بدا واضحاً لجميع المتابعين أنّ سلسلة المعارك التي جرت في الآونة الأخيرة والتي يقودها الجيش العربي السوري باتجاه بلدة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي، ما هي إلا هدف من سلسلة أهداف استراتيجية كجزء من خطة ورؤية أكبر، لمسار الحسم العسكري التي يعمل عليه الجيش العربي السوري، والهدف بالأساس هو تطهير الأرض السورية من رجس الإرهاب العابر للقارات، ومنع تحقيق شروط وإملاءات تحاول بعض القوى الإقليمية الحليفة والشريكة والداعمة للمشروع الصهيو ـ أميركي بالمنطقة فرضها على الدولة السورية.
هنا لا يمكن إنكار حقيقة أنّ بلدة الباب بموقعها الاستراتيجي بريف حلب الشمالي الشرقي الذي يتقاطع مع مناطق عدة في شمال شرق سورية، تشكل أهمية استراتيجية بخريطة العمليات العسكرية السورية وتحتلّ أهمية استراتيجية، باعتبارها مفتاحاً لسلسلة مناطق تمتدّ على طول الجغرافيا السورية، فهي نقطة وصل بين مناطق شمال سورية وشرقها ، امتداداً على طول شريط المناطق الحدودية المرتبطة بالجانب التركي شمالاً، إضافة إلى كونها تشكل نقطة ربط بين المناطق الجغرافية السورية المرتبطة بمدينة الرقة ودير الزور شرقاً وحلب شمالاً، وهذا ما يعكس حجم الأهمية الاستراتيجية الكبرى لبلدة الباب في خريطة المعارك المقبلة بالشرق والشمال الشرقي والشمال السوري بشكل عام.
اليوم، لا يمكن إنكار أنّ خسارة تنظيم داعش لمواقعه المتقدّمة بمحيط بلدة الباب، سوف تشكل بمجموعها عبئاً ثقيلاً على صانعي قرار الحرب على سورية، ولهذا يسعى الجيش العربي السوري بما لديه من قوات بعموم هذه المناطق لحسم هذه المعارك سريعاً لما تمثله من ضربة قاسمة لمشروع الحرب على سورية وتحديداً للمشروع التركي .. حيث تمكنت قوات الجيش العربي السوري من التقدم إلى مسافة 7 كيلومترات من المدينة بعد السيطرة على ثلاث قرى لتصبح على مشارف بلدة تادف، في ذات الوقت التي تحشد القوات التركية من الجهة الشمالية للمدينة بعد فشل عدة محاولات لقوات درع الفرات الموالية لتركيا للتقدم نحو المدينة.
هنا، يمكن القول إنّ الجيش العربي السوري قد تكيّف مع ظروف معركة الباب، وبدأ فعلياً برسم ملامح جديدة لطبيعة المعركة في عموم ارياف حلب الشمالية والشمالية الشرقية ،لاسقاط المشروع التركي، وها هي طلائع الجيش اليوم تقف على مشارف العمق الاستراتيجي لمحيط بلدة الباب، وهذا ما أثمر مرحلياً مجموعة انهيارات واسعة في صفوف مسلحي تنظيم داعش الإرهابي واحدث ارباك واضح لدى الاتراك وعمليتهم المستمرة ايضاً بمحيط بلدة الباب، وهذا الانهيار سيكون ضربة قاصمة للتركي و للتنظيم الذي متوقع أن يخسر وداعموه في الأيام القليلة المقبلة مواقع هامة بمحيط بلدة الباب.
ويمكن أن نقرأ وبناء على متغيّرات الساعات الأخيرة والتطوّر الملموس والنوعي في عمليات الجيش العربي السوري بعموم مناطق ريف حلب الشمالي الشرقي ، أنّ خطط القادة الميدانيين في الجيش اتجهت بالمنحى الإيجابي، فخريطة العمليات العملياتية والتكتيكية والاستراتيجية وتبادل الأدوار والانتقال من خطة إلى أخرى والتكيّف مع ظروف المعركة بسلاسة ملحوظة، هذه المتغيّرات التي أدارتها بحرفية وحنكة ملحوظة القيادة العسكرية الميدانية للجيش العربي السوري بمجموعها، أثمرت وبعمليات نوعية وخاطفة عن ضرب خطوط الدفاع الأولى لمسلحي تنظيم داعش ومن ثم التقدّم السريع نحو الإشراف المباشر على مشارف عمق المحيط الاستراتيجي لبلدة الباب ، من خلال تحرير مجموعة قرى استراتيجية هامة تشرف على عمق محيط المدينة الاستراتيجي، وبهذا يكون الجيش العربي السوري قد أمّن «مرحلياً» أولى مراحل التقدّم باتجاه عمق البلدة بمراحل متقدمة .
وفي هذه المرحلة، وبعد أن أصبح الجيش العربي السوري على مشارف العمق الاستراتيجي لمحيط بلدة الباب وخصوصاً بعد النجاح الملحوظ بتقطيع أوصال طرق إمداد تنظيم داعش والسيطرة على مجموعة طرق رئيسية، وبعد مجموعة انهيارات واسعة في صفوف مسلحي تنظيم داعش، هنا تمكن قراءة الواقع وبشكل منطقي وأكثر واقعية، فعمليات الجيش السريعة والنوعية والخاطفة، شكلت صفعة قوية لتنظيم داعش ولصانعي قرار الحرب على سورية وتحديداً للاتراك، وهذا ما سينتج عنه في الساعات الآتية انهياراً كاملاً للتنظيم في محيط البلدة ،ويقلب بشكل كامل معادلات ومسارات المشروع التركي في ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي .
ختاماً، يبدو أنّ الأكثر وضوحاً اليوم، أنّ منظومة الحرب على سورية ستبدأ بالتهاوي بالتزامن مع تهاوي مسلحي تنظيم داعش بمحيط بلدة الباب، واليوم نرى أنّ هذه المنظومة تعيش فترة ترنح ما قبل السقوط مع استمرار سلسلة الانهيارات التي تتعرّض لها المجاميع المسلحة من الشمال إلى الجنوب إلى الشرق السوري، وعلى قاعدة سلسلة انهيار أحجار الدومينو، فاليوم القيادة العسكرية السورية تدير المعركة بحنكة وبحرفية عالية، والأيام المقبلة ستكون حبلى بالتطورات وستشهد تغيّراً ملموساً وواضحاً في طبيعة المعارك بعموم خرائط المعارك الميدانية في سورية، فاليوم الجيش العربي السوري استعاد زمام المبادرة وانتقل من مرحلة التموضع وبناء خطوط الدفاع إلى مرحلة الهجوم واستعادة الأرض على مختلف بقاع الجغرافيا السورية، ومن هنا سننتظر نتائج وتداعيات ومسار تحرير بلدة الباب ، والتي ستعطينا إجابات منطقية وأكثر وضوحاً وواقعية من مجمل التغيّرات التي سنشهدها بالساحة العسكرية بمحافظة حلب بشكل خاص وعموم الساحة العسكرية السورية بشكل عام.
*كاتب وناشط سياسي -الأردن.
hesham.habeshan@yahoo.com