• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : رواية ( مدينة من الرماد ) العلاقة بين الجلاد والضحية .
                          • الكاتب : جمعة عبد الله .

رواية ( مدينة من الرماد ) العلاقة بين الجلاد والضحية

 هذه الرواية من روايات الشاعر والروائي ( فاضل العزاوي ) . الذي يعتبر من الاسماء الكبيرة , التي تألقت في الابداعي الادبي , ووضعت بصماتها , في الابتكار والتجديد الابداعي , من الاطر القديمة التقليدية , وقد سلك مسلك متميز في الفن الشعري والروائي , بصفة متميزة , عرفت بالابتكار في الانماط والاشكال الادبية , لتأخذ صفة الحداثة المتجددة , وله لون خاص متميز  في السرد الروائي , بمزج او  في تجنيس ثلاثة مقومات , في بوتقة واحدة , لينتج من رحمها العمل الروائي . وهي . المتخيل الفني ,  والواقع , والحال الحياتي والمعاشي من سيرة الروائي الذاتية  , هذا التوظيف الابداعي , برع في خلق عالمه الروائي , فهو يعتبر من احد رواد ( جماعة كركوك ) الادبية , التي ظهرت في بدايات الستينات , في غناء الحركة الثقافية , والتخلص من الاطر القديمة , في تناول الاشكال والانماط الادبية , وتحديث ادواتها التعبيرية , بما تنسجم مع متطلبات الواقع , وله سجل طويل في ادب السجون , وحياة السجين , والعلاقة بين الجلاد والضحية , في محاولة فهم عقلية الجلاد , والسلطة وتعاملهما مع المعتقل السجين , اضافة الى تعرية ظروف السجن وزنزانات الموت , والتعامل الفظ , في اسلوب التعذيب بانواعه الجسدي والنفسي , ووحشية التعامل في اسقاط السجين , وانسلاخه عن انسانيته , ليكون كائن مدجن ومطاوع في ايدي السلطة القمعية , وعاش حياة السجون  بالمعايشة الصميمية والحقيقية , فكان نزيل السجون في كل العهود السياسية التي مرت على العراق , واخرها عام 1971 , حين القاء قصيدة في جمعية التشكيليين في بغداد , وكانت بعنوان ( الصرخة ) التي تفاعل معها الجمهور الغفير بالاستحسان والتصفيق الحار , واعتبرت السلطة البعثية آنذاك , بأنها موجهة ضد سلطتها الارهابية , لذلك قامت باعتقاله وزجه في السجن . ويعرف عن ( فاضل العزاوي ) مهارته ودأبه الحثيث ,  في البحث عن اشكال وانماط جديدة , في التجريب والابتكار في العمل الادبي في السرد الروائي او الشعري  , لكي يرقى الى الابداع الى مستوى الواقع الفعلي  , وقدم عدة روايات في ادب السجون , ابرزها ( القلعة الخامسة ) , تتناول الحياة الكاملة داخل السجن واسلوب التعامل الوحشي , بظروف الاعتقال , واساليب نزع الاعترافات  , واسلوب اسقاط السجين السياسي , بانسلاخه عن انسانيته , والاهم العلاقة بين الجلاد والضحية , وقد برز في هذا الادب , ادب السجون مع الكاتب الكبير ( عبدالرحمن منيف ) وهذه الرواية ( مدينة من رماد ) لا تشذ عن هذه الانماط والاشكال في ادب السجون  , وانما تتناوله بدقة وعناية , وخاصة التركيز العلاقة بين الجلاد والضحية , ومحاولة فهم عقلية السلطة وجلادها . فقد صدرت هذه الرواية عام 1989 . في كشف عقلية الجلاد , الذي يحاول ان يهدم اخر حجرة في جدار الصمت والانكار والرفض بعدم الاعتراف , بالتمسك السجين ,  بصلابة المناضل  السياسي , ولكن الجلاد , لن يهدأ له البال , ولن تهدأ وتخفت  وحشيته وتعامله الفظ , حتى ينتزع الاعتراف , حتى يشعر بفرح الانتصار , بأنه انتزع عقلية السجين ووضعها في راحة يديه يلعب بها كيفما يشاء  , وكشف المستور بالاعتراف , ليعترف بالغبطة , بأنه الحارس