• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : قراءة في رواية ( قشور الباذنجان ) لوحة الجحيم العراقي .
                          • الكاتب : جمعة عبد الله .

قراءة في رواية ( قشور الباذنجان ) لوحة الجحيم العراقي

 رواية ( قشور الباذنجان ) للروائي الراحل ( عبدالستار ناصر ) ترجمت الجحيم العراقي , في سعير العنف الارهاب والجريمة والقتل والذبح  , من كلا العهدين , القديم والحديث , مهما اختلف شكل نظام الحكم  , فأن الرعب الوحشي , يتحكم في الواقع الفعلي , سواء كان  قبل سقوط نظام صدام حسين , او بعده في  عام 2003 . لقد اعتمد المتن الروائي , على مجموعة محصلات من دقائق مفاصل الواقع , وجمعها في اطار نسق  روائي واحد  , بالتقنية والتكتيك الحديث ,  في الفن الرواية الحديثة  , في الحبكة الفنية , في اسلوب ولغة السرد , بالباذخة بالتشويق واللهفة والمفاجئة , لتخلق التشويق في مجريات احداث الرواية  , بما فيها توظيف مبدع لعملية ( فلاش باك ) لربط الماضي بالحاضر , في نسق روائي مطعم في انجذاب وشد القارئ الى المتابعة لاحداث السرد الروائي , ان المتن الروائي اكتسب عملية صيغة ميلودراما في   تصاعد الاحداث بكل مساراتها المتحركة نحو قمة الصراع والذروة  , وبكل عوامل الاثارة والمغامرة والمجازفة في الاحداث  المطعمة بالتشويق الرشيق     ,  انها دخلت الى اعماق الواقع العراقي ومعاناته المريرة , في كلا الجحيمين . جحيم صدام حسين  , والجحيم الثاني بعد السقوط ,  ومجيء العهد الجديد الذي يعرف  بالدم قراطية . لذلك لا بد من نظرة فاحصة لمتابعة المتن الروائي , وهو يسجل  الكوارث التي حلت على العراق . 

1 - الجحيم الاول :  نظام البطش والاستبداد والطغيان  , بأسم دولة الفرد ( قائد الضرورة المنصور بالله ) : 

دخل الارهاب والطغيان بصورة عنيفة ومرعبة في حياة العراقيين , في جحيم البطش والجريمة والتنكيل  , حتى اصبحت حياة العراقيين رخيصة وتافهة , مثل قشور الباذنجان التالفة والفاسدة التي ترمى في براميل  الازبال , من اجل عيون ( القائد الضرورة المنصور بالله ) . لقد خلق الدولة الامنية المرعبة , في جمهورية الخوف  . عبر اجهزته الامنية والمخابراتية  , التي اطلق لها العنان في الاجرام والوحشية السادية . كأننا اما حالة من واقع رواية ( 1984 ) جورج اورويل من جديد  , في الدولة الامنية للدكتاتور الواحد  الاوحد . بأن ينظر الى المواطن نظرة شك واتهام يستحق الموت . لذلك راحت تحصي انفاس المواطنين كأن كل مواطن هو يحمل  تهمة وجريمة  , وفي تعامل اجرامي صرف لا يقل الشك , لذلك تحولت الحياة الى كوابيس رعب حقيقية , لا يمكن للعقل ان يتصورها بهذه الفادحة المأساوية  , والويل اذا وقع المواطن في قبضة الامن , حتى لو كان بريئاً , فأنه لم يخرج سالماً دون عاهات , او حطام نفسي مروع ( جرائمنا لا تشبه غرائب اي قاتل في الارض , انها مؤرشفة ومبرمجة بحسب نوع الضحية , هناك مفرمة لسحق العظام , وثمة احواض اسيانيد تمسح البشر حتى دون رائحة , وبينهما , بين المفرمة واحواض الموت , سترى رجالاً يغتصبون الرجال والنساء , امام ذويهم , وهناك من يتلذذ بقطع لسانك ) ص29 . , اي ان اقبية الامن والمخابرات , هي مسلخ بشري يشتغل , في كل مزاجية وحشية جنونية  , حتى ليحصل اي جلاد منهم  على مباركة الرئيس القائد  , من قبل رئيس دولة جمهورية الخوف والرعب , والمسالخ الخراف هي اهون بكثير من مسالخ الامن المرعبة , فقد تجد البهائم من الجلادين ,  تتسلى بالتعذيب الوحشي . مثلاً مسالخ قطيع الخراف , الخروف لا يتعذب في ذبحه , مثل ما يتعذب البشر الذين هم في قبضة الامن , فلم يعد الرصاص الوسيلة المشوقة لقتل السجين , فأن هذه الطريقة للموت , تعتبر رحيمة تشفق كثيراً على حال  السجين , والجلاد لا يرغب بها ولا تشبع شهيته الجهنمية  , بقدر رغبته في متعة مشاهدة  الجسد المشطور بالسكاكين , وهو يقطع اعضاء الجسد بكل فرح جهنمي ودموي , على صراخ ( الله اكبر ) النغمة التي تطرب البهائم المتوحشة  , في هستيرية الجنون . 

