• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : الحوزة العلمية النجفية في وثائق وزارة الداخلية بين عامي 1921 – 1936م .
                          • الكاتب : صدى النجف .

الحوزة العلمية النجفية في وثائق وزارة الداخلية بين عامي 1921 – 1936م

تمثل الحوزة العلمية باعتبارها مصنع مراجع الدين – الزعامات الروحية - القيادة الطبيعية للمجتمع الإسلامي كما ان التقارير الصادرة من وزارة الداخلية بين عامي (1921 – 1936م) تؤكد بان ذكرى المناسبات الدينية تُستغل في النجف الاشرف لتعزيز المطالب السياسية كما حصل عندما وصل النجف السيد محسن ابو طبيخ من الديوانية وهو يحمل مضبطة موجهة الى العلماء تتضمن جور الحكومة الحاضرة على الشيعة وهضم حقوقهم في وقت انهم يشكلون الأغلبية الساحقة وان اهل السنة بيدهم الحل والعقد في حين انهم يشكلون الأقلية في العراق. (1) من هنا تأتي أهمية هذا البحث

الحوزة العلمية بين النشأة والمكانة :
حظيت الحوزة العلمية بمكانه مرموقة في مذهب أهل البيت عليهم السلام واحتلت مركز الصدارة على الصعيديين الفكري والثقافي .
تأسست على يد أئمة أهل البيت وأصبح المجرى العام للحوزة يتمثل بطلب المعرفة الإسلامية والوقوف إلى جانب الحق والتضحية من اجله وبذلك حددت الحوزة خصائص كل من يسعى للانتماء والاستزادة من الفكر والعلم الحوزوي (الديني) وتتمثل في :- التقوى، العلم والمعرفة، الوقوف والتضحية في سبيل الحق. وتعتمد الحوزة في مواردها المالية لتمويل مشاريعها ومساعدة طلابها والفقراء من الناس على نظام الحقوق الشرعية وبهذا تضمن استقلالها المالي عن الدولة خلافا لسائر المؤسسات الدينية وقد لعب هذا الاستقلال دورا في حرية رجال الحوزة ومناهضتهم للسلطات الجائرة .
لقد اختار الشيخ الطوسي النجف الاشرف بعد عام من سيطرة السلاجقة على بغداد عام ٤٤٩هـ لتكون مرتعا خصبا لنشاطه العلمي مركِّزا على بناء المؤسسة الدينية الشيعية وتربية جمهور من الفقهاء . ومنذ ذلك الوقت ظلت النجف تشكل المظلة الروحية للحوزات الدينية الشيعية في العالم على اعتبار ان جميع الحوزات تدرس الفكر الشيعي والعقيدة الاساسية فيه الايمان بالإمامة وهي ضرورة دينية يجب ان تنحصر في الامام علي بن ابي طالب (ع) واولاده من فاطمة، وان جزءا اساسيا من عقيدتهم رفض ومقاومة السلطان الجائر واعتبروا معظم الخلفاء غاصبين للحكم ،الامر الذي ألحق بهم اضطهادا وقمعا بصورة متواصلة، الا أنهم اعتبروا هذا الامر تحديا واستجابوا له بمزيد من الوحدة والتضامن، واكتسب ايمانهم طابعا جهاديا ومثلوا المعارضة المستمرة كما وصفهم الدكتور عبد الرحمن بدوي والدكتور توفيق الطويل كان للشيعة فضل ملحوظ في إغناء المضمون الروحي للإسلام وانه يمثل حركاتهم الجامحة (2) .
مما تقدم يبدو لنا ان تاريخ حوزة النجف البعيد والقريب جعل تواجد الزعامات الدينية العربية وغيرها امرا طبيعيا في ظل دولة عراقية حديثة. (3)
نشأة لواء النجف :
تبعت النجف اداريا الى لواء كربلاء في ظل السيطرة العثمانية (4) حتى بداية الحرب العالمية الاولى (5) وفي اواخر الحرب تم انزال درجة كربلاء الى قضاء تابع للواء الحلة، بعد ان كان الاخير قضاء تابعا للواء الديوانية حتى عام ١٨٩١ ،ثم اعيدت درجة الحلة لتصبح لواء تتبعه اقضية الحلة، الديوانية، المسيب والهندية، ثم اضيفت الية كربلاء وذلك في حزيران ١٩١٨ .
