• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : قراءة في كتاب رسائل الشعائر الحسينية .
                          • الكاتب : السيد علوي البلادي البحراني .

قراءة في كتاب رسائل الشعائر الحسينية

 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة على خير خلقه محمد واله الطاهرين وبعد
فهذه بعض الانطباعات التي خرجت بها من مطالعة كتاب رسائل الشعائر الحسينية المتوفر بأجزائه الثلاثة على الوصلات التالية:-
الجزء الاول
الجزء الثاني
الجزء الثالث
تمهيد
اتفقت الإمامية قولا وعملا على رجحان واستحباب احياء امر اهل البيت عليهم السلام وهكذا الحال بالنسبة للبكاء وإقامة مجالس العزاء وإظهار الجزع والحزن على مصاب سيد الشهداء عليه افضل الصلاة والسلام غير أنه وقع الخلاف في جملة من الممارسات العلنية من حيث جوازها وعدم جوازها او من حيث مناسبتها ولياقتها أو عدم مناسبتها ولياقتها أو من حيث تعنونها بعنوان ثانوي يغير حكمها الأولي ومدى تحقق هذا العنوان الثانوي وعدمه كالضرر البليغ أو الإساءة للمذهب وهتك حرمته بل بلغ الخلاف أوجه حتى أنكر من أنكر حرمة بعض الممارسات وإن أدت للضرر البليغ بل بالغ بعضهم حتى جوز الانتحار مواساة للإمام الحسين عليه السلام وفي جهة الإساءة للمذهب وهتك حرمته تم انكار أصل الإساءة وإنكار حرمة التطبير مثلا مهما استهزأ الآخرون بالمذهب وأتباعه ، وأنه على الشيعة أن يستمروا في كل تلك الممارسات بل ويخترعوا ما يشاؤون غير مكترثين بعذل عاذل ولا مهتمين لسمعة المذهب على اعتبار أن ذلك من الخصائص التي لا ينبغي معها الالتفات لما يقوله الآخرون ، ولا زال الخلاف قائما إلى اليوم.
 
بعض الانطباعات السريعة
الانطباع الأول: - لعل انطلاقة الخلاف العلني جاءت أولا من تصدي السيد محمد مهدي الموسوي القزويني
البصري (ت1358هـ) للدعوة لإصلاح بعض الشعائر الحسينية وذلك سنة 1343 هـ الموافق لسنة 1924م ثم وجدت دعوته طريقها للصحافة فقد مجدت صحيفة الأوقات العراقية دعوة السيد البصري واشادت برأيه مما ساعد على تفجر الخلاف والجدل وانتشاره في الأوساط الشيعية منطلقا من البصرة مرورا بالنجف ودمشق وليس انتهاء بالهند.
الانطباع الثاني:- من حسن الطالع عند طرف وسوئه عند الطرف المقابل أن الصحافة والطباعة بما في ذلك جريدة الأوقات العراقية كانت تحت هيمنة الاستعمار البريطاني منذ سنة 1914 حين احتل الجيش البريطاني البصرة ، فقد نظر لما نشر في الجريدة من آراء السيد البصري التي يراها إصلاحية نظر إليها من قبل مناوئيه على أنها من تسويلات الشيطان البريطاني ومن مؤامراته على الإسلام عموما والتشيع خصوصا ، فلا بد أن يكون الحق في خلافهم وأنه يجب الشك في ما يستهدفه المشروع البريطاني وان جاء على يد السيد البصري حتى أشيع بأن الخطوة التالية ستتمثل بإغلاق الحسينيات ومنع إقامة العزاء في محرم المقبل فهاج الناس وماجوا واصروا على ما هم عليه وزادوا.
الانطباع الثالث:- ابدى السيد البصري رحمه الله انزعاجه من نشر آراءه في الجريدة دون اذنه فقام بتأليف رسالة تشرح ما يراه بقلمه سماها (صولة الحق على جولة الباطل) وذلك سنة 1345 هـ الموافق لسنة 1926م فحرم فيها التشبيهات والضرب بالسيوف والقامات على الرؤوس وخروج مواكب اللطم في الأزقة والشوارع التي تسبب النزاع والتصادم كما حث على تهذيب خطاب المنبر بما يليق به ويؤدي رسالته ، غير أن دعوته تمت معارضتها وشنع عليه أشد تشنيع لأسباب عديدة لعل منها ما حام حوله من الشك لتبني جريدة الاحتلال البريطاني لموقفه والترويج لرأيه فقامت القيامة خوفا من إغلاق الحسينيات ومنع إقامة الشعائر الحسينية.
الانطباع الرابع :- ما نسميه اليوم مراسم ذكرى شهادة الإمام الحسين عليه السلام كان يسمى التذكار الحسيني وما نسميه بالمواكب الحسينية كان يطلق عليه المواكب المحزنة.
وللموضوع تتمة بإذن الله تعالى
 
