• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : وهل للشجاعة ذيل....!؟ .
                          • الكاتب : عبد الرزاق عوده الغالبي .

وهل للشجاعة ذيل....!؟

 يزعجني عقلي كثيراً، لدرجة أني أتمنى التخلّص من هذا الرأس المزعج ، تتصارع فوق حلباته أفكار مستهترة، تسخر مني و تضحك بصوت مفضوح، مدن وبلدان وصحار قفار، بحار ومحيطات، أشرعة تتمزق، سفنٌ ترسو وتغرق ، شوارع وأزقّة وتناقضات، هوس وحروب، جمال وقبح، خير و شر، دنيا ، حدودها جبروت ،  أفضل ما في الأمر، أشعر أني إنسان سجين داخل هذا الصندوق الأشيب، محيطات من إفك، عوالم وصراعات، عجائب وغرائب ملساء، خيط يفصل بين التعقل والجنون، يطارد الخير، الشر، قط وفأر، والقباحة ، الجمال ، والقوة، الضعف، تمسك المقارباتِ مقودُ الديمومة لتسخير استمرارية الوجود، ما بقيَ لي منه، نفخةٌ من رماد، أقسم أني أكبرُ حاسدِ للحيوان، فهو مرتاح، منحسرعن التفكير، والشجر ثابت يغفو تحت ظلاله الخيرَ، فالحركة ترخي سدولها عند بوابات مدن الضمير، و تحمل المخلوق على الإتيان بالأفك....
 
سعفُ نخلتنا مبهر ، يحدثني بهموم الظلم، وأنا ارتشف قدح الشاي، أنشر نفحات الحياة فوق سعفاتها بنثر من مزن خفيف، تتحرّش بأنفي نسمات ربيعية مارقة، تنثّ علينا بخبث من برد لذيذ، يعطّر الجو برائحة التراب، حين يعانقه الماء، فينتشر العبق جميلاً ليداعب الأنوف، عبق التراب، خلقنا منه، وإليه نعود،  يحنّ إلينا ويدعونا، سماداً للقادمين،  رائحته الزكية تزهر أنوفنا فرحاً، فنحن لحم و دم و تراب، هو أصلنا، ننبت فيه أشجاراً، غصونها أذرع تنهش، و أسنان تلوك... تفكيري المزعج هذا، يتطوّح نحو الشارع، من خلف سياج يحرس شارعنا المقهور، فتمسّ مسامعي شفاه الهامس، و سماع بنات الأفواه الطائرة بوضوح، استدرجني صوت مواء، صدمتني! شوارب وذقن ووجه محفوف بخيط الأنثى ، وبوشم فوق ذراع مكشوف، اتجه هذا المشهد سريعاً، يتحدّى صندوق العقل الأسود، ويشير نحوي بأصبع من فولاذ، من خلف جدران ذاكرتي لحكاية وشم، مرّ فيها بشكل عفوي، وصاح بصوت حانق :
 
- "اسمع يا هذا....!؟"
 
مدعّ بالشجاعة كصاحبنا،  ذهب لوشّام ، وطلب أن يرسم له وشم أسد، فوق الصدر، يظن أنّه بالوشم يغدو  شبيهاً لليث، طلب منه الوشّام أن  يتسطّح بعموم جسده، فوق بساط الوشم، بدأ الوشّام العمل، يرسم رأس الليث فوق الصدر، أخذ الألم منه منالاً، من أول وخزة من إبر الوشم، احتلّ الوجع عموم الصّدر، فسأل الرجلُ الوشّامَ :
 
 
-" من أين بدأت ، يا أخي...؟"
 
رد الوشّام :
 
         -" أحاول أن استهل عملي برأس الليث، يا سيدي ...!"
 
قال الرجل بمواء موجوع، وهو يتأفف من شدة الألم:
 
     -" ارسم  ليثاً، من غير الرأس، يبدو أن الرأس مؤلم جداً....!"
 
