• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : أدب الفتوى .
                    • الموضوع : أعانق الرأس الذبيح .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

أعانق الرأس الذبيح

 مازالت تحتل ذاكرتي بكل ما فيها من رمال وأودية وأشجار وفرات يستكين على ميسرة القرى، في كل يوم حين أضع رأسي فوق وسادتي، تلتف جمجمتي بذكراها، أدخلها.. أمشي بأرض الواقعة، أتفقد التلال، وأسمع كل شيء دار هناك يؤرقني صهيل خيولها وجلبة الأطفال عطاشى يلوذون بضمير الماء، وأرتاح كثيراً حين أتذكر مواقفهم الشجاعة وبسالتهم وأذوب دمعاً عند أطراف ليل، حين أسمع لهم دوياً ندياً بالتقى والأمل، عندها يغلبني النوم فتكون احلامي قد دخلت الواقعة، أطوف وسط جلبة الرجال شيبة وشباباً يعيشون لحظة المواجهة.
 استعر القتالُ، وأنا على مقربة منه صهيل خيل وصليل سيوف ورمال تثير غبرة تحجب الرؤيا، أركض صوب كل جهة لها منفذ، وإذا بي أراه مضمخاً بجراحه، ينزف التواريخ دماً في كل دهر وزمان.
 صاح عمر بن سعد: ويحك يا شمر.. انزل اليه حزّ رأسه ؛ ليكون وثيقة نصر وهوية أمة، هكذا سمعته يقول: لعنة الله عليه، والشمر يصيح:ـ مالك يا سنان بن انس، أراك ترعد، ويلك حزّ رأسه؛ كي نستريح من كل صوت حرّ أبيّ، وعلى مدى الأزمنة كلها، وأنا ارتعب من قساوة هذا المشهد، قررت أن أحتضن الرأس بروحي.. سيدي يا أبا عبد الله سلام الله عليك، هممت اليه وإذا بي أمام مشهد آخر، أمام وجوه أخرى ملثمة، تحمل بنادق متطورة وأعتدة، وتنصب المشانق ومنصات الموت، ومازالت الى اليوم تحز الرقاب بسيف لتثبت أنها وريثة سلف رديء.
 أتقرب إليه أعانق الرأس المعفر بالتراب، أحمله من الأرض، أغسله بدمع عيني، وأمسح الدم عن شيبه الوقور، أرفع رأسي الى السماء:ـ إلهي رأس من هذا المذبوح غدراً؟ وإذا بصوت خلفي لشاب يافع النبرات:ـ انه أبي، هو الشهيد حسين هادي راشد الهلالي العمر ستون عاماً، نحن من شطرة ذي قار من قضاء الغيرة والوداعة والجمال.. جاء إلى جبال حمرين ليطهرها من شراذم البغي، فهو يؤمن بأن كل بقاع العراق طف،  وإن جيوش ابن سعد غزت الدهور كلها، ففي كل جيل مقتل وطفوف.
 يقول الراوي وهو أحد أولاد الشهيد قتل ولداه في انفجار ارهابي، وهما يتوجهان لزيارة كربلاء عام 2006م وما إن سمع فتوى الدفاع المقدس حتى صار يسمع النداء ضميرا يجتاز به المعابر والمخارج والاحتمالات، توسلنا به نحن أولادك يا أبي، نكفيك شر القتال، لا نريد لشيبتك الوقورة أن تعفر بالدم والتراب.
 يجيبنا: أوتخشون على أبيكم أن يلتحق بركب سيد الشهداء، وهذا شرف لا يطاله إلا من رحمه الله تعالى بسكينة اليقين، فنبكي ساكتين دون أن نستطيع أن نثني قراره.. وأخيراً أرسلنا له ابن شيبته.. رجلاً وقوراً يدعى أبو علي، افترش الديوان حكمة ووقارا وإذا بالشهيد يقول له:ـ يا أبا علي، هل جئتني وسيطاً لتمنع عني سبيل الجهاد..؟ أخي قم معي، وكن زهير هذا الزمان، نزع الرجلان عقالهما، وارتدى خوذتي الحرب، وهم يهزجان: لبيك يا حسين.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=90999
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 03 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20