• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ليتني أُمٌّ لأُمِّي ..! .
                          • الكاتب : ريم نوفل .

ليتني أُمٌّ لأُمِّي ..!

كعادتي هذا المساء انعزلْتُ في غرفتي مع حاسوبي مُستغلّةً هدوء الليل و صفاء الذهن لأُباشرَ كتابة موضوعٍ جديد ..
نادتني والدتي ككُلِّ ليلةٍ "يا ريم .. تعالي يا ابنتي شاركينا السمر إشتقنا لأحاديثك و دعاباتك" لكنّي لم أَرُدّ مع أني سمعت اسمي جيداً ، لم أشأ قطع سلسلة أفكاري و في طبيعة الحال ستتفهّم والدتي كما أبي و أُختي فهُم إعتادوا على طقوسي المسائية .
بعد مرور 5 دقائق سمعتُ صوت خطواتٍ تقترب من غُرفتي ..
إنها أمي من جديد دخلت الغرفة و وقفت بجانبي ..
"انظري أُمّاه أنا أكتب مقالاً جديداً" قلت لها و تابعت كتابتي لتفهم أنّي منشغلة .
لكنّها إستمرّت بالتحديق في وجهي بنظراتٍ حنونةٍ مشتاقةٍ و كأنها لم ترَني منذُ أمدٍ بعيد ، أو كأنها تخشى فراقاً قريباً ..!
لا أُنكِر استغرابي لوهلة لكنّي قاطعته بالعودة إلى الحاسبة من جديد حتى لا يتشتت إنتباهي عمّا أكتبه.
و من دون إلتفات قلْتُ سأسهر معكم قليلاً ثم أنام بعد أن أُنهِي كتابة الموضوع .
" لا بأس عزيزتي .. أكملي واجبك ففيه خير لك و لمستقبلك " كانت تلك عبارتها التشجيعية في الظاهر لكن في خلجات صوتها كانت تقول تبحثين عن الخير بعيداً و هو يجلس بجانبك ؟! بصوت أشبه بترنيمة العتب ، لم تنطقها لكنّي سمعتها بقلبي .
خرجت والدتي من الغرفة و بقيتُ وحدي مع ذلك الإحساس الموحش بالوحدة لا أدري مصدره لكن بالتأكيد لعتاب والدتي الخفيّ علاقة قويّة به .
أحسستُ بثقلٍ في صدري و كأنّ الأُكسجين في الغرفة ما عاد يكفيني نهضتُ أهمُّ بالخروج إلى الشُرفة بخطواتٍ متثاقلة و عينين نصفُ مفتوحتين و كأنّه نعاسٌ مفاجئ بدأ يتسلل إليهما .
بصعوبةٍ جلست على كرسيٍّ عند النافذة ، أغمضتُ عينيّ ، لأستيقظَ بعد ساعاتٍ على صوتِ بكاء
و عويل ..
نهضْتُ بسرعة ، قصدت غرفة الجلوس كان الجميع هناك ( أمي ، أبي ، أختي و أقاربي )
جميعهم يبكون ..!
"ما بكم ما الذي حدث أجيبوني"
لكن أحداً لم يرد ..!
هرعت إلى أمي ركعت عند قدميها .. "أُمّاه .. أجيبيني  ماذا جرى ؟! "
لكنها لم تنظر إليّ و لم تشعر بوجودي حتى !
بدأ الخوف يعتريني أيعقل أنّها لا تراني ؟
بدأت أتلمّس جسدي لكنّ يداي إخترقت جسدي
حقاً ..!
لكنّي لم أمُتْ كيف أفهِمُهم ذلك ..!
يا رب .. ماذا فعلتُ بنفسي ؟!
كان نحيبهم يقتلني حقّاً ، لكنَّ صوتاً واحداً مزّق أوصالي ، كان صوت والدتي الباكية .
أعاد بي الزمن ساعات إلى الوراء ، إلى تلك الترنيمة المُعاتبة التي نطقتها بقلبها لا بلسانها و هي تشكو خوفها فراقي .
تلك اللحظة القاسية إعتصرَتْ كلَّ ما في جوفي من مشاعر .!
ربّاه .. أَعِدني إلى الحياة مرة واحدة فقط أرجوك ، أُريد أن أُكفّر عن ذلك التقصير ، أُريد أن أُخبِر قدّيستي المُربيّة أنّها أجمل نساء الكون كما كنْتُ أخبر عنها أصدقائي دائماً لكنّي بخلتُ دائماً في التعبير لها عن جمالها و صباها .
أُريدُ أن أَتلحَّفَ قلبها و أنامَ بين زراعيها كما لو أني طفلةٌ لن تكبر أبداً .
لا أُريدُ جَنّة الآخرة إلا من تحت قدميها ..
أرجوك ربّي أُريدُ أن أعتذر لها عن عدم النظر في عينيها عندما أتت إليّ معاتبةً و مشجّعة .
أُريدُ أن أُخبرها أنّها الخير .. كلُّ الخير في حياتي .
و في تلك اللحظة العصيبة من جلد الذات و الألم و التوسُّل .
سمعتُ ترنيمةً فيروزيّةً لطالما عشقتُها :
أُمّي يا ملاكي
يا حُبّيَ الباقي إلى الأبد
لا تزل يداكِ أُرجوحتي و لا أزل أَنَمْ
يرافقها صوت أُمّي بجانب سريري توقظني :
" صباح الخير يا ابنتي ، لقد حان الصباح .." !



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=90980
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 03 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20