• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أثر الخطاب الطائفي على المجاميع التطوعية الشبابية .
                          • الكاتب : مركز المستقبل للدراسات والبحوث .

أثر الخطاب الطائفي على المجاميع التطوعية الشبابية

 علي عبد الزهرة

  بعد عام 2003 طفت على السطح العديد من الصراعات والنزاعات الفئوية الطائفية، التي جعلت من المجتمع العراقي اكثر تفككا وتفرقا، الامر الذي نتج عنه اقتتالا طائفيا في عدد من المحافظات العراقية وعلى رأسها العاصمة بغداد، حيث يعاني الشباب فيها، من بطالة يرافقها فقر عوائلهم، انتجت فراغا كبيرا لديهم في الوقت والوعي، ما سهل ويسهل عملية تمرير المخططات التي تهدف الى زرع الفتنة الطائفية وحصد نتاجها بالاقتتال المسلح.

ومع ازدياد العمليات المسلحة المتوالية، وخاصة بعد سقوط محافظة نينوى على يد عصابات داعش الارهابية عام 2014، ارتفعت الاصوات السياسية الطائفية وباتت في يد جميع الشباب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بشكل رئيس فضلا عن وسائل الاعلام الاخرى، وبالتالي اصبح الشباب يتابعون بشكل مستمر خطابا سياسيا طائفيا يعزز فكرا دينيا منغلقا ومتشددا في بعض المدارس الدينية في المنطقة؛ موضوع البحث، بالاضافة الى الاسباب المذكورة انفا، تكوّنت لدينا بيئة خصبة لصناعة جيل متشدد طائفيا ويستخدم مفردات خطاب الكراهية اثناء تفكيره في الاخر.

جاء هذا التقرير البحثي نتيجة ورشة عمل عقدت في اربيل لمنظمة (PAX) الهولندية ومنظمة السلام والحرية العراقية، وهو يطرح سؤال بحثي يتمثل بـ (ما تأثير خطاب الكراهية/الطائفية على الفرق التطوعية الشبابية في بغداد)؟

 إعتمد التقرير على استخدام طريقة البحث النوعي من خلال إجراء مقابلات مباشرة مع عدد من شباب الفرق التطوعية في بغداد بالاضافة الى باحثين اجتماعيين ونفسيين، فضلا عن المسؤولين في الجهازين التنفيذي والتشريعي للدولة. وتم إجراء اغلب المقابلات خلال شهر كانون الأول لعام 2016.

كان مجتمع البحث، يتمثل في الشباب البغداديين الذين يعملون ضمن الفرق التطوعية، فيما كانت عينة البحث، عشوائية بلغ عددها (44) شابة وشاب من بغداد تتراوح اعمارهم بين (16 سنة) الى (25 سنة).

واخيراً، يفترض بالعمل هذا تشخيص الاسباب الرئيسة لانتشار الافكار الطائفية بين صفوف الشباب، ومن ثم محاولة وضع حلول ناجعة من اجل انقاذ الشباب من هذه الافة الخطيرة، واعادة التعايش السلمي بين مكونات المجتمع.

الطائفية مرض يفتك بالمجتمعات أهم أدواتها الشباب، وفي ذات الوقت علاجها الشباب أيضا، حيث ان منع وصول عدوى هذا المرض الخبيث سيجنبنا استمرار توسع الشرخ بين مكونات المجتمع العراقي عامة، والمجتمع البغدادي على وجه الخصوص، حتى نتمكن من معالجة ما أفرزته سنوات الفرقة الطائفية. والطائفية هي أبشع تطبيقات التمييز والنظرة الاستعلائية للأخر وتغييب المساواة، وتلك التي تحدثت المادة الأولى للإعلان العالمي لحقوق الإنسان عنها، وتعد أهم الحقوق المضمونة للفرد أياً كان جنسه أو لونه أو عقيدته، إذ تتمثل هذه الحقوق بالحرية والمساواة وصون الكرامة والتعامل فيما بينهم بروح الإخوة لتنظيم أمورهم بشكل سلمي، مبني على أساس الاحترام المتبادل، حيث نصت على: "يولد جميع الناس أحراراً متساوون في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء".

