• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : اللعب بلا رأس مال.. الجزء الثاني .
                          • الكاتب : جاسم جمعة الكعبي .

اللعب بلا رأس مال.. الجزء الثاني

 "ياأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له"
   اليوم اود ان اذكر مثالا وهو عبارة عن قصة قصيرة اشتهرت في حقبة الثمانينيات. وكان مفادها أن السلوك يخفي الشخصية، وكثيرة هي القصص التي على هذا النحو، ولكن اورد هذه القصة لما تحمله من شبه كبير بالواقع الذي نعيشه. 
  تحكي القصة رهانا بين تاجر عالم واديب فقير، فكان الاول يحيره ادب وسلوك وهدوء الاديب رغم ما يعانيه، فقام الرهان بين التاجر على ان التاجر يضع الاديب في حبس انفرادي مدة من الزمن، ويوفر له بعض المستلزمات،  وكانت حسب فهم التاجر لاحسب طلب الاديب، مقابل مبلغ من المال في حالة نجاح الاديب. علما ان المبلغ ليس بالقليل، كما أنه مغرٍ ايضا يسد خلة الاديب لاسيما وأنه بأشد الحاجه اليه. وبعد تفكير ليس بالقليل وافق على مضض، إذ لم يكن الأمر هينا، لكن حاجته الى المال شاركت في جزء كبير من الموافقة. رغم ان التاجر لم يغلق الباب بقفل او باي شيء، بل جعل ذلك بيد الاديب ليكون الامر اصعب. وسار الركب  ليلا ونهارا دون حساب على التاجر وبطء ثقيل على صاحبنا. وبعد ان ايقن انه بين اربعة جدران جال بنظره الى ما يحيط به من ادوات ومستلزمات، فضل يفكر اياما عدة، وصار ينسق بينها وبين صبره وقدرته، ليضع كل ما بين يديه ضمن برنامج يتناسب مع إمكاناته، وحيث انه يعرف ان الزمن لا يضيع بل يسرق. فشاء ان لا يسرق يوما من عمره، ولا تغير الظروف سلوكه او تنال من شخصيته، وبتلك الموازنة والمنهاج استطاع ان يصل الى خط النهاية. وقبل ساعات من انقضاء مدة الاتفاق فتح الباب وخرج فأذهل تصرفه التاجر.
  وكما اسلفت ان للقصة شبها مع الواقع. فالذين يجلسون على سدة الحكم او قيادات الاحزاب والكتل، لم تعرف التعامل مع الحبس الذي وضعته سياسة الاحتلال الأميركي، فقد فتحت لهم كل ما يمكن ان يفسد ذات الانسان الذي لا يملك محتوى حقيقيا. مجارية بذلك ما يفعل مدرب السيرك الذي يعطي الحيوان كل الأمان، ويوفر له ما كان يقتل ويتنافس من اجله مع باقي افراد جنسه حول الماء والطعام، ليرسم بذلك امتداداته الطبيعية، مقابل ان يقلم اظافره ويجعل انيابه للعرض فقط .فانه لن يمزق بها فريسة بعد اليوم، ولن يجهد عضلاته التي منحها الله له، ولن يستخدم قدراته بل يجب ان يفعل ما يرد المدرب. وهنا كانت المحنة، ان سلوك الكائنات الوبائية كان يختلف عن شخصيتها الحقيقية، ولم يكونوا يملكون اي فكره عما سوف يفعل بهم او بنا. فغرقوا في الملذات وجني الاموال وتقاسم المناصب، وغرقنا في الهموم والأحزان والمصائب. حتى انك تشعر بان تلك الكائنات الوبائية لا تملك الا تتقاتل في ما بينها، عندما تشبع من كل الاشياء والمفردات التي تركها الاحتلال سائبة في ايديهم. وقد فرز الواقع انهم ليسوا إلا قطعانا هائمة في البراري. مبتعدين عن القيم والاخلاق والأهداف التي جاءوا بها اول مره، وكما قال الله تعالى (احسبتم ان تتركوا سدا ولما تفتنوا) وكما يقال كل يبحث عن ضالته، فمهما حاولوا ان يبدوا مختلفين، فان غايتهم تكشف عن حقيقتهم. ولو كانوا من ذوي الفحوى والمضمون، لعلموا بما لا يقبل الشك بغايات اميركا، ولقسموا وقتهم وفق منظور الاهداف والمشاريع التي يحاولون إنجازها، مع صدق التعاطي مع الاحداث والمجتمع ولأخلصوا في القول والفعل. فمثلا ان يعتزلوا العمل السياسي ويتوجهوا الى اصلاح المجتمع، او يشكلوا حكومة ظل او كتلة معارضه، وليبتعدوا عن حكومة الشراكة او الأغلبية التي يعلم الكل انها مرفوضه من قبل الامريكيين.
اننا لم نطلب منهم المستحيل او المحال او غير ذلك، وان القصة التي ذكرتها لم تكن من وحي الخيال بل لها مصاديق كثيره في واقع حياة الشعوب، ونخص بالذكر غاندي -فضلا عن الأنبياء والرسل والاوصياء- الذي كان تحت وطأة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. فعرف نفسه وامكاناته ولم يته في قدرات الإمبراطورية. ليرسم برنامجا تصاعديا مثيرا للدهشة. وكان سلاحه في تلك المعركة ايمانه وجسده العاري الهزيل، وتخلصه من الحقد والكراهية، حتى لأشد اعدائه، وبهذه الامكانات العظيمة استطاع ان يلفت انتباه ابناء جلدته، ليحولوا انظارهم عن مخيمات السيرك البريطاني الى جسده النحيل، ومغزله المحلي البسيط، ونعجته الأليفة الجميلة، ليهب للهند ولمجتمعه يوما من الشمس لم تجلبه حتى القنبلة النووية او غطرسة المحتل. وليهتف باستقلال الهند دون قتال.
   يجب علينا إذن، ان نحول انظارنا ونجول بخوافق ارهقها طول الانتظار بحثا عن منقذ حقيقي، بعد ان استمتعنا ولهونا -مجبرين لا مخيرين- بمخيمات السيرك الأمريكي.
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=87845
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 12 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18