 قراءة في كتاب رسائل الشعائر الحسينية
القسم الثاني
الانطباع الرابع: -
بعد نشر السيد البصري رسالة (صولة الحق على جولة الباطل) بسنتين وبالتحديد سنة 1347 هـ، الموافق لسنة 1928 م، نشر السيد محسن الأمين رحمه الله تعالى (ولد 1283 - توفي 1371 هـ ) رسالة (التنزيه لأعمال الشبيه) أكد فيها على استحباب إقامة الحزن على سيد الشهداء أبي عبد الله عليه السلام، لكنه انتقد أموراً كثيرة واعتبرها من البدع والمحرمات وهي:-
1- الكذب بذكر الأمور المكذوبة المعلوم كذبها، وعدم وجودها في خبر، ولا نقلها في كتاب.
2- التلحين بالغناء.
3- إيذاء النفس وإدخال الضرر عليها بضرب الرؤوس وجرحها بالمدى والسكاكين.
4- استعمال آلات اللهو كالطبل والزمر.
5- تشبيه الرجال بالنساء وقت التمثيل.
6- اركاب النساء الهوادج مكشفات الوجوه وتشبيههن ببنات رسول الله (ص).
7- صياح النساء بمسمع من الرجال الأجانب.
8- الصياح والزعيق بالأصوات المنكرة القبيحة.
9- كل ما يوجب الهتك والشنعة.
قال رحمه الله:  فإدخال هذه الأشياء في إقامة شعائر الحزن على الحسين (ع) من تسويلات إبليس ومن المنكرات التي تغضب رسول الله (ص)، وتغضب الحسين (ع)، فإنه إنما قُتِل في سبيل إحياء دين جده (ص) ورفع المنكرات، فكيف يرضى بفعلها!!!!
 لاسيما إذا فُعِلَت بعنوان أَنّها طاعة وعبادة؟!
ووفق قانون نيوتن الحاكم بأنه ( لكل قوة فعل قوة رد فعل، مساوية لها في المقدار ومعاكسة لها في الاتجاه)، جاءت الردود والمناقشات تترى بين مؤيد ومعارض وكان الأغلب معارضا للسيد محسن الأمين رحمه الله تعالى.
 
الانطباع الخامس:- 
رسالتا (صولة الحق على جولة الباطل) و ( التنزيه لأعمال الشبيه) جاءتا بلغة قوية ولهجة حاسمة، وكان السيدان محمد مهدي البصري ومحسن الأمين رحمهما الله معتقدين بوقوع أخطاء لا يشكان أنها من البدع أو المحرمات، فجاءت الرسالتان بصيغة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة لتنزيه شعائر الحزن على الحسين (ع) من الشوائب والبدع والمحرمات، غير أنه ربما لم يَدُر في  خلدهما أنّ ما اعتبراه مُسَلَّم الحرمة وبين البدعية، سيقع مورداً للجدل العنيف.
فبمقدار قوة دعوتهما لتنقية شعائر إحياء ذكرى شهادة الإمام الحسين (ع) مما شابها من المحرمات بنظرهما، بمقدار هذه القوة والصرامة جاءت الردود بنفس القوة بل أشد واعتبر أغلب المعترضين عليهما أنهما مخطئان ومتجاوزان لحدود الشريعة، ومن هنا تحول الخلاف لفتنة تتضح في الانطباع السادس.
 
