• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : أدب الفتوى .
                    • الموضوع : كلمة واحدة لا تكفي .
                          • الكاتب : نغم المسلماني .

كلمة واحدة لا تكفي

بكت بحرقة فقاطعها بصوته الجهوري الذي اختلط بنبرةٍ حادة اعتادت عليها مؤخراً: ما بكِ يا أمرأه ما هذا البكاء، أأنتِ نادمةٌ أم ماذا ؟؟!! 
فأجابته بصوتٍ يتكسر تحت شهقات رافقت الدموع: إنه الشوق يخترق جراح الفقد .. أنسيتَ أم تغافلت أنني ; أم 
صرخ بحزم ينهي عويلها : أو ترمين بطولاته تحت أقدام ضعفك وتسحقينها بذلك الأنين، صَهٌ ... فهدفه كان أسمى من ولولة نساء . 
ثم جلس أمامها رابضاً يتحين الفرص ويحاسب سكناتها، فلم أعد أحتمل ضيق الانتظار الذي أطبق على أنفاسي حتى كاد يقتلها، عندها أمسكت عضدها برفق وكأني أرجوها أن تخبرني ما أجهله عن ولدها ؟ ولو بكلمة واحدة 
أجابتني في حيرة وهي تلملم بقايا دموعها بصمت، لا يمكن ذلك كيف لي أن أختصر عمراً بكلمة، عل الكلمات بمدادها تفي وصفه .. ولا اعتقد ذلك أيضاً، ثم وجهت نظرها الى صورته المعلقة على جدار الغرفة محتضنةً ربع حيزه، وأنا اتابع أحداقها حيث ارتحلت مصغية لقولها : كنت أحاول اقناعه بالمكوث قربي بدل الالتحاق بتعليل أنه لا يزال صغيراً وهناك من هم أولى بتلبية الفتوى، كنت أراه طفلاً يحمل بندقية، فيستهجن تلك النظرة والفكرة ويذكرني بأنه هجر طفولته مع أجسادٍ الأبرياء ويمم وجهه مجاهداً يحمل الموت على أكتافٍ أثقلها الواجب، يروم تحصيل منزلةً جهلها الآخرون حين وهنوا واستكانوا .
كنت أراها تحبس دموعها خلف قضبان هيبة والده التي تربصت بها من كل جانب 
تنهار ثم تتجالد الكلمات بين شفتيها من جديد: كيف أصف لكِ ولدي ؟! لا تسعفني الكلمات .. أستحلفكِ بالله يا ابنتي، هل لا زالَ وجود لرجلٍ يُقبل أقدام والدته كل صباح كما كان يفعل، أم روعة حديثٍ كحديثه، كان يشعرني بأني حبيبته الوحيدة التي يحيطها بعطفه ورعايته، حتى إنني أضعتُ المعادلة من منا كان بحاجة الى الآخر أنا أم هو، ماذا أقول بعد .. كيف اصف (عماد) بماذا أصف قلباً أرحم من قلبي سأترك هذا الكلام لعلكِ تشككين بصحته كونه ممزوجاً بروح الأمومة وذكرى الحنين، سأحدثكِ عن سريتهِ التي التحق اليها حيث فوضته قائداً لبسالته، وليُخبركِ خاله الذي كان يشده بقوة من خلف الساتر يحاول ابعاده كونه الأصغر سناً بينهم: انزل بني فهناك من هم اكبر منك سناً ليعتلوا مقدمة الموت لا انت .
أو تعلمين ما كانت اجابته ... أحسبكِ لا تتوقعين ( أفلت عضده من بين قبضة أخي قائلاً : خالي أتركني ارجوك ولماذا تظنني أتيت أو ليس لأجل ذلك، ثم اقترب منه  ينظر ملأ أحداقه، افهمني أنا لم آتِ لأجل المال بل جذبتني الشهادة في سبيل الله وها أنا أتيتها ساجداً ثم أطلق بضع رصاصات في الهواء مؤكداً قوله وصعد الى الساتر ) .
خفتت نبرة صوتها حين قالت : رحيله الأخير كان غريباً وكأنه قطع حبال الوصل بعالمٍ لم يعد ينتمي اليه، فأخذ ينهي أعماله المتعلقة ويتصل بكل الأقرباء والاصدقاء وعل أيام اجازته الخمسة كانت كافية لزيارة كل المراقد الطاهرة، " سأجلب شهادتي التقديرية من النجف الأشرف " بهذه الجملة استقبل طريق أمير المؤمنين (عليه السلام )، لم أفهمه وكأنه يهذي ولم ينم كثيراً، لم يكن طبيعياً تلك الإجازة يتصرف بغرابة كمن يخط وصيته . 
ارتعدت ولم أشأ ... لكنه رحل  كان (الالتحاق الأخير) .                   
( أمي أحبكِ كثيراً، هل انتِ راضية عني، أخبري والدي أن سريتنا أهدتنا ملابس بيضاء، أخبريه أنهم أهدوني كفن الشهادة ... احبكما ) اتصال لم يتعدى الدقيقتين خيل إلي انه حلم، نام بعده وسط جفوني ليستيقظ متأهباً لواجبه الأخير، أخبرنا رفاق الجهاد أنه نهض باكراً اغتسل وصلى فريضة الفجر، ولبس كفنه كما أسماه فضلاً عن نطق الشهادتين، وخرج برفقة بعضهم لتنفيذ مهمة عسكرية .. لم يعد ... صمتت وهي تقيد مشاعرها بسلاسل الصبر كي لا تبدي ألماً لاح لي رغم ذلك . 
جمعت قواها وقالت وهي تطبق عينيها بشدة لتخفي أسرار شوقها، ذهب بكامل ارادته وعدته، لم أكن بحاجة الى ذلك البرهان الجليل، فأنا أيقنت انك لست طفلاً يعبث بسلاح منذ أن قلت لي حين أحاول احباط عزيمتك عن الالتحاق (إذا منعتني عن الجهاد وكأنكِ تمنعينني عن الصلاة .. هل ستمنعينني عن إداء الصلاة يا أمي؟ ) 
أرأيتِ كلمة واحدة لا تكفي، أرجوكِ لا تتعبيني أكثر فلم أعد أقوى على سرد حكاية بلغة لا تفيها كلمة الحق، إن كان لديكِ لغة اكبر بمعانٍ أقدس فلنتكلم وإلا فاتركيني أجمع شذرات بلور تناثرت في فضاء روحي، وأنهض لأداء فريضة الظهر فإني لا أجد عزائي إلا بذكر الله ....
 
 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=88018
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 01 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28