يبدو ان إلحاق كربلاء بلواء الحلة لضمان الاستقرار والتوازن في المنطقة كما اكدت ذلك المس بيل " ان الذين اوكلت اليهم ادارة كربلاء استخدموا السلطة لتحقيق مآربهم الخاصة وهذا بطبيعة الحال يثير سخط رؤساء البلدة الاخرين "(6). الا ان هذا الإلحاق لا يعني تبعية النجف الى كربلاء بفعل تحقيق الهدف البعيد والمتمثل بتفتيت المناطق المقدسة لذلك نقلت ادارة النجف لتلحق بالشامية بعد ان رفعت درجة الأخيرة من قضاء تابع الى للواء الديوانية الى لواء مستقل، وأصبحت النجف قضاء تابعا للواء الشامية وذلك عام ١٩١٨ ، ومرد ذلك اضافة للسبب السالف الذكر لتحقيق التأثير الايجابي المتبادل بين علماء الدين والعشائر لصالح الادارة البريطانية التي كانت تظن ان ولاء العشائر لها، الا ان النتائج جاءت معكوسة، فقد تعاونت العشائر مع العلماء وولدت ثورة عام ١٩٢٠ عندها قررت الادارة البريطانية اعادة الخارطة الادارية بفعل المتغيرات الجديدة، فقد تم فصل الشامية عن النجف فألحقت الأولى بلواء الديوانية المتشكل حديثا في حين الحقت الثانية بلواء كربلاء المعاد تشكيلة ايضا (7) .
مما تقدم يبدو لنا ان عوامل عدم الاستقرار الاداري للنجف يمكن تتبع اسبابه منذ ايام السلطة العثمانية والمتمثلة بضعف الادارة العثمانية في ولاية بغداد وعجزها عن فرض النظام والاستقرار بخاصة في الاماكن البعيدة نسبيا عن المركز كالنجف وكربلاء الامر الذي جعل ممارسة نوعا من الحكم الذاتي في النجف، وساهمت ببروز نخبة من الرجال وعلماء الدين وبعض الاسر المتنفذة لتأخذ على عاتقها الزعامة السياسية والادارية مثل أسرة ال كاشف الغطاء ، اسرة ال كمونة ،اسرة السادن ،....
ان الرسم الجديد للإدارة قصد منه تحقيق وحدة عشائرية في اطار وحدة ادارية لذلك اعتبرت كربلاء والنجف مدن وطبقت عليها نظام الشرطة مثل ما طبق على مدن بغداد والبصرة (8) .
عاش في مدينة النجف مشاهير المجتهدين وعدد كبير من العلماء واضحت اهم مركز شيعي في العالم الاسلامي ومركز للدراسات الدينية والذي زانها اكثر احتضانها جثمان ابن عم رسول الله (ص)، واصبح الصحن الشريف اكبر المؤسسات التعليمية في النجف والتي يمكن تسميتها بالجامعة التعليمية لتنوع الدراسة فيها (9) .
ساهمت المؤسسات العلمية في النجف بظهور العلماء الأعلام واضحى المتخرجون منها يمثلون فئة اجتماعية مؤثرة ليس في المجتمع النجفي بل في العالم الاسلامي لأنها مدينة العلم ومدرسة الفقه ومقر المجتهدين والمراجع العليا ،وقبلة الناس من كل مكان لطلب العلم وبلوغ الدرجات العليا ،ولا يتم ذلك الا من خلال الانخراط في الحوزة العلمية .
كما ساهمت الاسر العلمية المذكورة انفا في فتح مدارس خاصة (10) لاعتقادهم ان السلطة التي كانت تسيِّر الامور، لا تهتم بالتعليم عموما في مختلف ارجاء الدولة، فما بالك بالمناطق البعيدة والتي تختلف معها في المذهب كما في النجف، فكان المحور عدم الثقة عززه عدم اعتراف الدولة بالمذهب الجعفري اسوة بالمذاهب الاسلامية الاخرى المعترف بها (11) بل لم يقتصر الامر على ذلك انما استحصل السلطان العثماني فتوى تشير بان الشيعة خارجون على الدين ويجب قتلهم . لذلك امر بقتل كل من كان معروفا بالتشيع داخل بلاده (12) .