الانطباع السادس:- 
لأن اللغة التي استعملها السيدان قوية وقاطعة، ولأن الردود جاءت بصورة أقوى وأشد، ولأن الاستهزاء بلغ أشده في الردود، وكأن كلا الطرفين يرى أن استعمال الشدة ضروري ربما لحفظ المذهب من البدع والخرافات أو لصونه من الاندثار وضياع قيم وثورة الامام الحسين (ع) وذوبان الهوية الشيعية الخاصة.
 
لذلك كله وقعت حرب كلامية تطورت لاعتداءات واشتباكات كما ستعرف، وعليه لو مال أحد إلى أن هذا الأسلوب عند كلا الطرفين، إنما ساهم في زيادة الشرخ وإيذاء أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام لَما كان مُجانِباً للصواب، فلعل الحِدِّيَة واستعمال الأسلوب القاطع يُعَمِّق التمزق والشقاق، فقد نقلت فواجع ستعرف بعضها في الانطباع السابع.
 
 قراءة في كتاب رسائل الشعائر الحسينية
🔹القسم الثالث:
 
الانطباع السابع: -
تفجرت خصومة شديدة بين المؤمنين ابتداء من القيادات وانتهاء بالقاعدة والجماهير، على اثر الموقف من بعض الممارسات التي اعتبرها بعضٌ من الشعائر الحسينية، واعتبرها بعضٌ آخر من المنكرات، حتى توسعت هذه الخصومة والحرب الكلامية بين المؤمنين، فوقعت فتنة وشقاق بينهم، ولك أن تتصور مدى البلاء والتصادم الذي يمكن أن يقع فيه الناس، بعد أن يتم شحنهم من قبل قيادات لها وزنها، فإذا كانت لغة الموجهين لغة هابطة وحاطة من قدر المختلف وموهنة له فما بالك بسائر الناس؟
وفعلا تحول هذا الشقاق لقضية مركزية تحتل اهتماما كبيرا ان لم يكن جل الاهتمام، حتى قسم الناس إلى فئتين (أمويين) ويقصد بهم أتباع السيد محسن الأمين و(علويين) ويقصد بهم معارضيه حتى تطور النزاع والشقاق فيما نقل لاستعمال العنف، ولنستمع للأديب جعفر الخليلي في كتابه (هكذا عرفتهم) وهو يصور لنا الموقف قائلا:
وقد توجّه (السيد محسن الأمين) أوَّل ما توجّه إلى تأليف كتب أدبيّة، أخلاقيّة، مدرسيّة، وتأليف كتب خاصّة بتاريخ سيرة الحسين (عليه السلام)، وقد عرض لهذه السيرة عرضاً مجرّداً من كثير من الشوائب والأكاذيب على قدر الإمكان لاتّخاذها مصدراً لخطباء المنابر الحسينيّة، وألزم الخطباء مراعاة خطّته في المآتم الحسينيّة، وأول عمل قام به بعد ذلك هو تحريم الضرب بالسيوف والسلاسل في يوم عاشوراء، ومقاومة الذين يستعملون الطبول، والصنوج، والأبواق، وغيرها في تسيير مواكب العزاء بيوم عاشوراء، فكان ذلك أوّل ذريعة اتّخذها مخالفوه وخصومه لمهاجمته، وقد أيّدهم في نشاط الحملة ضدّه كونها جاءت متّفقة ورغبة العوام (السواد) كلّ الاتفاق، لذلك اتّسعت الحملة، وكان المجتهد الشيخ عبد الحسين صادق في (النبطية)، والإمام السيّد عبد الحسين شرف الدين في (صور) ممّن خالف دعوة السيّد محسن الأمين، فبعثت هذه المخالفة في نفس السيّد محسن روحاً جديدة زادته حماساً وثورة في وجه القائلين بجواز الضرب بالسيف على الرؤوس في يوم عاشوراء، وحمله الغضب على إصدار (رسالة التنزيه) التي بنى أحد أسباب غضبته على الرواية القائلة (مَن أُغضب ولم يغضب فهو حمار) وكانت غضبة مَضَرّيّة، أدّت إلى مشاكلَ كثيرةٍ ما كادت تبدأ في (جبل عاملَ) بلبنانَ، حتى انتقلت إلى العراق، وتحوّلت من مشكلة إصلاحيّة، إلى مشكلة شخصيّة، وقد كان لآل صادق وآل شرف الدين، وآل الأمين، أصدقاؤهم، ومؤيّدوهم في النجف، فاندفعت كلّ جهة إلى هدفها بكلِّ نشاط، واتّجه الجميع إلى كبار العلماء يستفتوهم في أمر الضرب بالسيف كمظهر من مظاهر الحزن على أبي عبد الله الحسين (ع) فأفتى (المرجع السيّد أبو الحسن الأصفهاني) بحرمة الضرب بالسيف، وقال ما مضمونه: "إنَّ استعمال السيوف والسلاسل والطبول والأبواق وما يجري اليوم من أمثالها في مواكب العزاء بيوم عاشوراء باسم الحزن على الحسين، إنّما هو محرّم غير شرعي" وأفتى الميرزا حسين النائيني والإمام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وجميع كبار العلماء بشرعيّة الضرب!  
وزاد من هياج الناس في وجه السيّد محسن الأمين تبنّي الخطيب الشهير السيّد صالح الحلي فتاوى العلماء، وشنّه الغارة الشعواء على السيّد محسن الأمين، وكان السيّد صالح من مشاهير الخطباء فصرخ بالناس وهاجهم ضدّ السيّد محسن الأمين، وانقسمَ الناس إلى طائفتين على ما اصطلح عليه العوام (علويين) و(أمويين)، وعنى بالأمويين أتباع السيّد محسن الأمين، وكانوا أقلّية لا يُعتدُّ بها، وأكثرهم كانوا متستّرين خوفاً من الأذى.
 وأُهين عدد كبير من الناس، وضُرب البعض منهم ضرباً مبرِّحاً.  وبلغت الجرأة بالسيّد صالح الحلّي أن يتطاول على السيّد أبي الحسن (الأصفهاني) ويتناول السيّد محسن بالسبّ والشتم، وتجاوزت به الجرأة كلّ حدّ حتى قال في السيّد محسن الأمين قولته المنكرة: 
           يا راكباً إمّا مررتَ بِجِلَّقِ               *         فابصق بوجه (أمينِها) المتزندقِ
(*جلّق: دمشق)
 وقد قيل إنّ البيت المذكور كان لأحدِ (العامليّين) وقد نُسب إلى السيّد صالح الحلّي، لأنّه كان ألصق به من غيره، لما هو معروف به من جرأة وعدم مبالاة.
انتهى ما أردنا نقله، وللحديث تتمة
 