2 - الجحيم الثاني بعد السقوط : 

دخل العراق في عين العاصفة المدمرة بعد عام 2003 . في شكل الجحيم الجديد , ونوعية كوابيسه المرعبة , انها  من نوع جديد غير مألوفة في المجتمع العراقي , في وحشية سفك الدماء بهذا الابتذال الوحشي والهمجي , في قتل الضحايا الابرياء , ورمي جثثهم في الطرقات والمزابل , حتى امتلئت الجثث مستشفى الطب العدلي , وليس بحاجة الى عمليات تشريح , سوى تجميع اشلاء الجثث , في جعلها في  جثة واحدة متكاملة , مهما كانت نوعية اختلاف  اعضاء الجسد , ونادراً ما تصل  جثة الى الطب العدلي سالمة , هذه الحالة المرعبة اصبحت لا تطاق , من ضخامة الجثث المرمية وعمليات القتل الجهنمية بكل سادية جنونية , لكن هذه المرة تحدث هذه الفظائع من الاجرام , بأسم الله والدين والمذهب , في احترافية تقطيع الاجساد وذبحها , او زرف الرأس بالدريل , والقتلة في حلة الفرح الجنوني , فصار القتل على الاسم والهوية , في العهد الجديد الذي اغراق العراق في ظلام مرعب دامس ( حل في بغداد , الخراب من نوع اخر , لم نعرفه , ولم نصدقه . سيارات مفخفخة . عبوات ناسفة . انتحاريون من الرجال والنساء والبهائم والمجانين . عمليات الخطف مبرمجة . القتل العشوائي في الاسواق والشوارع . القتل على الهوية . إن كنت شيعياً يقتلك السنة , وإن كنت سنياً يقتلك الشيعة , القتل ذبحاً , وهذه المرة على شاشات التلفزيون , امام مليارات البشر , خطف وسلب وحرائق وتخريب متعمد للبنايات والوزارات والمدارس . اغتصاب النساء والغلمان , ميليشيات لا تدري من هو قائدها . احزاب بالجملة . خراب لا يشبه اي خراب في التاريخ ) ص121 . بهذا العنف الضاري والشرس , اصبحت حياة المواطنين مسلوبة ومستباحة في اية لحظة للموت , حتى المقابر عجزت عن استيعاب الجثث , لكثرة الذباحين والجزارين , وهم يتجولون في وضح النهار , هذه الحالة السوداوية الكارثية التي اصابت العراق , ونحرته من الوريد الى الوريد , وزادت معاناة المواطنين اكثر من السابق , الفقراء زادوا فقراً , وكبرت كروش الاغنياء , بفعل عمليات السحت الحرام والحواسم . والفساد بكل انواعه اصبح شريعة العراق المطبقة بالتنفيذ الفعلي والفوري  , وبدعم كامل من قادة البلاد الجدد , الذين وجدوا فرصة ذهبية في الاشتراك في عمليات النهب والسلب , ويتركوا الحرية الكاملة للذباحين , لن يذبحوا ما يشاؤون ويرغبون , مهما كان العدد , وفي وضح النهار , لذلك تحول العراق الى مسلخ للذبح , يساقون المواطنين كالخراف ( صارت الديرة محض ( خان جغان ) للذباحين الوافدين من كل حدب وصوب , رأس العراقي المقطوع بمائة دولار , ومن اجل ألف دولار , عليك ان  تقطع عشرة رؤوس , مهما كان المذبوح , بشرط واحد , هو ان يكون عراقياً عربياً , او كردياً مسلماً . والحدود مفتوحة لمن يشاء , اما خطف النساء فهي نزهة , لا تحتاج الى شجاعة , حتى اذا كانت في وضح النهار ) ص 140 . 

   احداث الرواية وشخوصها : 