لقد ساهم في الازمة الصراع التقليدي بين الدولة العثمانية والفارسية التي كانت تدين بالمذهب الشيعي، مما جعل الدولة العثمانية تشك بولاء شيعة العراق وربطت ولائهم للمذهب وبالتالي ساهمت في جعلهم يتطلعون لبلاد فارس طلبا للعون ضد التسلط العثماني بفعل التقارب الجغرافي واجبروا على هذا الموقف(13) في حين ان موقف الشيعة المناهض للسلطة نابع من جوهر الفكر الإمامي الذي يؤكد وجوب المعارضة والثورة على الفساد والظلم مؤكدا ان الخروج على الحاكم الجائر من صميم الدين الاسلامي والصبر على الجور يعد مخالفا للتعاليم الدينية وبذلك يتقاطع مع مذهب التسنن في ذلك (14) .
في ضوء ذلك اعتقدت السلطة العثمانية ان الشيعة يسعون للتخلص منها وهم قد يتحالفون مع الدولة الفارسية في سبيل تحقيق اهدافهم . يبدو ان الدولة العثمانية كانت صائبة في الشق الاول بعدما اضحت النجف ملاذا آمنا لكل من يعارضها ومركز اشعاع فكري اسلامي بل حولته الى ممارسة عملية في بداية القرن العشرين عندما بلغت النجف وحوزتها مركزا دينيا متميزا 
وبعد الحرب العالية الاولى وتحديدا عام ١٩١٥ شكلت مرحلة جديدة في تاريخ النجف عندما تمكن سكانها من طرد القوات العثمانية وتشكيل حكومة محلية (15) تميزت باستقلالية الادارة، الا ان المدينة وفي ظل الاحتلال البريطاني دخلت بالمرحلة الثانية عام ١٩١٧ عندما تمكنت قوات الاحتلال من التغلغل في المنطقة بصورة غير مباشرة واتصلت بعدد من شيوخ قبائل ابي صخير والمشخاب والنجف ووعدتهم بتقديم الامتيازات منها السماح لهم بإدارة مناطقهم في حالة تعاونهم مع الادارة الجديدة، وأثمر ذلك تعين حميد خان باعتباره اول ممثل حكومي لإدارة النجف في اب ١٩١٧.(16) 
يبدو ان الادارة البريطانية كانت تدرك اهمية النجف ودورها الفكري في تعبئة السكان مع او ضد السلطة الحاكمة وتجسد ذلك في اول حادثة قام بها اهالي النجف ضد الادارة البريطانية ومن مثلها وذلك بقتل الكابتن (17) مارشالو في ١٩ / اذار / ١٩١٨
ادركت الادارة البريطانية ان النجف تتحرك بتأثير المجتهدين المراجع الذين يحملون مميزات خاصة ابرزها خطهم المدعوم بالمقلدين وكما حدث عندما لبَّت واجب الجهاد عام ١٩١٤ والاحداث اللاحقة . لذلك وضعت الادارة البريطانية امامها خيارات محدودة ابرزها اهمية ترويض علماء الدين لصالحها او ضبطهم باستخدام مختلف اساليب الترغيب والترهيب .
هذه المؤشرات جعلت المرجعية تدرك ان المرحلة الجديدة تتطلب اساليب غير تقليدية للتصدي والبناء ووضعت لنفسها خوض مهام التحديث في البنى الاساسية للمجتمع الاسلامي ثقافية ، اجتماعية وغيرها وفق الظروف العصرية الجديدة وما النشاطات الفكرية للسيد هبة الدين الشهرستاني، والشيخ محمد حسين ال كاشف الغطاء، والاعمال الفكرية للسيد عبدالحسين شرف الدين وسعيها الدؤوب في ترسيخ قواعد المرجعية وتوسيع نطاقها ومنهج الاصلاح الاجتماعي لمحسن الامين العاملي للشعائر الحسينية . كل ذلك جعل الحوزة تعتقد انها يجب تنفيذها ثم النظر بعد ذلك للأمور السياسية .