قراءة في كتاب رسائل الشعائر الحسينية
القسم الرابع
الانطباع الثامن:- يقف المرء مذهولا من غياب الثقافة القرآنية وما ينص عليه كتاب الله سبحانه من الدعوة الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن من كثير من تلك المجادلات ، وكأن القرآن الكريم انما دعى لاستعمال الشدة والغلظة في الجدال مع المؤمنين ، فكيف غاب قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل 125. عن تلك الكتب والرسائل؟
وإذا كان كتاب الله سبحانه ينص ويبين الاسلوب الامثل لنصح فرعون بقوله سبحانه: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) طه 43-44. 
فأين هو من تلك الأساليب؟
هل استنتج كتّاب تلك المؤلفات أن القول اللين يصلح للطغاة فقط؟ وأن القول الشديد مع حدة التوهين يجب أن يكون مع المؤمنين والعلماء؟!
وإذا كان لهؤلاء اطلاع واسع على الروايات فكيف غاب عنهم الأسلوب الرائع في حوار الامام موسى الكاظم عليه السلام مع صفوان في رجال الكشي: عن صفوان بن مهران الجمال قال : دخلت على أبي الحسن الاول ( عليه السلام ) فقال لي : يا صفوان، كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا ، قلت : جعلت فداك أي شيء ؟ قال : إكراؤك جمالك من هذا الرجل ، ـ يعني هارون ـ قلت : والله ما أكريته أشرا ولا بطرا ولا للصيد ولا للهو ، ولكني أكريته لهذا الطريق ـ يعني طريق مكة ـ ، ولا أتولاه بنفسي ، ولكني ابعث معه غلماني فقال لي : يا صفوان أيقع كراؤك عليهم ؟ قلت: نعم جعلت فداك، قال: فقال لي: أتحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟ قلت: نعم، قال: من أحب بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد النار، قال صفوان: فذهبت فبعت جمالي عن آخرها - وسائل الشيعة- ج 17 ص 182.
أم لم يجدوا فيه ما يستحق الاقتداء؟
فاين ذكر الخصال الحسنة والخدمات الجليلة التي قدمها العلامة السيد محسن الأمين رحمه الله تعالى قبل نقده؟ ثم ما الداعي لاستعمال اقسى العبارات واشد التوبيخات لمن يذهب لرأي في مسألة لا نص فيها؟  فهل أغلق باب الاجتهاد ومنع الاختلاف؟
وحتى تكتمل الصورة عندك أيها القارئ الكريم احيلك لأمثلة من الحرب الكلامية ومقتطفات من تلك الكتب والرسائل:
المقتطف الأول: 
من كتاب التنزيه حاكيا كلام رسالة (سيماء الصلحاء) لاحد علماء النبطية من لبنان:
وجاء فيها (ومن فجائع الدهور وفظائع الأمور وقاصمات الظهور وموغرات الصدور ما نقله بعض جرائد بيروت في هذا العام عمن نحترم أشخاصهم من المعاصرين الوطنيين من تحبيد ترك المواكب الحسينية والاجتماعات العزائية بصورها المجسمة في النبطية وغيرها فما أدري أصدق الناقل أم كذب؟ فإن كان صدقاً فالمصيبة على الدين جسيمة عظيمة لا ينوء بها ولا ينهض بعبئها عاتق المتدينين) إلى آخر ما هنالك
ونقول: هذا التهويل وتكثير الأسجاع لا يفيد شيئاً ولو أضيف إليه أضعافه من قاطعات النحور ومجففات البحور ومفطرات الصخور ومبعثرات القبور ومهدمات القصور ومسقطات الطيور. بل إن من فجائع الدهور وفظائع الأمور وقاصمات الظهور وموغرات الصدور اتخاذ الطبول والزمور وشق الرؤوس على الوجه المشهور وإبراز شيعة أهل البيت واتباعهم بمظهر الوحشية والسخرية أمام الجمهور مما لا يرضى به عاقل غيور، وعد ذلك عبادة ونسبته إلى أهل البيت الطهور. والمواكب الحسينية والاجتماعات العزائية لا تحسن ولا تحل إلا بتنـزيهها عما حرمه الله تعالى وعما يشين ويعيب وينسب فاعله إلى الجهل والهمجية وقد بيّنا أن الطبل والزمر وإيذاء النفس والبروز بالهيئة المستبشعة مما حرمه الشرع ولم يرضه لأوليائه سواء وقع في النبطية أو القرشية أو مكة المكرمة
المقتطف الثاني:
 وضع بعضٌ طرف السيدين البصري والأمين العاملي رحمهما الله تعالى في صف طرف هادمي قبور الأئمة عليهم السلام، فوصف فعل الطرفين بأنه ناشئ من (عداوة وشنئان لعترة النبي ، لا بغية لها سوى إخماد وقاد ذكر أهل البيت (ع) حتى يكونوا نسياً منسياً، لا قبور لهم معروفة فتزار، ولا مصائب لهم مكشوفة فتستبان)
المقتطف الثالث:
قال أحد المعترضين: جدير بكل ديني اليوم أن يموت أسى وأسفاً حينما ينظر عن يمينه وشماله، وإلى أمامه وخلفه، ومن فوقه ومن تحته، فلا يرى إلا الأضاليل والأباطيل والخلاعة والسفالة تتسرب إلى أبناء جلدته ورجال نحلته، تسرب المياه إلى الشعوب والفرج والثنايا إلى أن قال:  هكذا تبرز الأباطيل والأضاليل إلى شخص الدين القويم، فتكزه بسهامها مرة، وتصوب عليه مدفعيتها أخرى، وتمزق أحشاه ثالثة، ثم بعد كلام طويل، قال:  هكذا أصبح الدين في معترك الحياة مبدد الأوصال، مقطع الأعضاء، موزع الأشلاء... إلخ.
المقتطف الرابع:
 (...فلا يَرتُق المصلحون –يعني به المعترضين على السيدين البصري والأمين – فَتقَاً إلّا ويَفتُقونَ آخر، ولا يُطفِئون ناراً إلّا ويُسعرون أخرى.
 لم تخمد نار فتنة البصرة التي كادت بسببها أن تُراقَ الدماء، وتُباح الأعراض، إلّا وشَبَّت لظاها في الشامات، وذلك حيث جَرَّدَ بعض الأفاضل -يقصد به السيد محسن الأمين-سيف النقمة على المواكب الحسينية والمآتم العزائية، بعد أن أخمدت هذه الفتنة، فرماها عن كثب بما جاشت به نفسه وتحشرج به حلقومه...
المقتطف الخامس:
 (... وأَعدَلُ شاهد على مُدَّعاك  -يعني السيد الأمين-  رسالتك هذه التي قائها الغضب الهائج، ولو تطاع بما فاجئتا به من غرائب تلك الرسالة، لخسرنا الفوائد الجليلة من تلك الشعائر الشريفة، التي لمسها الغربيون باليد، وعرفوا ما تجنيه من الثمرات للطائفة المحقة.
ويا للأسف!! وأنت منا أبناء تلك الطائفة، تريد أن تجتث تلك الشجرة التي اقتطفنا من ثمرها ما لذ وطاب، غضباً لنفسك، وانتصاراً على خصمك، وهلم معي نصفق أسفاً، ونشق الجيوب بل القلوب جزعاً، على ما ادعاه من الأمور التي أجمَع المسلمون على تحريم أكثرها، وأنها من المنكرات، وبعضها من الكبائر.... إلخ.
المقتطف السادس:
وأيم الله إن هذا لشيء عُجاب، تكاد السموات يتفطرن منه، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هداً.
تلك المصيبة العظمى التي لا مصيبة فوقها، والطامة الكبرى.... إلخ.
المقتطف السابع:
كأن حضرة الأستاذ (السيد الأمين) فرغ من رد الشبهات، ورفع جميع المنكرات، ودفع البدع، ولم يبق من التكاليف المتوجهة على حضرته سوى الخطب الفظيع، وهو إقامة العزاء وبدعة الشبيه، فنهض بأعباء هذا الأمر، مشمراً ساعد الجد، فزمجر ودمدم.... إلخ.
 تكفي هذه المقتطفات وهي شيء يسير من كم هائل مما يبدو وكانه مسابقة للفوز بجائزة لمن يكون اكثر تحقيرا وأبلغ تعبيرا في القدح في مؤمنين لا نعرف وجه فعل كل ذلك بحقهم.
ولا تحتاج مثل هذه العبارات المشحونة بالغضب لكثير تعليق، إلّا أن المقتطف الأخير يدفعني للقول بأن هذا الاعتراض نفسه أَلَا ينطبق على المعترض نفسه!!!
 فهل فرغ حضرته من رفع جميع المنكرات، وما ذكره في اعتراضه، ولم يتبقَّ سوى كلام السيد الأمين رحمه الله تعالى؟!
فلعل المعضلة في تحويل خلاف في مسألة إلى قضية مركزية تستحق تركيز الاهتمام فيها ، مما قد يؤدي لإهمال أمور مهمة.
وهكذا نخلص إلى أن اللغة المتشنجة قد تؤدي لمصائب أكبر وأعظم من النقطة التي يختلف فيها فلان عن علان، ولعل هذه المشكلة هي ما تكرر نفسها اليوم وغداً، وإذا كنا نكفر بتناسخ الأرواح، فيبدو أننا نؤمن بتناسخ الأفكار والأساليب، فما كان بالأمس يقع اليوم، وما نراه اليوم ستراه الأجيال غداً دون أخذ درس أوعبرة، لتتحقق بذلك مقولة (التاريخ يعيد نفسه)!



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=87028
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 12 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28