الامين للسلطة القمعية , حتى يكبر شأنه بين الوحوش الجلادين بأنه حصل على المرام المطلوب , بأنه انتزع من قلب السجين السياسي , شيء مفيد وصالح في ادامة وصيانة   السلطة القمعية والارهابية , واذا فشل في مرامه يشعر بالخيبة والاحتقار النفسي , ويقل شأنه وقدره عند سلطة الارهابية , بأنه فشل ان يكون حارس امين , وغير صالح لها  , ربما يساوره القلق بأن السلطة التي وضعته في هذا المكان, ليؤدي الواجب غير مرتحة له اذا فشل   ( ستتخلى عنك , وترفسك في مؤخرتك , اذا ما وجدت أنك لم تعد مفيداً ) ص15 . ورواية ( مدينة من الرماد ) تستند على حادثة فعلية عايشها الروائي ( فاضل العزواي ) في سيرة حياته , حيث كان له صديق ايام الدراسة في المدرسة الثانوية . القسم الادبي , عاش في علاقة صداقة وثيقة , وحينما انهي مرحلة الثانوية , ذهب المؤلف الروائي الى جامعة بغداد , القسم الادبي , وصديقه من عائلة فقيرة , حاول ابيه الذي كان له محل لكوي الملابس , ان يتوسط من احد زبائنه , وهو مدير الشرطة , ان يتوسط لابنه حتى يدخل كلية الحقوق , ولكن مدير الشرطة له رأي اخر , ارسله الى كلية الشرطة , بقوله ( انت مخطئ فيما يتعلق بمستقبل أبنك , فالمحامي ليس اكثر من شحاذ , يرتدي الروب الاسود , دعه يضمن مستقبله في مهنة اخرى , ليدخل كلية الشرطة ) ص 20 . وبعد اعوام يقع معاون الامن ( قاسم حسين )   في موقف محرج , حين يجد صديقه القديم ( جليل محمود ) يقبع في زنزانة السجن , في سراديب الامن العامة , يتعرض لشتى انواع التعذيب الوحشي ,  بتهمة تمس امن الدولة ,  وجود اسمه بين الاسماء في احدى  الاوكار السرية , للجماعات الارهابية والمتطرفة , التي تمارس القتل ضد الابرياء , , بينما يعرف صديقه , بأنه بعيد عن الارهاب والتطرف , وانه يساري الانتماء يدين كل الاعمال الارهابية , وفي كل الاحوال ومهما كانت الظروف , وانه امضى ثلاثة سنوات  سجن , بسبب مشاركته في احدى التظاهرات الغاضبة ضد الحكومة , والقى قصيدة حماسية , , وهو صحفي معروف في احدى الصحف العلنية , يندهش من هذه المصادفة السيئة ,, بوجود صديقه في حالة يرثى لها , وتحت رحمة  الاساليب في  المعاملة الوحشية , منذ اسبوع كامل يمارس بحقه البشاعة  ,  هو  يؤكد على براءته من الجماعات الارهابية والمتطرفة , وانه يدين اسلوب عملها الوحشي بارهاب , ولكنه لم يفلح في الاقناع الجلادين  , بل يعتقدون  بأنه يخدعهم او يناور عليهم  , وانه مصر على عدم الاعتراف , وانه يملك معلومات خطيرة تخص هذه الجماعات الارهابية , وهو يكرر باصرار  بأن التهمة ملفقة وكاذبة , من صنع عقلية رجال الامن . يجد معاون الامن ( قاسم حسين ) نفسه  في موقف صعب , لانه مهما كان الايغال في المعاملة الوحشية , لا يفضي الى شيء , او نتيجة مفيدة ومطلوبة , ويصرح برأيه الى مدير الامن , بأنه فشل في انتزاع اعتراف , ومتيقن ببراءته , ويصرح بأنه صديقه يعرفه حق المعرفة منذ ايام الدراسة الثانوية  , ولا يمكن ان يكون تحت لواء الارهاب والتطرف , فيرد عليه مدير الامن ( هذا شيء رائع فيك . لقد تعبنا معه دون نتيجة , انني اوكل القضية اليك ) ص 24 . يشعر معاون الامن ( قاسم حسين ) بأنه محاصر وتضيق عليه النوافذ , لان عليه انتزاع اعتراف من صديقه القديم , بكل الاحوال ومهما كان الثمن , وخاصة ان تهمته تمس امن الدولة والسلطة القمعية . ويزور بيت صديقه السجين ويلتقي مع زوجته ( هدى عبدالقادر ) لعله يحصل على شيء مفيد من