نشأة وتكوين وزارة الداخلية
لقد ساهمت ثورة العشرين التي انطلقت في ٣٠ /حزيران ١٩٢0 في تغير منهج السياسة البريطانية بالعراق من / اسلوب مدرسة الهند الاستعمارية (18) الى مدرسة القاهرة الاستعمارية ومنها كانت الدعوة لتشكيل الحكومة العراقية (19) المؤقتة في ٢٥ /تشرين الاول / ١٩٢٠ .
في ضوء التطورات المذكورة كلف السير برسي كوكس بتولي ادارة العراق سياسيا بوصفه مندوبا ساميا، واصدر الاخير البيان التالي " اني الميجر جنرال السير برسي كوكس بناءً على ما لي من السلطات وبصفتي مندوبا ساميا للعراق انشر بهذا البيان ما يأتي : تتبدل كلمة الحاكم الملكي العام اينما وردت بكلمة المندوب السامي وكلمة ناظر العدلية (20) اينما وردت بكلمة وزير العدلية وكلمة ناظر المالية اينما وردت بكلمة وزير الداخلية، وتتحول جميع السلطات والحقوق والوظائف المخولة بموجب البيانات والاعلانات المذكورة من الان الى المندوب السامي ووزير العدلية ووزير الداخلية (21) .
برزت كلمة وزارة الداخلية لأول مرة في ٣/ كانون الثاني ١٩٢٠ وحظيت بأهمية كبيرة لأنها تؤثر بعدة اتجاهات امنية سياسية، خدمية وادارية، الا ان المرسوم الخاص بتأسيس الوزارة فعليا لم يصدر الا في ٢٥ / تشرين / ١٩٢٠ ، وتم اختيار طالب النقيب وزيرا للداخلية . عقدت الوزارة اول اجتماع لها بصورة رسمية في ٢/ تشرين الثاني / ١٩٢٠ ببيت عبدالرحمن النقيب.
نظرت الادارة البريطانية منذ البداية بأهمية خاصة لوزارة الداخلية ولمن يتولاها يجب ان يكون بمواصفات خاصة، ويبدو ان اختيار طالب النقيب لم يكن بمحض الصدفة بل بتدبير من كوكس
الممارسة العملية في متابعة الحوزة العلمية :
ان لعلماء الدين عموما في جميع اقطار العالم مكانتهم وتأثيرهم ولعلماء الشيعة بالذات مكانة متميزة بصفتهم وكلاء الامام الغائب (المهدي عجل الله فرجه)، لذلك كانت الادارة البريطانية تخشى مدينة النجف بسبب مركزها الديني المتميز وتأثير علمائها على مقلديهم (22) مع ادراكنا ان تأثيرهم لا يقتصر على مدينة النجف بل يمتد الى المناطق الاخرى ايضا ، وهنا يمكننا تقسيم المناطق التي تتأثر بعلماء النجف كما يأتي:-
المنطقة الاولى : التي تشغل من قبل العاملون في السياسة والمؤامرات فحصلوا على تدريب بتدخلهم مع ساسة البلاد وهدفهم الاستفادة من كل الفرص .
المنطقة الثانية : سكان المدن والشباب الذين اكتسبوا الافكار الحديثة واعتادوا الانتقاد والظهور بالمعارضة ومحاولة النهوض بالواقع وعدم الرضا من الحالة القائمة .
المنطقة الثالثة : البدو والعشائر البعيدة التي تميل بطبيعتها الاجتماعية الى الثورة والتمرد على الدولة (23) .
تعلم الوزارة بمساهمة علماء الدين ولاسيما المراجع ودعوتهم للانتصار للامة على اعدائها - وهو هنا المحتل البريطاني -، واضحى العلماء يحركون مقلديهم في المدينة والريف لذلك دعت الوزارة لمراقبتهم ،في ضوء ذلك بعث شيوخ العشائر برقية لأعتاب جلالة ملك العراق جاء فيها : " كنا في النجف منتظرين انجاز الوعود التي وعد بها مستشار الداخلية وفهمنا من فحوى كلمات لمتصرف كربلاء اكد فيها ان الحكومة امرت بحبسنا وانذرنا بسوء العاقبة وهو ينتظر الجواب لينفذ فينا ما يؤمر به، وعليه فقد بارحنا النجف الى ديارنا عن طريق ابي صخير مصممين الدفاع عن انفسنا مهما كلف الامر لان ثقتنا قد زالت تماما من الحكومة الحاضرة " (24) .