1 - ياسر عبدالواحد : ترك الدراسة وامتهن مهنة النجارة كنجار . اعتقل بتهمة الانتماء الى الحزب الشيوعي وهو في عمر التاسعة عشر ربيعاً , وسجن في سراديب الامن المرعبة . عشرون عاماً بالتمام والكمال ,  حين خرج من سراديب الموت  , كان اشبه بكائن محطم جسدياً ونفسياً , من الاهوال المرعبة والوحشية , التي تعرض لها وذاق حنظلها المسموم  , حتى لم يصدق بأنه خرج سلماً من المسلخ البعثي , يعيش وحيداً مع شقيته ( سلافة ) التي مات زوجها في حروب صدام المجنونة , ورفضت الزواج بعد ذلك  , لانها لم تكن مستعدة نفسياً ان يحتل زوج اخر محل الزوج الحبيب المتوفي , لكنها في النهاية بعد الاحداث الدموية ,  وفقدان الامن ارتضت بالزواج من صديق شقيقها الحميم ( حيران حالوب الراوي ) , في احد الايام وقف بشكل مفاجئ غير متوقع , امام ( ياسر عبدالواحد ) في عتبة بيته , الجلاد  في مديرية الامن , الذي كان يشرف على تعذيبه , وهو ( دوهان معروف البيجات ) الذي كان يكنى في مديرية الرعب الامن المخابرات بأسم ( شمام الدم ) ( - اعرف انك ياسر عبدالواحد , واعرف كم يوماً حجزوك , هناك في العتمة , اعرف كم عذبوك , بل اعرف من كان يأتيك بالطعام , ومن يأخذك الى غرفة التحقيق , ومن كان يضربك بالسياط , حتى يسيل الدم من ساقيك , اعرف كل شيء , لهذا جئتك نادماً , ارجوك ان تغفر لي ) ص6 , هذه صحوة تأنيب الضمير من احد الجلادين , الذين تولوا على تحطيمه بوحشية بهائمية , فكان يتسلى في اساليب التعذيب الوحشي , وكان الدم يسيل من كل انحاء جسمه , حتى لم يسلم من الضرب وهو  في حالة التبول والتغوط , فكان يصرخ به بفزع ( ايها الشيوعي القذر , سنعلمك كيف تأكل هذا الخراء ) ص9 . , ثم يأتي الى بيته ويطلب منه السماح والاعتذار والغفران , في اذلال واضح ( أنا آسف على ما فعلته بك , اعتذاري لا يكفي , واي تعويض عما جنيت لا يكفي .... اريدك تسامحني , بارك الله فيك , ولك الحق في ان تفعل بي ما تشاء , حتى اذا شئت ان تذبحني ) ص29 . ثم يترك كيس مليء بالدولارات ويختفي . 

2 - حيران حالوب الراوي : كاتب في صحافة النظام , يكتب خربشات غير مقتنع بها ويتذمر منها , لكنها تعتبر طوق نجاة له  , من وحشية النظام التي لا ترحم احداً , حتى لا  يقع في فخها . ويمتهن اعمال تجارية , هي مروده الاصلي والمعاشي , وكانت هذه الاعمال التجارية , تتطلب الغياب بضعة ايام عن بيته , لكن زوجته ( انيسة ) تستغل هذا الغياب لاشباع شبقها الجنسي , بالخيانة الزوجية , ان تكون بسهولة في احضان الرجال الاخرين , حتى في الاخير اصطادت صديق زوجها الحميم ( ياسر عبدالواحد ) ووقع في الفخ  على فراش الزوجية , حتى دبرت مسرحية مفبركة في  الاختطاف , لكي تشبع  نهمها الجنسي والشبقي , من عشاقها  , ولما عادت من عملية الاختطاف المفبركة بعد عشرة ايام  ,  عادت كأنها كانت في رحلة سياحية للراحة والاستجمام , اكتشف زوجها خيانتها , وطلقها ليتخلص من عارها الشنيع  , لكن اهلها هددوا بالقتل ,  وممكن استئجار قاتل بمئة دولار   , اضطر بعد التهديد الى المغادرة الى الاردن , بعد ما تلقى رشة من طلقات النار على بيته , في الاردن تزوج من  شقيقة صديقة الحميم ( سلافة ) . رجع الى بغداد لترتيب بيع البيت والسيارة والمتعلقات الاخرى , لكنه تعرض لعملية الاختطاف , وقد طلب الخاطفون منه ,  شراء بيت بنصف السعر  وهم يحددون قيمة المال , حتى يطلقوا سراحه , فوافق على المساومة في اعطى البيت لهم ,  لكن قبيل عملية الافراج عنه , تعرض منهم الى عملية اغتصاب جنسي بطريقة دنيئة ووحشية , شعر بالاحباط النفسي , بأن كرامته وانسانيته تحطمت بشكل شنيع , لا يمكن ان يتحملها عقله ووجدانه  , لذلك قام بمحاولة انتحار , في قطع شرايين يديه بالموس , لكن صديقه ( ياسر عبدالواحد ) تدارك الموقف وارساله الى المستشفى , نجى من محاولة الانتحار , لكنه ظل محطماً ومنهمشاً لا يقوى على تجرع الاهانة الشنيعة  , كأن حياته اصبحت بلا ثمن من العار  الذي اصابه , وبعد ايام من غيابه المفاجئ , وجدوا جثته في الطب العدلي , سالمة من اي خدش , وربما قام بمحاولة الانتحار الثانية . 

×× رواية ( قشور الباذنجان ) للروائي عبدالستار ناصر 

×× صدرت عام 2007 

×× اصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر 

×× 220 صفحة 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=90638
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 03 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18