فالحرية، حق من الحقوق الطبيعية التي منحت للفرد تلقائياً منذ ولادته، بعيدا عن التمييز في الدين او اللون او المعتقد وحتى الرأي، وهي ملاصقة تماما لحقه في صون كرامته وضمان احترام حرياته، التي تعد اساس الحقوق الاخرى، وتقييدها يعد انتهاكا واضحا لأبسط الحقوق الطبيعية للفرد. كذلك المساواة تعد حجر الأساس في حقوق الإنسان بوصفه كائنا اجتماعيا يعيش في جماعة قد تختلف عناصرها العرقية أو الدينية أو اللغوية والسياسية، ثم هي بالطبع مختلفة جنسيا بين الرجال والنساء. فالمساواة تولد مع الإنسان ولا تكون حقا تتولى الحكومات منحه أو سحبه وإنما هي أصيلة أصالة الكرامة الإنسانية المتصلة بخلق الإنسان ذاته.

 وجاء ذكر الحرية والمساواة في آن واحد، اشارة ضمنية الى ضرورة ان يعي الفرد بأن هذين الحقين مهمان بالنسبة اليه كي يمارس حياته بشكل طبيعي ومن دون قيود او تمييز، كذلك فإن الاخرين لهم ذات الحقوق التي يتمتع بها، من مبدأ المساواة في الحقوق، أي ان حرية الفرد لا تعني التعدي على حريات الاخرين، فالكرامة حق مكفول للجميع بالتساوي من دون تمييز ايضا، وهنا يأتي التأكيد على ضرورة التعامل بين الافراد بروح التآخي والاحترام المتبادل.

 بيد ان الخطاب الذي طغى على الساحة، كما مذكور آنفاً، جاء عكس ما تسعى اليه الانسانية من ارساء دعائم المساواة وترسيخ مبادئ التعايش السلمي، انما أسس ذلك الخطاب الى توسيع الهوة بين مكونات المجتمع العراقي، من خلال صب الزيت على نار الغليان الطائفي الذي عاشته العاصمة بغداد، أبان الفترات الاخيرة، بل وعمد الى ترسيخ صور نمطية يتعامل معها العقل الجمعي لعامة الناس، بالخوف والتخوف من الاخر، ما ان يطرح اسمه او حتى المناطق التي عرفت بأغلبيته فيها، والعكس صحيح.

 وكذلك عمل على تحفيز جينات (الثأر والانتقام) من الآخر أنى وجده، او أنى سنحت له الفرصة، التي بات البعض يتحينها، الامر الذي جعل من الشباب البغدادي يقوم بـ(تزوير) بطاقات الاحوال المدنية لتكون لديه بطاقتين باسمين مختلفين كل واحد منهما يشير الى انتمائه لطائفة معينة او مكون آخر.

ومن هنا، بدأ انعدام الثقة بالآخر، وعدم الايمان بنواياه حتى وان كانت ايجابية وتسعى لفتح صفحة جديدة معه او تعزيز أواصر الاخوة بين الطرفين، فكان هذا السبب الرئيس، بحسب مختصين اجتماعيين، وراء انغلاق اغلب الفرق التطوعية الشبابية على انتماءاتها الدينية او المذهبية او حتى الاثنية. 

ومن خلال اللقاءات التي اجريت، يفضل ما نسبته (86.365%) من الشباب الانخراط في فرق تطوعية (تحمل ذات الرسالة في تقديم الخدمات لاهلنا)، اي فرق من ذات المكون الذي ينتمون اليه، ويعللون ذلك بـ(انه الطريق الأضمن لتحقيق اهدافنا، وايضا لا تذهب جهودنا في مهب الريح اذا ما قرر رئيس الفريق -اذا كان من مكون اخر– ان يحسب تلك الانجازات التي نقوم بها الى المكون الذي ينتمي اليه). 