ان لمساهمة اساتذة وطلبة الحوزة في الاعمال التي تقلق سلطة الاحتلال دور كبير لذلك وصفوا في تقارير وزارة الداخلية بالشعوذة الذين يودون ان يلحقوا اضرارا كبيرة بالمجتمع، وصنفتهم إلى أربعة أصناف، الا انها استثنت المجتهد لمكانته وهي:-
الصنف الاول : اطلق التقرير عليهم وكلاء المجتهدين الدائمين ويسكنون مراكز الالوية والاقضية والنواحي وهم في منزلة تقترب من درجة الاجتهاد، واكثرهم لا يكونون مقلدين، بل يعملون بالاحتياط .تنصح الوزارة بوجوب مراقبتهم بصورة مستمرة وتستقصي الاخبار عنهم وضرورة ان يكون الموظف الاداري على علم تام بمواقفهم وحركاتهم .
الصنف الثاني : الدعاة المتجولين و يكونون اقل منزلة من الاول ومهمتهم ارشاد الناس وحثهم على ملازمة الدين ونبذ الموبقات ومهمتهم الحقيقية هي الدعوة للمجتهد بقصد زيادة عدد مقلديه
الصنف الثالث : قراء التعازي الحسينية ومهمتهم تلاوة التعازي والبحث في واقعة الطف ،واستبكاء الناس لقاء اجور يتفقون عليها مع من يرغب بإقامة حفلات التعزية .
الصنف الرابع : البسطاء من المعممين الذين لا يحسنون القراءة – التعزية – ولم تكن لهم أي معلومات شرعية ويستطيعون التجوال بين العشائر ولا يمتلكون اية معلومات فتنطلي عليهم خدعهم (25) .
بهذه الطريقة الفظة تعاملت الوزارة معهم ويبدو ان التقسيم يهدف الى تحديد اخطار كل صنف ووضع الضوابط للحد من فاعليتها المناهضة للسلطة والاحتلال ووضعت لتنفيذ ذلك قانون ينظم عملهم وبعكسه يخضع المخالف للمسائلة القانونية وتضمن القانون المواد التالية:-
١- عدم جواز تجول الاجانب بين القبائل العراقية بحجة الارشاد ويباح لهم التجوال داخل المدن والقصبات فقط. ويبدو ان هذه المادة وُضِعت لإدراك الحكومة بالصلة الوثيقة بين مناطق العشائر وعلماء الدين من جهة انقياد العشائر لهم .
٢- يجب على كل عالم عراقي ممن يرغب التجوال بين المدن والقصبات والجماعات العشائرية بقصد بث الدعوة الدينية ان يستحصل على وثيقة من مجتهد معترف باجتهاده يصادق على صحة توقيعه عليها الموظف الاداري الذي يسكن المجتهد في وحدته الادارية للحيلولة دون تزوير الوثائق بأسماء المجتهدين.
٣- من يحمل تلك الوثيقة ويرغب الدخول الى وحدة ادارية ان يراجع موظفها الاداري ويبرز تلك الوثيقة ثم يعرفه عن القرى والجماعات التي يرغب التنقل بينها .
٤- لا يجوز لوكلاء المجتهدين او الدعاة الحاملين للوثائق المذكورة ان يتطرقوا للمواضيع السياسية لا على منابرهم ولا في احاديثهم وان تكون مواعظهم وإرشاداتهم مقتصرة على القضايا الشرعية .
٥- عند مخالفة الوكلاء الدعاة ما ورد في المادة الرابعة فيكون معرضا للعقوبة .
٦- كل شخص يرغب ان يكون قارئ تعزية عليه ان يثبت قابليته ومعلوماته الكافية في الوقائع التاريخية (26) .
ان تصنيف اساتذة وطلبة الحوزة وصدور قانون ينظم عملهم بطريقة فظة وربط كل حركاتهم وكلماتهم باستحصال الاذن من موظفي الدولة كل ذلك لم يمنعهم من الاستمرار في دعوتهم الاصلاحية بل اصبحوا محورا للالتقاء لتحقيق بعض المطاليب وبمختلف الاتجاهات، فقد اجتمع الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والشيخ هادي كاشف الغطاء والشيخ عبدالكريم الجزائري والسيد محمد علي بحر العلوم في دار الشيخ جواد صاحب الجواهر، قرروا مساندة حزب النهضة وكذلك المطالبة بإسقاط الوزارة القائمة (27) .
