه طبيعياً إلى كونه عقلياً , فليجز أن يكون الوجود إلهي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير المسمّى بالاسماء الإلهية المنعوت بالنعوت الربانية ، على أن الواجب تعالى لا يجوز أن يكون له في ذاته فقد شيء من الاشياء الوجودية وليس في ذاته الاحدية جهة ينافي جهة وجود الوجود وليس فيه سلب إلا سلب الاعدام والنقائص)[16]
وقد يقال إن سائر كلام الملا صدرا المبثوث في كتبه ومصنفاته, خير شاهد على رفض الرجل للتجسيم جملة وتفصيلاً. بل إن كلماته في ذات كتاب شرح الأصول من الكافي في نفي الجسيمة عن الحق تعالى لا تدع مجالاً للباحث أن يعتقد أو يخطر في باله قول الرجل بالجسيمة ! ويُجاب عن ذلك بأن ملا صدرا حينما ينفي الجسم فإنما ينفي المتعارف عليه في اذهان عامة الناس والمتكلمين والفلاسفة المشائيين ، غير انه حينما يثبت جسماً إلهياً فإنما يثبت جسماً من طبيعة اخرى عرفانية ، فهو يدعي وجود جسم إلهي من الناحية العرفانية ، ومع ذلك فلا يعدو ان يكون جسماً مهما كان نوعه او طبيعته او النظرة اليه.
ومن اسخف ما تذرع به احدهم لتبرير كلام ملا صدرا انه قال ان ملا صدرا يقصد كمال الجسم لا حد الجسم !! وقد فاته إنَّ وجود الكمال للجسم ملازم لوجود الجسم له سواء كان له حد ام لم يكن !! تعالى الله سبحانه عن ذلك علواً كبيراً.
وخير ما رد به احد على دعوى الجسم الالهي لملا صدرا هو ما قاله السيد ابو القاسم الخوئي (1317- 1413)هـ / (1899- 1992)م كما ورد في (التنقيح في شرح العروة الوثقى) في تعليقه على قول صاحب المتن (وأمّا المجسِّمة) ما نصّه: (وهم على طائفتين : فانّ منهم من يدعي أن الله سبحانه جسم حقيقة كغيره من الأجسام وله يد ورجل إلاّ أنه خالق لغيره وموجد لسائر الأجسام ، فالقائل بهذا القول إن التزم بلازمه من الحدوث والحاجة إلى الحيّز والمكان ونفي القدمة ، فلا إشكال في الحكم بكفره ونجاسته لأنه إنكار لوجوده سبحانه حقيقة . وأما إذا لم يلتزم بذلك بل اعتقد بقدمه تعالى وأنكر الحاجة فلا دليل على كفره ونجاسته وإن كان اعتقاده هذا باطلاً ومما لا أساس له . ومنهم من يدّعي أنه تعالى جسم ولكن لا كسائر الأجسام كما ورد أنه شيء لا  كالأشياء فهو قديم غير محتاج ، ومثل هذا الاعتقاد لا يستتبع الكفر والنجاسة وأمّا استلزامه الكفر من أجل أنه إنكار للضروري حيث إنّ عدم تجسّمه من الضروري فهو يبتني على الخلاف المتقدم من أن إنكار الضروري هل يستلزم الكفر مطلقاً أو أنه إنما يوجب الكفر فيما إذا كان المنكر عالماً بالحال ، بحيث كان إنكاره مستلزماً  لتكذيب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) . هذا ، والعجب من صدر المتألهين حيث ذهب إلى هذا القول في شرحه على الكافي وقال ما ملخّصه: إنّه لا مانع من التزام أنه سبحانه جسم إلهي ، فانّ للجسم أقساماً فمنها: جسم مادي وهو كالأجسام الخارجية المشـتملة على المادّة لا محالة . ومنها: جسم مثالي وهو الصورة الحاصلة للانسان من الأجسام الخارجيـة وهي جسم لا مادّة لها . ومنها : جسم عقلي وهو الكلِّي المتحقِّق في الذهن وهو أيضاً مما لا مادّة له بل وعدم اشتماله عليها أظهر من سابقه . ومنها : جسم إلهي وهو فوق الأجسام بأقسامها وعدم حاجته إلى المادّة أظهر من عدم الحاجة إليها في الجسم العقلي ، ومنها : غير ذلك من الأقسام ، ولقد صرّح بأن المقسم لهذه الأقسام الأربعة هو الجسم الذي له أبعاد ثلاثة من العمق والطول والعرض. وليت شعري أن ما فيه هذه الأبعاد وكان عمقه غير طوله وهما غير عرضه كيف لا يشتمل على مادة ولا يكون متركباً حتى يكون هو الواجب سبحانه . نعم ، عرفت أن الالتزام بهذه العقيدة الباطلة غير مستتبع لشيء من الكفر والنجاسة ، كيف وأكثر المسلمين لقصور باعهم يعتقدون أنّ الله سبحانه جسم جالس على عرشه ومن ثمة يتوجهون نحوه توجه جسم إلى جسم مثله لا على نحو التوجه القلبي)[17].