ويفضل ما نسبته (56.4%) الانضمام الى فريق يرأسه او اغلب أعضاءه من مكون غير المكون الذي ينتمون اليه، بهدف (اثبات وحدة الشباب العراقي امام المجتمع المحلي اولا، ومن ثم المجتمع الدولي)، وكذلك يؤكدون مقدرتهم على حمل راية التعايش السلمي بين مكونات المجتمع العراقي، وهدم الهوة التي صنعتها إرادات خارجية هدفها تفتيت وحدتنا وافتراس ثروتنا بكل صنوفها وفروعها، وعلى رأسها ثروة التنوع المجتمعي، واشغالنا بالمناكفات والصراعات الداخلية فيما بيننا، بدل استثمار ثرواتنا البشرية والطبيعية الاخرى.

بينما لا يفرق، عند ما نسبته (9.08%)، انتماءات اعضاء الفريق التطوعي او رئيس ذلك الفريق، بل يكشفون عن اهتمامهم بـ(نوعية الخدمات التي يقدمها الفريق التطوعي، وسخاء اعضاءه بالوقت والجهد والخبرات، من اجل تحقيق الهدف الاسمى والغاية الاساس للعمل التطوعي، الا وهي تقديم الخدمة لمن يحتاجها، ومد يد العون لكل من نستطيع الوصول اليه)، لكنهم في ذات الوقت اكدوا على ضرورة ان تكون هناك روح من الاخوة بين اعضاء الفريق بعيدا عن التمييز العنصري او الطائفي او الاثني، ذلك ان المتطوعين لابد ان يكونوا مثالا يحتذي به افراد المجتمع الاخرين، فمن يجود بوقته وجهده، فانه يقوم بعمل مقدس، عليه الا يلوثه بنجاسة الطائفية والكراهية والتمييز.

توصيات ومقترحات

أ‌- توصيات الى السلطة التشريعية:

1- تشريع قانون تجريم الطائفية، للحد من انتشار خطاب الكراهية والطائفية في المجتمع والطبقة السياسية التي تؤثر سلبا على الشباب البغدادي والعراقي بشكل عام.

2- تشريع قانون حماية التنوع وعدم التمييز، من اجل تعريف ابناء الشعب العراقي بجميع شركائهم في الوطن (الارض والحقوق والواجبات) وازالة الحواجز التي عزلتهم عن بعضهم لدرجة جهلهم بالآخر، الذي بات مصد رعب لهم.

3- تشكيل لجنة لدعم النشاطات الشبابية التطوعية.

ب‌- توصيات الى السلطة التنفيذية:

1- دعم الفرق التطوعية الشبابية من خلال تفعيل المركز الوطني للعمل التطوعي بشكل اكثر جدية، وابعاده عن الولاءات الحزبية والطائفية الضيقة.

2- تفعيل دور برلمان الشباب، وابعاده عن المحاصصة الطائفية.

3- تبني برنامج توعوي ووطني لترسيخ مبادئ التعايش السلمي لدى الشباب العراقي، ونبذ الخطاب الطائفي.

4- تسهيل عمل الفرق التطوعية ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل على ملف ارساء السلام وتعزيز التعايش السلمي في المجتمع.

5- الضغط على مجلس النواب من اجل الاسراع في تشريع القوانين التي تحمي التنوع العراقي وتجرم الخطابات الطائفية.

ج‌- توصيات الى الفرق التطوعية ومنظمات المجتمع المدني:

1- التركيز اكثر على حملات التوعية التي تستهدف الشباب، في ملف احلال السلام والتعايش السلمي.

2- العمل على التشبيك فيما بين الفرق والمنظمات مختلفة الانتماءات، من اجل تعزيز الاواصر فيما بين الاعضاء، وكسر الجمود وحاجز الخوف من الاخر فيما بينهم.

3- رصد الخطابات التي تحرض ضد الاخر -أياً كان الاخر– والعمل على تفنيد هذه الخطابات.

4- اقامة فعاليات تحمل شعارات اكثر وطنية بعيدا عن الشعارات التقليدية او التي تعطي انطباعا عكسيا لما تهدف اليه.

5- زيادة الدعم لملف التعايش السلمي في العراق.

6- دعم وتمويل الفرق الشبابية ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل على نبذ الطائفية وبث روح التآخي في المجتمع.

7- الضغط على الدولة العراقية لتنفيذ التوصيات اعلاه.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=90776
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 03 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29