وفي ذات السياق ذكر متصرف كربلاء عند وصوله للنجف وبعد ان زاره مجموعة من العلماء وعرضوا عليه مطالبهم ان على الحكومة ان لا تتأثر بكلامهم وهاجمهم فيما بعد بان كل واحد منهم يبحث عن مصلحته (28) .
لقد اصبحت النجف المركز الرئيسي للحوزة والمكان المناسب لعرض الطلبات ولمعارضة الحكومة فقد عقد اجتماع ضم رؤساء العشائر ومنهم داخل الشعلان وعبد العباس ال شعلان وسالم الخيون ومجبل الفرعون وعبادي الحسين وعبد الواحد الحاج سكر، وتم الاجتماع مع العلماء، يبدو ان رؤساء العشائر قصدوا استشارة العلماء في اتخاذ التدابير اللازمة مع الحكومة في كيفية زيادة عدد الموظفين من الطائفة الشيعية في دوائر الدولة وليكن القياس عدد النفوس (29) .
ان توجهات الاجتماعات كانت مدعاة لاستمرار الاضطرابات ولإدراك الحكومة ان ورائها بعض علماء الدين ومن اجل تطويق الاضطرابات اصدرت الحكومة مرسوم اسقاط الجنسية رقم ٦٢ لسنة ١٩٣٣ جاء فيه " بناء على ما عرضه وزير الداخلية ووافق عليه مجلس الوزراء صدر المرسوم التالي :-
المادة الاولى : لمجلس الوزراء ان يقرر اسقاط الجنسية العراقية عن كل عراقي لم ينتم الى أسرة ساكنة عادة في العراق قبل الحرب العالمية الاولى، اذا نفذ او حاول ان ينفذ عملا يعد خطرا على امن الدولة وسلامتها .
المادة الثانية : لوزير الداخلية ان يأمر بإبعاد من اسقطت عنه الجنسية العراقية الى خارج العراق اذا تبين له ان ابعاده مما يستدعيه الامن والراحة العامة (30) . و بموجب هذا المرسوم تم اسقاط الجنسية عن الشيخ احمد اسد الله .
ان ما تمثله النجف وخصوصيتها ولاسيما في مجال الدراسة الحوزوية جعلها تتهم من قبل وزارة الداخلية بانها تمثل اطلاقة للحركة الطائفية وكانت تستغل المناسبات الدينية لتعزيز ذلك كما حصل عندما وصل النجف السيد محسن ابو طبيخ من الديوانية وهو يحمل مضبطة موجهة الى علماء الدين في النجف تتضمن جور الحكومة الحضرة على الشيعة وهضم حقوقم في وقت انهم يشكلون الاغلبية الساحقة وان السنة بيدهم الحل والعقد وهم يشكلون الاقلية في العراق .
استمرارا لأهمية النجف فقد ذكرت بعض التقارير وصول عبد الواحد الحاج سكر الى النجف في كانون الثاني 1934 وقابل الشيخ محمد حسين ال كاشف الغطاء وان الاخير ايد وجهة نظر الشيخ عبدالواحد في معاكسة الحكومة . اصبح الشيخ محمد حسين ال كاشف الغطاء محور لقوى المعارضة العشائرية وغيرها ممن تسعى لاستغلال الجانب الديني لإيصال صوتهم المعارض للسلطة وأهمية موافقة الشيخ لأنه يمثل العنصر العربي المؤثر مع وجود من هو الاعلم الا انه يفتقد للعراقية وممارسة السياسة تجعله تحت طائلة المسائلة القانونية . (31) .
واصدر الشيخ كاشف الغطاء توجيها لكافة رؤساء العشائر والمعارضين طالبهم فيها بالتزام الهدوء والسكينة وذكرهم بحرمة سفك الدم (31) .
ان الدور المتميز لعلماء النجف دفع قادة الادارة المحلية للتوجه لزيارة العلماء في مناطق سكناهم الا ان البعض اعتقد أن هذه الزيارات قد تفسر من بعض العلماء بضعف السلطة وقد تزداد مطالبهم (32) . 
