• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : مسرحية صوت الاغلال .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

مسرحية صوت الاغلال

 لاشك ان لكل شيء حساباته الدقيقة في المسرح، بدءا من العنونة التي لايقف تأثيرها عند المتلقي، بل يتعداه الى تأثيث نفسي لدى المرسل اولا: (المؤلف- المخرج- الممثل- الكادر) واختيار العنونة بهذه الدقة من قبل مؤلف المسرحية (خضير مزبان) سيتيح لنا فسحة التحرك التاريخي داخل المعنى الدلالي في النص، وفي المسرح. 
وقدم لنا قرصات شعورية في لغة الحوار (العدل اعمى، وأخرس كسيح) وفي الواقع التاريخي ومدى ارتباطاته بالرمز المنشود الكاظم عليه السلام. ويبدو فعلا ان مخرج العمل (علي جاسم) قد ادرك منذ اللحظة الاولى، قيمة هذا الانفتاح، فأطل علينا بمفتتح مؤثر سخره من خلال قدرات الممثل (أحمد نجم) الذي لعب دور (بشر الحافي) كمرتكز انطلاقي الى حيثيات العمل، عبورا من هذه النواة المشهد الذي بدى كل شيء فيه متحركا باتجاه الاتقان، كربط جنون (بشر) بجنون (عابس) والذي يحسب للمؤلف دون المخرج حيث فاته تجسيد شخصية عابس، واستحضار مشهد التوبة، وكسر الاواني، وقلب موائد المجون، التي سمعنا عنها في المسرحية، دون ان نراها. 
ومشهد اعتراف (حميد بن قرطبة) الذي كان تجسيده يدفع العرض باتجاهات متقدمة في حال يحسب للمخرج الالتفاتة الرائعة عند اختباء الرشيد خلف كرسيه، ليصور لنا من خلال هذه الحركة، منطق القوة الهارونية الفارغة امام عظمة الفضيلة والطهر. وقدم لنا قفشات انتقائية مثل قفشة حميد بن قحطبة والذي لعب دوره (رائد محسن) وهو يخطف الرطب من سلة البائع، ليوضح مدى الاستهتار بالقيم. وقفشة الحديد الزنجيل الذي لعب لوحده دورا تأثيريا كبيرا.. بطبيعة الحال نحن لسنا رقباء على العمل، وكل مافي الامر ثمة انطباعات شخصية نحاول ان تكون واعية لروحية عمل متعوب عليه، ومبذول عليه، كل هذه الامكانيات الفنية الجبارة. ومن غرائب الامور ان الاسترخاء في اي عمل مسرحي يعبر عن تمكن الممثل، وعن حسنة الاداء، لكن من الضروري النظر نحو قيمة العمل، فقد اضر استرخاء (خيري مزبان) الذي أدى دور هارون الرشيد في بعض المشاهد، كمقابلته للكاظم عليه السلام. إذ فقدنا المغزى الفني لمثل هذه المواجهة، فقد طغى اتزانه كثيرا على الجو العام، ومثل هذا الاسترخاء يحتاج الى احتواء الحالة المعنوية لرجل سلبي، كل قوته خائرة، ويضعها خلف كرسيه الا انه اجاد بحيويته ونشاطه وفهمه للعمق النصي كممثل يؤدي تأسيسه النصي.. 
وماننبه عليه هو وجود بعض المشاهد الطويلة التي تحتاج الى التشذيب والانتباه الى لغة بعض الممثلين الثانويين ومن ثم نجح العمل لمحاولة تقديم ثنائيات تقابلية او رديفة تقرب المساحة البوحية للشخوص، وللمعروض الكلي عامة. فمن اجمل المشاهد التي رسمت ضمن هذه التقابلية الترادفية هو مشهد الشاعر (كريم الساعدي) وابنه (سيد كريم الياسري) بيتين من الشعر تنازل عنها خوفا، ولكن استنهاض الابن الذي يعني الاستنهاض المستقبلي الحتمي ليكرر البيتين باعتزاز، وبهما يشتعل اوار انتفاضة جماهيرية ليقبع الشاعر وابنه في احدى الزنزانات حيث تنامى المشهد تناميا فنيا عبر الانشاد الجمعي للبيتين (ذروة المشهد) وثنائية الرشيد ـ الامام الكاظم (عباس زامل) وثنائية (السندي ــ المال) هذا السندي الذي ادهشنا، وكان مؤثرا للغاية. 
ويبدأ جوهر التأثير من خلال اداء الممثل (حامد دوحي) فالشخصيات السلبية شخصيات مهزوزة متوترة، ولكنها تجيد دورها في الحياة، فهي صاحبة جاه وكلمة، وهذا الاعتداد المنفعل لابد من اجادة فنية توازن بين الاعتداد والاهتزاز الداخلي. وثنائية اخرى رسمها لنا علي بن سويف (علي جاسم) والمسيب (مهند سعيد) وتنامت المسرحية من خلال العديد من المشاهد المتقنة تمثيلا واخراجا وتقنية لنصل المشهد الاخير والجمهور في أوج التفاعل الحي فكانت الخاتمة جماهيرية، حيث شارك الجمهور بروحه ووجدانه. ولابد من هذه التشخيصات الدقيقة لاحتواء التفاعل الكلي، فعروض الشارع الصعبة تتمحور من خلال تنظيم جماعي يساهم به الجميع ببطولة كلية منسجمة، ولذلك كان للجميع حضور مميز ويبقى في الجعبة، بعض النقاط التي لابد ان تطرح. فالتطور الملحوظ في امكانيات فرقة الغدير المسرحية صهر الامكانية الانشادية لصالح النص والتحرك السريع لردم الفجوات بين المشاهد وتقنية الصوت الذي اداره السيد (حمودي الياسري) مع نخبة من المنشدين. ومثل هذا النجاح نراه خطوة محفزة لباقي التجمعات الحسينية لتخطو على هذا المنوال لرسم مسرح حسيني جلي الملامح.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=88972
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 01 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29