وهناك من يحاول تبرير كلام ملا صدرا والرد على السيد الخوئي ، كما في الجواب المؤسف المنشور في موقع مركز الابحاث العقائدية وهو: (لم يثبت أن ملاّ صدرا الشيرازي كان مجسماً، وأما ما يشير إليه النص الذي نقله السيد الخوئي قدس سره عن تفسير صدر المتألهين فله وجه آخر سوى ما أفاد به السيد الخوئي، مع أن ما أورده قدس سره على الملاّ صحيح طبقاً لتعريف الجسم في الاصطلاح الفلسفي، ولكن الملاّ (حسبما يظهر من النص) لا يريد التعريف الاصطلاحي للجسم المنحصر في الجسم المادي المعروف في عالم الطبيعة وهو الجوهر ذو الابعاد الثلاثة، وإنما يريد به المعنى الأعم وهو ما يطلق عليه جسم بحسب كل عالم من عوالم ما وراء الطبيعة كعالم المثال وعالم الملكوت وعالم الجبروت وعالم اللاهوت، وحينئذ فالمصحح للإطلاق ليس هو ما تعارفه الناس من مفهوم الجسم، بل أمر آخر قريب من مفهوم الجوهر المفارق، إذ من الواضح أن ملا صدرا ملتفت إلى عدم إمكان وجود جسم موصوف بأنه طويل عريض عميق في العوالم العليا، فهذا الوصف من خواص المادة في عالم الطبيعة، ومن المعلوم أيضاً أنه لا توجد مادة فيما وراء عالم الطبيعة، ولذلك عقّب الملا زيادة في إيضاح ما يريده من الجسم المثالي والجسم العقلي والجسم الإلهي بالقرائن التالية على الترتيب: (الجسم المثالي: وهو الصورة الحاصلة للإنسان من الأجسام الخارجيـة وهي جسم لا مادّة لها، الجسم العقلي: وهو الكلِّي المتحقِّق في الذهن وهو أيضاً مما لا مادّة له بل وعدم اشتماله عليها أظهر من سابقه، الجسم الإلهي: وهو فوق الأجسام بأقسامها وعدم حاجته إلى المادّة أظهر) فبهذه القيود يخرج الجسم المادي الذي لا يعرف إلا بقبوله للأبعاد الثلاثة، ولذلك فإن اعتراض السيد الخوئي على الملا بقوله: (ولقد صرّح بأن المقسم لهذه الأقسام الأربعة هو الجسم الذي له أبعاد ثلاثة من العمق والطول والعرض) ليس في محله لابتنائه على المشهور من تعريف الجسم، ولكن تبين من خلال القيود التي ذكرها ملاّ صدرا أنه لا يريد هذا التعريف) !!!!! ويرد على كلامهم هذا بان ملا صدرا اذا تكلم عن الجسم الإلهي كلاماً فلسفياً فقد بيّن السيد الخوئي (رض) رده عليه وإبطاله وفق القواعد الفلسفية ايضاً. وإن كان كلامه غير فلسفي وغير عرفي فما هو إذن ؟! ولِمَ تلومون السيد الخوئي (رض) على ما لم يحسن ملا صدرا التعبير عنه ! وإن كان كلام ملا صدرا عرفانياً فالعرفان تجربة شخصية وهو نفسه في  حكمته المتعالية اشترط التعبير عن الكشف العرفاني بالقواعد الفلسفية لكي يصدقه الآخرون ، فإن كان كلامه عرفانياً ولم يحسن التعبير عنه فلسفياً فهذا خطأه وما وضّحه فلسفياً هو باطل. وإنْ كان قد احسن التعبير عن كشفه العرفاني بكلامه الفلسفي فقد وضّح السيد الخوئي تهافته الفلسفي وان فكرته باطلة.