الخاتمة
تعد وزارة الداخلية من الوزارات المهمة ولاسيما في بداية تشكيل الدولة العراقية لممارستها دور اكثر من وزارة وانعكاسها في تسيير نتائج الانتخابات النيابية، التي لها الدور المؤثر في بقاء او تنحية رئيس الوزارة لذلك سعت الحكومات المتعاقبة ان يتولى هذا المنصب من يسايرها تماما وبعكسه تبقى الوزارة قلقة . 
كما ظلت الحوزة العلمية في مرحلة العشرينات والثلاثينات واحدة من اهم العناصر الفاعلة في صنع التغيرات في الساحة السياسية، وكما وصفت بانها المحرك للمجتمع العراقي ، ومن اجل ضبط حركته بما ينسجم مع مصالح الطبقة الحاكمة شُغلت وزارة الداخلية بما يدور داخل الحوزة وسعت الى مراقبتها ثم وضع الضوابط لتطويقها او الحد من فاعليتها، وهذا العمل كان متباينا شدة وضعفا . 
بقلم : أ.م.د حسن علي عبدالله – بتصرف : اذ حذفنا بعض ما سرده الكاتب بعيدا عن الموضوع وصححنا بعضه الآخر واضفنا شيئا يسيرا مما غاب عن عنه . 
_______________________________
 
الهوامش :
(1) و.د، تقرير متصرفية لواء الديوانية رقم ٢٢٠٣ في 27 /حزيران / ١٩٣٤ إلى وزارة الداخلية، موضوع اجتماع
(2) وميض جمال عمر نظمي ،الجذور السياسية والفكرية والاجتماعية للحركة القومية العربية "الاستقلالية" في العراق، ط ١، (بيروت ١٩٨٤ )، ص ١١٥ ؛ محمد جواد مغنية، مع علماء النجف الاشرف، بيروت ١٩٩٢ ص ١٩٨ ؛ عليان، الشيعة والدولة العراقية الحديثة "الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي ١٩١٤- 1958 م ، ط ١، (بيروت ٢٠٠٥ )، ص ١٣٨ .
(3) عادل رؤوف، عراق الغد، ط ١، (دمشق ٢٠٠٢ )،ص ١٥٢- ص، ١٤٧.
(4) منذ عهد مدحت باشا الذي طبق قانون الولايات العثماني الذي صدر عام ١٨٦٤ ، الا انه طبق فيما بعد وفيه اصبحت النجف قضاءً تابعا الى لواء كربلاء وتبعت لقضاء النجف نواحي الكوفه ،شثاثة، الجعارة ثم ضمت اليها الرماحية وهور الدخن عام ١٨٩٩ وكانت في حينها تتبع اداريا للواء الحلة ،ثم اعيدت الى كربلاء والحقت بها بعد ذلك ناحية الرحالية وتبعت فيها الى قضاء الدليم ثم اعيدت الى لواء كربلاء للمزيد ينظر ناهدة حسين ويس،١٩١٧ - تاريخ النجف في العهد العثماني الاخير ١٨٣١، اطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة بغداد ١٩٩٩ص ١٣
(5) المصدر نفسه، ص 8 .
(6) المس بيل، فصول من تاريخ العراق القريب ،ط 2(بيروت ١٩٧١ )، ص ١١.
(7) British colonial office, Special Reportbyhis Majestys govermentin the united Kingdom ofGreat Britain and Northern Ireland to the council of Leaqueof Nation on the Progress of Iraq during (period (19201931)(London 1931
(8) British colonialoffice, opcit,p31
(9) ناهدة حسين ويس،١٩١٧ - تاريخ النجف في العهد العثماني الاخير ١٨٣،( اطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة بغداد ١٩٩٩ ص135.
(10) من المدارس الخاصة، المدرسة المهدية التي تأسست عام ١٨٦٧ من قبل الشيخ مهدي كاشف الغطاء ومدرسة المعتمد التي تأسست عام ١٨٦٨ من قبل الشيخ حسين البروجردي ومدرسة الاوخند الكبرى التي تاسست ١٨٧٢من قبل الشيخ الملة محمد كاظم الخراساني ومدرسة الشيرازي التي تاسست عام ١٨٨٠ من قبل الشيخ محمد حسن الشيرازي ينظر هلال كاظم الشبلي، مجلة - الغري ودورها الثقافي والسياسي في العراق ١٩٣٨، ١٩٤٥ رسالة ماجستير غير منشورة القادسية ٢٠٠٥ ، ص7 .
