• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : انتصار الخير واندحار الدعشنة في شارع دجلة الثقافي .
                          • الكاتب : صالح الطائي .

انتصار الخير واندحار الدعشنة في شارع دجلة الثقافي

 راهن كثيرون على خسارة العراق وهزيمته في المنازلة غير المتكافئة، وراهن أكثر منهم على انتصار ثقافة الدعشنة، وتوليها زمام الأمور، كل ذلك بعد أن اجتمعت قوى الشر من العالم كله مدعومة بالإسلام الراديكالي الطائفي الدموي المتحجر القابع على الحدود، فأدخلت شذاذ الآفاق من الشيشانيين والجورجيين والأفغان والماليزيين والصينيين والسعوديين ومن لا أصل ولا فصل له إلى العراق، ودعمتهم بالمال والسلاح، وأمرتهم بقتل الجمال والحضارة والثقافة والسعادة، فصبوا جام غضبهم على كل ما هو خير وطيب في العراق، لم يستثنوا أحدا، لا من فرق الإسلام ولا من أتباع الديانات الأخرى، وفي هذه الأجواء الموبوءة، كان للمسيحيين حصتهم من الوجع بعد أن قُتلوا وطُوردوا، ودمرت بيوتهم وكنائسهم، وسبيت نساؤهم، وصودرت أموالهم، وهرب من نجا من الموت إلى الملاذات الآمنة هنا أو هناك، أو إلى خارج العراق. 
كل هذه المؤشرات، وكثير من الدراسات التخصصية الإقليمية والدولية، كانت تَعِدُ بمأساة إنسانية لا يمكن معها لحال العراق أن ينصلح، ليعود إلى سابق عهده، حيث تتعايش المكونات بأمن وسلام ومحبة. وقد فات هؤلاء جميعا أن العراق عبر تاريخه الطويل تعرض إلى آلاف النكبات مثل نكبته الأخيرة، وانه بسواعد شبابه ورجاله ونسائه وأطفاله، وبحكمة شيوخه وعلمائه، تمكن من تجاوز جميع تلك المحن، وكان كما هو طائر العنقاء ينبعث في كل مرة وبعد كل مصيبة من تحت رمادها وهو أكثر رونقا وبهاء وشبابا ورجولة وعزما وإصرارا وطيبة.
معنى هذا أن الذين راهنوا على ضياع العراق، وتعشموا انتصار داعش، لم يكونوا يعرفون طبيعة المجتمع العراقي الفريدة، وقد جاءت الأعمال المبهرة الأخيرة لتنبههم إلى خطأهم، وتفضح جهلهم، وتؤكد لهم أن العراق بخير، وأن داعش المجرمة تسير نحو الهاوية، وأن فكرها العفن سوف ينهزم بعدها بقليل لتعود الأجواء نقية عذبة، وإلا ما معنى أن تجد بعد عشر سنين من الاقتتال والصولات والنزال والنزاعات الطائفية شبابا بعمر الورد الربيعية، يجتمعون في شارع واسطي، أطلقوا عليه اسم (شارع دجلة الثقافي) ليكون على غرار شارع المتنبي في بغداد، وقد تناخوا فيما بينهم، ونظموا احتفالية رائعة بمناسبة السنة الجديدة وأعياد الميلاد، فجلبوا شجرة عيد الميلاد والكيك والمرطبات، وبعض العازفين الشباب، ووجهوا الدعوة إلى الأستاذ (عمار فرنسيس) ليكون ممثل الطائفة المسيحية الصغيرة جدا التي تعيش وسط المجتمع الواسطي في هذا الحفل البهيج، وليعبروا له عن حبهم وولائهم له وتعهدهم بحمايته كما يحمون أنفسهم.
ولكي أثبت لعمار ولكل المسيحيين في العالم ولكل المذاهب والأديان أن الإسلام الحقيقي يستنكر العنف ويرفض التطرف ولا يؤمن بالطائفية ويحترم الإنسان لأنه إنسان دون النظر إلى معتقده وجنسه ولونه، استغليت هذه المناسبة ونافست الشباب، وقدمت للأستاذ والأخ العزيز عمار فرنسيس هدية، عبارة عن صليب خشبي مع تمثال نحاسي يمثل قصة صلب السيد المسيح(عليه السلام) وسبقتها بقول: أنا (الباحث الإسلامي) صالح الطائي، أقدم لك بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة هذه الهدية العزيزة على قلبي لتعبر لك عن مدى الرابط بيننا. إنها هدية بسيطة ولكنها تمثل قيمة معنوية كبيرة لي وله، ولذا رافقتها دموعي حينما احتضنها بكلتا يديه بحنان رطيب وملامح تدل على العرفان والاطمئنان.
وما كان لهذه التجربة العظيمة أن تنجح لولا وجود شارع دجلة الثقافي المبارك ووجود هذه الثلة الوطنية من الشباب الذين عقدوا العزم على تجاوز أيام المحنة والعودة بالعراق إلى عصر الأمن والازدهار، وأنا على يقين تام أن هؤلاء الشباب الأبطال سوف ينجزون ما عجزنا نحن عن تحقيقه وسينجحون. وأن جميع الرهانات الأخرى سوف تخسر وتندحر!
سنة نجاح وحب وسعادة لكم أيها الشباب ولشارعكم الواعد وللعراقيين بكل طوائفهم وللعراق العزيز وللإنسانية جمعاء.
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=87868
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 01 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28