المعلومات  , يوصله الى رأس الخيط , , لكن زوجة صديقه القديم , تؤكد بأن التهمة ملفقة وكاذبة , وانها تعرف زوجها الصحفي , بعيداً جداً عن ممارسات الارهاب والتطرف , وتجهش في البكاء المر ( اعرف ما تفعلونه بالناس في المعتقلات ) . يحاول معاون الامن , ان يهدئ من قلقها ومخاوفها , وتتكرر الزيارات اليها , وتشعر ( هدى ) بالانجذاب والتعلق بمعاون الامن , بأنه وعدها بحماية زوجها ( جليل محمود ) من ان يقع تحت رحمة  المعاملة الوحشية , وانه يحاول ان يثبت براءته واطلاق سراحه . لكنه يعيش في اضطراب وتشتت , لانه لم  يفلح في  الحصول على الاعتراف من صديقه القديم , وهو في دوامة الحيرة بين الشك واليقين من التهمة الموجهة الى ( جليل محمود )  وبين براءته , وتتطور الاحداث , حتى يصل الحال , الى علاقة حب بينه وبين زوجة صديقه , وتتطور الى ممارسة  الخيانة الزوجية , بأن تصبح عشيقته في الجسد والروح . ويشتد الحصار عليه , باصرار على  باستخدام الاساليب التعذيب الوحشي , حتى يفلح في انتزاع اعترافات منه ( لا يوجد انسان لا يعترف , كل ما في الامر درجة التعذيب تختلف ) ص 54 . . يشعر معاون الامن , انه وقع في ورطة عويصة , قد تؤدي على عواقب وخيمة ضده , وان عقلية الجلاد والسلطة , تتطلب ان يكون حارس امين , ينجح في مهماته ولا يخفق , فيكون شخص فاشل داخل دائرة  , وان فشله يعني الاخفاق في الواجب , وزادت حيرته النفسية , بأن ( هدى ) زوجة صديقه السجين , صرحت له , بأن علاقتهما المريبة  انكشفت للناس , واخذ القيل والقال , يقلق راحتها وحياتها ويثير مخاوفها  , ووصل انكشاف العلاقة المريبة بينهما  , الى صديقة زوجها ( ماجدة ) طالبة في  كلية التربية , حيث صارحتها بغضب , بأنها تخون زوجها , وانها اصبحت عار لا تستحق الرابطة الزوجية , وهذا ما يثير رعبها وخوفها , فيجيبها معاون الامن ( تعرفين انني احبك , ولكن متأثر لما حدث , انسي الامر كله , لن يحدث لك شيء , اما ماجدة فسأجعلها تركع تحت قدميك بعد ان ألطخها بالطين , ربما كانت ماجدة مفتاح القضية كلها ) ص 74 . ويقوم بغزوة امنية مع بعض رجال الامن , في اعتقال ( ماجدة ) في حرم كلية التربية , وتؤدي الى نتائج وخيمة ضده , رغم اعتقال الطالبة ( ماجدة ) , فقد استخدم رجال الامن اطلاق النار وقتل احد الطلبة , مما اثار الغضب والسخط العارم في اوساط الطلبة وخرجوا في تظاهرات حاشدة تندد بالارهاب والسلطة القمعية الدكتاتورية , وزاد الطين بلة في الهياج الجماهيري ضد السلطة الاجرامية , كانت الظروف آنذاك , ايام نكسة العرب في حزيران عام 1967 , مما اجج الغضب الشعبي العارم , ووجدت السلطات الامنية , لابد ان يدفع الثمن , معاون الامن ( قاسم حسين ) الذي اوصلها الى هذا الخطر المحدق بها  ,   الذي بات  يهددها بالفناء , فهي لم تكتفي بطرده من وظيفته , رغم انه  تيقن ان نهايته اقتربت , بالكوابيس المرعبة التي تراوده  , وتجعله ضحية لجلاد السلطة , وبالفعل دبرت السلطة الامنية عملية اغتيال له , بدهسه في احدى سيارات الامن . اما ( هدى عبدالقادر ) فشعرت بالخزي والعار , بأنها لوثت سمعتها وسمعة زوجها السجين بالوحل والعار , وانها لا تستحق ان تكون زوجة له , لذلك فكرت بالطلاق حين يطلق سراحه من السجن 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=88462
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 01 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16