العالم في تقدم مستمر بالتطور العمراني والصحي وغيره ، وكثير من أنصار الحداثة يعيبون علوم أصحاب الدين لإلتزامهم بالتراث القديم حسب ما يدعون .
لكن أصحاب الحداثة والتي تعني التقدم المستمر قد تشكلت لديهم ضبابية في فهم هذا المصطلح، وخلط للمفاهيم ! خُلط ، إما أن يكون متعمدا ومقصودا ، أو قام المتلقي الشرقي بإستقباله بشكل غير صحيح .
عندما اعتبروا ان التقدم المستمر إنما يتوجب على التغيير والتبديل فقط ، لمجرد أنه قديم ..!
لكن قوانين نيوتن في القرن التاسع عشر ما زالت لحد هذه اللحظة محل تدريس ودراسة ، وآراء بن رشد وبن سينا والحلاج تدرس في الفلسفة والتصوف ، وهي لحد هذا اليوم محل جدل لفهم ما يقولون ، وتبنى الكثير لآرائهم ، لكنهم لا بالقولون بقدمها ووجوب تبديلها وتغييرها ، ولم نسمع أن هناك من يطالب بتغيير ما يقولون من آراء فلسفية بداعي التقدم المستمر (الحداثة) .
من جانب آخر نرى الاعتراض فقط على البقاء في الافكار الدينية ، واعتبارها أفكار تخلفية لا تنفع البشرية على عكس غيرها ، هذا الخلط لوحده يعطيك علامات استفهام تعرف الهدف من هذا الاندفاع في تطبيق الحداثة بمفهومها المخادع على اصحاب الدين فقط .
فالحداثة بمفهومها الصحيح تعني التقدم المستمر بدون أن تحدد نوعية هذا التقدم ، ومن دون أن تركز على قوانين وحدود هذا التقدم ، فلماذا تحدوها وتعطون مقاسها على الدين فقط ياترى ..!؟
أما التقدم المستمر في الدين فهل هو متحقق أم لا ..؟
هنا يقسم الكلام على قسمين ، قسم ثابت ولا يمكن ولا يحق لأحد بالتغيير في مضامينها ومحتوياتها ، والتي تتمثل في قول (حلال محمد حلال الى يوم القيامو ، وحرامه حرام الى يوم القيامة ) ، وطبعا هذا الكلام يُطبق على من يؤمن بصدق أقوال خاتم الانبياء وصدق دعواه التي لا تكون للآخرين الخيرة من أمرهم في وجود كلامه المبارك ، أما المشكك والغير مؤمن لا نقاش لنا معه .
والقسم الثاني الذي يجعل من الدين وأحكامه كما هو الحال في علم الهندسة والعمران ، وكما في تطور التفكير المدرسي وطرق التعليم في المدارس ، فهذه هي المشكلة الحقيقية في فهم المعادلة ، واللبس الذي يخدعون به كثير من الناس ، فهم يريدوا أن يفرضوا ما يؤمنوا به على معارضيهم لا أكثر ، لذلك قالوا إن الدين يحتاج الى حداثة بمفهومها الخاطأ.
ومع كل هذا فالفكر الاسلامي المتمثل بشيعة علي بن ابي طالب قد عملوا بهذا عندما احتاج الأمر الى التحديث بصورته الصحيحة والمتمثلة بالتعامل مع الضروف والحالات المعاصرة لكل مرحلة معينة ، وهذا ما يطلق عليه بالإجتهاد الذي يعطي المساحة للفقيه بإعطاء رأيه الذي يتوصل اليه من خلال الاستنباط الشرعي من مداراته المقررة .
… .
سنتكلم لاحقا عن علاقة الدين بكل متطلبات الحياة الحديث والقديمة . |