تعجب الوشّام ببادئ الأمر، لكنه نفّذ أمر زبونه، مخاطباً نفسه:"الزبون دوماً على حق" ، وعاد الوشام يعمل من جديد ، فاستوقفه الرجل عند أول وخزة ، مستوضحاً:
 
     -" أين تعمل الآن ، يا أخي ....!؟"
 
ردّ الوشام بعجلة و حيرة :
 
      -" بأرجل الليث الأربعة ...!"
 
قال الرجل، وهو يتأفف من ألم أول وخزة :
 
      -" ارسم ليثاً، من غير رأس وأرجل، من فضلك....!"
 
ابتسم الوشام،  وصمت قليلاً، ونفّذ الأمر، وبدأ يعمل، الوخزة الأولى، عدّت بخير، والثانية أيضاً، وعند الثالثة، لم يتحمّل الرجل وخز إبر الوشم، وصاح بغضب، متسائلاً:
 
       -" أين تعمل الآن ، يا أخي الوشام العزيز ....!؟"
 
رد الوشام ضاحكاً :
 
        -" إني الآن، أعمل في جسد الليث، الذي يشبه جسدك تماماً ....!"
 
 
 
 
يريد الوشام بذلك استنهاض شجاعة الزبون، حتى يكمل عمله فهو إلى الآن لم يفعل شيئاً.... فقال الرجل، وهو يتأفف من الألم، ويكاد يبكي :
 
       -" أرجوك ...ارسم أسداً من غير رأس وجسد وأرجل ....!!؟"
 
ضحك الوشام وقال :
 
        -" لم يبقَ ، سوى الذيل ....!!؟"
 
رد الرجل بمواء مؤلم  :
 
      -"  أظنّك وشاماً ذكياً، ارسم يا أخي ، ذيلاً فقط، وليس كل الذيل، 
          طرفه فقط، إن سألوني عنه، أقول: خاف الأسد مني واختبأ تحت           
          قميصي....وهذا ذيله.....هل أنتم عميان.....؟ 
 
         تناصّ كلام هذا المخنث ‘ بعقال أبي ، كان يفرد مسماراً خاصاً يعلقه فيه ، أمام أعيننا الصغيرة ، يتقصّد أن يكون مرئياً للكل، وتأتي الشكوى من والدتي، يكون هذا السلاح فعالاً، يقوم بواجبه على أكمل وجه، و بشكل جدّي قطعياً ، حين  يطلق والدي جملته المخيفة في إطلاق سلاحه النووي، كإطلاق مخرج عصبي استهلال التصوير لمشهدٍ في ساحات حرب ضروس ، بعبارة المشهورة ( ستاند باي، أكشن) ، ولا أظن أن تلك العبارة  توازي مستوى عبارة أبي حينما يغضب منا و يطلقها بعصبية ( جيبو العقال ) ....
 
       عند تلك العبارة، تسكب العبارات، ويتوقف الزمن، ينقطع الصوت وتخمد الحركة، وينتشر الهدوء والسكينة، فيسمع صوت رنين الإبرة، إن وقعت على الأرض، أو صوت نملة تنادي زميلتها في الضفة الثانية من نهر الفرات، ويهدأ البيت تماماً، والكل يندلق كراتٍ من زجاج في كل الاتجاهات، منهم نحو فراشه، والآخر نحو واجبه المدرسي، الذي أهمله طوال النهار، لإكماله بعد نطق تلك العبارة، حتى اعتقدت- وأنا ابن السابعة- أن الكون يهدمه عقال أبي، والغريب أنني لم أشاهده يوماً، يستخدم تلك التقنية بشكل فعلي .... وكبرت تربوياً، أدركت أن الهيبة والوقار، أشد تأثيراً من العقاب البدني، وكانت استراتيجيتي في عملي التربوي... و تمنيت اليوم أن تحيا تلك الاستراتيجية، بشكل فعلي ليعمل سلاح أبي فوق ظهر هذا المخنث، ليعود ذكراً ..... 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=91203
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 03 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29