• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مختلفون ولكنهم .. متشابهون .
                          • الكاتب : محمد زكي ابراهيم .

مختلفون ولكنهم .. متشابهون

في العقود السالفة التي انصرمت بسرعة البرق، عرف العراقيون أسماء لامعة في ميادين مختلفة، كانت بالنسبة لهم موضع فخر واعتزاز، وتقدير ومحبة. كان هناك أطباء وعلماء وسياسيون وشعراء ولغويون وكتاب وفنانون وصحفيون ينعمون بالشهرة، ويحظون بالاحترام في كل مكان. بل إن بعضهم كان يتمتع بتأييد شعبي عارم، بفعل السماع والنقل، في القرى والأرياف والبوادي البعيدة عن كل وسائل التحضر والمدنية.

هل يستطيع أحد أن ينسى مصطفى جواد وأحمد سوسة وجواد سليم وعبد الجبار عبد الله ومحمد القبانجي ومهدي المخزومي وجواد علي والجواهري والسياب ونازك، ومئات النابهين الذين مروا في حياتهم مروراً جميلاً؟ لا أحد بالطبع، فقد كانوا من الفرادة بحيث عجزت الذاكرة عن نسيانهم بعد سنوات طويلة من رحيلهم الأبدي.

ولكنهم حين ينعمون النظر بما ألفوا أنفسهم عليه اليوم لا يجدون مثل هذه الأسماء في أي مكان. رغم أن الذين حظوا بالعناية أكثر عدداً، والوسائل التي وجدوها بين أيديهم أوفر عدة. فهل انتهى زمن النوابغ إلى غير ما رجعة؟

إن وجود عشرات الآلاف من الأدباء والفنانين والأساتذة والمهندسين والأطباء والمفكرين دون أن يكون بينهم رمز من الرموز، أو نجم من النجوم، يعني ببساطة أن الناس أصبحوا متشابهين أكثر من ذي قبل. وأن الفروق التي تميز بعضهم عن البعض الآخر، زالت أو على الأقل تضاءلت إلى حد كبير.

في عصر ما بعد الحداثة تختفي الخصوصيات إلى درجة يصعب معها تصنيف الناس والمدن والسلع والإنتاج الثقافي. فالجميع يمتلكون صفات وقدرات ومواهب لا تختلف عن بعضها في شئ تقريباً.

ولكن هل ترضي مثل هذه الحال غرور ذوي الطموح والمكانة والموهبة العالية؟ هل يسلم النوابغ بمثل ما لسواهم الأدنى منهم درجة، بهذه السهولة؟

لا أعتقد أن في هذا الأمر عدالة ما. فالناس منذ أن خلقهم الله، لا يحبون أن يقرنوا بغيرهم من النظراء ولا أن يوزنوا بسواهم من الموهوبين.

ولا يحقق هذا الأمر كذلك للبلاد أي ميزة على الغير، ولا يجعلها تشعر بالتفوق. فبالأشخاص المتفردين فقط ترتقي الشعوب، وتنهض الأمم. ومن المفيد لنا مثل ما لسوانا أن يكون لنا رجالنا الذين نذكرهم في كل مناسبة، ونساؤنا اللواتي نحتفي بهن في كل حين. فهذا هو السبيل الأمثل لولوج التاريخ من جديد.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=89288
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 02 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18