(11) البرت حوراني، الفكر العربي في عصر النهضة ١٩٣٩ ،بيروت ١٩٦٨ ص٤٥ 
(12) محمد جواد مغنية ،الشيعة والحاكمون، ط ٥،(النجف١٩٨١ )
(13) غسان العطية، العراق نشاة الدولة ١٩٠٨ - ١٩٢١ ترجمة - عطا عبدالوهاب، لندن 1988 ،ص70
(14) مغنية، المصدر السابق ،ص 49 .
(15) شكل الحكومة المحلية اربعة نجفين هم السيد مهدي السيد سلمان، الحاج عطية ابو كلل .
(16) العطية، المصدر السابق، ص 70 .
(17) المصدر نفسه ،ص 72 .
(18) ان مدرسة الهند الاستعمارية تقوم على أساس الإدارة المركزية امام مدرسة القاهرة تقوم على أساس الإدارة اللامركزية بتعين حاكم من ابناء المنطقة ومن خلاله تكون الادارة . للمزيد شفيق عبد الرزاق واخرون، التطور السياسي المعاصر في العراق، (بغداد ١٩٨٨ )، ص 127 .
(19) عبدالرزاق الحسني، تاريخ الوزارات العراقية، ج 1ط ٧ (بغداد ١٩٨٨ )،ص ١٤؛ نجدة فتحي صفوت، خواطر واحاديث في التاريخ، ط ١، (بغداد ١٩٨٣) ص167
(20) كلمة الناظر استخدم في مفاهيم الادارة العثمانية في المنطقة العربية وظل متواثا لدى المصريين والسورين وكان متداولا في العراق ابان الاحتلال البريطاني .وبعد تشكيل الحكومة المؤقتةفي العراق عام ١٩٢٠ تم استخدام مصطلح وزير بدلا من الناظر . للمزيد ينظر ساطع ١٩٤١ ،(بيروت - الحصري، مذكراتي في العراق ١٩٢١ -١٩٦٧ ص 113
(21) الحكومة العراقية مجموعة القوانين والانظمة١٩٢١ ، (بغداد ١٩٣٤ )نص 42 .
(22)السيد محمد علي كمال الدين، ثورة العشرين في ذكرها الخمسين، معلومات ومشاهدات في الثورة العراقية الكبرى لسنة ١٩٢٠ ، (بغداد ١٩٧٦ )، ص 2.
(23) و.د، تقرير متصرفية لواء الديوانية رقم س/ ٢٢ في ١٩٣٧ ، موضوع الوضع العام في اللواء /١/٨
(24) و.د، برقية صادرة بتاريخ 17 / 8 / 1922 . 
(25) و.د، تقرير متصرفية لواء الديوانية رقم س/ ٩٥١ في 21 / 7 / ١٩٣٦ إلى وزارة الداخلية، موضوع تطهير صفوف العشائر من المشعوذين .
(26) المصدر نفسه
(27) و.د، تقرير متصرفية لواء كربلاء رقم ٢٢ في ١٨ ايلول / ١٩٢٧ الى وزارة الداخلية، موضوع الزيارة
(28) و.د،تقرير متصرفية لواء كربلاء، رقم ١ في ٢٥ اب / ١٩٢٧ الى وزارة الداخلية، موضوع تقرير
(29) و.د، تقرير مدير شرطة الحلة رقم س/ ٩٠ في ١٦ اب / ١٩٣٢ الى وزارة الداخلية، موضوع تقرير
(30) الحكومة العراقية، وزارة العدلية، مجموعة القوانين والأنظمة لسنة ١٩٣٣ ، (بغداد ١٩٣٤ )، ص 626
(31) و.د،تقرير مديرية شرطة الديوانية رقم ٢٥٢ في ١٣ / شباط / ١٩٣٥ إلى متصرفية لواء الديوانية موضوع حركات العشائر
(32) و.د تقرير متصرف لواء كربلاء رقم س/ ٣١١٧ في ١/ أيلول / ١٩٢٧ موضوع العلماء وموضفوا الإدارة.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=90560
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 03 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19