وللمزيد من الفائدة نقول ان ملا صدرا كان يرى ان الله سبحانه وتعالى وجود بلا ماهية ، وهنا يقول بأن له جسماً إلهياً ، فيكون جسمه الإلهي هو عين وجوده ، وحيث ان الوجود الخارجي الحقيقي للخالق والمخلوق هو وجود واحد ، بغض النظر عن تشكيكه ، فيكون لجميع المخلوقات جسماً إلهياً قد يوصف على اقل تقدير بأنه جسم إلهي تشكيكي !! وهذه هي النتيجة المؤسفة التي تحمل في طياتها الكثير من معاني الشرك والابتعاد عن التوحيد الصحيح.
ويؤكد سيد كمال الحيدري ان ملا صدرا كان يقول بالجسمية ، فيقول ما نصَّه: (نعم إذا كان من أهل الاختصاص افترض انه مثل ملاصدرا بيني وبين الله ماكو شك بأنه من أكابر المتخصصين إذا صار بناءه الله جسم ماذا تفعلون؟ ملا صدرا يقول بالجسمية ، بكرى إنشاء الله من شرح أصول الكافي انجيبلكميا ولهذا كثير من الأعزة قالوا الله يخليك لا تقوله فد مكان ولكن قائل بالجسمية ولكن يقول جسمية إلهية، طبعاً في المقدمة هو يقول الجسم له طول وعرض وعمق وهو جسم حسي خيالي عقلي الهي والله جسم ضمن المواصفات الله ماذا؟ ولهذا جملة من أعلام الفقهاء من تلامذة السيد الخوئي كفروه على هاي المسألة كفروه بأنه قالوا هو قائل بأن الله سيدنا وا ويلاه انتووا خابصين الأمة أن ابن تيمية والحنابلة قائلين جسم لعد عندكم بلي امغطغطيه ما يقولون لأحد، أنا اطلعها واناقشها أقول هذا الرأي مع كل احترامنا لملى صدرا وصدر المتألهين نوافقه أو نخالفه؟ نخالفه، وهذا أن دل على شيء يدل على حرية الفكر في مدرسة أهل البيت)[18]. ورغم ان سيد كمال الحيدري من نفس مدرسة ملا صدرا ومن اتباعه الان انه لم يوافقه على هذه المسالة لظهور شناعة باطلها.
 
 
 
________________________________________
الهوامش:
[1] الخلاصة الفلسفية / السيد علي حسن مطر الهاشمي – ص265.
[2] المصدر السابق – ص266.
[3] الخلاصة الفلسفية / السيد علي حسن مطر الهاشمي – ص267 و268
[4] نهاية الحكمة / السيد محمد حسين الطباطبائي – ص377 و378.
[5] معرفة الله تعالى بالله ، لا بالاوهام الفلسفية والعرفانية / الشيخ حسن الميلاني - ص178.
[6] معرفة الله تعالى بالله ، لا بالاوهام الفلسفية والعرفانية / الشيخ حسن الميلاني - ص179 و180.
[7] المصدر السابق - ص181.
[8] مصباح الفقاهة / تقرير ابحاث السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي (قدس سره) / بقلم الشيخ محمد علي التوحيدي التبريزي – ج1 ص364.
[9] الرؤية الفلسفية / الشيخ ماجد الكاظمي - ص92.
[10] معرفة الله تعالى بالله ، لا بالاوهام الفلسفية والعرفانية / الشيخ حسن الميلاني - ص182.
[11]  كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد / العلامة الحلّي (رض) / تعليق الشيخ حسن حسن زاده آملي – ص277 و278.
[12]  المصدر السابق – هامش التعليقات ص278.
[13]  مناهج اليقين في اصول الدين / العلامة الحلي (رض) - ج1 هامش ص227.
[14]  انوار الملكوت في شرح الياقوت / العلامة الحلي (رض) – ج1 ص17.
[15]  انوار الملكوت في شرح الياقوت / العلامة الحلي (رض) – ج1 ص17.
[16] شرح الاصول من الكافي / الشيخ صدر الدين محمد بن ابراهيم الشيرازي ت1050هـ / تحقيق محسن عقيل – ص723. 
انظر أيضاً: شرح الأصول من الكافي / صدر الدين محمد بن إبراهيم الشيرازي / عنى بتصحيحه: محمد خواجوي – ج3 ص207.
[17] التنقيح في شرح العروة الوثقى/ تقرير بحث السيد الخوئي (رض) للشيخ علي الغروي (رض) - ج3 ص(70-72).
[18] بحث تعارض الادلة برقم (185) لسيد كمال الحيدري ، منشور في الموقع الالكتروني الخاص به ، بتاريخ 27 / 1 / 2014م.
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=85965
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 11 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19