يكتب محمد عمارة عن رحلة رفاعة الطهطاوي بإنشاء فجّ لم يعد مقنعا، هذا الكاتب الذي احتكر تحقيق مجمل نصوص والأعمال الكاملة لرواد النهضة والإصلاح في مصر من أمثال رفاعة الطهطاوي أو علي عبد الرازق أو السيد جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا..تحقيقات فيها الكثير من الانزلاقات غير الموضوعية بل فيها تحريف للمضمون..محمد عمارة كاتب متطرف يمدح حتى يتشقلب ويهجو حتى يغمى عليه..حدّثني ذات عام الراحل نصر حامد أبو زيد الذي جمعته معه وجبة في الاتجاه المعاكس، بأنه في الكواليس اعترف له بأنه كان مضطرا لاستعمال أسلوب الخطباء في الرّد عليه بينما كاد يكفّره في البرنامج..في حديثه المصطنع عن السيد جمال الدين المدعو: الأفغاني، خلط أوراق كثيرة وأظهر الكثير من تحريف المضمون..ولكنه ما أن حلّ ربيع الإخوان حتى تقاطرت أنيابه دما كان يخفيه وقد رددنا عليه في وقتها..المهم أنّ ما أثارني في مقالة أخيرة لعمارة هو قوله بأن رفاعة الطهطاوي كان أوّل عين شرقية على الغرب..وبالغ في الوصف..وليس هنا محلّ إيراد أدلّة على أنّ الطهطاوي الذي كان بالفعل نابغة وممتعا في رحلته لم يكن منبهرا كما زعم عمارة. لكن للأسف عمارة جاهل بتراث العرب وبآداب الرحلة مشرقا ومغربا. إذا كانت رحلة الطهطاوي في سنة 1826، فإنّ رحلة بن عثمان المكناسي إلى الديار الأوربية كانت في 1779 وهي موثقة في كتاب: الإكسير في فكاك الأسير، وثمة سفرات أخرى.
السيد رفاعة الطهطاوي كتب شيئا مميزا وبالغ الوصف، ولكن عمارة ليس عميقا في تحقيقه لنصوص رواد النهضة. لقد تأثر بعض الرحالة بوصف الطهطاوي لكن هذا لا يحجب أن بعضهم جاؤوا بنمط مختلف من الوصف. ولكن أيّا كان الأمر، فليس رفاعة الطهطاوي خلافا لما يزعم محمد عمارة هو أوّل عين من الشرق على الغرب. ولي في ذلك وقفة تفصيلية. |